Page 50 - AlNashra Year 2024 Issue 03
P. 50

‫الوقت ذاته أردناها داخل المدينة وممت ّد ًة إلى سائر‬                        ‫الإنسان وحسن سير حياته‪.‬‬
‫الطوائف والمك ِّونات والبلدان‪ .‬أردناها متع ّمق ًة في‬
‫الأصول الشرق ّية وفي الدراسات العربيّة‪ .‬أردناها حوا ًرا‬  ‫لقد تح ّسست كنيسة أنطاكية أه ّميّة العمل ّية‬
‫حضاريًّا مع الإسلام والمسلمين؛ وأردناها غير متغ ّرب ٍة‬   ‫التربويّة في هذا البلد‪ ،‬فكانت المدار ُس الآس ّي ُة في‬
‫عن عال ٍم عرب ٍّي نعيش فيه‪ .‬أردناها عي ًنا على الفلسفة‬   ‫دمشق الذائع ُة ال ّشهرة‪ ،‬وكانت المدرس ُة الغ ّسان ّية‬
‫والتاريخ والجغرافية وعلى سائر الآداب والعلوم‬             ‫في حمص الغنيّة عن التعريف‪ .‬لقد تفيّأت مدارسها‬
                                                         ‫بب ّوابات الأديار واستظلّت قب َب الكنائس وض ّمت‬
‫الأخرى التي لا تق ّل شأنًا عن العلوم التطبيق ّية‪ .‬لا‬     ‫الطاّلب من ك ّل الأطياف‪ .‬فأُن ِشئَ ِت المدارس في الأديار‬
‫بل اعتبرنا‪ ،‬ولا زلنا نعتبر‪ ،‬أ ّن هذه‪ ،‬أي الأدب والشعر‬    ‫ومثالها مدرسة دير الق ّديس جاورجيوس الحميراء‬
‫والفلسفة والاّلهوت‪ ،‬هي عماد روح الجامعة وقوام‬            ‫ومدرسة دير س ّيدة البلمند وغيرها الكثير‪ .‬كيف لا‬
                                                         ‫ومن هذه البلاد خرج الحرف إلى المعمورة! كيف لا‬
 ‫فلسفة وجودها والمح ِّدد الأ ّول ل ُهويّتها ولرسالتها‪.‬‬
                                                         ‫ومن الشرق‪ ،‬كما تقول المقولة اللاتين ّية‪ ،‬خرج النور‬
‫فإذا أردنا التوقّف عند دور هذه الكنيسة الأنطاك ّية‬                                     ‫إلى الدنيا!‬
‫في مجتمعها ومحيطها‪ ،‬وحتّى من الناحية الوطن ّية‪،‬‬
‫فإ ّن الكلام يطول‪ .‬لذا سنكتفي بذكر بعض الأمور في‬         ‫لقد تح ّسست كنيسة أنطاكية أه ّم ّية التعليم‬
‫العصر الحديث‪ .‬لقد عرفت كنيسة أنطاكية الأَعلام‬            ‫الجامع ّي فكانت جامع ُة البلمند‪ .‬وفي وق ٍت كانت‬
                                                         ‫فيه الحرب في لبنان وكان ال َّدمار والخراب‪ ،‬شاءت‬
              ‫الكبار ومنهم‪ ،‬على سبيل المثال‪:‬‬             ‫كنيسة أنطاكية أن تعلي راية بناء فكانت جامعة‬

‫البطريرك ملاتيوس الثاني الدومان ّي الذي كان مطرانًا‬      ‫البلمند‪ .‬هي أرثوذكسيّة ال ُهويّة والطابع والرسالة‬
‫على الاّلذق ّية‪ ،‬وقد عرفت الاّلذقيّة وكنيس ُة أنطاكية‪،‬‬   ‫وااِلنتماء‪ ،‬لكنها ليست حك ًرا على الأرثوذكس لا إدار ًة‬
                                                         ‫ولا طلابًا‪ .‬هي منار ٌة أرادها البطريرك إغناطيوس‬
          ‫في عهده‪ ،‬نهض ًة روح ّي ًة وكنس ّي ًة كبيرة‪.‬‬    ‫الرابع حامل ًة رسالَ َة كنيسة أنطاكية إلى ك ّل الأطياف‪.‬‬
                                                         ‫أردناها مشرقيّ ًة تنهل من سائر الحضارات روم ّي ًة‬
‫البطريرك غريغوريوس الرابع ح ّداد الذي خلف‬                ‫يونان ّي ًة ولاتينيّ ًة غرب ّي ًة وعربيّ ًة‪ .‬أردناها متأ ّصل ًة في‬
‫البطريرك الدوماني والذي لُ ِّقب بـ «بطريرك الرحمة»‬       ‫التراث ومنفتح ًة على المستقبل‪ .‬أردناها في جوار‬
‫و«أبي الفقراء» وذلك‪ ،‬خا ّص ًة‪ ،‬لإطعامه الجيا َع أثناء‬
‫مجاعة َس َفر برلك‪ .‬والك ّل يذكر كيف باع صليبه‬            ‫الدير الخالد وبعي ًدا عن ضوضاء المدينة‪ .‬وفي‬
‫المهدى له من القيصر الروس ّي‪ .‬وقد كان على أطيب‬
‫علاقة مع الملك فيصل وأراد أن تكون لهذه البلاد‬

‫‪49 Issue 3 - 2024‬‬
   45   46   47   48   49   50   51   52   53   54   55