القدّيس اسحق السوري
القدّيس إسحق السوري
سيرته: هو أحد أساقفة ولاهوتيي القرن السابع، ويعتبر من أكبر المعلّمين الروحيّين في الشرق المسيحي.
ولد في شرق الجزيرة العربية في المنطقة التي كانت تعرف قديماً بالسريانية "بيث قطرايي" أيّ (القطر البحري) وهي منطقة تمتد مساحتها الجغرافية من الكويت شمالاً وحتى أقصى عُمان جنوباً.
انخرط اسحق في السلك الرهباني مع شقيقه وهو لايزال شاباً يافعاً، وذاع صيته في المنطقة فاختير من قبل أهل نينوى ليُرتسم أسقفاً عليهم.
يرى البعض أنه التحق بدير في "بيت آب Bethabe" بكوردستان. ثم توحد في مغارة بينما صار أخوه رئيسًا للدير. ولمّا دعاه لزيارة الرهبان أرسل إليه يعاتبه بشدة إذ كان يعشق حياة الوحدة والسكون.
الأكيد منه أنّه نال شهرة عظيمة بسبب حبّه الشديد للوحدة، وممارسته إياها.
وضع أربعة كتب عن الوحدة والسكون، غاية في الروحانية، تُرجمت منذ وقت مبكر إلى العربية والأثيوبية واليونانية.
في أول يوم للأسقفية جاءه دائن ومدين يحتكمان إليه، فطلب المدين من الدائن أن يمهله قليلًا حتى يجمع المال، لكن الدائن أصر على تسليمه للحاكم.
تدخّل قائلًا: "إن الإنجيل المقدّس يأمرنا بأن من يأخذ مالنا لا نطالبه به، فلا أقل من أن تصبر عليه". أجابه الدائن: "دع عنك كلام الإنجيل".
عندها أجاب: "إذا كانوا لا يستمعون لكلمات الإنجيل، فماذا أتيت لأعمل؟!"
ولما رأى تدبير شئون الأسقفية يفسد له عمل الوحدة إنسحب إلى دير "رابان شابور" Rabban Shapur، وصار رائدًا للسكون والوحدة وتوفي ودفن في الدير.
بالمقابل هناك من يقول أنه إنسحب إلى بريّة الأسقيط يقضي بقية أيامه في شيهيت متوحدًا (القرن السادس / السابع).
ملاحظة: يعتقد البعض أن هناك خلطًا بين حياته وحياة إسحق الأنطاكي في القرن الرابع.
أصيب بالعمى في أواخر أيامه فكان يملي مؤلّفاته على تلاميذه.
لم تلق أعماله استحساناً عند النساطرة[1] المنتشرين بقوّة في محيطه، لأنّها كانت بعيدة عقائدياً عن الفكر النسطوري، مما دفع بدانيال بار طوبانيتا أسقف بيث جرماي (تبعد حوالي 100 ميل جنوب شرق الموصل) ليكون خصمه اللدود ومنتقده االلاذع.
من كلماته:
المسيح هو الغاية: السابح يغوص غائرًا في البحر إلى أن يجد اللؤلؤ، والراهب الحكيم يسير في الدنيا عاريًا إلى أن يصادف فيها الدرة الحقة التي هي يسوع المسيح، وإذ ما وافاه فلن يقتني معه شيئًا من الموجودات.
الإيمان: بالحقيقة إن المعمودية والإيمان هما أساس كل خير، فيهما دُعيت ليسوع المسيح لأعمال صالحة. بالإيمان يدرك العقل الأسرار الخفية، كما يدرك البصر المحسوسات.
التوبة: التوبة هي لباس الثياب الحسنة المضيئة.
من يعترف بخطاياه ويتوب عنها أعظم من الذي يقيم الموتى.
الرهبنة الحقيقية: طوبى للذين يحفظون ويعملون. لا تفتخر بالاسم بل اجتهد في الأعمال، لأن العمل (لا مجرد الاسم كراهب) هو الذي يبرر ولو كان بلا شكل أو اسم.
