عظات البطريرك


ما أرغب بالوقوف عليه أمام محبتكم يلفت النظر، إذ تقول الترتيلة: «صعدت بمجد أيها المسيح إلهنا، وفرحت تلاميذك بموعد الروح القدس»، لأن الرب يسوع وعدهم أن الله الآب سيرسل الروح القدس، وهذا موضع فرح بالنسبة لهم؛ لكن ما يلفت النظر هو في آخر الترتيلة: «إذ أيقنوا (الرسل) بالبركة (عن المسيح) أنك أنت هو ابن الله المنقذ العالم».
+ يوحنا العاشر
عيد الصعود ٢٠١٤
![[Alternative text]](https://www.antiochpatriarchate.org/images/thumbs/image.php?width=500&height=355&image=//images/daily_scripts/dio2014-10-03-03-22-21.jpg)
10-03القدّيس ديونيسيوس الآريوباغي الشهيد في الكهنة
لما تعلّمتَ الصالحات واستيقظتَ في جميع الأحوال، لابساً النية الصالحة كما يليق بالكهنوت، تلقنتَ من الإناء المصطفى، الأسرار الغامضة الوصف، وإذ أنكَ حفظتَ الإيمان أتممتَ السعي القويم، أيها الشهيد في الكهنة ديونيسيوس، فتشفع إلى المسيح الإله أن يخلص نفوسنا.
![[Alternative text]](https://www.antiochpatriarchate.org/images/thumbs/image.php?width=500&height=355&image=//images/daily_scripts/amoun2014-10-04-11-02-32.jpg)
10-04القدّيسان إيروثاوس أسقف أثينا عمّون المصري البار
القدّيس عمّون المصري البار
للبرّية غير المثمرة بمجاري دموعك أمرعتَ، وبالتنهُّدات التي من الأعماق أثمرتَ بأتعابك إلى مئة ضعفٍ. فصرتَ كوكباً للمسكونة متلألئاً بالعجائب، يا أبانا البار عمون، فتشفع إلى المسيح الإله أن يخلص نفوسنا. (قراءة المزيد...)
القدّيس إيروثاوس أسقف أثينا
لما تعلّمتَ الصالحات واستيقظتَ في جميع الأحوال، لابساً النية الصالحة كما يليق بالكهنوت، تلقنتَ من الإناء المصطفى، الأسرار الغامضة الوصف، وإذ أنكَ حفظتَ الإيمان أتممتَ السعي القويم، أيها الشهيد في الكهنة ايروثيوس، فتشفع إلى المسيح الإله أن يخلص نفوسنا. (قراءة المزيد...)
![[Alternative text]](https://www.antiochpatriarchate.org/images/thumbs/image.php?width=500&height=355&image=//images/daily_scripts/h2015-10-05-05-40-34.jpg)
10-05القدّيسة الشهيدة خاريتيني (نعيمة)
(+ 303م)
في سيرة القدّيسة نعيمة (خاريتيني) أّنها تيّتمت طفلة، وأن رجلاً فاضلاً اسمه كلوديوس تبنّاها، أو ربما اشتراها فصارت له أمة.
لا نعرف تماماً ما إذا كان سيّدها، مسيحيّاً أم لا، جل ما نعرفه أنّه عاملها كابنة وكان متعلّقاً بها، وإنّه كان لها كملاك حارس. ويبدو أن نعيمة (خاريتيني) عرفت المسيح فنذرت له عذريتها وقامت تحدّث الضالين عنه.
وقد بلغ الخبر الوالي دوميتيوس في أيّام الإمبراطور ذيوكليسيانوس، فأرسل جنوده فألقوا القبض عليها وساقوها إلى الاستجواب.
وقفت نعيمة (خاريتيني) أمام الوالي هادئة ثابتة واعترفت بالمسيح، فأسلمها للمعذّبين، فسلخوا جلد رأسها واحرقوا جنبيها بالمشاعل. ولما أراد إلقاءها في بيت من بيوت الدعارة، إذلالاً، صلت إلى الله فأخذها إليه.
![[Alternative text]](https://www.antiochpatriarchate.org/images/thumbs/image.php?width=500&height=355&image=//images/daily_scripts/92015-10-06-06-09-34.jpg)
10-06القدّيس توما الرسول
استقيت إلهيًا مجرى اللاهوت السَّني، من جنب المسيح المطعون بالحربة، يا رسولاً إلهي. فلحسنِ العبادة كلامَ الله زرعتَ، كشعاعٍ سماوي في الهند قد أشرقتَ. أيا توما الرسول، يا زينةً إلهيَّةً.
![[Alternative text]](https://www.antiochpatriarchate.org/images/thumbs/image.php?width=500&height=355&image=//images/daily_scripts/normal-sergiosvakxos16802014-10-06-10-10-30.jpg)
10-07القدّيسان سرجيوس وباخوس العظيمان في الشهداء
أيُّها الشَّهيدانِ اللامِعانِ في الجهادْ، قَدْ ظَهرتُما مُناضلّين عَنِ الثالوثِ القدُّوسْ، يا سرجيوسُ الإِلهيُ الفائِزْ، ويا باخُوسُ المجاهِدُ الشُّجاعْ. لِذلِكْ إِذْ قَدْ تَمَجَّدتُما عَلانيِةً، فأَنْتُما تُناضِلانِ عَنِ الصَّارخينْ: المجدُ لِمَنْ قوَّاكُما، المجدُ لِمَنْ كلَّلكُما، المجدُ للفاعلِ بكُما الأَشفيةَ للجميعْ.
![[Alternative text]](https://www.antiochpatriarchate.org/images/thumbs/image.php?width=500&height=355&image=//images/daily_scripts/plagia2013-10-07-080844.gif)
10-08أمّنا البارة في القدّيسات بيلاجية
(+ 461 م)
ولدت بيلاجية على الوثنية في مدينة أنطاكية العظمى، وقد أنعم الله عليها بجمال أخّاذ سخّرته لخدمة شهوات نفسها فتسبّبت في هلاك الكثيرين. كانت أشهر زانيات المدينة وكانت راقصة تستلذّ استئسار الناس حتى كانت تخرج في شوارع المدينة على ظهر بغلة، على طريقة أهل المشرق، والناس من حولها يواكبونها وكأنّها الملكة وينادونها: "يا لؤلؤة". كانت تتزيّى بأفخر الأثواب وتتحلّى بالعقود والخواتم، عارية القدمَين تتدلى منهما سلاسل من الذهب، ورائحة الطيب تفوح منها لتُسكر الرجال، لا سيما الشبان منهم. وقد جمعت من امتهان الخطيئة ثروة يُعتدّ بها.
وحدث مرّة أن كانت بيلاجية عابرة بالقرب من كنيسة القدّيس يوليانوس، وكان واقفاً أسقف بعلبك، نونس * ، يتحدّث إلى بعض الأساقفة. فما إن وقع نظر الحاضرين عليها حتى استحوا ونظروا أرضاً. وحده نونس تطلّع إليها وقال: "ألأنّ هذا الجمال يخيفكم خفضتم عيونكم؟" فلم يتفوّه أقرانه بكلمة. فطأطأ رأسه وبكى. ثمّ تنهّد وقال: "جمال هذه المرأة يسرّني لأنّ الله اختارها لتكون زينة تاجه، أما نحن فلعل الله يديننا! ماذا تظنّون، كم بقيت هذه المرأة تغتسل وتتعطر لتفتن المولعين بها، فيما نحن المدعوين إلى التأمّل في ختن نفوسنا الملكي العظيم والدخول إلى فرحه لا نحرّك ساكناً لنجمِّل النفوس ونؤهّلها له؟!"
ثمّ إنّه في الليلة التي سبقت يوم الأحد، ذلك الأسبوع، رأى نونس الأسقف حلماً: حمامة سوداء تحوم في الكنيسة حول المذبح، فأمسكها وألقى بها في جرن ماء عند مدخل الكنيسة فخرجت من الماء ناصعة البياض متلألئة، بهيّة.
وفي اليوم التالي، خطر ببال بيلاجية أن تأتي إلى الكنيسة. فبعد قراءة الإنجيل، قام نونس الأسقف واعظاً مفسِّراً، فتحدّث عن الدينونة العتيدة أن تأتي على بني البشر وما سيكون عليه عذاب الخطأة، لا سيما الذين يُعثرون أحد إخوة المسيح الصغار. وقد كان كلامه قويّاً ونفّاذاً لدرجة أنّه اخترق نفسها كالسيف الحاد، فاغرورقت عيناها بالدموع وأحسّت بفظاعة ما أتته من خطايا واشتعلت رغبة في التوبة والتكفير. لقد كسرت النعمة قسوة قلبها وحدث العَجَب.
وانصرفت بيلاجية إلى بيتها مضطربة. بقيت هكذا طوال الليل لا تهدأ إلى حال. ثمّ في اليوم التالي أرسلت إلى الأسقف رسالة ملؤها التوبة والدموع تتوسّل فيها أن يأذن لها بالمثول لديه، فاستقبلها في حضور الأساقفة الباقين. ولما حضرت أبدت من علائم التوبة، دموعاً وسجدات وانكساراً، ما جعل نونس يسلّمها إلى الشمّاسة رومانا التي تعهّدتها أُمّاً روحية لها ولقّنتها طرائق التوبة وحياة الفضيلة إلى أن جرت عمادتها. وقد حملت بيلاجية كل ما لديها من جواهر وذهب وثياب فاخرة وألقت بها عند قدمي الأسقف قائلة: "هذا هو الغنى الذي اقتنيته من الشيطان، فافعل به ما تشاء، أما الآن فلست أرغب بعد إلاّ بالغنى الذي أسبغه عليّ ربّي يسوع". فدعا الأسقف المدبّر ودفع إليه بهذه الثروة قائلاً: "خذ هذه ووزّعها على الأرامل والأيتام إلى آخرها...".
وكما كانت بيلاجية غيورة على شهوات نفسها، مُجدَّة في تجميل بدنها في زمن السوء، أضحت، في زمن افتقادها، غيورة على كلمة ربّها، مُجدَّة في التوبة والدموع. فبعدما مضى عليها أسبوع كامل اتّشحت خلاله بالبياض على حسب عادة الكنيسة بالنسبة للمعمَّدين حديثاً، قامت فخلعت عنها البياض وتدرّعت بالمسح وخرجت تطلب أورشليم والأرض المقدّسة. هناك سجدت أمام الصليب عند الجلجلة ثمّ تحوّلت إلى مغارة في جبل الزيتون نسكت فيها بعدما لبست زيّ الرجال وأسمت نفسها بيلاجيوس.
وكرّت السنون إلى أن حدث مرّة أن خرج شمّاس من شمامسة بعلبك اسمه يعقوب عرف بيلاجية شخصياً وشهد هدايتها، إلى نواحي أورشليم. وهناك سمع براهب ناسك اسمه بيلاجيوس كان ذكره على كل شفة ولسان، فرغب في التعرّف إليه وأخذ بركته. فجاء إلى جبل الزيتون إلى حيث كانت المغارة ونقر على الشباك فلم يردّ عليه أحد جواباً، فنادى، ولكن دون جدوى. أخيراً دفع الشمّاس النافذة قليلاً فرأى جثّة ممدّدة على الأرض، فطرح الصوت، فجاء مَن جاء وكسر الباب. كان الناسك بيلاجيوس قد رقد. وعندما أراد الإخوة أن يطيّبوا جسده اكتشفوا أنّهم أمام امرأة لا أمام رجل. في هذه اللحظة بالذات تحرّك قلب الشمّاس وعرف أنّها بيلاجية. كانت قد اختفت منذ ثلاث سنين ولم يدر بأمرها أحد بعد ذلك. والبار يعقوب الشمّاس هو الذي كتب خبرها المذهل، وأكمل حياته في الفضائل ورقد بسلام.
