أحد الدينونة - أحد مرفع اللحم



الرِّسَالة
١كو ٨: ٨-١٣، ٩: ١-٢

قُوَّتي وتَسْبِحَتي الربُّ أدباً ادَّبَني الربُّ، وإلى المَوْتِ لَمْ يُسلمني
يا إخوة، إنّ الطعامَ لا يقرِّبُنا إلى الله، فإنّنا إن أكلنا لا نزيدُ، وإن لم نأكل لا ننقُص ولكنْ أنظروا أن لا يكونَ سلطانُكم هذا مَعثرةً للضعفاء. لأنّه إن رآك أحدٌ يا من له العِلمُ مُتَّكِئاً في بيتِ الأوثان، أفلا يتقوّى ضميرُه، وهو ضعيفٌ، على أكلِ ذبائح الأوثان، فيهلكُ بسببِ علمك الأخُ الضعيفُ الذي مات المسيحُ لأجلِه. وهكذا، إذ تخطِئون إلى الإخوةِ وتجرحون ضمائرَهم، وهي ضعيفة، إنما تُخطئِون إلى المسيح. فلذلك، إن كان الطعامُ يُشَكِّكُ أخي فلا آكلُ لحمًا إلى الأبد لئلا أُشكِّكَ أخي. ألستُ أنا رسولا؟ ألستُ أنا حُراً؟ أما رأيتُ يسوعَ المسيحَ ربَّنا؟ ألستم أنتم عملي في الربّ؟ وإن لم أكن رسولاً إلى الآخرين فإنّي رسولٌ إليكم، لأنّ خاتَمَ رسالتي هو أنتم في الربّ.

الإنجيل
متى ٢٥: ٣١-٤٦

قال الربُّ: متى جاءَ ابنُ البشر في مجده وجميعُ الملائكةِ القدّيسين معه، فحينئذٍ يجلس على عرش مجدِه، وتُجمَعُ إليه كلُّ الأمم، فيميِّزُ بعضَهم من بعضٍ كما يميِّزُ الراعي الخرافَ من الجِداء. ويقيمُ الخرافَ عن يمينه والجِداءَ عن يسارِه. حينئذٍ يقول الملكُ للّذين عن يمينه: تعالوا يا مبارَكي أبي، رِثوا المُلكَ المُعَدَّ لكم منذ إنشاء العالم، لأنّي جُعتُ فأطعمتموني، وعطِشتُ فسقيتموني، وكنتُ غريبًا فآوَيتموني، وعُريانًا فكسَوتموني، ومريضاً فعُدتموني، ومحبوسًا فأتيتم إليّ. يُجيبه الصدّيقون قائلين: يا ربُّ، متى رأيناك جائعاً فأطعَمناك أو عطشانَ فسقيناك، ومتى رأيناكَ غريباً فآوَيناك أو عُريانا فكسَوناك، ومتى رأيناك مريضاً أو محبوساً فأتينا إليك؟ فيُجيبُ الملكُ ويقولُ لهم: الحقَّ أقولُ لكم، بما أنَّكم فعلتم ذلك بأحدِ إخوتي هؤلاء الصِّغار فبي فعلتُموه. حينئذٍ يقولُ أيضاً للّذين عن يسارِه: إذهبوا عنّي يا ملاعينُ إلى النار الأبدَّية المُعدَّةِ لإبليسَ وملائكتِه، لأنّي جُعتُ فلم تطعِموني، وعطِشتُ فلم تسقُوني، وكنتُ غريباً فلم تؤووني وعُرياناً فلم تكسوُني ومريضًا ومحبوسًا فلم تزوروني. حينئذٍ يُجيبونَه هم أيضاً قائلين: يا ربُّ متى رأيناكَ جائعًا أو غريبًا أو عُريانًا أو مَريضًا أو مَحبوسًا ولم نخدُمْك. حينئذٍ يُجيبُهم قائلاً: الحقَّ أقولُ لكم، بما أنَّكم لم تفعلوا ذلك بأحدِ هؤلاء الصِّغار فبي لم تفعلوه. فيذهبُ هؤلاءِ إلى العَذابِ الأبديّ، والصِدّيقونَ إلى الحياةِ الأبديّة.

 

1- هل تعلم أنّ أحد الدينونة هو مرفع اللحم حيث نتوقّف عن تناول اللحوم على رجاء الكفّ عن نهش لحم بعضنا بعضًا؟

 

يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: "جميلٌ أن تحرم نفسك أكلَ لحومِ الطيور والحيوانات، ولكن الويل لمن يستمرّ في أكل لحم إخوته".

المسيحيّة هي حبّنا للآخر، لأنّ المسيح هو في كلّ واحد منا.

المسيحيّة لا تتكلّم على حياة روحيّة فحسب، بل حياة كاملة يتلاحم فيها الجسد والروح في حجّ ملكوتيّ إلى الحالة الفردوسيّة الأولى التي كانت قبل سقوط الإنسان، حيث كان الجدّان الأوّلان في سلام مع كل المخلوقات على الأرض.

