صلاة الشكر في دير سيدة النورية العجائبي



2019-06-07

صاحب القداسة إيريناوس بطريرك الصرب، وصاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر، الكلي الطوبى والجزيلي الاحترام، يقيمان صلاة الشكر في دير سيدة النورية العجائبي.

قداسته يؤكد: "نغادر كنيسة أنطاكية وقلوبنا مشبعة بغذاء روحي كبير"
٧ حزيران ٢٠١٩
ليا عادل- البلمند

إلى دير سيدة النورية العجائبي، القائم على قمة جرف صخري في منطقة حامات، توجه صاحب القداسة إيريناوس بطريرك الصرب، برفقة أخيه صاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر الكلي الطوبى والجزيلي الاحترام، وأعضاء الوفدين من الكنيستين المقدستين.

كان في استقبالهم، سيادة راعي أبرشية جبيل والبترون وما يليهما، سيادة المتروبوليت سلوان (موسي)، إكليروس الأبرشية وأبنائها، رؤساء أديار دير سيدة النورية، دير سيدة كفتون، دير مار يوحنا المعمدان، دير القديس سلوان، دير القديس سمعان العمودي، رهبان وراهبات، وحشد غفير من المؤمنين.

على وقع قرع أجراس الدير، ووسط إنشاد التراتيل، أقام صاحبا القداسة والغبطة صلاة الشكر، بحضور السادة المطارنة والأساقفة وقدس الٱباء الأجلاء، رئيس اتحاد بلديات البترون، السيد مارسلينو الحرك، رئيس بلدية حامات، السيد عيسى عيسى، مختار حامات، السيد لطفي صوايا، وفعاليات متعددة.
في نهاية خدمة صلاة الشكر، ألقى سيادى المطران سلوان كلمة ترحيبية بصاحب القداسة البطريرك إيريناوس، هذا نصها:

مبارك الله أبو ربّنا يسوع المسيح، أبو الرأفة وإله كلّ تعزية، الذي يعزّينا في كلّ ضيقتنا، حتّى نستطيع أن نعزّي الذين هم في كلّ ضيقة بالتعزية التي نتعزّى نحن بها من الله. لأنّه، كما تكثر آلام المسيح فينا، كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضًا. 

"فإن كنّا نتضايق فلأجل تعزيتكم وخلاصكم العامل في احتمال نفس الآلام التي نتألّم بها نحن أيضًا أو نتعزّى فلأجل تعزيتكم وخلاصكم".

لخّص بولس بهذه الكلمات ما تحمله زيارتكم من معانٍ تتشارك بها كنيستَينا، الصربيّة والأنطاكيّة، حيث انتماؤنا إلى الجسد الواحد، بالإيمان، يجعلنا شركاء في الآلام والتعزية والخلاص. 

هذا هو النور الذي عاينه بولس الرسول على أبواب دمشق، التي رافقتكم إليها في بداية زيارتكم، وهو النور عينه الذي يضيء في هذا الدير المقدّس، في كنف العذراء، أم النور، وهو الذي يختم اليوم الأخير من زيارتكم إلى كنيستنا.

بين هاتَين الخبرتَين، المعمَّدتَين بالنور الإلهيّ، تعيش كنيستنا شهادتها وتتعزّى بما يسكبها الله عليها من نِعَم لكي تجتاز الآلام الكثيرة التي تعيشها. 

أبرشيتنا انبعثت من جديد بعد أن عاشت من الحرب أبشع ويلاته. فقد تهدّمت دار المطرانيّة وعشرات الكنائس وتهجّر عشرات الألوف من أبنائها وهاجروا، لكنّهم أعادوا بناء ما تهدّم وعاد كثر إلى الأرض التي تركوها.

وهي حملت أيضًا معاناة أبناء مناطق مختلفة من هذا البلد كما والبلدان المجاورة حيث انتقل الكثيرون إلى العيش فيها، فسعت إلى تعزيتهم بما أوتيت. 

