صلاة الزيت المقدّس
1- تعريف:
تقيم الكنيسة خدمة هذا السِّرّ مساء يوم الأربعاء المقدّس، غير أنها ترجو أن يعاد ممارسته وأن يتقبّله كلّ مريض في كلّ وقت وخاصة عندما تدعو الحاجة.
يحسَب هذا السِرّ من أسرار الكنيسة ويسّمى سِرّ الزيت المقدس. يقام دائمًا على رجاء شفاء النفس والجسد.
2- شهادات من الإنجيل حول هذا السِّرّ:
مرقس الإنجيلي:
يروي الإنجيلي مرقس (مرقس7:6-13) كيف أن الرّب يسوع دعا التلاميذ الإثني عشر وأرسلهم إثنين إثنين وأعطاهم سلطانًا على الأرواح النجسة، فخرجوا وعلّموا (كرزوا) من قَبِلَهم وبشّروهم بالرّب يسوع ودعوهم أن يعترفوا بخطاياهم ويتوبوا لينالوا الخلاص.
ويكمل الإنجيلي ليقول: وأخرجوا شياطين كثيرة ودهنوا بزيت مرضى كثيرين فشفوهم.
لنلاحظ هنا النقاط الأساسيّة في هذه الآيات الإنجيلية:
- كان التلاميذ يبشّرون بكلام الرّب وبملكوت السَّموات والحياة الأبديّة.
- الارتباط الوثيق بين قبول الرّب يسوع وتعليمه وبين التوبة الصادقة والإقرار بالخطايا والرجوع عنها.
- عيش كلام الرّب حقيقةً وفعلاً وليس قولاً، وهذا معنى كلمة "كرازة" التي تأتي من اللغة اليونانيّة Kerygma.
فالكرازة المستقيمة وقبول الإنسان بالقلب لها يولّدان حياة جديدة بالرّب يسوع، وثمارهما شفاء النفس قبل الجسد. وهذا ما كان يركّز عليه ويقصده الرّب يسوع في حادثة شفاء المخلّع:" مغفورة لك خطاياك".
صحيح أنّه عندما يصلّى على الزيت كما على الماء يصبحان مقدّسين، ولكن قبول النعمة هو الحافز للجهاد الروحيّ من أجل نوال الخلاص. فالله يعمل من جهة والإنسان من جهة أخرى، وهذا ما تعنيه الكنيسة الأرثوذكسية بتعليمها عن المؤازرة بين عمل النعمة وجهاد الإنسان Synergie.
- العمل الخلاصي الذي قام به التلاميذ لم يكن فرديًا بل جماعيًا ونابعًا من الرّب يسوع مباشرةً. وفي هذا الأمر إشارة واضحة إلى الجماعة الكنسية.
فالرّب يسوع حرص من اللحظة الأولى على تأسيس جماعة متماسكة مبنية على الإيمان الذي لا تقدر عليه أبواب الجحيم، وفي خطبته الوداعية في بستان الزيتون أعلن بوضوح في صلاته:" ليكونوا واحدًا".
رسالة يعقوب:
كتب القدّيس يعقوب في رسالته الجامعة: "أَعَلَى أحدٍ بينكم مشقّات فليصلِّ. أمسرور أحد فليرتّل. أمريض أحد بينكم فليدعُ شيوخ الكنيسة فيصلّوا عليه ويدهنوه بزيتٍ باسم الرب، وصلاة الإيمان تشفي المريض والرب يقيمه وإن كان قد فعل خطيئة تُغفر له. اعترفوا بعضكم لبعض بالزلّات وصلّوا بعضكم لأجل بعض لكي تشفوا " (5: 13-16).
يركّز القدّيس يعقوب في هذه الآيات على الأمور التالية:
- الصلاة بروح الإيمان بالرّب يسوع.
- إستدعاء "شيوخ الكنيسة" أي الكهنة.
- العمل الجماعي.
- الشفاء باسم يسوع،.
- الإعتراف بالخطايا من أجل الشفاء.
من هنا نلاحظ أن لا إنفصال بتاتًا بين الجماعة والكنيسة والرّب يسوع، ولا إنفصال أيضًا بين شفاء النفس والجسد، ونعمة قبول الروح القدس هي للإنسان ككائن واحد متكامل وغير منقسم على نفسه.
وهذا بالضبط ما تأتيه كلّ صلاة في الكنيسة مرتبطة بالشفاءات، وتدل القراءات في هذا اليوم على الارتباط الوثيق بين سِرّ الزيت وسِرّ التوبة. وهذا ما تشير إليه الأفاشين (الصلوات) التي يتلوها الكاهن طالبًا إلى الرّب شفاء المريض.