في زمن التريودي، تدعونا الكنيسة إلى استعادة حالتنا السلاميّة مع الله والآخر ومع ذواتنا.

 

٢- هل تعلم ما معنى تسمية "ابن الانسان" في كلام الرّب يسوع المسيح عن الدينونة؟

 

"ابنُ الإنسانِ" هُو الدَّيانُ العادِلُ الذي رآهُ دانيالُ النَّبيُّ آتيًا على السُّحُبِ، وتَسجُدُ أمامَهُ جميعُ الشُّعوب (دانيال ١٣:٧). هُوَ صورة عن المَسيحِ المُنتَظرِ الّذي تَتَعبَّدُ لهُ كلُّ الشُّعوب. مِن هنا نلاحظ في إنجيل هذا الأحد أنّ "ابن الانسان" يُخاطَب بعبارة "يا رب".

 

هذه التسمية  توازي أيضُا لقب "ابن الله". يقول الرب:" "فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يَأْتِي فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ مَلاَئِكَتِهِ، وَحِينَئِذٍ يُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ." (متى ٢٧:١٦). لاحظوا عبارة "مجد أبيه".

 

ولا تُفهم تسمية "ابن الله" بالمفهوم البشريّ، حاشا، بل تشير إلى أنّ المسيح هو الله المتجسّد، الواحد في الجوهر مع الله الآب والله الروح، وهم إله واحد في ثلاثة أقانيم. تمامًا مثل الشمعة المضيئة التي تعطي النور والنار والحرارة وهذه واحد غير منفصلة ولا فارق في الزمن ما بينها.

 

فهذه التسمية الجوهريّة "ابن الله" لها معنى لاهوتيّ مهمّ جدًا في الإيمان المسيحيّ، وتجلّت بظهور الله بالجسد أي الرّبّ يسوع المسيح.

 

٣- هل تعلم أن الرّبّ يسوع يُسمّى "ابن الله" لأنَّهُ المسيح المنتظر ومُتمِّمٌ كلَّ النُّبوءات؟

 

جنّ جُنونَ رئيسِ المَجمعِ اليَهوديّ وشَقَّ ثيابَهُ عندما سأل يسوع «أَأَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ الْمُبَارَكِ؟» فَقَالَ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ. وَسَوْفَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا فِي سَحَابِ السَّمَاءِ». (مرقس ٦١:١٤-٦٣).

هذا الجواب حُسِبَ تجديفًا لأنّ يسوع طبّق رؤيا النبي دانيال على نفسه (دانيال ١٣:٧) مُساويًا نفسَه بِالله.

 

كذلك كلام الرب للكتبة "وَلكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لابْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَانًا عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا"(متى ٢:٩-٧)، عندما قال للمفلوج مغفورة لك خطاياك، هو تأكيدٌ لألوهيّة ابن الإنسان، لأن الله وحده يغفر الخطايا.

 

وإليكم أمثلة أخرى:

- الحوار مع نيقوديموس "وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ" (يوحنا١٣:٣).

 

- الآية "فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ السَّبْتِ أَيْضًا" (متى ٨:١٢). ومعروف أن الله هو رب السبت.

 

 

 

 

٤- هل تعلم ما معنى عبارة "كرسي مجده"؟

كلمة "مجد" بأصلها الساميّ تعني "الثِّقل"، وتطلَق على الشَّخص الذي له الثِّقل. وثقل الشَّخص لا ينفصل عنه بتاتًا. حضورُه هو الثِّقل نفسه. فمجد الله غير منفصل عن نوره وعظمته وملكه.

 

الكرسيّ هنا هو العرش. هو المكان الذي يجلس عليه صاحب السلطان أي الملِك، ولا يحقّ لأحد غيره الجلوس عليه. مِن العرش تصدر الأحكام، فهو المكانة العليا التي مِن خلالها يرى الجالس عليه كلَّ شيء، بما أنّه النّاظر والمراقِب والقاطِع باستقامةٍ كلمة حقّ.

 

ونلاحظ في الكنيسة وضع أيقونة المسيح الكاهن الأعظم على العرش المخصص للأسقف.

فالأسقف هو إيقونة المسيح في الكنيسة بين أبنائه المؤمنين.

 

٥-  هل تعلم أن الرّبّ يسوع المسيح هو الراعي الصالح؟

وقف يسوع في وسط الشعب وقال: "أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ" (يوحنا ١١:١٠).

ربط الرّب عمل الراعي ببذل الذات، أي بالفداء، لذا شبّه نفسه بالرّاعي.

تشبيهٌ رائعٌ يُشيرُ إلى مَن يَسهَرُ على خِرافِهِ ويَعرِفُها واحِدَةً واحِدة، وهيَ تعلم صَوتَهُ وتَتبَعُه، وهُوَ يَحميهَا مِنَ الثَّعالِبِ المَاكِرة.