هذه هي قصّة بيلاجية التائبة التي تسمّى أحياناً "المجدلية الثالثة" بعد مريم المجدلية ومريم المصرية. لقد صدق قول نونس الأسقف "جمال هذه المرأة يسرّني لأنّ الله اختارها لتكون زينة تاجه...".
المرجع:
الأرشمندريت توما (بيطار) (2007)، لبنان ، سير القدّيسين وسائر الأعياد في الكنيسة الأرثوذكسية (السنكسار) – الجزء الأوّل، عائلة الثالوث القدوس – دير القديس يوحنا المعمدان
![[Alternative text]](https://www.antiochpatriarchate.org/images/thumbs/image.php?width=500&height=355&image=//images/daily_scripts/01012014-10-08-10-18-59.jpg)
10-08القدّيسة البارة بلاجيا التائبة
لما أذويتِ جسدكِ بالأصوام والأسهار والصلوات، ابتهلتِ إلى الخالق، أن تنالي أيتها الأمّ غفراناً كاملاً عن أعمالكِ، وقد حصلتِ عليه حقيقةً، مظهرةً طريق التوبة.
![[Alternative text]](https://www.antiochpatriarchate.org/images/thumbs/image.php?width=500&height=355&image=//images/daily_scripts/abram2013-10-07-051238.jpg)
10-09القدّيس البار إبراهيم الجليل
هو ابن تارح Terah من نسل سام بن نوح وقد عاش ابراهيم الجزء الأول من حياته مع أبيه واخوته في أور الكلدانيين وقد تزوج من ساراي وكانت أخته بنت أبيه وليست بنت أمه كما نعرف ذلك من تك 20: 12. وبعد موت أخيه هاران، رحل هو وزوجته وتارح ابوه ولوط ابن أخيه من أور ليذهبوا إلى أرض كنعان (تك11: 27-31) بناء على أمر الرب كما أشار على ذلك استيفانوس انظر أعمال7: 2-4 فأتوا وأقاموا في حاران حيث مات تارح (تك 11: 31-4- 32) ولما كان ابراهيم في الخامسة والسبعين من عمره رحل هو وزوجته ولوط من حاران إلى أرض كنعان بناء على أمر الرب (تك12: 1) ويحتمل أنهم ذهبوا عن طريق دمشق لأن أليعازر الدمشقي الموكل على بيتِه كان من هناك (تك15:2)
ظهر الرّب لابراهيم على شكل ثلاث ملائكة وقدت تكلّم إبراهيم كأنه واحد إشارةً للثالوث ( تك 1:18)
كان آباء ابراهيم يعبدون آلهة غير الرب (يشوع 24: 2-14) فكانوا في اور الكلدانيين يعبدون آلهة كثيرة وبنوع خاص "نانار" إله القمر وزوجته "ننجال" وكان في أور على مرتفعة عالية بناء يشبه الهرم يسمى باللغة البابلية "زجوراة" وفوق "الزجوراة" معبد للإله "نانار". أما ابراهيم فقد آمن بالإله الواحد مالك السماء والأرض وإلههما (تك 14: 22-24: 3) وديان الأمم وكل الأرض (تك 15: 14-18: 25) والذي كل قوات الطبيعة طوع أمره ولا يستحيل عليه شيء (تك 18: 14-19: 24-20: 17-18) وهو الإله العلي المرتفع (تك14: 22) وهو سرمدي أبدي (تك21: 33) ولم يكن الله لإبراهيم الإله الواحد فحسب بل كانت لإبراهيم معه علاقة شخصية وشركة روحية قوية (تك24: 14) ولذلك نال ابراهيم لقب "خليل الله" الذي ذكر في الكتاب ثلاث مرات (2 اخبار 20: 7 واش 41: 8 ويع2: 23) أما صفات الله التي نسبها ابراهيم إليه فهي: العدل (تك 18: 25) - البر (تك 18: 19) - الأمانة واللطف والحق (تك 24: 27)- الحكمة والرحمة (قارن تك 20: 6) وقد آمن ابراهيم ان الله يطلب من البشر أن يتصفوا بالصفات الخلقية التي لله (تك 18: 19) وقد أعلن الله ذاته لإبراهيم في الرؤى والأحلام (تك 15: 1-20: 3) والظهور في شكل إنسان أو في شخص ملاك الرب (تك18: 1-22: 11) وحيثما سكن ابراهيم كان يقيم مذبحًا للرب ويدعو باسمه (تك 12: 7-8) وقد قدم صلوات تشفعية لأجل الآخرين ففي تك 17: 20 صلى لأجل إسماعيل وفي تك 18: 23-32 تشفع لأجل لوط، قارن هذا مع تك19: 20- وفي تك 20: 17 صلى لأجل أبيمالك وذلك لأنه عرف بأنه نبي. وقد عمل ابراهيم عهوده ومواثيقه واقسامه باسم الرب (تك14: 22- 21: 23-24: 3) وقد قدم عشوره لملكي صادق كاهن الله العلي (تك14: 20) وقد مارس الختان كعلامة للعهد مع الرب (17: 10-14) وكان إيمان ابراهيم عظيمًا إلى الحد الذي عنده كان مستعدًا أن يقدم ابنه وحيده ذبيحة للرب ولكن الرب منعه من ذلك (تك 22: 2-12).
وقد كانت حياة ابراهيم مع الناس مظهرًا لإيمانه بالله وقد ظهر هذا في كرمه (تك13: 9- 14: 23 الخ.) وإضافة الغرباء (تك 18: 2-8)- وإخلاصه ووفائه وأمانته، وحنوه ورقة عاطفته (تك 14: 14- 24-18: 23-32- 23: 29 وشجاعته (تك14: 14-16) إلا أنه أظهر ضعفًا مرتين عندما لم يقل الحق كله في ذكر علاقة سارة زوجته به (تك12: 18-20: 11).
![[Alternative text]](https://www.antiochpatriarchate.org/images/thumbs/image.php?width=500&height=355&image=//images/daily_scripts/mh2013-10-07-082729.jpg)
10-09 القدّيسان الزوجان البارّان مظفّر (أندرونيكوس) وخالدة (أثناسيا) الأنطاكيّان
(القرن الرابع)
عاش مظفر (اندرونيكوس) وخالدة (أثناسيا) في مدينة إنطاكية، البعض يقول في القرن الرابع والبعض في القرن السادس. كان اندرونيكوس صائغاً ناجحاً، وقد توفرت له ولزوجته كل أسباب العيش الرغد. كانا تقيين سالكين في الفضيلة، شديدي العطف على فقراء الرب. وقد قسما ثروتهما الطائلة ثلاثة أقسام متساوية: الأول جعلاه للفقراء في شكل عطاءات مجّانية، والثاني قروضاً دون فائدة، والثالث لصناعتهما ومعيشتهما. وقد بارك الله مسعاهما فأضحى ظافر من كبار رجال المال في إنطاكية.
كان لهما ولدان، صبياً وبنتاً، فربّياهما خير تربية على محبة المسيح. وبعدما منّ عليهما الرب بثمرة البطن اكتفيا وعاشا في العفاف. وقد استمرا على هذا النحو اثني عشر عاماً إلى أن جاء يوم فقدا فيه ولديهما دفعة واحدة.
كانت الصدمة كبيرة. فأما مظفر فتصبّر، وكان يتعزّى بكلمات أيوب: "الرب أعطى والرب أخذ فليكن اسم الرب مباركاً". أما خالدة فأبت، كراحيل، أن تتعزى، لأن ولديها ليسا بموجودين. وما كان منها إلا أن جلست عند القبر في كنيسة القديس يوليانوس تنوح وتبكي وتردد: "هنا، أيضاً، ينبغي لي أن أموت وأدفن بجانب ولديّ". فجاء إليها أسقف المدينة معزّياً فلم تتعزّ.
ثم أن القديس يوليانوس ظهر لها بنفسه، في تلك الليلة، وكان في هيئة راهب، فقال لها: "ما بالك يا بنيتي، ولماذا أنت حزينة جداً؟!". فنظرت إليه وتهيبته، ثم اندفعت تقول له متنهدة: "كيف لا أحزن يا أبانا وقد دفنت ولديّ هنا؟!" فقال لها أن ولديها في ملكوت السموات وأنهما أفضل حالاً، بما لا يقاس، مما كانا على الأرض. فأشرق وجهها وتعزّى قلبها، وتحوّلت دموع الحزن في عينيها إلى دموع فرح، فشرعت تشكر الله. وإذ حوّلت وجهها من جديد إلى حيث كان الراهب واقفاً لم تجده. فأسرعت إلى الباب تبحث عنه فلم تقف له على أثر. كان قد اختفى كما جاء.
وكان هذا الحادث إيذاناً ببدء مرحلة جديدة في حياة الزوجين مظفر (اندرونيكوس) وخالدة (أثناسيا). فلقد زهدا في الحياة الدنيا وعزما على اقتبال الحياة الرهبانية. فقاما يوزّعان ما بقي من ثروتهما على الفقراء، ثم انطلقا إلى الأماكن المقدسة للزيارة والتبرك، كما جرت العادة في ذلك الزمان. ومن هناك انحدرا إلى بلاد مصر، قاصدين الأنبا دانيال الذي كانا قد سمعا عنه الكثير. فأرسل الأنبا دانيال أثناسيا إلى دير للعذارى في تبنيّسي وأبقى اندرونيكوس عنده في الإسقيط. وهكذا بدأ الزوجان، كل على حدة، جهاداً مباركاً في مراقي حياة التوحد. وقد دام سعيهما في هذه المرحلة، أيضاً، اثني عشر عاماً بلغا بعدها قامة روحية سامية.
وتشاء العناية الإلهية أن يستأذن اندرونيكوس أباه الروحي يوماً لزيارة الأماكن المقدسة. وفي الوقت عينه خرجت أثناسيا من ديرها للغاية نفسها. ولما أرادت أن تصرف عنها الأنظار لأنه لا يوافق أن تسافر امرأة وحدها، تزيّت بزي الرجال واتخذت لنفسها اسم الراهب اثناسيوس. وفي الطريق التقيا، فعرفته ولم يعرفها لأن لون بشرتها كان قد اسودّ وأضحت نحيلة القدّ. فتبادل الراهبان بعض الكلمات، ثم قرّرا السير معاً شرط المحافظة على قانون الصمت أثناء الطريق. وبلغ الاثنان مدينة أورشليم فأكملا ما جاءا من أجله ثم قفلا عائدين إلى مصر. وفي الطريق خرجت أثناسيا عن صمتها واقترحت على اندرونيكوس أن يشتركا معاً في حياة القلاية في إحدى نواحي مدينة الإسكندرية. فذهب اندرونيكوس إلى أبيه دانيال وعرض عليه الأمر بعدما أطلعه على لقائه بالراهب أثناسيوس ونظام الصمت الذي حفظاه طوال الطريق، فأعطاه الأنبا دانيال البركة.
