Page 9 - AlNashra issue 2 - 2023
P. 9

‫بل نُج ّددها لمتابعة المسيرة إلى نهايتها‪ ،‬وبال َّزخم نفسه هي مريم المصريّة‪ ،‬فنا َولَها جسد الر ّب و َد َمه إِذ كان كاه ًنا‪،‬‬

‫و َو َعدها بأنّه سيعود إليها في العام القادم ليناولها‪ .‬وفي‬        ‫الذي ابتدأناها به‪.‬‬

‫في الأحد ال ّرابع نُقيم تذكا ًرا للق ّديس يوح ّنا ال ُّسلَّم ّي‪ .‬العام القادم عاد إليها وفا ًء منه بوعده‪ ،‬إ ّل أنّه َو َجدها‬
‫وقد ُدعي هذا الق ّديس بال ُّسلّم ّي نسب ًة إلى كتابه ال ّشهير َميتَ ًة‪َ .‬ص ّل عليها صلاة الج ّناز و َدفَنها‪ .‬تلك هي‪ ،‬باختصار‪،‬‬
‫«ال ُّسلَّم إلى اللّه»‪َ .‬وضع الق ّديس كتابه هذا في سينا َء بمص َر سيرة مريم المصريّة‪ .‬أ ّما نحن فما يَه ّمنا من سيرتها أنّها‬
‫حيث عاش‪ ،‬وفيه تَ َكلَّم على الفضائل‪ ،‬ذلك بأ ّن ال َّصوم صارت مثالاً للتوبة وصارت‪ ،‬بفعل توبتها‪ ،‬مثال ًا للقداسة‬

                              ‫ميدا ٌن للجهادات الروح ّية واكتساب الفضائل؛ وقد َر َسم والعيش مع اللّه‪.‬‬

‫هذه الفضائل على شاكلة ُسلَّم نرتقيها درج ًة َد َرجة فنبلغ‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬من ك ّل الآحاد التي َع َرضنا لها‪ ،‬سوا ٌء أكانت تلك التي‬

‫تُهيِّئ لل َّصوم أو آحاد ال ّصوم نفسها‪ ،‬وما تَز َخر به من معا ٍن‬  ‫في ذروتها‪ ،‬إلى ملكوت ال َّسموات‪.‬‬

‫في الأحد الخامس من ال َّصوم نذكر الق ّديسة مريم المصريّة‪ .‬و ِع َب وأُمثولات‪ ،‬نستنتج أ ّن ال َّصوم مسير ٌة نُورانيّة‪ ،‬قيام ّية‪،‬‬
‫إنّها‪ ،‬كما تد ُّل نسبتها‪ ،‬من مصر‪ .‬هي صبيّة عاشت صباها فيها نتذكّر أ ّن ك ّل شيء هو للّه‪ ،‬فنسعى إلى أن نتق ّدس‬
‫في ال ُعهر وال ِّزنى والفسق‪َ .‬ح َص َل‪ ،‬م ّر ًة‪ ،‬أن سافرت من ونُق ِّدس ك ّل شيء حولنا‪ .‬ويُع ّزز هذا ال ِاستنتا َج عندي ما‬
‫الإسكندريّة إلى القدس مع ال ُح ّجاج ال ّذاهبين إلى هناك نُصلّيه في ال َّصوم أو في فترة التهيئة لل َّصوم‪ .‬ففي َس َحر أحد‬
‫ليح ّجوا في الأماكن المق ّدسة‪ .‬طب ًعا‪ ،‬هي لم تُسافر طل ًبا مرفع الجبن نُص ّل‪« :‬إ ّن آد َم‪ ،‬لمّا تناول من الأكل ك ُمخال ٍف‪،‬‬
‫للح ّج‪ ،‬إ ّنا لتمارس فسقها وعهرها هناك‪ .‬لمّا َو َصلَت إلى طُ ِرد من الفردوس؛ وأ ّما موسى‪ ،‬فل ّم نَ ّقى َح َدقَتي نفسه‬
‫كنيسة القيامة حاولت أن تدخل‪ ،‬فلم تَقدر‪ .‬شعرت أ ّن بال ّصيام‪ ،‬استح ّق أن يعاين اللّه‪ .‬فيا أيّها التائقون إلى‬

‫ثمَّ َة ق ّو ًة تمنعها من ال ّدخول‪ .‬فعادت إلى نفسها وتَ َذ ّكرت ُسك َنى الفردوس‪ ،‬هلُ ّموا نبتع ُد عن الطّعام غير ال ّنافع؛ ويا‬
‫خطاياها‪ ،‬وق َّررت‪ ،‬من هناك‪ ،‬أن تتوب وتُغ ّي حياتها أيّها ال ّراغبون في معاينة اللّه‪ ،‬هلُ ّموا نصو ُم الأربع عشرات‬
‫كُلِّ ًيّا وجذريًّا‪ .‬فتركت العالم وحياتها الماضية‪ ،‬وقصدت المُو َسويّة‪ ،‬وبمواظبتنا على ال ّصلوات وال ِابتهالات ب ُخلُوص‬
‫ب ّريّة الأُر ُد ّن في فلسطين حيث قضت بقيّ َة حياتها كلَّها‪ .‬نيّة‪ ،‬نُخ ِم ُد أهواء ال َّنفس وننز ُع أدران الجسد‪ ،‬فنرتقي‪،‬‬
‫وبقيت مريم مجهول ًة إلى أن كشف اللّه لها راه ًبا اس ُم ُه بخ ّف ٍة‪ ،‬نحو المل ِك ال ُعلو ّي حيث َمصا ُّف الملائكة يسبّحون‪،‬‬
‫ُزوسيماس‪ .‬فقد كان من عادة ال ّرهبان أن يتركوا أديرتهم بأصوا ٍت لا تَف ُت‪ ،‬الثّالو َث غي َر المُنق ِسم‪ ،‬وننظر الجما َل‬
‫في ال َّصوم‪ ،‬ويذهبوا إلى ال ّصحراء طلبًا للعزلة ولمزيد من ال ّس ّيد َّي الفائ َق البَهاء‪ .‬فيا ابن اللّه المُعط َي الحياة أَ ِّهلنا‪،‬‬
‫الهدوء‪ .‬وكان زوسيماس هذا واح ًدا منهم‪ ،‬ف َص َدف له أَ ِن نحن المتّكلين عليك‪ ،‬أن نتباشر هناك مع أجناد الملائكة‪،‬‬
‫التقى بمريم هذه‪ .‬قالت له‪« :‬لا تقترب م ّني‪ ،‬فأنا امرأة»؛ بشفاعات الأُ ّم والدتِك أيّها المسيح‪ ،‬وال ُّرس ِل وجميع‬
‫وكان قد مضى على وجودها في الب ّريّة أربعون سن ًة وثيابها الق ّديسين»‪ .‬إ ّن التراتيل والعبادات في كنيستنا الأرثوذكسيّة‪،‬‬
‫َرثّ ٌة ُمهترئة‪ ،‬فخلَع عليها ُج ّبته لتَستَ ِت بها‪ .‬ث ّم ع َرف أنّها بصيغتها اللّيتورج ّية البيزنطيّة‪ ،‬ذا ُت بُعد َعقيد ّي تعليم ّي‪.‬‬

                                                                  ‫‪8‬‬
   4   5   6   7   8   9   10   11   12   13   14