القدّيس الشهيد بطرس بطريرك الإسكندرية
يبدو من المعلومات المتوفرة عن القدّيس بطرس أنه كان رجل علم، حكيماً، تسلّم مدرسة الإسكندرية لبعض الوقت قبل اختياره أسقفاً على الإسكندرية خلفاً للقدبيس ثيوناس في العام 300 للميلاد.
أفسافيوس القيصري، في تاريخه، تحدث عنه بإكبار، قال:
"بعدما أدى ثيوناس أجلّ خدمة على امتداد تسعة عشر عاماً، خلفه بطرس على أسقفية أهل الاسكندرية. وقد كان هو أيضاً بارزاً على مدى اثني عشر عاماً. ساس الكنيسة لأقل من ثلاث سنوات قبل الاضطهاد، وبقية أيامه قضاها في قسوة على نفسه، واهتم علناً بالصالح العام للكنائس. لهذا السبب، قطع رأسه في السنة التاسعة من الاضطهاد وتزّين بإكليل الاستشهاد".
وأفسافيوس أيضاً اعتبر القدّيس بطرس:
"معلماً مسيحياً موهوباً... ومثالاً للأسقف يحتذى، لصلاح سيرته ومعرفته للكتب السماوية".
موجة الإضطهادات:
ولما انطلقت موجة الاضطهاد جديدة على المسيحيين في زمن الإمبراطور ذيوكليسيانوس (245-313م) في العام 303 للميلاد، فضّل القدّيس بطرس الاختباء على تعريض نفسه للموت لأنه لم يشأ أن يترك قطيعه دون رعاية والظرف عصيب.
ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان فإن أسقفاً اسمه ملاتيوس، كان على ليكوبوليس في الطيبة، وضع يده على كرسي الإسكندرية وكراسي أسقفيات أخرى متذرعاً بأن أساقفة هذه الكراسي خانوا الأمانة وفرّوا تاركين الشعب لمصيره، وقام، للحال، بسيامة أتباع له كهنة وشمامسة ووزعهم هنا وهناك.
غير أنه في غضون شهر جرى القبض عليه وخيّر بين الموت والتضحية للأوثان فضحّى.
ومع هذا استمر ملاتيوس في حركته إلى أن انعقد مجمع محلي برئاسة القدّيس بطرس في الاسكندرية في العام 305 أو 306 للميلاد جرّده من الأسقفية بعدما أدانه بتهمة ارتكاب "جرائم متعددة والتضحية للأوثان".
لم يمتثل ملاتيوس لقرار المجمع بل أعلن ما أسماه "كنيسة الشهداء" شاقاً بذلك كنيسة الاسكندرية إلى اثنين في ما عرف بـ "الانشقاق الملاتي" الذي استمر ما يقرب القرن.
ملاحظة:
يذكر أن آريوس الهرطوقي هو من هذه الكنيسة المنشقة وفيها وجد أشدّ أتباعه حماساً له.
رعايته لشعبه:
واستمر القدّيس بطرس في رعاية شعبه بغيرة وأمانة إلى أن جرى القبض عليه وقطع الولاة رأسه.
يذكر أن أعداداًُ كبيرة من المؤمنين قضت في اضطهاد ذلك الزمان. بعض المصادر يقول إن بضع مئات لا قوا حتفهم وإن عائلات بأكملها أبيدت.
وقد تركت تلك الفترة بصمتها في وجدان المصريين حتى إن الكنيسة القبطية اعتمدتها بداية لتقويمها الكنسي.
من جهة أخرى، سرى القول، مذ ذاك، أنه "كما كان بطرس أول الرسل كان بطرس آخر الشهداء".
وبالفعل فإنه باستشهاد القدّيس بطرس الاسكندري انتهى زمن الاضطهاد. وقد كان ذلك في الرابع والعشرين أو الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني من العام 311 للميلاد.
رويّا القدّيس بطرس:
هذا ويحكى عن القدّيس بطرس أنه لما كان في السجن رأى رؤيا، الرب يسوع المسيح في هيئة صبي في الثانية عشرة بهي الطلعة يلبس ثوباً ممزّقاً من فوق إلى أسفل وكان الصبي ممسكاً بشقي الثوب يحاول بهما، وبدموع، إخفاء عريه، فسأله بطرس:
" يا سيد، من الذي مزّق ثوبك؟"
فأجاب: "آريوس! لذلك أقول لك إياك أن تقبله في الشركة وقل لأخيلاس والاسكندر الكاهنين عندك، وهما سيخلفانك، أن يحفظا الإيمان الارثوذكسي المقدس من هجماته".
رفضه الجلوس على العرش الأسقفي:
من جهة أخرى يحكى عن القدّيس بطرس أنه كان يرفض باستمرار الجلوس في سدة الأسقفية وكان يكتفي بالجلوس على الدرج تحت الكرسي.
ولما ألح عليه أهل بيته معترضين أجابهم: "لا تجبروني الجلوس على هذا العرش الأسقفي لأن الخوف والرعدة يعترياني كلما دنوت منه، فأنا أنظر سلطان العلي وضياءه مستقراً عليه، سلطان ربنا يسوع المسيح الذي هو وحده الكاهن الأكبر".
كتاباته:
هذا ويبدو أن القدّيس بطرس ترك كتابات قيّمة لم يبق منها غير أصداء وشواهد في كتابات الآباء اللاحقين.
مجمع أفسس (431) استشهد به لتأكيد ألوهية السيد وإنسانيته وكذلك ليونتيوس البيزنطي في القرن السادس.
ولعل أبرز ما بقي لنا منه مجموعة قوانينه بشأن الساقطين وجاحدي الإيمان أثناء الاضطهاد. هذه القوانين ذكرها القانون الأول للمجمع المسكوني الرابع (خلقيدونيا 451)، والقانون الثاني للمجمع المسكوني السادس المسمى ترولو (692). ولعل ميزة هذه القوانين أنها أقل تشدداً وأكثر رحمة من غيرها في الموضوع عينه.
ونقلاً عن السنكسار القبطي يقال أنه كثيرًا ما كان يرى السيد المسيح نفسه يناول المؤمنين بيد البابا ثيوناس، وهذا سبب رسم الرب يسوع في أيقونة القدّيس بطرس.