وهكذا عاش مظفر وخالدة معاً، من جديد، لا كزوجين بل كراهبين مجدّين مدة اثني عشر عاماً كان كل واحد منهما للآخر بمثابة الملاك الحارس يرشد رفيقه ويشدّده ويعزيه. وكان الأنبا دانيال يفتقدهما بين الحين والحين ويزوّدهما بنصائحه.
وحدث أن زار الأنبا دانيال مرة هذين المناضلين. فبعدما أمضى معهما بضعة أيام انصرف عائداً إلى قلايته. وما كاد ينصرف حتى حضرت أثناسيوس ساعة الوفاة، فأسرع اندرونيكوس إلى الأنبا دانيال فأدركه في الطريق، فعاد بسرعة وأخذ يشجع الراهب أثناسيوس ثم ناوله القدسات. فأشارت أثناسيا إلى رسالة تحت وسادتها طلبت من الأنبا دانيال أن يقرأها بعد موتها. ثم بعدما رأت أن كل شيء قد تمّ أسلمت الروح. فأخذ الأنبا دانيال الرسالة وفضّها وقرأها فاكتشف أن الراهب أثناسيوس هو امرأة لا رجل واكتشف أيضاً أن أثناسيا هي زوجة اندرونيكوس.
ودعا الأنبا دانيال كل رهبان تلك الأنحاء فجاؤوا ومجّدوا الله على الصبر العجيب الذي كان لهذه الأمة البارة وعظّموا روح الشهادة الذي فعل فيها إلى المنتهى. فلبسوا كلهم الأبيض وحملوا سعف النخل علامة الظفر والغلبة وساروا بهذه الأخت المجاهدة إلى حيث واروها الثرى.
أما مظفر (اندرونيكوس) فكان أوهن من أن يحتمل الصدمة فوقع مريضاً، ومات بعد ذلك بثمانية أيام، وانظم إلى رفيقة حياته في الأخدار العلوية.
طروبارية للبار اندرونيكس باللحن الأول
ظهرتَ في البرية مستوطناً وبالجسم ملاكاً، وللعجائب صانعاً، وبالأصوام والأسهار والصلوات، تقبَلتَ المواهب السماوية، فأنت تشفي السقماء ونفوس المبادرين إليك بإيمان، يا أبانا المتوشح بالله اندرونيكس، فالمجد لمن وهبكَ القوَّة، المجد للذي توَّجك، المجد للفاعل بك الأشفية للجميع.
طروبارية القديسة أثناسيا باللحن الثامن
بِكِ حُفِظَتِ الصُّورَةُ بِدِقَّةٍ أَيَّتُها الأُمُّ أثناسيا لأَنَّكِ حَمِلْتِ الصَّليبَ وتَبِعْتِ المَسيح، وعَمِلْتِ وعَلَّمْتِ أَنْ يُتَغاضَى عَنِ الجَسَدِ لأَنَّهُ يَزُول، ويُهْتَمَّ بِأُمُورِ النَّفْسِ غَيْرِ المائِتَة. لِذَلِكَ أَيَّتُها البارَّة تَبْتَهِجُ رُوحُكِ مَعَ المَلائِكَة.
![[Alternative text]](https://www.antiochpatriarchate.org/images/thumbs/image.php?width=500&height=355&image=//images/daily_scripts/jack2014-10-09-01-57-52.jpg)
10-09القدّيس يعقوب بن حلفى الرسول
إن يعقوب الفائق التعجب الصائد الأمم، الظاهر أوفر إكراماً من التلاميذ والمُساكن الرسل، يوزّع للعالم غنى الأشفية، ويُنقذ من الضيقات الذين يمدحونهُ. فلذلك نصرخ إليهِ: بأصواتٍ متفقة، خلّص الجميع بصلواتك أيها الرسول.
![[Alternative text]](https://www.antiochpatriarchate.org/images/thumbs/image.php?width=500&height=355&image=//images/daily_scripts/oct-102013-10-07-090343.jpg)
10-10القديس أمبروسيوس الذي من دير أوبتينو
(1812م)
أبصر ألكسندر ميخايلوفيش غرينكوف (أي القدّيس أمبروسيوس) النّور في منطقة تامبوف الرّوسيّة، في /23/ تشرين الثّاني من عام /1812/ أي يوم عيد القدّيس ألكسندر نيفسكي فدُعي باسمه. كان السّادس بين ثمانية إخوة. ترعرع في عائلة متوسّطة الحال كثيرة الأولاد، تنتمي إلى الطّبقة الكهنوتيّة القرويّة المتميّزة بتقواها الصّادقة وبتربيتها الحازمة. فجدُّه ألكسندر كان كاهناً، ووالده ميخائيل قندلفتاً، وأمّا أمّه مرتا، فقد كانت " امرأة قدّيسة تحيا حياة التّقوى " كما وصفها هو نفسه فيما بعد. تلقّى الأولاد دراستهم الابتدائيّة في المنزل، حيث تعلّموا أصول اللّغة وقواعدها في كتب الصّلوات الطّقسيّة، وقد اعتادوا أن يرافقوا والدهم إلى الكنيسة ليشاركوا في التّرتيل والتّسبيح. في الثّانية عشرة من عمره أدخله والده في مدرسة القرية التي كانت تفتقر إلى الوسائل العلميّة. عام /1830/ انتُخب ألكسندر كأحد أفضل وأبرز تلامذة المدرسة ليدخل مدرسة اللاهوت في تامبوف.
برزت لدى ألكسندر طبيعة مرحة فوضويّة تتناقض مع الجوّ العائلي الرّزين. لكنه، مع ذلك، أبدى تفوّقاً في علومه، وهو الفتى ذو الثّالثة والعشرين عاماً، إذ حلّ في المراتب الأولى عند تخرّجه من معهد تامبوف اللاهوتي عام /1836/. كان طبعه المرح وسرعة البديهة التي تحلّى بهما يشدّان الآخرين إليه.
قبيل نهاية دراسته، وقبل دخوله الدّير، عرف ألكسندر أوقاتاً صعبة حرجة، عانى خلالها الكثير من التّخبط والصّراع الدّاخلي (1836-1839)، فهو لم ينوِ أبداً التزام الحياة الرّهبانيّة. ولكنّه عندما مرض مرّة مرضاً خطيراً، صلّى بحرارة واعداً الله أن يصبح راهباً إن شُفي من مرضه. ولمّا تمّ له ما أراد، أخذ يتلكّأ بتنفيذ وعده محاولاً تركه طيّ النّسيان. ولكن أين المفرّ وضميره كان له بالمرصاد؟
وقف ألكسندر أمام خيارين بعد انتهائه من دراسته اللاهوتيّة: إمّا أن يتابع دراسته الأكاديميّة أو أن يتزوّج ليصبح كاهن الرّعيّة. لم يلتزم ألكسندر أحد الطّريقين بل اكتفى بالعمل في إحدى المدارس. ولكنّ أستاذنا الشّاب لم يكن ليرضى عن نفسه وعن طريقة حياته. فثمّة شيء خفيّ كان يدفعه إلى التّغيير. كم مرّة حاول تبديل طباعه مقرّراً التزام الصّمت والهدوء، ولكنّه سرعان ما كان يخفق سيّما عندما يتلقّى من الرّفاق دعوة للخروج، إذ كان يلبّي مندفعاً في أحاديث وتسالٍ ما أن تنتهي حتى كان يحسّ بالفراغ والمرارة في أعماقه، فيقرّر مجدّداً أن يعيد الكرّة. هكذا استمرّ أربع سنوات في عذاب، لم يستسلم خلالها إلى اليأس بل لجأ إلى الصّلاة. فكان ينتظر خلود رفاقه إلى النوم، ليقف هو متضرّعاً أمام إيقونة والدة الإله، طالباً منها العون في تحقيق رغبة قلبه.
لم يطل الوقت بزملائه ليكتشفوا أمره، فأخذوا يسخرون منه ومن تقواه متّهمين إيّاه بفقدان الرّشد. عندها هرب إلى الطّبيعة، إلى الغابات الممتدّة على طول نهر فورونيج Voronièje حيث اعتاد أن يتنزّه مناجياً خالقه بحريّة. وفي إحدى المرّات، وفيما هو يتأمّل حركة الأمواج الهادرة، سمع صوتاً وكأنّه صادر من النّهر ينشد ويقول: " أعطِ مجداً لله. احفظْ ذكراه دائما في قلبك ". اعترى ألكسندر ذهول كبير لهذا " الظّهور" كما عبّر هو فيما بعد قائلاً: " لقد بقيت هناك طويلاً أصغي إلى الصّوت الإلهي السرّي مبهوتاً ". نعم إن أصل كلّ الوجود والكائنات بدأ يجذب الأستاذ الشّاب إليه.
حان صيف /1839/ فاختار ألكسندر أن يمضي عطلته في أملاك صديقه وزميله في الدّراسة بول ستيبانوفيش بوكروفسكي pokrovsky. قرّر الصّديقان الذّهاب إلى أحد النّساك المدعو إيلاريون ليطلبا نصحه حول تحديد مستقبليهما. فعند سؤال ألكسندر النّاسك: " ماذا أفعل في حياتي؟ ". أجابه القدّيس وبصوت قوي: " اذهب إلى أوبتينو ". ثم أضاف " إنّهم بحاجة إليك هناك ". لم يتبع ألكسندر إرشاد النّاسك توّاً، بل عاد إلى حياته اليوميّة وإلى الخروج ثانية مع الرّفاق، وكان ذلك قبيل ابتداء السّنة الدّراسيّة الجديدة. غير أنه سرعان ما شعر بالاشمئزاز من نفسه سيّما وأن جرس ضميره لم يتوقّف لحظة عن تأنيبه. فقرّر السّير إلى أوبتينو، رغم تحذيرات صديقه بأن المدرسة ستطاله قانونيّاً لتركه إيّاها في ذلك الوقت الغير المناسب، ولكنّه لم يعبأ بهذا. فما هي إلاّ أيّام قليلة حتى كان في طريقه إلى أوبتينو.
يقع دير أوبتينو على بعد /3/ كم من مدينة كوزيلسك Kozelsk القريبة من موسكو. أُسّس في منتصف القرن السّادس عشر وبقي مهملاً مقفراً حتى نهاية القرن الثّامن عشر، إذ لم يكن يقيم فيه سوى ثلاثة رهبان، أحدهم كان كفيفاً. وبينما كان متروبوليت موسكو – أفلاطون- يتنزّه يوماً وقع على دير أوبتينو، فساءه أن يراه على هذه الحالة من الخراب، لذا راح، بكلّ ما أوتي من عزم، يجاهد لإعادة بناء الدّير ماديّاً وروحيّاً. لجأ إلى الأب مكاريوس، وهو أحد تلامذة القدّيس الكبير باييسيوس فيلتشوفسكي§، طالباً مساعدته. فأرسل الأب مكاريوس راهباً يدعى إبراهيم ليعيد تشييد الدّير. في عام /1821/ أُنشئ الإسقيط تحت اسم القدّيس يوحنّا المعمدان. في هذا الإسقيط بالذّات سوف يمضي كلّ آباء وشيوخ أوبتينو حياتهم، ومنه سوف يضوع عبير فضائلهم إلى كلّ روسيا.
فيلاريت، المتروبوليت الذي سوف يغدو فيما بعد الأكثر شهرة كمطران لكييف، كُرِّس ليكون أيضاً أسقفاً على الأبرشيّة الجديدة التي يتبع لها دير أوبتينو. فاختار الأخوين موسى وأنطونيوس ليكونا المسؤولين الأوّليْن لأوبتينو، بما أنّهما كانا قد أمضيا عشرة سنوات في إسقيط تحت إرشاد أحد تلامذة باييسيوس. وبعد فترة أضحى الأب موسى الأب المسؤول عن كلّ الإسقيط.