هذا كان بفضل رجاء راعٍ كبير، هو سلفي، صاحب السيادة المتروبوليت جاورجيوس، الذي يطلب بركتكم، الذي أبى على مدى أربعين عامًا ألا يعيد بناء المطرانيّة حتّى يبني أبناء هذه الأبرشية بيوتهم وكنائسهم التي تهدّمت. 

لقد حمل هذا الأب نور المسيح في خدمته الكهنوتية والأسقفيّة على المدى الأنطاكي كلّه لأجل أن تزدان الكنيسة بمحبّين مخلصين وخادمين أطهار يعملون من أجل مجد الله ونشر الكلمة بتفانٍ ومحبّة ومعرفة، كما والتكريس في الحياة الرهبانيّة، التي كانت هذه الأبرشيّة نواة بعثها في الكرسي الأنطاكي.

أنتم اليوم في قلب لبنان. ففي هذا الجبل يقطن نصف سكانه، وفي هذا الجبل وجد المسيحيّون ملجأ على مدى العصور. على رؤوس جباله أرز الربّ، وعلى ساحله أقدام رسل حملوا إلينا البشارة وانطلقوا منها إلى غير مكان. فكنيستنا تحمل إرثًا رسوليًّا كبيرًا. 

ففيها كرسي جبيل الذي أسّسه الإنجيليّ مرقص، معاون بطرس الرسول، المرفأ الذي انطلقت منه الأبجدّية الفينيقيّة في بحر الأبيض المتوسّط كما وبشارة الكلمة إلى القارّة الأفريقيّة. وفيها كرسي البترون الذي أسّسه الرسول سيلا، معاون بولس الرسول، والذي صار أسقفًا على كورنثوس وجسّد فيها كلمات التعزية التي استشهدتُ بها منذ قليل. 

أنتم اليوم في أقدس مكان للسيّدة العذراء في لبنان. فديرها القديم بُني على هذا السفح في القرن السادس، بفعل ظهورات العذراء متّشحة بالنور تنقذ البحارة من العواصف ومن ثمّ كلّ الملتجئين إلى كنف حمايتها. 

ولقد ارتبط ذكر الدير بالقدّيسين الذين نعيّد لهم في السادس والعشرين من شهر كانون الثاني، أي بالقدّيس يوحنّا الذي نسك في هذا الدير، وهو ابن القدّيسَين اكسينوفوندس وزوجته ماريّا، وأخ القدّيس أركاديوس الذي نسك في فلسطين. أما ديرها الجديد حيث نحن قائمون الآن فيعود بناؤه إلى العام 1890. 

في هذه الجوار مغاور تعود إلى القرون المسيحيّة الأولى عاش فيها نسّاك كثر. في الأبرشية اليوم أديرة حيّة ثمانية تشّكل سورها الروحيّ. هذا كلّه يُضاف إلى المئة والثلاث وخمسين كنيسة في بلدات وقرى هذه الأبرشيّة.

صاحب القداسة،

سرّني أن أسمع منكم أنّكم وضعتم هذه الزيارة الرسوليّة في منظار التأكيد على وحدة الكنيسة الأرثوذكسيّة وأن تجسّدها هذه الزيارة بكلّ تفاصيلها. فما يجمعنا هو يسوع المسيح، والشهادة له، وخدمة القريب القائمة على "الإيمان الفاعل بالمحبّة" (غلاطية 5، 6). 

وتربطنا عرى تاريخيّة تعود إلى القرن الثاني عشر، بفضل أوّل رئيس أساقفة للكنيسة الصربيّة، القديس سابا، الذي حمل معه من دير القدّيس سابا المتقدّس في فلسطين أيقونة العذراء ذات الثلاثة أيدي، والتي كان قد قدّمها للدير في القرن الثامن القدّيس يوحنّا الدمشقيّ. فقد زار القدّيس سابا أنطاكية مرّتَين في رحلة الحجّ الثانية التي قام بها بين العامَين 1234 و1235. 

وها هو الآن يفرح من السماء بكونكم تثبّتون هذه العرى بزيارتكم هذه وتباركون فيها أبناء وإكليروس ورهبان كنيستنا عامّة، وهذه الأبرشيّة خاصّة، مع صاحب الغبطة البطريرك يوحنّا العاشر والوفدَين المرافقَين لكما.

