Page 10 - AlNashra issue 2 - 2023
P. 10

‫‪9 Issue 2 - 2023‬‬

‫ففي القطعة التي أَوردناها مثالاً‪ ،‬نلاحظ المقارنة التعليم ّية نور‪ ،‬ومن أجل هذا سنستم ّر سائرين في ال ّنور طاع ًة م ّنا‬
‫التي يعقدها فيها ناظمها آد َم الذي‪ ،‬بأكله من العود‪ ،‬للّذي قال‪ ...« :‬فسيروا ما دام لكم ال ّنور‪َ ،‬مخافة أن يُدر َك ُكم‬
‫خالف وصيّة اللّه‪ ،‬وموسى الذي‪ ،‬بال ّصيام‪ ،‬نَ َّقى َح َدقتي الظّلام» (يو ‪ .)35:12‬أَ َجل‪ ،‬سنستم ّر سائرين في ال ّنور‪ ،‬لأنّنا‪،‬‬
‫ذهنه فاستح ّق معاينة اللّه‪ .‬كما تستوقفنا ال ّصفتان اللّتان نحن أي ًضا‪ ،‬أَحبَبْنا الذي أَ َحبّنا فاشترانا بدمه الكريم على‬
‫يسبهما إلينا حيث ينعتنا بـ «التائقين إلى ُسكنى الفردوس» ال ّصليب‪ .‬وكيف يُع ّب أحدنا عن ح ّبه للمصلوب ما لم يَ ِص‬
‫و «ال ّراغبين في معاينة اللّه»‪ .‬فمن هاتين ال ّص َفتين نتعلّم هو على شاكلته‪ ،‬أي مسي ًحا آ َخ َر يسلك در َب ُجلجلته‬
‫أنّه لا يكفي المؤم َن أن يكون «آدم ًّيا» – كما يقولون – أي المؤ ّديَ َة إلى ال ّصليب‪ ،‬المفتو ِح‪ ،‬بدوره‪ ،‬على نُور القيامة؟‬
‫َح َسن ال ّسلوك وخلُوقًا‪ .‬فأن تكون مسيحيًّا أكثرُ بكثير‪ ،‬بل أَليس هكذا كان المسيح؟ بل أَليس هكذا هو‪ ،‬وأنا إليه‬

                                    ‫وأعم ُق بكثير من مج ّرد أن تكون ذا أخلاق حميدة‪ .‬هذه‪ ،‬أنتسب؟‬
‫لا ش ّك‪ ،‬ها ّمة وضروريّة‪ ،‬لك ّنها لا تكفي‪ .‬يجب أن يُك ّملها تحضرني‪ ،‬في هذا ال ّسياق‪ ،‬ق ّص ٌة يونان ّية أقر ُب إلى الأمثولة‪.‬‬
‫التَّو ُق إلى ُسكنى الفردوس وال ّرغب ُة في معاينة اللّه‪ .‬وهذان تقول الق ّصة إ ّن َملِ ًكا زار‪ ،‬م ّر ًة‪ ،‬ال ِامبراطور الرومان ّي في روما‪.‬‬
‫التَّوق وال ّرغبة يستدعيان – كما تقول الترنيمة – المواظب َة استحسن الاِمبراطور أن يصطحب ضيفه إلى مدينة روما‬
‫على ال ّصلاة والاِبتها ِل بعزم طاهر‪ ،‬لإخماد أهواء ال َّنفس لزيارتها‪ ،‬وليزور فيها‪ ،‬بصورة خا ّصة‪ ،‬المعبد الرومان ّي‪ .‬فل ّم‬
‫وطرد الآلام الجسديّة‪ ،‬بُغية ال ِارتقاء‪ ،‬بخ ّفة‪ ،‬نحو الملك َوصلا إلى المعبد جعلا يجولان فيه‪ ،‬والاِمبراطور يع ّرف‬
‫ال ُعلو ّي حيث جماهي ُر الملائكة يسبّحون الثالوث الق ّدوس‪ .‬ضيفه بالآله ِة المنصوب ِة تماثيلُها فيه‪ :‬هذا إله ال ّشمس‪،‬‬
‫كذلك في َس َحر أحد مرفع الجبن نص ّل‪« :‬قد وافى ال ّزمان وهذا آله القمر‪ ،‬وهذا الإله بَعل‪ ،‬وهذا الإله ديونيسوس‪،‬‬
‫الذي هو بَد ُء الجهادات ال ّروح ّية‪ ،‬وال َغلَب ُة على ال ّشياطين‪ ،‬وهذا الإله سيبال‪ ...‬إلخ‪ .‬فل ّم فَ َرغا من استعراض تماثيل‬
‫وال ّسلا ُح الكامل لل ِامساك‪ ،‬جما ُل الملائكة وال ّدالّة لدى اللّه‪ ،‬الآلهة سأل المل ُك ال ّضي ُف ُمضي َفه الإمبراطور‪« :‬يا صاحب‬
‫لأ ْن به صار ُمو َس للخالق ُمناجيًا‪ ،‬واقتبل في ِمس َم ِعه َصوتًا الجلالة‪ ،‬لقد رأي ُت عندكم‪ ،‬في هذا المعبد‪ ،‬تماثي َل تعود‬
‫بحا ٍل غيرِ منظورة‪ .‬فيا ر ُّب أَ ِّهلنا بها أن نسجد لآلامك لجميع الآلهة الموجودة في العالم؛ إل ّا الإل َه الجدي َد الذي‬
‫وقيامتك المق ّدسة‪ ،‬بما أنّك ُمح ٌّب للبشر»‪ .‬أي ًضا في هذه نَسمع عنه ويُقال ِإنّه المسيح (إذ كان الإيمان المسيح ّي ق ِد‬
‫القطعة يربط المرنّم ال َّصوم‪ ،‬مباشر ًة‪ ،‬بالقيامة‪ .‬كيف لا‪ ،‬انتشر‪ ،‬يو َمها‪ ،‬في أرجاء الاِمبراطوريّة) لم أ َر لَه تمثالاً‪ .‬فنظر‬
‫وهذا هو ال َّصوم أسا ًسا؟ إنّه الإحساس عمي ًقا بأ ّن ال ّر ّب إليه ال ِامبراطور ضاح ًكا وقال له‪« :‬يا صاحبي‪ ،‬هذا ق ّصتُه‬
‫أح ّبنا ح ًبّا عظي ًم إلى درجة أنّه مات من أجلنا ُمعلّ ًقا على غريبة؛ فطالَما هذه الآله ُة موجود ٌة هنا‪ ،‬هو لا يقبل أن‬
‫ال ّصليب الذي‪ ،‬بعدما كان رم ًزا للعار وأدا ًة للَّعنة – «‪ ...‬يكون بينها‪ .‬يَجب أن تَخرج جمي ُعها خار ًجا ليدخل هو‪،‬‬
‫فقد ُكتب‪« :‬معلون ك ُّل َمن ُعلِّق على خشبة» (غلا ‪ )13:3‬ويكو َن َوح َده في المعبد‪ ،‬وإ ّل لن يَد ُخل»‪ .‬هكذا قل ُب ك ّل‬
‫– صار‪ ،‬بالذي ُعلّق عليه ومات وقام من بين الأموات‪ ،‬رم ًزا واحد م ّنا‪ :‬فإ ّما نجعلُه عر ًشا للس ّيد الذي يقول‪« :‬أنا هو‬

                                             ‫للخلاص‪ .‬من أجل ذلك قُلنا – ونقول – إ ّن ال َّصوم مسيرة‬
   5   6   7   8   9   10   11   12   13   14   15