وصل ألكسندر إلى دير أوبتينو في /8/ تشرين الأوّل عام /1839/ . وعندما طلب إرشاد أحد الشّيوخ، قيد إلى الشّيخ ليونيد وكان رجلاً ضخماً حازماً وبسيطاً في الوقت نفسه، يعيش حياة قشفة، إذ لم يكن يهتمّ بالزوّار، ليتفرّغ تماماً إلى حياة العزلة والصّلاة. كتب ألكسندر يصف أيّامه الأولى في الدّير قائلاً: " بعد يومين من وصولي إلى الدّير كان كلّ شيء بالنّسبة لي غريباً ومبهماً. كانت مقابلتي الأولى للستارتز ليونيد قصيرة لم أستطع خلالها أن أتعرّف إليه تماماً. وأمّا في الزّيارة الثّانية، عندما رأيته يؤكّد لأحد الرّهبان ضرورة التّخلي عن الإرادة الشّخصيّة، أحببته والتصقت به منذ تلك اللّحظة ".
قَبِلَ الأب ليونيد ألكسندر كراهب في الدّير، بعد أن حلّ مشكلته مع المدرسة، ولكنّه لم يلبسه فوراً الثّياب الرّهبانيّة، بل تركه يقيم في المضافة التّابعة للدّير. المهمّة الأولى التي أوكلت إليه كانت نسخ مخطوطة تحت عنوان " سلام الخطأة " التي توضح الجهاد ضدّ الأهواء. كان لهذا العمل هدفان: أن يقتني أولاً الصّبر والطّاعة، وأن يتعلّم نهج الحرب ضدّ أهوائه الشّخصيّة.
في نيسان من عام /1840/ ، وبعد مشاورة الأب موسى، قُبل ألكسندر في الدّير نهائيّاً. وبعد فترة وجيزة أُعطي الثّياب الرّهبانيّة وأوكل إليه الاعتناء بقلاية ومكتبة الأب ليونيد. ثم عمل في مخبز الدّير. وفي تشرين الأوّل من العام نفسه، انتقل من الدّير حيث الحياة المشتركة إلى الإسقيط حيث حياة العزلة والصّمت والهدوء والتّوحد أكثر تحقيقاً، فعمل كمساعد طبّاخ. في هذه الفترة كان ألكسندر خاضعاً لإرشاد الأبوين ليونيد ومكاريوس، فكان انفتاحه لهما كاملاً وطاعته فوريّة، مطبّقاً نصائحهما وإرشادهما بكلّ دقّة وأمانة ممّا ساعده على تقدّمه الرّوحي.
في عام /1841/ زار بوكروفسكي صديقَه القديم ألكسندر الذي كان قد أصبح راهباً مبتدئاً، يقطن قلاية عارية مجرَّدة من كلّ شيء. لقد شهد بوكروفسكي كيف كان ألكسندر يطبّق الطّاعة الفوريّة بدقّة تحت إرشاد أبويه الرّوحيّين. فقد كان مرّة برفقة الشّيخ ليونيد وألكسندر عندما شرع الستارتز فجأة ينشد قائلاً: " ليكن الله مباركاً كلّ حين الآن وكل أوان والى دهر الداهرين آمين. لك ينبغي المجد أيّها الرّب يا ملك السّموات...". فأخذ أيضاً ألكسندر ينشد مثله، ظنّاً منه بأنّ الشّيخ يريد الشّروع بقانون الليل. فقاطعه الشّيخ بحدّة قائلاً: "من منحك البركة لتقرأ؟" فوقع ألكسندر للحال على قدمي الشّيخ طالباً الصّفح. ولكنّ الشّيخ تابع قائلاً: "كيف تجرؤ على القيام بهذا؟" بينما لم يكفّ ألكسندر عن ضرب المطّانيّات طالباً المغفرة قائلاً: "من أجل محبّة الله اغفر لي يا أبي". كانت طاعته الكاملة للأب مكاريوس مميّزة. لقد كتب أحد الرّهبان الذي أصبح فيما بعد رئيساً لدير آخر قائلاً: "لقد كان يبدو أن الأب أمبروسيوس قد تحرّر من كلّ إرادة ذاتيّة حتى في استعمال أغراضه الشّخصيّة. كان يفضّل إرادة الشّيخ مكاريوس على إرادته ولو في أصغر الأمور." وهكذا وبمثل هذه الأفعال استطاع المبتدئ ألكسندر شيئاً فشيئاً إماتة إنسانه القديم ليلبس الجديد.
بعد مرور ثلاث سنين فقط على دخوله الدّير، توشّح بالإسكيم الصّغير ودُعي أمبروسيوس تيمّناً باسم القدّيس أمبروسيوس أسقف ميلان، وكان له من العمر آنذاك ثلاثون سنة. سيم شمّاساً ثم كاهناً في نهاية عام /1845/، ومنذئذ بدأت صحّته تعتلّ فغدت خدمة المذبح صعبة عليه كما عبّر هو نفسه قائلاً: " كنت أكهن ذات يوم، وعند تناول القرابين المقدّسة كنت أمسك الكأس بيدي، وإذا بي أشعر بأنّ قواي تنحلّ وكأن يدي قد خدرت تماماً، فاستدرت نحو المائدة المقدّسة ووضعت الكأس ريثما أستعيد قواي...." لقد لطّف المرض طبيعة أمبروسيوس الجامحة، إذ اضطّره للدّخول إلى عمق نفسه والانعكاف على ممارسة الصّلاة الدّاخليّة المستمرّة.
في شهر آب من عام /1846/، أوكل إليه نيقولا مطران كالوغا مهمّة مساعدة الأب مكاريوس، خلف الأب ليونيد، في الإرشاد الرّوحي. وهكذا وفي سن الرّابعة والثّلاثين عُرف الأب أمبروسيوس كأحد شيوخ أوبتينو. ولكنّه لم يستطع أيضاً القيام بمهمّته هذه، إذ مرض مرضاً عضالاً في معدته وأمعائه حتى شارف على الموت، فمُسح بسرّ الزّيت المقدّس واقتبل الأسرار الإلهيّة كزاد أخير له. استمرّ مرضه مدّة سنتين لم يسمعه خلالها الأخوة متذمّراً، بل كان دائماً يردّد إن الله وهبه هذا المرض لتقدّمه الرّوحي.
بعد مرور السّنتين، أي في عام /1848/، بدأت صحّته تتحسّن بشكل ملحوظ، إذ أصبح يستطيع التّحرك والتّنقل من مكان لآخر. فعاود نسكه وصومه القاسي رغم هزاله، ولكنّه كان ينزعج من الجلوس على مائدة الإخوة بعد أن فقد أسنانه أثناء المرض، لذا كان يتناول طعامه على حدة. لقد كانت الحرب الطّويلة مع المرض سبباً كشف عن عمق روحيّة الأب أمبروسيوس وتوقّد محبّته لله، وبرهن أن للصّلاة المستمرّة فعل عجيب في تحسّن صحّته.
لقد ذكرنا أن طاعته لرئيسه كانت مميّزة حتى يُخيّل إليك أنّه لم يكن يمتلك أيّة إرادة شخصيّة، بل كان يؤثر إرادة أبيه في كلّ شيء حتى في استعمال أغراضه الخاصّة. أما رئيسه فلثقته الكبيرة به أوكل إليه سماع اعتراف بعض الأشخاص مردّداً بفرح: " إن أمبروسيوس يأخذ اللّقمة من فمي ". بعد موت الأب مكاريوس انتقلت السّلطة الرّوحيّة إلى الأب أمبروسيوس وكان قد بلغ/48/ سنة فقط.
من المعروف أنّ الأب مكاريوس كان يهيّء الأب أمبروسيوس للقيادة الرّوحيّة، فعندما كان يتغيّب الأب مكاريوس عن الدّير، كان ينصح الإخوة باستشارة الأب أمبروسيوس. وفي عام /1848/ منح الأب مكاريوس بركته إلى الأب يرونديوس، أحد آباء الدّير، ليسترشد الأب أمبروسيوس في أموره الرّوحيّة. ولقد كتب هذا الأخير قائلاً: "حسبما كنت ألحظ، كان الأب أمبروسيوس يعيش الصّمت الكامل. وبما أنّي كنت كلّ يوم أذهب إليه لكشف أفكاري، كنت أراه دوماً إمّا يقرأ أو يترجم بعض أقوال وكتابات الآباء، أو يساعد الأب مكاريوس في الردّ على رسائل من يطلبون مشورته الرّوحيّة. لقد كان يبدو لي بأنّ الستارتز أمبروسيوس كان يسير دوماً نحو الله، أو لنَقُل إنّه يعيش دوماً في حضرة الله." في كلّ نصائحه الرّوحيّة، كان الأب أمبروسيوس يلتقي مع فكر الآباء، إذ كان يعلّم من يقرّ له بخطاياه من خبرته الحياتيّة. في /7/ ايلول من عام/1860/ رقد بالرّب الأب مكاريوس، فكان من الطّبيعي أن يُدعى عندئذ الأب أمبروسيوس أب الدّير. وما هي إلاّ أيّام حتى عُرف الأب أمبروسيوس كستارتز لدير أوبتينو في كلّ روسيّا.
" احمل صليبك واتبعني". هكذا دعا السّيد أحبّاءه، وكان أمبروسيوس في طليعتهم إذ كان أبداً مسمَّراً على الصّليب، وذلك بسبب صحّته العليلة وتدفّق الزوّار الذي لا ينقطع. فالمئات منهم كانوا يقصدونه إمّا للتّبرك أو طلباً للمشورة.
كان الشّيخ ينهض في الرّابعة فجراً ليبدأ مع معاونيه، في قلايته، صلاة السّحر مع المزامير المختارة والسّاعة الأولى. وبعد استراحة قصيرة، كان يقوم بخدمة السّاعات الثّالثة والسّادسة مع التّيبيكات، بالإضافة إلى بعض القوانين كقانون يسوع أو قانون العذراء. ولكن، ولضعف صحّته، لم يكن باستطاعته متابعة الصّلوات دون توقّف، لذلك كان يطلب من معاونيه أن يرتاح قليلاً ليتابع وإيّاهم بعد ذلك الخدم الإلهيّة مجدّداً. وبعد هذا كان يحتسي الشّاي وهو يردّ على بعض الرّسائل الواردة إليه. في هذه الأثناء، كان الكثيرون يقرعون الباب بلجاجة لكي يحظوا برؤية الستارتز، ومنهم من كان يطول انتظاره مدّة أسبوع أو أسبوعين ممّا كان يثير تذمّرهم ودمدمتهم. وبعد لأْيٍ كان الشّيخ يخرج لمقابلتهم ليمنحهم البركة الجماعيّة، أو ليقول لأحدهم كلمة معزيّة، وينصح آخر أن يقرأ كتاباً يسمّيه له ليجد الجواب الشّافي لمعضلته، وليمزح مع شخص آخر... ثم يشقّ طريقه بين الجموع الصّارخة: " أيّها الشّيخ قل لنا كلمة تنفعنا ". ولكنّ الستارتز لم يكن ليردّ جواباً بعد أن أُنهكت قواه، بل كان يسرع للوصول الى قلايته ملتمساً الرّاحة. كان يومه ينتهي عند الحادية عشرة ليلاً، بين الردّ على الرّسائل أو استقبال الزوّار إن كانت قواه تساعده على ذلك.