إن كانت روابطنا التاريخيّة قد تعزّزت في العصر الحديث بفضل العمل الأرثوذكسيّ المشترك في القرنَين العشرين والحادي والعشرين، فلا تتفاجأوا بأنّ قدّيسيكم المعاصرين معروفون لدينا ومحبوبون أيضًا، وأخصّ بالذكر القديس نيقولاوس فيليميروفتش (1965 +)، والقدّيس يوستينوس بوبوفتش (1979 +).

فبعض كتاباتهم قمنا بترجمتها إلى اللغتَين العربية والإسبانية ويسرّني أن أقدّمها لكم.

يسرّني أن أقدّم لغبطتكم عربونًا لهذه الزيارة والبركة، أيقونة شفعَي الأبرشية، الإنجيلي مرقص والرسول سيلا، كما وأيقونة سيّدة النوريّة، بالإضافة إلى مجموعة الكتب الخاصّة بالقديسين الصربيّين، سابا ونيقولاوس ويوستينوس، كما وكتاب عن تاريخ الكنائس الأرثوذكسية في منطقة جبيل، بالإضافة إلى مجموعة من شهادات تاريخيّة من منطقة جبيل.

في الختام، أرجو أن يرافقكم نور المسيح الذي ظهر بولس وأقامه رسولا، ونور المعزّي الذي تسكبه أمّ النور بسخاء وباستمرار على طالبي شفاعتها بإيمان، بحيث تترجمون هذا النور في صلاتكم من أجلنا وفي كلمة التعزية وفي الخدمة الرسوليّة وفي العمل الدؤوب من أجل خير الكنيسة الأرثوذكسيّة وشهادتها اليوم.

في ختام كلمته، قدّم سيادة المتروبوليت سلوان لصاحب القداسة أيقونة القديسين مرقص الإنجيلي وسيلا الرسول، مؤسيي كرسي جبيل وكرسي البترون، وأيقونة سيدة النورية. 

وقدّم له أيضًا مجموعة من كتبه بالعربية والإسبانية، ترجمها أعمالا للقديسين الصربيين الأسقف نيقولاوس فيليميروفتش (Saint Nicholas Velimirovich) والأشمندريت يوستينوس بوبوفتش (Saint Justine Popovich) ، بالإضافة إلى كتاب حول كنائس قرنة الروم ومجموعة تذكارية تاريخية من لبنان (الأبجدية الفينيقية، أرز لبنان). 

ولصاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر أيقونة سيدة النورية.

بدوره، رد قداسته في كلمة كلمة روحية، من وحي زيارته للكرسي الأنطاكي، أراد أن يودع فيها خلاصة مشاهداته، مسطّرًا أوجه الأخوة والمحبة والوحدة والحوار، قائلا:

"نشكركم على كلماتكم الطيبة التي ستبقى راسخة في أذهاننا. لا نعلم كيف نعبر عن جمال هذا الدير الشريف المقدس، الذي يكتسي أهمية تاريخية كبيرة. بالنسبة إلينا، لدينا عدة أديرة، نعمل على تجديدها، وننفض غبارالحروب عنها، لما لها من أهمية في الحياة الروحية. إنني أشكركم، لأنكم ترجمتم سيرة حياة قديسينا، مما يؤكد وحدة الكنيستين. 

أشكركم أيضا على الأعمال التي قمتم بها في الارجنتين. فليبارككم الرب وأبرشيتكم. نحن نغادر لبنان وقلوبنا مشبعة بذكرى طيبة. ليبارك الله شعبكم وشعبنا. كلنا أمل أننا سنتغلب على التجارب."

في ختام كلمته، قدم قداسته لسيادة المتروبوليت سلوان هدية تذكارية، شعار البطريركية الصربية، وأيقونة والدة الإله حامية الكنيسة الصربية.

ثم جرى استقبال للمؤمنين في باحة الدير الداخلية، سائلين بركة الضيف الكبير.