شهادات من العصور الأولى والأباء القدّيسين:
يحوي هذا الكتاب الذي يعود إلى نهاية القرن الثاني ميلادي نصًّا حول إستعمال الزيت في الكنيسة: "أيها الرّب إلهنا، أنت قدِّس هذا الزيت وأغرس فيه موهبة التقديس للذين يوزّعونه والذين يقبلونه. به أشرت أن يُمسح الملوك والكهنة والأنبياء في القديم. هَبْنا نحن ايضا إذ نُمْسَح به صحةَ النفس والجسد".
كثيرون من الأباء في الكنيسة والمعلّمين يذكرون هذا السِّرّ: القدّيس كيرلس الاسكندري وأوريجانس، وأوسابيوس اسقف قيصرية.
كما يوصي القدّيس يوحنا الذهبي الفم باستخدام الزيت المقدّس في حالات المرض كلّها، وبعدم حصره في حالات المرض القصوى اذ يشرف المريض على الموت عند احتضار المريض... فالسِّرّ ليس هو سِرّ "المسحة الأخيرة"، كما هو شائع، وإنما يتقبلّه من لم يقطع رجاءه بخلاص المسيح.
3- خدمة السِّرّ:
يذكر ترتيب الخدمة أن إتمام سر الزيت المقدّس يجري في الكنيسة وسط الجماعة المخلَّصة، وفي حال تعذر حضور المريض الى الكنيسة يؤدّى السِّرّ في البيت.
تضم الخدمة سبع رسائل وسبع أناجيل وسبعة أفاشين لمباركة الزيت، وبالتالي يقيم الخدمة سبعة كهنة يمثلّون الكنيسة الجامعة الرسولية إلاّ أنّ الكنيسة أجازت تدبيريًّا إقامة عدد أقل من الكهنة أو حتى كاهن واحد.
في الأساس يمسح الكاهن المؤمن بالزيت سبع مرّات للدلالة على أن الكنيسة تعبّر عن حنانها الكامل للمريض بواسطة هذا السِّرّ، ولكن أيضًا ومن باب التدبير بات المؤمنون يُمسحون مرةً واحدة في الكنيسة.
بعد الإنجيل السابع يتناول المتقدّم في الكهنة الإنجيل المقدّس ويرفعه مفتوحًا فوق رؤؤس الحاضرين ويضع باقي الكهنة أيديهم على الإنجيل، ويتلو إفشين إلى الرّب يسوع.
هذا كله ليشير إلى أنّنا أبناء الرّب يسوع بالتبنّي والإنجيل دستور حياتنا.
4- الرحمة والزيت:
كلمة "رحمة" في اليونانية هي έλεος وكلمة زيت هي έλαιον ، وهي تشير أيضًا إلى "المسحة". وهذا يعبّر عن علاقة وارتباط بين الكلمتين من ناحية اللفظ والمعنى.
فصلاة الزيت هي صلاة الرحمة الإلهيّة. فكما أن الرحمة هي صفة من صفات الله، ينبغي أيضًا أن يتّصف بها أولاده كما قال السيّد المسيح: "فكونوا رحماء كما أن أباكم أيضًا رحيم" (لو6: 36).
5- خلاصة:
كم من مرة قال الرّب يسوع " إيمانك قد شفاك" ؟
الرّب دائمًا مستعدٌ أن يدخل قلبنا، ولكن هل نحن مستعدون لفتح قلبنا له؟ هذا هو السؤال الجوهري الذي يجب أن يطرحه كلّ إنسان على ذاته وهو يُدهن بالزيت: هل أقبل الرّب مخلّصًا حقيقيًا لي؟ هل أحفظ وصاياه وأعمل بها؟ هل أعترف بخطاياي وعلى كامل الإستعداد لأن أتوب توبًة صادقة وألا أعود إليها؟ وإن عدت وسقطت عن ضعفٍ مستعد أن أتوب من جديد؟ هل أنا مدرك لحالتي؟ هل أؤمن حقًا بالرّب يسوع إلهًا ومخلّصًا لي في حياتي وأؤمن بفعالية كل كلمة تقال في هذه الصلاة المباركة؟
لنقرّب قلوبنا ونفوسنا مع جبيننا ليمسَحوا بزيت الابتهاج فنشفى من أمراضنا النفسيّة والجسديّة ونضحى إناءً ينضح بالروح القدس.
مراجع مختلفة بتصرّف: كتاب الذيذاخي - كتاب زاد الأرثوذكسيّة - نشرة رعيتي 1997
*1 لقراءة كتاب الذيذاخي > أنقر هنا
2024-09-22
البطريرك يوحنّا العاشر يلتقي مع…
2024-09-22
القداس الإلهيّ في دير القديس…
2024-10-06
القداس الإلهي في كنيسة الصليب…
2024-10-08
بيان صادر عن المجمع الأنطاكي…
2024-10-10
نداء الأرثوذكس في لبنان "دعوا…