كانت حياة الشّيخ ترتكز بشكل أساسي على المحبّة، لا المحبّة العاطفيّة، بل المستندة على الكتاب المقدّس وعلى التّضحية في سبيل الآخر. هذه المحبّة التي كانت عنوان قداسة الأب أمبروسيوس، وهذا واضح جدّاً في كتاباته: "... إنّي أحسّ بالإنهاك في هذه الأيّام، ومع ذلك يجب أن أستمع إلى حديث الزوّار ولمدّة طويلة أحياناً ...". كان الشّيخ يكرّس معظم ساعاته لزائريه. وأحياناً، ومن أجلهم، كان يتنازل حتى عن تلاوة صلواته. لقد مارس الستارتز الطّاعة ونكران الذّات بشكل أساسي في حياته. اللّحظات الوحيدة التي يكون فيها منفرداً، كانت تلك التي يجلس فيها في قلايته مع الكتب الطّقسيّة أو كتب الآباء، أمثال القدّيس مكسيموس المعترف واسحق السرياني والفيلوكاليا وغيرهم.. ولكنّ تعزيته الكبرى كانت اتّحاده بالله، محاولاً الاحتفاظ بذكره دوماً، كما كانت كلمات الأب مكاريوس مصدر تعزية له أيضاً، إذ كما كان يقول هو نفسه: " لقد ظهر مرّة الأب مكاريوس لأحد الإخوة (وكان يتكلّم عن نفسه) قائلاً له: "تحمّل. جاهد، تغصّب على سلوك الطّريق الضّيقة". هذه كلمات قليلة ولكنّها غنيّة جدّاً، عميقة ومشجّعة.
لقد منح الله خادمه نعمة الدّهش الرّوحي كما حدّث أحدهم عنه قائلاً: "ذات مساء كان الشّيخ على موعد مع أشخاص في ساعة لم يكن عادة يستقبل فيها أحداً. عندما دخل الزوّار القلاية، كان الشّيخ جالساً على السّرير، يرتدي المعطف الأبيض الخاص بالرّهبان وفي يده مسبحة. كان وجهه، متجلّياً منيراً، حتى أن القلاية نفسها كانت مفعمة بجوّ خاص. لم يشعر الزوّار للوهلة الأولى بالرّاحة التّامة، ولكنّ فرحاً غريباً كان يشملهم، لدرجة أنّهم بقوا مدّة طويلة وهم يتأمّلون وجه الشّيخ المشع. كان كلّ شيء حولهم هادئاً والشّيخ يلتزم الصّمت. ثم اقتربوا منه لنوال البركة. وبدون أيّ كلمة رسم كلاً منهم بإشارة الصّليب وهو غارق في تأمّلاته، وهكذا ابتعد الزوّار وهم يتأمّلون الشّيخ وهو في حالة التّجلّي."
كتب مرّة الشّيخ أمبروسيوس في ردّ له على إحدى الرّسائل: "من الصّعب الخلاص خارج الدّير إن لم يتعرّض الإنسان للصّعوبات الكثيرة". إنّ هذا القول لا مغالاة فيه ولا هو من باب تحذير السّائل، بل هو ناتج من خبرته وقناعته الشّخصيّة، بأنّه ليس من السّهل على العائش في العالم أن يرتدي اللباس الذي يؤهّله لدخول ملكوت السّموات. لهذا السّبب بالذّات نستطيع أن نفهم اعتناء الشّيخ بالعلمانيين الذي كانوا يأتون بغية استرشاده. ولهذا السّبب أيضاً، نستطيع أن نفهم لماذا اعتنق هو نفسه الحياة الدّيريّة. كان همّ الشيخ دوماً أن يضع زائريه في خط السّلام، ولعلّ هذا المثل يؤكّد ما نقول: أتت إليه مرّة عدّة نساء بدافع الفضول فقط، وهنّ متأكّدات بأنّ الشّيخ لا يفقه ولا يفهم شيئاً من أمورهنّ، وهكذا بدأن، وهنّ منتظرات رؤية الشّيخ، يستهزئن به. وفجأة فُتح باب قلاية الستارتز، وبرز هو منها بابتسامته اللّطيفة المعهودة، وأخذ يتسامر مع السّيدات عن جمال المظلات اللواتي كن يحملنها وعن الرّيش اللواتي زينَّ به قبعاتهنّ وعن الموضة السّائدة في تلك الأيّام. وهكذا بدأت السّيدات يشعرن بسخافة حديثهنّ مع شيخ روحي، وانقلب شعورهنّ نحوه من استهزاء إلى احترام وتقدير كبير كيف نزل هو إلى مستواهنّ.
كثيرون كانوا يقصدون الشّيخ بخوف مصحوب بثقة كبيرة، وكثيرون أيضاً، وبدون إرادتهم، كنت تراهم راكعين على أقدامه، متأثّرين بقداسته المشعّة وببعد نظره الثّاقب. لم يكن الشّيخ يساعد فقط من كان بعيداً عن الكنيسة بتهاون وكسل منه، بل أيضاً من كان قد فقد إيمانه لانغماسه بالأمور الماديّة، هؤلاء كانت حالتهم أصعب من الأولين: تقدّم أحدهم إلى الشّيخ بعد أن فقد كلّ معنى للحياة، فلجأ إلى الكاتب تولستوي عساه يجد لديه ما يفتّش عنه ولكن دون جدوى. فذهب إلى الأب أمبروسيوس قائلاً: " إنني آت لأرى فقط ". فقال له الشّيخ: " حسناً انظر ما تريد ". ثم أخذ الشّيخ ينظر إلى زائره بنظرة صافية شفّافة أثّرت في نفس الزّائر كثيراً، واخترقت أعماقه. وبعد محادثة قصيرة خرج الرجل وهو يقول لقد عدت إلى الإيمان.
لقد عرفت بريّة أوبتينو العديد من المشاهير كالأديب قسطنطين ليونتيف، الذي كان لفترة زمنيّة معيّنة خاضعاً لإرشاد الأب كليمان زاديرغولم، ثم وبعد وفاة هذا الأخير لجأ إلى الأب أمبروسيوس. كان طبع ليونتيف الصّعب جدّاً امتحاناً عسيراً لصبر الأب أمبروسيوس. ولكنّ محاولات الشّيخ تكلّلت أخيراً بالنّجاح إذ أصبح ليونتيف من أخلص أصدقائه. كان ليونتيف يعاني من مرض عضال يؤلمه كثيراً، ويعتقد كلّ الإعتقاد بأنّه سوف يكون سبب موته. ولكنّ الشّيخ كان يؤكّد له بأنّه لن يموت بهذا المرض بل بمرض آخر. وفعلاً مات ليونتيف بمرض احتقان الرّئتين، المرض الذي كان ألمه أخفّ وطأة من المرض السّابق.
عام /1878/ توجّهت إلى أوبتينو منارتان من الأدب في روسيّا: فيودور دوستيوفسكي وفلاديمير سولوفيف لمقابلة الأب أمبروسيوس. وهاكم ما دوّنته امرأة دوستويفسكي قائلة: " في /16/ أيّار من عام /1878/ أصابت العائلة نائبة كبرى. لقد مات ولدنا الشّاب ألوشا. لقد فُجع فيودور ميخايلوفيتش (دوستويفسكي) بموته إذ كان يحبّه حبّاً جمّاً، حتى إنّي مرّات عديدة خلت أنّ هذا الحبّ مرضيّ. لهذا طلبتُ من صديقه فلاديمير سولوفيف أن يصحب زوجي في رحلة إلى بريّة أوبتينو. لقد كان يحلم زوجي منذ زمن طويل أن يذهب إلى هناك وها الآن قد أصبح الحلم حقيقة. لقد كان موت ابني صعباً جدّاً عليّ، إذ كنتُ دائمة البكاء لا أجد سبيلاً إلى أيّة تعزية. لقد أصبحتُ غير مبالية بكلّ الأمور، وفقدت شهيّتي لكلّ عمل، وأهملت كلّ واجباتي المنزليّة، حتى أولادي لم أعد أهتمّ بهم كعادتي. لقد أصبحت أعيش فقط في ذكرى ابني وحياته. لقد دوّن فيودور في قصّة الإخوة كارامازوف كلّ مشاعري وكلّ أفكاري وأقوالي في فصل دعاه "قرويّة مؤمنة " أو امرأة وثقت بالأب زوسيماس، فباحت له بكلّ آلامها لفقدان ولدها. كان فيودور يعاني الكثير عندما يراني على هذه الحال، ويتوسّل إليّ أن أقبل إرادة الله في حياتنا، وأن أقبل بتواضع المصاب الذي هزّنا رأفة به وبأولادنا، في حين لم أكن أشعر وقتها إلاّ باللامبالاة تجاه الجميع. وعندما عاد فيودور من زيارته لأوبتينو كان هادئاً وساكناً، وأخذ يسرد لي مطوّلاً عادات الدّير الذي قضى فيه يومين. لقد رأى الأبَ أمبروسيوس ثلاث مرّات: مرّة بين الجموع، ومرّتين في محادثة انفراديّة. لقد قصّ على الشّيخ الحدث الذي أصابنا، كما حدّثه عن حزني الشّديد، فسأل الشّيخ: " هل زوجتك مؤمنة "؟ وعندما أجاب فيودور بالإيجاب، حمّله الشّيخ بركاته إليّ، كما أرسل لي كلمات سوف تُكتب لاحقاً في الرّواية، حيث يتوجّه الستارتز زوسيما إلى الأمّ الحزينة. لقد أكّد لي فيودور بأنّ هذا الشّيخ يعرف مكنونات القلوب بما يتمتّع من صفاء الذّهن. وهكذا استقى دوستويفسكي روايته الإخوة كرامازوف من إسقيط أوبتينو ومن نسّاك الإسقيط وآبائه.
عام /1877/ ذهب ليون تولستوي للقاء الأب أمبروسيوس وكلّه ثقة بحكمته الشّخصيّة. ثم وفي عام /1881/ عاد ثانية إلى أوبتينو مرتدياً هذه المرّة ثياب فلاّح. وعندما خرج من محادثة الشّيخ صرخ بقوة: " بالحقيقة إن الأب أمبروسيوس قدّيس حقيقي. لقد تحادثت معه وامتلأت نفسي فرحاً وغبطة. نعم، لدى محادثتي معه شعرت بأنّ الله قريب منّا. "وفي عام /1890/ عاد تولستوي لزيارة الشّيخ، ولكن لم تكن المحادثة وديّة هذه المرّة، لإنهما اختلفا في مواضيع متعدّدة، حتى صرّح تولستوي قائلاً :" إنّي مضطّرب". لقد عانى الأب أمبروسيوس من كبرياء تولستوي كثيراً، وأتعبته محادثته فقال: "إنّ كبرياء تولستوي وضعته في اختبار قاس. إنّي أقدّر جسامة الخطيئة التي غرقت فيها نفس تولستوي ضدّ الكنيسة ".
هذان مثلان من مشاهير الشّخصيّات العالميّة التي قصدت الشّيخ المستنير أمبروسيوس. ولكن الشّيخ لم يستقبل فقط المشاهير، بل تنوّعت مراتب زوّاره: فمنهم الرّاهب والعلماني، الغني والفقير، المثقّف والجاهل، المغمور والذّائع الصّيت، وكان يستقبل الجميع على حدّ سواء. لذا لم تقتصر المواضيع التي كان يعالجها على الرّوحيّة فقط بل تعدّتها إلى الأمور العالميّة. فكان يعزّي قلب المحزون، ويردّ الملحد إلى إيمانه، كما كان يسدي مشورته في عقد زواج موفّق، ويهتمّ حتى بصغائر الأمور كشراء حقل أو إيجاد عمل...
