Page 60 - AlNashra Year 2024 Issue 04
P. 60

‫نسجد لصليبﻚ أ ّيﻬا اﻹلﻪ المتج ّسد ومح ّب البشر‬

‫‪ +‬الأسقف تيودور الﻐندور *‬

‫شبه البشر" (فيلبّي ‪ .)7 :2‬لم يَحي َى المسيح لنفسه‪،‬‬       ‫اّل ش ّك بأ ّن ال ّصليب‪ ،‬في المسيحيّة‪ ،‬هو أحد أعمدة‬
‫بل عاش ليخدم الآخرين ويض ّحي بنفسه من‬                        ‫الإيمان الأساسيّة‪ ،‬فهو رمز الفداء والتضحية‬
‫أجل خاًلصهم‪ .‬هذه التضحية الكبرى هي‬                             ‫والمحبّة العظيمة التي أظهرها الله للعالم‬
                                                                          ‫بواسطة تج ّسد ابنه الحبيب‪.‬‬
‫التي تجعلنا نسجد لصليبه‪ ،‬معترفين‬                                        ‫الصليب‪ ،‬في المسيحيّة‪ ،‬ليس‬
                                                                        ‫مج ّرد أداة تعذيب وحسب‪،‬‬
     ‫بعظمة مح ّبته وفدائه‪.‬‬                                              ‫بل هو أسمى من ذلك بكثير‪،‬‬
‫يقول القديس أثناسيوس‬
                                                                     ‫هو رمز للفداء والتضحية‪ .‬فعندما‬
‫الرسول ّي في كتابه "تج ّسد‬
‫الكلمة"‪" :‬لقد صار الكلمة إنسانًا‬                                 ‫نتأ ّمل فيه‪ ،‬نحن نرى تجسيد محبّة الله‬
‫لكي يُم ِك َننا‪ ،‬نحن البش َر‪ ،‬أن نصير أبناء‬                     ‫التي اّل تُقاس‪ ،‬إذ بذل ابنه الوحيد لخاًلص‬
‫الله"‪ .‬إ ّن هذا القول يوضح كيف أن تجسد‬

‫المسيح كان عماًلً إلهيًّا لتحقيق الفداء‬                  ‫البشريّة‪ .‬يقول الرسول بولس "إ ّن المسيح‬

‫وجعل البشر شركاء في الطبيعة الإلهيّة‪ .‬كما‬                ‫افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة‬

‫ونسمع القديس كيرلّس الكبير يوضح قائاًلً‪" :‬لقد‬            ‫لأجلنا" (غاًلطية ‪ .)13 :3‬بهذا العمل الفدائ ّي‬

‫أصبح الصليب عاًلمة اّلنتصار الحياة على الموت صار المسيح واح ًدا م ّنا ليحمل ع ّنا خطايانا ويمنحنا الب ّر‬

‫والخاًلص"‪ .‬يع ّبر ذلك عن حقيقة أ ّن المسيح لم يَحي َى‬    ‫والمحبّة على الكراهية‪.‬‬

‫التج ّسد هو أحد أسرار الإيمان المسيح ّي العميقة‪ ،‬حيث لنفسه‪ ،‬بل جاء ليحمل عن البشريّة عبء الخطايا‬

                   ‫يؤمن المسيحيون بأ ّن ابن الله تج ّسد ليكون الله معنا ويفتح لها طريق الخاًلص‪.‬‬

‫ويشاركنا في حياتنا وآاّلمنا‪ .‬في إنجيل يوح ّنا نرى أ ّن‪ :‬أراد الرومان واليهود تحقير المسيح‪ ،‬ولك ّنه كان يترقّ ُب‬

‫"الكلمة صار جسداً وح ّل بيننا" (يوح ّنا ‪ .)14:1‬تج ُّس ُد ذلك اليوم‪ ،‬واختار أن يدبِّ َر خاًلص العالم‪ ،‬وأن يموت‬

‫المسيح لم يكن مج ّر َد حدث تاريخ ّي‪ ،‬بل هو فع ٌل إله ٌّي بين لصين؛ لأنه أﺗﻰ من أجل الضعفاء والمه َّمشين وهو‬

‫يع ّبر عن رغبة الله في ااِّلقتراب من الإنسان وإعادته الى مح ّب البشر‪ .‬تج ّسد من أجل الضائع والفاشل والزاني‬

‫والزانية والقاتل والمج ِّدف والمرائي‪ ،‬لتحويلهم‪ ،‬بالتوبة‬  ‫الحياة الأبديّة‪.‬‬

‫إ ّن تج ّسد المسيح وحياته على الأرض كانا مثااًّل ح ًّيا عن طريق الضاًلل‪ ،‬إلى سلوك طريق الح ّق والحياة‪.‬‬

‫للتضحية والعطاء‪ .‬يقول بولس الرسول في رسالته إلى وقد كتب ال ّقديس يوح ّنا الذهب ّي الفم‪" :‬الصليب هو‬

‫أهل فيلبّي‪" :‬لك ّنه أخلى ذاته‪ ،‬آخذاً صورة عبد‪ ،‬صائراً في فخر المسيحيّين‪ ،‬هو ق ّوة الله وحكمته"‪ .‬هذا القول‬

                                                         ‫* أسقف أﻓاميا والمعتمد البطريرك ّي في الريو دي جانيرو‬

‫‪59 Issue 4 - 2024‬‬
   55   56   57   58   59   60   61   62   63   64   65