الجهاد: لا تحب التهاون، لئلا تحزن نفسك في قيامة الصديقين.
الموت والحياة: كن ميتًا بالحياة، لا حيًا بالموت.
التواضع: من وضع قلبه مات عن العالم، ومن مات عن العالم مات عن الآلام.
من طلب الكرامة هربت منه، ومن هرب من الكرامة لحقت به وأمسكت.
جالس المجذومين ولا تجالس المتعظمين.
من يهرب من سبح العالم بمعرفة يكتنز في نفسه رجاء العالم العتيد... والذي يفر من نياح الدنيا يدرك بعقله السعادة الأبدية.
الصلاة: ثمار الشجرة تكون فجة ومرّة، ولا تصلح للأكل حتى تقع فيها حلاوة من الشمس، كذلك أعمال التوبة الأولى فجة ومرة جدًا، ولا تفيد الراهب حتى تقع فيها حلاوة الثاؤريا (التأمل في الإلهيات بالصلاة)، فتنقل القلب من الأرضيات.
حِبّْ الصلاة كلّ حين لكي يستنير قلبك بالله.
الذي يتهاون بالصلاة ويظن أن هناك ثمة باب آخر للتوبة مخدوع من الشياطين. الذي يمزج قراءته بالتدابير (العملية) والصلاة يُعتق من الطياشة.
الحياة الداخلية: اصطلح مع نفسك فتصطلح معك السماء والأرض. من يصالح نفسه أفضل ممن يصالح شعوبًا.
الشكر: ليست خطية بلا غفران إلا التي بلا توبة، ولا عطية بلا زيادة إلا التي بلا شكر. فم يشكر دائمًا إنما يقبل البركة من الله، وقلب يلازم الحمد والشكر تحل فيه النعمة.
الرحمة: كن مطرودًا لا طاردًا، وكن مظلومًا لا ظالمًا. الذي فرش مراحمه بلا تمييز على الصالحين والأشرار بالشفقة، فقد تشبه بالله. استر على الخاطئ من غير أن تنفر منه لكيما تحملك رحمة الله.
الاتكال على البشر: الاتكال على البشر يمنع بالكلية الاتكال على الله، والعزاء الظاهر يمنع العزاء الخفي، وهكذا بقدر ما يكون الراهب منفردًا وفي وحشة تخدمه العناية الإلهية.
العادات: رباطات النفس هي العادات التي يعتادها الإنسان، إن كانت بالجيد أو بالرديء. كل عادة إذ سُلمت لها باختيارك، تصبح لك في النهاية سيدًا، تسير خلفها مضطرًا بغير اختيارك.
النهم: جالس الضباع ولا تجالس الشره الذي لا يشبع.
من يشتهي الروحيات حتمًا يهمل الجسديات.
من يكرم الجسد (بالنهم) يكرم معه الشياطين الذين خدعوه منذ القديم.
محبة الاقتناء: التمس فهمًا لا ذهبًا، واقتن سلامًا لا مُلكًا.
[1] النسطوريّة:
سميت هذه العقيدة باسم نسطور بطريرك القسطنطينية الذي الذي رفض استعمال عبارة والدة الإله Theotokos واستبدلها بعبارة والدة المسيح .Christotokos
فبحسب النسطورية لا يوجد اتّحاد بين الطبيعتين البشرية والإلهية في شخص يسوع المسيح، بل هناك مجرد صلة بين إنسان والألوهة، وبالتالي لا يجوز إطلاق اسم والدة الإله على مريم العذراء، لأن النسطوريّة تزعم أن العذراء مريم لم تلد إلها بل إنساناً فقط حلّت عليه كلمة الله أثناء العماد وفارقته عند الصليب.
وهذا طبعًا مخالفًا لله الذي تجسّد وصار إنسانًا أي إتحّاد كامل للطبيعتين الإلهيّة والإنسانيّة دون أي ذوبان للواحدة في الأخرى.