هذا بالإضافة إلى أنّ الكثير من الأمّهات كنّ يأتين إليه لاسترشاده في كيفية تربية أولادهنّ، فكان يجيب قائلاً: " أنا لا أنصح بتربية الأولاد وفقاً لمتطلّبات العصر الحاضر، بل لتزوّد الأمّ أبناءها بالتّربية الرّوحيّة التي هي الغنى الحقيقي للنّفس.. الرّاحة والرّخاء يفسدان الأطفال ". كما انتقد الشّيخ أيضاً الأمّهات اللواتي يعتمدن على ذواتهنّ قائلاً لإحداهنّ: " أنا أعلم بأنك تحبّين أولادك، ولكن دعي العناية الإلهيّة تعتني بهم أيضاً ". وقال لأخرى: "لقد كتبت لي عن مرض ابنتك فانتبهي إذن لما سأقول: هل تستطيع أمّ ألاّ تحزن أو تغتمّ لمرض ابنتها ؟ إنّ لها شعوراً إنسانيّا،ً وبحسب شعورها هذا فهي تُعذر، ولكن يجب أن تتذكّري أيضاً بأنك امرأة مسيحيّة تؤمن بالحياة الأخرى، وبالمكافأة التي سننالها لتحمّلنا كلّ المحزنات العارضة لنا إمّا بإرادتنا أو بغير إرادتنا. إذن لا تدعي اليأس يلفّك، ولا الحزن يغلّك كالفرّيسيين أو غير المؤمنين، فمهما كانت آلام ابنتك فإنّها لا تقاس بآلام الشّهداء، وإن كانت كذلك، فثقي بأنّها سوف ترث معهم الفردوس. ويجب ألاّ تنسي بأنّ الآلام الجسديّة تنقّي النّفس، كما يجب أن نعي أيضاً بأنّ الفردوس لا نحصل عليه بدون آلام وأحزان. أنا لا أقول هذا متمنّياً الموت لابنتك، ولكن لكي تعلمي بأنّك مهما أحببتها، فإنّ الله الكليّ الرأفة والرّحمة يحبّها أكثر منك وهو القائل ولو نسيت المرأة رضيعها لا أنساك أنا... من ناحية أخرى أقترح بأن تعترف الفتاة وتتناول القرابين الإلهيّة ".
لقد تعرّض الشّيخ حتى لمواضيع الإيمان بين الطّوائف، فقد وردته أكثر من رسالة من البروتستانت والكاثوليك يستوضحون عن المعتقد الصّحيح، فكان الشّيخ يجيبهم بحسب الإنجيل وأقوال الآباء.
الأسرار التي تخفى عن الشّيخ لم يكن لها وجود، إذ كان يقرأ مكنونات النّفس كما في كتاب مفتوح. مهما تسلّح الزّائر بالصّمت وانزوى في ناحية ما، وراء ظهر الآخرين، فحياته وحالة روحه والدّافع الذي أتى به الى أوبتينو، لم تكن لتغفل عنها عينا الشّيخ الدّاخليتان. أراد الستارتز إبقاء موهبة البصيرة عنده محجوبة عن الأنظار، لذا كان يلجأ إلى سلسلة من الأسئلة يطرحها على من يريد مقابلته، غير أن نهج أسئلته كان يفضح أمر معرفته السّابقة للأمور. وقد يحدث أن يدفعه الحماس فتخونه شفتاه ويكشف ما يعرف دون إرادته. ففي أحد الأيّام أجاب أحد الحرفيين الذي كان يشكو من ألم في يده: "نعم ستؤلمك يدك.. لماذا ضربت أمك؟ " ثم استدرك منزعجاً وبدأ بأسئلته: " هل كان تصرّفك حسناً دائماً؟ هل أنت ابن بار؟ ألم تهن يوماً أهلك؟ " غالباً ما كان الشّيخ يستعمل تلمحيات سرّية وأكثر الأحيان بطريقة فكاهيّة، ليوحي للنّاس بأنّ سيئاتهم المخفيّة معلومة عنده. والشّخص الذي ينظر إليه الشّيخ كان وحده يفهم ما يعني. سيّدة اهتمّت أن تخفي ما عندها من هوى المقامرة الذي تسلّط عليها، سألته مرّة صورة فتوغرافيّة له فأجابها مبتسماً: " وهل نحن نتسلّى بورق اللعب في الدّير؟ " إذ ذاك اعترفت له بضعفها على الفور. كما أتته مرّة فتاة شابة، كانت تبدي نحوه كرهاً شديداً وتدعوه "المنافق الهرم"، أتته هذه بدافع الفضول ووقفت قرب الباب وراء الزوّار المنتظرين. خرج إليهم الستارتز وبعد صلاة قصيرة، حدّق جيّداً في الحشد وتوجّه نحو الشّابة قائلاً: "هذه هي فيرا التي أتت لترى المنافق الهرم". وبعد محادثة طويلة حميمة بدّلت الفتاة رأيها وأصبحت فيما بعد راهبة في دير شاموردينو الذي أسّسه الشّيخ.
إنّ نصائح الشّيخ لم تكن تبدو عاديّة أوّل الأمر، ولكنّها كانت تتحقّق بحرفيّتها رغم غرابتها. فقد قصدته مرّة أختان، كانت الصّغيرة منهما حيويّة مرحة، أتت تطلب بركة القدّيس قبل زواجها. أمّا الكبرى فكانت صامتة متأمّلة، أتت أيضاً طلباً للبركة ولكن لدخول الدّير. أمّا الشّيخ فأعطى الصّغرى سبحة رهبانيّة، وأنبأ الكبرى بأنّها سوف تتزوّج في مقاطعة لم تكن قد زارتها من قبل. وهكذا حصل. فعلى إثر خيانة خطيبها، أدركت الصّغرى بطلان الدّنيا وتفاهتها فزهدت بالعالم ودخلت الدّير. أمّا الكبرى فقد تزوّجت بإنسان تعرّفت عليه عندما زارت إحدى قريباتها في المقاطعة التي كان قد حدّدها الشّيخ.
وهذه قصّة أخرى تظهر مدى قدرته على معرفة المستقبل: اعتادت أرملة من أسرة عريقة أن تتردّد عليه برفقة ابنتها، التي كانت في سنّ الزّواج، تطلب رأيه فيمن يتقدّمون لخطبة الفتاة. فكان الشّيخ دائماً ينصحهما بالتّريث ريثما يأتي العريس المناسب. أخيراً تقدّم شخص نال إعجاب الفتاة والأم معاً، فقامتا إلى الشّيخ لتسألاه البركة. ولكنّه أوعز إليهما أن ترفضاه قائلاً:" ستحظى بعريس رائع جدّاً، حتى أنّ كلّ معارفها سوف يحسدونها على هنائها، ولكن دعونا نحتفل بعيد الفصح أوّلاً، ففي هذا النّهار ستكون الشّمس مشعّة ومشرقة جدّاً. فلا تنسيا أن تتمتّعا بمنظرها. انتبها وحدّقا جيّداً. ولما حلّ عيد الفصح ذكّرت الفتاة أمّها بكلام الأب، وفيما هما تحدّقان في الشّمس صرخت الفتاة بأمّها:"أمّي، أمّي إنّي أرى السّيد مرتفعاً بالمجد، سوف أموت قبل عيد الصّعود". استغربت الأمّ كلام ابنتها إذ كانت تتمتّع بصحّة جيّدة لا تشكو من أيّ مرض. وبالفعل، وقبل عيد الصّعود بأسبوع، أُصيبت الفتاة بألم في أسنانها، انتقلت على إثره إلى الحياة الخالدة لتحظى بالسّيد عروس كلّ نفس عروساً خاصّاً لها.
على مدى عصور طويلة، نال موهبة صنع العجائب وشفاء المرضى كلُّ من اتّبع المعلم بطاعة غير مشروطة. في القرن التّاسع عشر نعمت روسيّا بالعديد من القدّيسين الموهوبين بشفاء المرضى، منهم القدّيس سيرافيم ساروفسكي، والقدّيس يوحنّا كرونستادت وغيرهم. وكذا الستارتز أمبروسيوس، فقد منحه الرّب موهبة صنع العجائب بما أنّه كان يعمل جاهداً لتطبيق وصايا الرّب، ولقد اخترنا البعض منها :
فها هي إحدى الأمّهات تصف كيف استطاع الستارتز أن ينجّي ابنها من موت مريع قائلة: " إنّي بفرح كبير وبعميق الاعتراف بالجميل للأب أمبروسيوس رجل الصّلاة، أقر بما يلي: في /27/ من شهر أيّار من عام /1878/ وقع ابننا دمتري البالغ الرّابعة عشرة من عمره فريسة مرض مجهول، إذ كان يعاني آلاماً في الأذنين والرأس والفكّ. وصلت درجة الحرارة حتى الأربعين درجة وأصبح أصمّاً. لقد قضى ليال بكاملها دون أن ينام. ولقد قال لنا الطّبيب المختصّ بأنّ الشّاب يعاني من مرض لا شفاء منه، وإن حصل الشّفاء فسيكون بعد سنين طويلة وما علينا إلاّ بالصّبر. ولكنّ حالة ابننا ازدادت سوءاً حتى كاد يفقد قواه، وكانت آلامه التي لا تطاق تزداد يوماً بعد يوم. فارتأى زوجي أن نذهب إلى بريّة أوبتينو للصّلاة والصّوم وطلب بركة الستارتز أمبروسيوس، عسى الله يمنّ على الشّاب بالشّفاء.
وهكذا في /26/ حزيران قصدنا أوبتينو بعد أن تركنا ابننا في عهدة مربّية له. توجّهنا لدى وصولنا إلى الشّيخ وتحدّثنا عن مرض ابننا وعن آلامه المبرّحة طالبين صلواته، فابتسم الستارتز وأجابنا بلهجة لطيفة : "لا تقلقوا، لا تقلقوا كلّ شيء سيكون على ما يرام، إنّما يجب أن نصلّي إلى الرّب، لأنّ صلاة الوالدين تسرّه، فثقوا برحمته وعنايته فتنالوا تعزية من لدنه. وهكذا بقينا في أوبتينو حيث اعترفنا واستعددنا لمناولة القرابين الإلهيّة بحسب إرشاده، وكان دائماً يكرّر لنا القول "لا تقلقوا"، مع أنّ أخبار الولد الصّحيّة كانت في تدهور مستمرّ. وفي الأوّل من تموز بلغنا بأنّ ابننا يحتضر. فأسرعنا بالعودة، وذهبنا نطلب بركة الأب الأخيرة، وعندها أعطاني صليبين، واحداً لي وواحداً لابني قائلاً: " إنّي أبارك ابنك فصلّي إلى الرّب". وعند وصولنا وجدنا ابننا فعلاً في حالة يصعب وصفها. ولكنّه وبالتّحديد في /2/ تموز وبعد نوبة مؤلمة، أخلد ابننا إلى نوم عميق، استفاق بعده في كامل قواه وصحّته وعافيته. كيف هذا ؟ لا أعلم. ما أعلمه هو بأنّ دموع الفرح والشّكر لله كانت تنهمر من أعيننا. لقد أخذ ديمتري يتماثل إلى الشّفاء شيئاً فشيئاً. وفي /25/ من شهر آب ذهبنا سويّة مع ديمتري لزيارة أوبتنيو والستارتز أمبروسيوس للشّكر والتّبرك. لقد أكد الطّبيب عافية ديمتري بعد فحص دقيق أجراه له.
