كنيسة أنطاكية تحتفل بعيد مؤسسيها بقداس إلهي مهيب…
بحضور ما يقارب الأربعة آلاف شخص جاؤوا من لبنان وسوريا والانتشار الأنطاكي، أقام غبطة البطريرك يوحنا العاشر يازجي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس القداس الإلهي لمناسبة عيد الكرسي الأنطاكي، عيد الرسولين بطرس وبولس. أقيم القداس في ستاد جامعة البلمند وسط حضورٍ رسميٍ وكنسيٍّ على أرفع المستويات فشارك فيه مطارنة الكرسي الأنطاكي والأساقفة في الوطن وبلاد الانتشار ولفيفٌ من الكهنة والشمامسة ورؤساء الأديار والرهبان والراهبات، كما شكل هذا القداس محجةً جمعت ممثلين ووفوداً من كافة الأبرشيات الأنطاكية في لبنان وسوريا وبلاد الانتشار، وأتى تتويجاً لمؤتمر "الوحدة الأنطاكية: أبعادها ومستلزماتها".
وخلال القداس ألقى غبطة البطريرك عظةً تحدث فيها عن رمزية هذا العيد وعن أهمية أن يجتمع الإخوة. ونوّه إلى أن كنيسة أنطاكية هي أول من أعطى اسم "المسيحيين".
ومما جاء في كلمة غبطته:
"نحن اليوم يا إخوتي في البلمند في ظل عناية العذراء القائدة وتحت قبة ديرها الشهير في ظل زيتون الكورة وفي ضيافة أهلها الطيبين. نجتمع اليوم في جامعةٍ أرثوذكسية أنطاكيةٍ خرجت من رحم كنيسة أنطاكية لتقول للعالم، أن كنيسة أنطاكية التاريخ هي نفسها كنيسة أنطاكية المستقبل وأن متحفية التاريخ لا تستهوينا بقدر ما يستهوينا اتخاذ الدروس من الماضي والنظر دوماً إلى الحاضر والمستقبل.
وإذا ما تكلمنا عن الوحدة الأنطاكية، فإننا نجد أنفسنا أمام أوّل وأبسط قواعد وجودها وهو الوجود المسيحي في هذا المشرق. كنه وحدة أنطاكية الأرثوذكسية والمسيحية هو وجودٌ لا بل انغراسٌ مسيحي منفتح في أرض المشرق بكل بقاعه. وهذا الوجود ضمانه الأول سلام هذي الأرض. نحن الآن ههنا لنصلي من أجل سلام المشرق والعالم.
صلاتنا اليوم إلى الرب الخالق أن يعطي العالم السلام. صلاتنا اليوم من أجل لبنان. صلاتنا أن نتذكر، ويتذكر الجميع دوماً، أن هذه البلاد هي التي أوجدت الأبجدية، والأبجدية هي صورة الحاجة للقاء الآخر. ما أحوجنا في هذا المشرق وفي هذه البلاد بالتحديد لأن نتذكر أن بلاد الأبجدية تستحق منا الأبجدية، أي الحوار والتلاقي. والحوار والتلاقي الداخلي هما الكفيلان بترسيخ الاستقرار في لبنان. إن فراغ الرئاسة فيه يعطل دور المؤسسات المؤتمنة على خدمة المواطن. وهذا كلامٌ نضعه في عهدة السياسيين جميعاً: لقد ائتمنكم شعبكم على لبنان، كونوا على قدر الأمانة.
صلاتنا اليوم من أجل سوريا. لقد تاق هذا البلد إلى سلامك يا يسوع. لقد تاق إلى صوت التعقل والاعتدال ولم يألف لغة الدمار والإرهاب. عرفت سوريا أماناً تفتقده الآن. وعرفت استقراراً وعلمنةً واحتراماً للأديان ولم تعرف يوماً مثل هذا التكفير الذي يرى في الآخر مناقضاً. عرفت دوماً شيوخاً ومطارنةً تحت سقف الوطن ولم تعرف امتهاناً للدين ولا قتلاً للكهنة ولا خطفاً للمطارنة. أليس من حقنا أن نتوق إلى أيام سلامها! وأن نؤكد دوماً أن كل الصعاب تمحوها كلمة حوارٍ صادقٍ وتذيبها لقيا الآخر! أوليس من حقنا أن نعتدّ بأخوةٍ، مسيحية إسلامية كانت وباقية وستبقى رغم كل كبوات التاريخ ورغم كل ما يساق من ايديولوجيات متطرفة خصوصاً في أيامنا الحاضرة. نقولها ومن جديد، سوريا غصن زيتون، ولن ييبس زيتون سلامها.
صلاتنا من أجل العراق ومصر وفلسطين ومن أجل كل بقعة من هذا المشرق ومن هذا العالم الذي يتوق إلى سلامٍ وعيشٍ كريم. يكفينا نزاعاتٍ ويكفينا شعاراتٍ. إن ابتسامة أطفالنا ورغد عيشهم خُلقت لتأنسَ سلام هذه الأرض لا صراعها ودمارها. وإن خطف الناس ومنهم المطرانان بولس ويوحنا والكهنة والصمت الدولي المطبق تجاه قضيتهم وقضيتنا هو وصمة عارٍ في جبين كلّ من تسوغ له نفسه التشدق بحقوق الإنسان زوراً وبهتاناً".