وعندَنا أيقُونَةٌ رائعةٌ للمسيح عُنوانُها الرَّاعِي الصَّالح  ὁ Ποιμὴν ὁ καλός.

 

كذلك كان الرّب مِن العهد القديم يصرخ ويقول "وَيْلٌ لِلرُّعَاةِ الَّذِينَ يُهْلِكُونَ وَيُبَدِّدُونَ غَنَمَ رَعِيَّتِي" (إرميا ١:٢٣)، وأنَّهُ سيُجازي الرُّعاةَ الّذِينَ لم يَسألُوا عن غَنَمِهِ، بل انشَغَلُوا عَنها بِأنفُسهم: "صَارَتْ غَنَمِي مَأْكَلًا لِكُلِّ وَحْشِ الحَقْلِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ رَاعٍ، وَلاَ سَأَلَ رُعَاتِي عَنْ غَنَمِي، وَرَعَى الرُّعَاةُ أَنْفُسَهُمْ وَلَمْ يَرْعَوْا غَنَمِي" (حزقيال ٨:٣٤).

 

 

 

 

 

٦- هل تعلم أن المسيحُ تَجسَّدَ لأنَّهُ عاشِقٌ لِكُلِّ واحِدٍ مِنَّا، وأنّنا سَنُحاسَبُ على المَحبَّةِ التي نستمدّها منه ونترجمها أفعالًا؟

 

يقول القِدِّيسُ باسيليوس الكبير (٣٣٠-٣٧٩م): "الّذي نُساعدُهُ بِمَحبَّةٍ صَادِقَةٍ يَشفَعُ بِنا في السَّماء".

 

المَسيحيّةُ هي هَذا الإنسان الآخَر. فأمَام العَطاءِ تَنكَشِفُ عَورتُنا، ويَظهَرُ ضُعفُنا، وتتعَرَّى أنانيَّتُنا، ونُعلِنُ عِبادَتَنا لِذاتِنا، وانغِلاقَنا على أنفُسِنا، وكلُّ هذا يُختَتَمُ بِعَدَمِ شُعورِنا بِالآخَر.

 

يُجمِعُ الآباءُ القِدِّيسُونَ أنَّ عَدَمَ الحِسِّ سُقوطٌ للإنسانيَّة، بِحيثُ لا نفْقِدُ حَواسَّنا الخَمسَ فَحسب، بل نُمسي جُثَّةً هامِدَةً لا حياةَ فيها، مُنقَطِعينَ عنِ اللهِ والآخَرِ وذواتِنَا، قابِعينَ في سِجنِ انعدَامِ نُورِ المَحبَّة.

 

في يَومِ الدّينُونَةِ الرَّهِيبِ نَحنُ مَن يَحكُمُ على أنْفُسِنَا. فنَحنُ لا نُحاسَبُ فقَط على ما فَعلْنَاهُ، بَل على قَدْرِ المَحبَّةِ الّتي كنّا قادِرين على تقديمِها فأحجَمْنا. ولا يتبَاهَينَّ أحدٌ بِأفعَالِه، إذ أمَامَ عَظَمَةِ مَحبَّةِ يَسوعَ تَنكَشِفُ مَحدُوديَّةُ مَحبَّتِنا.

 

٧- هل تعلم لماذا شبّه الرّبّ الأبرارَ (المبارَكين) بِالخِرافِ، والأشرار (الملاعين) بِالجِدَاء؟

 

كان الرَّبُّ يَستَعمِلُ صُوَرًا مِن بيئَةِ الإنسانِ لِما فيها من تَداخُلٍ بينَ العُمقِ والبَساطَة. لِذا لا بُدَّ مِنَ الغَوصِ في مَعانيها.

 

الجَدْيُ صَغيرُ المَاعِز، والكَبيرُ فيها هُو التَّيس. يُضرَبُ بهِ المَثَلُ في النَّهَمِ إلى الأَكلِ والجِنس وفي العصيان. أمّا ذَكَرُ الغَنَمِ فهو الكَبْش، والأنثى نَعجةٌ، وصَغيرُهُما الحَمَل.

الخِرافُ وَدِيعَةٌ، على عَكسِ الجِداءِ الّتي تَتَّصِفُ بالشّراسَةِ والعُدوانِيّة.

 

الجَديُ يَنظُرُ إلى أَسفَل، أمَّا الحَمَلُ فرأسُهُ مَرفُوعٌ، وكأنَّ الجِداءَ تُمَثِّلُ الإنسانَ الّذي يشتهي الأَرضيَّاتِ، بَينما تُمثِّلُ الخِرافُ الإنسانَ الّذي يَتَطلَّعُ إلى السَّماوِيَّات.

 

وأيضًا تُدْفئُ الخِرافُ بعضُها بعضًا، إذ يتكئُ كلُّ واحدٍ مِنها رأسَه عَلى الآخَر، وهذا ما لا تَفعَلُهُ الجِداء. هذِهِ صُورَةٌ عَنِ الجَماعَةِ الوَاحِدة.