"فأحضروا إليه جميع السّقماء والمصابين بأمراض وأوجاع مختلفة فشفاهم" ألم يَعِد السّيد تلاميذه بأنّهم سوف يعملون كلّ ما كان يعمله هو؟ حقاً لقد كان قدّيسنا من أخصّاء السّيد، إذ كان يسمع كلمة الله ويعمل بها، لذا شفى الكثيرين ممن أتوا إليه وحتى ممن لم يأتوا إليه أو يسمعوا به أو عرفوه.
لقد كان الأب أمبروسيوس يتمتّع بموهبة شفاء الأمراض، ولكنّه كان يرجع فضل الشّفاء لله لا له، كما حصل في هذه القصّة: دخلت إحدى السّيدات إلى قلاية الشّيخ وهي تصرخ قائلة: " اشفني أيّها الأب أرجوك ". فصاح بها قائلاً :" ليس أنا من يشفي بل الله وسيدة السّماء، فاذهبي وصلّي إليها لتنالي البرء."
لم يشفِ الستارتز من الأمـراض الجسديّة فقط بـل حتى مـن العادات
السّيئة كعادة السّكر مثلاً. فلقد شفى أحد القرويين المعتادين على السّكر، الذي كان يسرق أحياناً المال ليشتري المسكر. لكنّه عندما لجأ إلى الأب أمبروسيوس انحلّ من هذه العلّة السّيئة.
كثيرون أيضاً شفوا دون أن يعرفوا الأب شخصيّاً، ولا حتى سمعوا به كما حدث في هذه القصّة: " كنت متمدّدة على مقعد في غرفتي عندما تولاّني نعاس خفيف، كنت لا أزال معه أشعر بآلام جسدي عندما رأيت وكأنّ باب غرفتي قد فُتح ودخل منه راهب شاب، فسألني: " ممّ تشكين ؟" فقلت: "آلام في يدي وقدمي وكذلك في الرأس ". فأمسك يدي وقدمي بيديه وضربني ضرباً خفيفاً على رأسي في موضع الألم، فاستدرت نحوه وسألته عن الرّاهب الواقف خلفه فقال لي إنّه الستارتز أمبروسيوس ستارتز أوبتينو، وعندها استفقت على صوت خادمتي تعلن لي موعد الذّهاب إلى الكنيسة."
قبل سبع سنوات من رقاد الستارتز، وضع أساساً لأهمّ أعماله أي تأسيس دير نسائي في شاموردينو التي لا تبعد كثيراً عن بريّة أوبتينو. لقد رأينا كيف أنّ الشّيخ أمبروسيوس كان يعتقد بأن السّلام الحقيقي لا يوجد خارج الأديار، لذلك شجّع كثيراً اعتناق الرّهبنة، وأسّس هو نفسه عدّة أديار في مناطق متعدّدة، كان أهمّها بالنّسبة إليه دير شاموردينو. في الأوّل من تشرين الأوّل من عام /1884/ بارك أسقف كالوغا فلاديمير الدّير الجديد. لقد اختار الأب أمبروسيوس صوفيا ميكايلوفنا رئيسة أولى للدّير، وهي امرأة أرملة لها نحو الخمسين من العمر. ولكنّها كانت تعاني من صحّة سيّئة لذلك رقدت في كانون الأوّل من عام /1888/، وكان الأب أمبروسيوس يقول عنها " بأنّها قد وجدت دالّة قرب الرّب لصلاحها ". اختار الشّيخ بعدها الأمّ افروسيني وكانت ابنة روحيّة له منذ عام /1860/ . لقد أخذت راهبات الدّير على عاتقهنّ تدوين أقوال الشّيخ وجمع رسائله، وتحت إرشاده كنّ يقمن ببعض الأعمال الاجتماعيّة: كالاعتناء ببعض الفتيات اليتيمات، وتثقيف وتوجيه عدد من الفتيان. كما كنّ يعتنين بالمرضى والمهملين من المساكين. في الصّيف، كان الأب يزور الدّير، وهو المكان المفضّل لديه، ليرى زرعه قد أنبت إلى أضعاف قبل أن تأتي عليه الثّورة الشّيوعيّة سنة / 1917/.
لقد أصبحت حالة دير شاموردينو تعسة بعد موت الأمّ صوفيا. صحيح أنّ الأمّ افروسيني، خليفتها، كانت امرأة مميّزة، ولكنّها كانت قليلة الخبرة في الأمور العمليّة. وللأسف، لم تكن باقي الأخوات أحسن حالاً منها. سبّب هذا الأمر حزناً عميقاً للأب أمبروسيوس، فتوجّه إلى الدّير في حزيران سنة /1890/ عساه يريح الرّاهبات قليلاً. هذه هي المرّة الأخيرة التي سيغادر فيها أوبتينو وإلى غير رجعة، إذ ساءت حالته جدّاً ولم يستطع العودة فاضطّر لتمضية الشّتاء في شاموردينو. وكان قد خلّف وراءه كمدبّر لأوبتينو مساعدَه الأب يوسف.
كان عام /1891/ العام الأخير في حياة الستارتز، فراح بكلّ ما أوتي من عزم يسعى لكي يؤسّس الدّير على قواعد راسخة. ولكنّه، مع انهماكه بأمور الدّير، لم يكن ليمتنع عن استقبال الزوّار من علمانيين وإكليريكيين رغم تردّي صحّته المستمرّ. ومن الآلام التي كانت تحزّ في نفسه، تهجّم الآخرين عليه وشكوكهم تجاهه لإقامته في دير نسائي، تاركاً ديره أوبتينو. ولمّا تعرّض لسؤال مطران كالوغا عن هذا الموضوع أجابه: "إنّ العناية الإلهيّة هي التي قادتني إلى شاموردينو". وعندما عرضوا عليه العودة ثانية إلى أوبتينو أجاب: "لن أصل بل سأموت في الطّريق". ثم أضاف متوجّهاً بقوله إلى أحد الآباء المدعو ثيودوسيوس: " لن نجد الرّاحة إلاّ عندما سيرتّلون لنا أرح يا ربّ نفس عبدك في راحتك ".
في هذا العام بالذّات ساءت صحّته كثيراً، ومع ذلك استمرّ في استقبال الزوّار، وتحسين وضع الدّير الأحبّ إلى قلبه. وهذا كان يتطلّب منه مجهوداً كبيراً، لذا قال ذات يوم: "إنّه لجيّد أن نقف أمام صليب السّيد، ولكنّ الأفضل أن نكون نحن على الصّليب من أجله". وأيضاً نستطيع أن نلحظ من خلال رسائل الأب أمبروسيوس كيف أنّه كان يعيش جسمانية مستمرّة خاصّة به. ففي رسالة له مؤرّخة في /18/ ايلول /1873/ يقول: " يا لصحّتي التّعسة، إنّي أعاني من أمراض في المعدة مصحوبة بحرارة ممّا يجعل الأكل صعباً. كما أعاني من ألم في الحنجرة، وكذا من زكام مزمن، ومن روماتيزم في اليد اليمنى التي كثيراً ما تحرمني النّوم، وتجعلني أرسم إشارة الصّليب باليد اليسرى. إنّي أحمل يدي اليمنى بمنديل، لأنّ أدنى حركة منها تؤلمني كثيراً...حالة معدتي اليائسة تمنعني من تناول الكثير من أنواع الطّعام، وكذا أمعائي الضّعيفة بالإضافة إلى آلام الرّأس المصحوبة بالغثيان". وفي رسالة أخرى مؤرّخة بتاريخ /10/ شباط من عام /1889/ : ماذا أقول عن صحّتي المسكينة؟. إنّي في تأخّر مستمرّ ولم يعد لي قوّة. الجسد كلّه يعاني من الرّوماتيزم مع ألم مستمرّ في المعدة والأمعاء. إنّي أتشجّع عندما أتذكّر القدّيس يوحنّا الذّهبي الفم، النّور المشع للكنيسة الأرثوذكسيّة، الذي كان دائماً مريضاً ولكنّ هذا لم يمنعه مطلقاً من الاهتمام بأعمال الكنيسة، ومن كتابة مقالاته حول الإنجيل وأعمال الرّسل. كان يشفي الآخرين، وأما هو فقد مات تحت وطأة الحرارة المرتفعة. من المفيد جدّاً أن نتذكّر في ضيقاتنا القدّيس يوحنّا الذّهبي الفم، الذي رغم أمراضه، لم يكفّ عن الاعتناء بالكنيسة ". كما كان دائم التّأمل في شجاعة القدّيس إغناطيوس الإنطاكي الذي قضى مأكلاً للوحوش، ويستمدّ من مثَله القوّة والصّبر.
كان القدّيس يعتبر نفسه خاطئاً كبيراً وأنّه يتألّم بسبب خطاياه. كان يتناول القرابين المقدّسة كلّ أسبوعين أو ثلاثة، فيلجأ قبل المناولة إلى الاعتراف، وها هو الأب – أفلاطون - الذي كان يعرّفه يقول عنه: "إنّه كان يعترف بخطاياه بتواضع ودموع وكأنّه واقف فعلاً أمام منبر المسيح يُحاكم".
لم يقتصر عذاب القدّيس أمبروسيوس على آلام جسده، بل طالته الشّائعات فزادت من عذابه، إذ إنّ صغار النّفوس ممن لم يحظوا بمقابلته، زادوا على تذمّرهم عليه أنّهم نالوا من سمعته مستهجنين إقامته في دير للرّاهبات. وصلت هذه الشّائعات إلى مسامع مطران كالوغا الجديد، فثارت ثائرته، وقرّر أن يأتي هو بنفسه لنقل الشّيخ إلى أوبتينو. ولكنّ هذا الأخير عرف بروح النّبوءة أنّ ذلك لن يتمّ، وبأنّ مجيء المطران سيكون لتجنيزه وليس لنقله حيّاً إلى أوبتينو. وعندما سأله البعض كيف يجب أن نستقبل الأسقف أجاب : "إنّنا لن نستقبله بل هو سيستقبلنا". وعندما استفسر الآخرون ماذا يجب أن يُرتّل له أجاب: "هللويا". وطبعاً كان هذا نبوءة عن مراسيم موته ودفنه. وعندما اقترب شهر أيلول من نهايته، أدرك الكلّ أنّ نهاية الستارتز أيضاً باتت وشيكة. فلم يبق من جسده الشّبه المائت سوى عينان صغيرتان تبرقان ببريق الوداعة واللّطف، بينما كانت تعلو وجهه صفرة الموت. أخذت صحّة الشّيخ تتردّى يوماً بعد يوم، حتى كان يوم العاشر من شهر تشرين الأوّل، وهو موعد زيارة أسقف كالوغا، الذي تملّكته دهشة كبيرة عندما علم فور دخوله الدّير بنبأ موت الستارتز، فأردف: "الآن فهمت، لقد دعاني الستارتز إلى إقامة جنازه ". لقد وصل الأسقف تماماً في اللّحظة التي كان فيها الجوق ينشد "هلّلويا"، وعندها تذكّر الجميع كلمات الستارتز بأنّهم سوف يستقبلون الأسقف بترتيلة هلّلويا.
