صوم الرسل



مقدّمة

يعظ القدّيس باسيليوس الكبير فيقول:"لا تحصر الصوم في الابتعاد عن الأطعمة وحدها.لأنّ الصوم الحقيقيّ هو الابتعاد عن الشرور،"أن تحلّ قيود الظلم" (أشعياء ٦:٥٨).

 

Q2

ففي الصوم أنت لا تأكل لحمًا لكن، ويا للأسف، تأكل لحم أخيك. أنت لا تشرب خمرًا ولكنك لا تلجم لسانك عن الشتائم. وعلى الرغم من أنّك تنتظر حلول المساء لتتناول الطعام، إلاّ أنّك تقضي نهارك في المحاكم. 

 

صوم الرسل:

مارسه الرسل القّديسون الأطهار منذ البداية "وَبَيْنَمَا هُمْ يَخْدِمُونَ الرَّبَّ وَيَصُومُونَ"(أعمال الرسل ٢:١٣). والكنيسة بدورها حافظت عليه، فهو من ضمن تسليمها الشريف وإيمانها. 

فبعد مرور أسبوع على عيد العنصرة، يبدأ هذا الصوم.

نقرأ في قانون الرسل:"إّنّكم بعد تعييدكم عيد البنديكوستي أي الخمسيني – العنصرة، عيّدوا سُّبةً واحدة (أسبوعًا) وبعد تلك السّبة صوموا لأنّه من الواجب أن نفرح مسرورين بالموهبة الممنوحة من الله (الروح القدس) ونصوم بعد فرحنا".

ويستشهد هذا القانون بأنبياء صاموا مثل موسى وإيلّيا، وصوم الأسابيع الثلاثة التي صامها دانيال النبيّ، وصوم حنّة النبيّة، وصوم أهل نينوى وصوم أستير ويهوديت وداود الملك. فعلى مثال هؤلاء يجب أن يصوم المسيحيّون أيضًا، لذلك كتب الرسل قائلين: "أنتم أيضًا عندما تصومون، اطلبوا سؤالكم من لدن إلهنا".

 

sere

 

فبعد تكريم الرسل في المجمع المسكونيّ الأوّل، سنة ٣٢٥م، على أنّهم معّلموا العبادة الحسنة ورعاة المسكونة كّلها، دعا الآباء المجتمعون الصوم: "صوم الرسل"، وحدّدوا أنّه بعد مرور عيد الخمسين بأسبوع واحد يجب على المسيحيين أن يصوموا عن اللحم والجبن وكلّ مشتقاتهما إلى يوم عيد الرسل في ٢٩ حزيران.

هذا المرسوم الرسوليّ قد حفظه القدّيسون سابا المتقدّس، ويوحنا الدمشقيّ، وثاودورس الستوديتيّ، وغيرهم من الآباء الأقدمين، كما أنّ القدّيسَين باسيليوس الكبير ويوحنا الذهبيّ الفم يعلّمان بشكل كافٍ عن هذا الصوم، ويتمسّكان به. 

ففي إحدى عظاته على الروح القدس، يذكّر القديس يوحنا الذهبيّ الفم أهل أنطاكية بهذا الصوم المنسوب إلى الرسل القدّيسين، ويحثّهم على المحافظة عليه وتطبيقه. 

 

أوقات الصوم هي أربع فترات في السنة:

- الصوم الكبير المقدّس، ويبدأ قبل سبعة أسابيع من الفصح.

- صوم الرسل، يبدأ في اليوم الثامن بعد العنصرة أي الإثنين التالي ألحد جميع القدّيسين وينتهي مساء ٢٨ حزيران، عشّية عيد القدّيسَين بطرس وبولس. يمكن أن تتراوح مدّته بين يوم واحد إلى ستة أسابيع وذلك بحسب تاريخ تعييد الفصح، كما لا يكون صوم إذا توافق مع العيد مباشرةً.

- صوم رقاد السيّدة، ومدّته أسبوعان: من أوّل آب حتى ١٤ منه.

- صوم الميلاد، ومدّته أربعون يومًا، من ١٥ تشرين الثاني إلى ٢٤ كانون الأوّل. 

بالإضافة إلى فترات الصوم هذه، نصوم كلّ أربِعاء وجمعة (وإثنين في بعض الأديار)، باستثناء الفترة بين الميلاد وعيد الظهور الإلهيّ، وطوال أسبوع التجديدات (أي الأسبوع الذي يلي عيد الفصح)، وخلال الأسبوع الذي يلي عيد العنصرة. كما أنّ عيد رفع الصليب الكريم وقطع رأس السابق يوحنا المعمدان وعشيّة عيد الظهور الإلهيّ هي أياّم صوم.

 

الصوم الانقطاعيّ:

m1 في الأصل هو انقطاع إلى الغروب، خاصةً في الصوم الكبير.

يُمنَع الصوم الانقطاعيّ يومَي السبت والأحد على مدار السنة، ماعدا سبت النور، حيث كان السّيد المسيح في القبر. 

تختلف  بعض الممارسات بين أبرشيات وأخرى، فعلى سبيل المثال صدر مرسوم بطريركي في أنطاكية خلال الحرب االلبنانية على عهد المثلّث الرحمات إغناطيوس هزيم أنّ لا صوم من أحد القيامة إلى العنصرة، أي طوال فترة الخمسين يومًا، وهي الخمسين يومًا المقدّسة التي تعقب عيد القيامة المجيدة.

الجدير بالذكر أنّه لا يُكسَر صوم الأربعاء والجمعة إلاّ إذا اتفق ورود عيد سيّديّ كبير كالميلاد والظهور الإلهيّ (الغطاس).

ملاحظة:

ترافق المطانيّات (السجدات) metanoia الصوم جنبًا إلى جنب، فاليوم الذي لا يجوز فيه الصوم لا تجوز فيه أيضًا المطانيات، مثلاً في الأعياد السيّديّة الكبرى والخمسين يومًا بين الفصح والعنصرة، والسبوت والآحاد. 

الصوم قبل تناول القدُسات:

نصوم أيضا قبل تناول القدسات، أي قبل تناول جسد ودم الرّب الكريمَين، وهو صوم انقطاعيّ لدورة كاملة، أي من بعد تناول عشاء خفيف من دون زفر يعقب غروب اليوم السابق للقدّاس الإلهيّ. والهدف من هذا أن نجوّع أنفسنا لكلمة الله المحيية، ومَن اختبر هذا الأمر عرف معناه ونتائجه.

أمّا إذا كان القدّاس مساءً، كما هي الحال في بعض الأعياد، فيجب الصوم من بعد تناول الفطور.

ويتكلّم بعضهم عن فترة ستّ ساعات انقطاع على عدد الساعات التي تألّم فيها الرّب يسوع المسيح من محاكمته والاستهزاء به وضربه إلى صلبه،أيّ من الساعةالثالثة (٩ صباحًا) ساعةالحكم عليه، إلى الساعة التاسعة (٣ بعد الظهر)، ساعة موته على الصليب، علمًا بأنّه عُلِّقَ على الصليب الساعة السادسة (حوالي الظهر).

بالطبع، نجد حالات صوم خاصة تقام في أوضاع وصلوات وطلبات معيّنة، أو رسامات كهنوتيّة، وغيرها.