وفي اليوم التّالي قرّر المجمع المقدّس أن يُنقل جسد القدّيس إلى دير أوبتينو ليدفن هناك. وكان ذلك في الرّابع عشر من شهر تشرين الأوّل. كم كان حزن الرّاهبات عميقاً بموت أبيهنّ، ولكنّ حزنهنّ كان أشدّ عندما علمن بأنّ جسده سوف يفارقهنّ. لقد بقي الجسد مسجّى في دير شاموردينو حتى يوم الأحد، وهكذا بدأت أرتال من الزوّار تؤمّ الدّير لتتبرّك، وللمرّة الأخيرة، من الستارتز القدّيس ذي الوجه المضيء. لقد كان الزوّار يتهافتون على أخذ البركة إمّا بمناديل يمسحون بها رفات القدّيس، أو بأخذ نتف من ثيابه، أو حتى بمجرد لمس جسده، كما كانت الأمّهات تحملن أطفالهنّ ليتباركوا من الجسد المسجّى. أُودع الجسد هيكل الكاتدرائيّة، وفي اليوم التّالي، أي يوم الثّلاثاء، في الخامس عشر من شهر تشرين الثّاني، نُقل الجسد إلى كاتدرائيّة سيّدة قازان، حيث احتفل بالذّبيحة الإلهيّة. بعد ثلاثة أيّام، ورغم الجوّ الخانق بسبب الجماهير المحيطة به، لم يفسد الجسد بل أخذت تضوع منه رائحة طيّبة كتلك التي تفوح عادة من أجساد القدّيسين. اشترك في الجنّاز ما لا يحصى ولا يُعدّ من المؤمنين، فكان تشييعه أشبه ما يكون باحتفال كبير سارت فيه الجموع من دير شاموردينو إلى دير أوبتينو حيث استراح القدّيس أمبروسيوس نهائيّاً إلى جانب الأب مكاريوس.
لم يتوقّف سيل العجائب بموت القدّيس، فالكثير ممن شربوا من ماء البئر المختص به برئوا من أمراضهم، وظهر هو نفسه لآخرين في الحلم فشفاهم من أمراضهم أو عزاهم في ضيقاتهم.
وهذه راهبة ارتدت حديثاً ثوب الرّهبنة تخبر قائلة:" بعد أربعة أيّام من موت الشّيخ، وكان جسده لم يزل في دير شاموردينو، شعرت بكآبة غريبة سيطرت عليّ حتى قادتني إلى اليأس. فقلت: لماذا ياربّ تركني هكذا الستارتز وأنا مازلت في بداية طريقي الرّهبانيّة؟. ثم ما لبثت أن شعرت بنعاس خفيف استحوذ عليّ فنمت، فإذا بي أشاهد الستارتز متوجّهاً نحوي قائلاً بصوت حازم :" لن أتركك أبداً ". مازلت حتى الآن أسمع صوته وكأنّه حيّ، بينما غرقت نفسي في سلام وهدوء عظيمين ".
وهنا رسالة من نيقولا جاكوفليفيتش بعد مرور خمسة أعوام على رقاده: " كنت مريضاً مرضاً خطيراً وأعاني من آلام مبرّحة في الرّأس والقدمين. وفي /26-11-1896/ أحضر لي والدي نشرة صادرة عن كاهن قريتنا، قرأت فيها موضوعاً قيّماً عن الأب أمبروسيوس فرحت أرجوه أن يشفيني من أوجاعي. وبعد أن صلّيت نمت، وفجأة رأيت نوراً ساطعاً برق أمامي، وسمعت وقع أقدام تتّجه صوبي، وإذا بي أمام رجل ذي شعر رمادي اللون يرتدي منتية رهبانيّة مع صليب على صدره. وإن أردت وصف هذا الرّجل أقول بأنّه كان قصير القامة ذا وجه ناحل من الأصوام، وشعر رمادي اللون مع صوت رنّان. يحمل في يده اليمنى عصا. اقترب من سريري وقال لي: "ياولدي نيقولا قم واذهب سريعاً إلى الكنيسة، وتضرّع إلى القدّيس أمبرسيوس الذي من ميلان وسوف تنال البرء سريعاً ". ثم أخذ يدي وباركني ولمس بعصاه قدميّ فشعرت للحال بالتّحسن يسري فيهما. ثم ناولني شيئاً يشبه الخبز المقدّس، وفجأة شعرت وكأنّ رأسي يُطرق بالمطارق حتى أني خلته قد فارق كتفي، ثم باركني الستارتز من جديد، فقبّلت أنا يده المنيرة سائلاً إيّاه عن اسمه فقال لي: " إنّي أحمل نفس اسم القدّيس الذي طلبت منك أن تصلّي إليه. إنّي الرّاهب أمبروسيوس من بريّة أوبتينو". قال هذه الكلمات ثم اختفى. وعندما استيقظت شعرت بفرح غريب، فرحت أخبر أهلي عن أمر شفائي. ولكنّ رؤيته لم تتوقّف عند هذا الحدّ، بل ظهر لي ثانية مؤنّباً وقائلاً: " ك<
![[Alternative text]](https://www.antiochpatriarchate.org/images/thumbs/image.php?width=500&height=355&image=//images/daily_scripts/philipos22014-10-12-06-31-13.jpg)
10-11 القدّيس فيليبس الرسول أحد الشمامسة السبعة:
" ...انحدر فيلبس الى مدينة من السامرة وكان يكرز لهم بالمسيح. 6 وكان الجموع يصغون بنفس واحدة الى ما يقوله فيلبس عند استماعهم ونظرهم الآيات التي صنعها. لأن كثيرين من الذين بهم أرواح نجسة كانت تخرج صارخة بصوت عظيم. وكثيرون من المفلوجين والعرج شفوا. 8 فكان فرح عظيم في تلك المدينة"
> انقروا هنا لقراءة السيرة بالكامل
![[Alternative text]](https://www.antiochpatriarchate.org/images/thumbs/image.php?width=500&height=355&image=//images/daily_scripts/untitled-12014-10-12-04-05-27.jpg)
10-12القدّيس البار سمعان اللاهوتي الحديث
في إحدى الليالي، صار في النور الذي اخترق كلّ أعضائه وجعله، بكلّيته، ناراً ونوراً. وإذا بصوت من فوق يذيع عليه أن هذا المجد الذي جعله يتجلّى، هو إيّاه المدخر للمختارين في القيامة العامة.
مذ ذاك، وقد ملكه الروح القدّوس وصار إلهاً بالنعمة. أخذ يخط مقالاته اللاهوتية والميستيكية.
> أنقر هنا لقراءة السيرة بالكامل
![[Alternative text]](https://www.antiochpatriarchate.org/images/thumbs/image.php?width=500&height=355&image=//images/daily_scripts/012014-10-12-08-45-36.jpg)
10-12كربُس وبابيلوس وأغاثوذورس وأغاثونيكي الشهداء
كان كربُس كاهناً للأوثان، ثم اهتدى إلى المسيح واعتمد وصار أسقفاً على كنيسة ثياتيرا المجاورة لأفسس وهي كنيسة أسسها القديس يوحنا الحبيب. أما بابيلوس فكان شماساً له...
![[Alternative text]](https://www.antiochpatriarchate.org/images/thumbs/image.php?width=500&height=355&image=//images/daily_scripts/image2022-10-14-12-53-52.jpeg)
10-14القدّيس قزما المنشئ أسقف مايوما
القدّيس قزما المنشئ أسقف مايوما
وكما أخذ قوزما ويوحنا عن أستاذهما العلوم الدنيوية، أخذاً أيضاً علم العلوم وفن الفنون: محبة النسك والصلاة، الحياة الرهبانية. فانتقلا، في وقت لاحق، إلى دير القديس سابا، وانخرطا في الحياة الملائكية.
![[Alternative text]](https://www.antiochpatriarchate.org/images/thumbs/image.php?width=500&height=355&image=//images/daily_scripts/188492014-10-13-11-39-58.jpg)
10-14القدّيسون نازاريوس وجرفاسيوس وبوطاسيوس وكَلسيوس الشهداء ورفقته
شهداؤُك يا رب بجهادهم، نالوا منكَ الأكاليل غير البالية يا إلهنا، لأنهم أحرزوا قوَّتكَ فحطموا المغتصبين، وسحقوا بأسَ الشياطينَ التي لا قوَّة لها. فبتوسلاتهم أيها المسيح الإله خلصْ نفوسنا.
![[Alternative text]](https://www.antiochpatriarchate.org/images/thumbs/image.php?width=500&height=355&image=//images/daily_scripts/agioskosmasaitolos052014-10-13-11-42-54.jpg)
10-14القدّيس قزما البار الناظم
لقد تزينتَ بالفضائل يا قزما اللاهج بالله، فحصلتَ زينةً لكنيسة المسيح وزيَّنتَها بالتسابيح أيها المغبوط، فتشفع إلى الرب أن يُنقذنا من حِيَل المحارب المتنوعة، نحن الصارخينَ إليكَ: السلامُ عليكَ أيها الأب المثلّث السعادة.
![[Alternative text]](https://www.antiochpatriarchate.org/images/thumbs/image.php?width=500&height=355&image=//images/daily_scripts/agiosloukianos0132014-10-15-12-54-26.jpg)
10-15القدّيس لوكيانوس الشهيد في الكهنة المعلّم الأنطاكي
لكَ نحتفل جميعنا بالمدائح، يا لوكيانوس مبجلين إياك، يا مَن أشرقتَ أولاً بالنسك، وتلألأتَ ثانياً بالجهاد، بما أنكَ كوكب كلّي البهاء، فلا تزال متشفعاً من أجلنا جميعاً.
![[Alternative text]](https://www.antiochpatriarchate.org/images/thumbs/image.php?width=500&height=355&image=//images/daily_scripts/hosea12014-10-18-07-02-30.jpg)
10-17النبي هوشع
"إن للرب محاكمة مع سكان الأرض لأنه لا أمانة ولا إحسان ولا معرفة لله في الأرض".
الكاهن أضحى ضالاً ومضلّلاً. " قد هلك شعبي من عدم المعرفة. فبما أنك رفضت المعرفة أرفضك أنا حتى لا تكهن لي". والشعب تحول إلى عبادة الأصنام. "شعبي يسأل خشبه وعصاه هذا هو الزنى بعينه لأن آباءهم كانوا قد نذروا الأمانة للعليّ القدير. "روح الزنى قد أضلّهم فزنوا من تحت إلههم". فليحذر الشعب والكهنة، إذاً، لأن الشعب الذي لا يفطن يتهوّر".
![[Alternative text]](https://www.antiochpatriarchate.org/images/thumbs/image.php?width=500&height=355&image=//images/daily_scripts/luke2014-10-18-07-36-49.jpg)
10-18القدّيس لوقا الإنجيلي الرسول
هو كاتب الإنجيل الثالث وسفر أعمال الرسل.
هو لوقا الطبيب (كولوسي 14:4) معاون بولس الرسول ورفيقه في عدد من أسفاره.
هو من أنطاكية، وكتبنا الليتورجية تصفه بأنّه "جمال الانطاكيين" (صلاة المساء).
هو أحد التلميذين اللذين دنا منهما السيّد في الطريق إلى عمواس وسار معهما. (لوقا 18:24 ).
بحسب تقليد الكنيسة كان رساماً وينسبون إليه أوّل أيقونة لوالدة الإله.