شرح صلوات الأسبوع العظيم
1- مقدّمة وترتيب:
تبدأ صلوات الأسبوع العظيم في الكنيسة الأرثوذكسيّة مساء أحد الشعانين وتمتد إلى قدّاس أحد الفصح.
- قبل البدء بتعداد هذه الصلوات وشرحها لا بد من لفت النظر إلى أنّ الخدم في هذا الأسبوع لا تقام في أوقاتها بل ترتيبها مختلف على الشكل التالي:
صلاة الختن (العريس) التي تقام مساء أيام الأحد والإثنين والثلاثاء هي في الواقع سحر اليوم التالي. |
صلاة الزيت التي تقام مساء الأربعاء هي في الواقع سحر يوم الخميس. |
أناجيل الآلام التي تقرأ مساء الخميس هي من خدمة سحر الجمعة. |
إنزال المصلوب التي تقام صباح الجمعة هي في الواقع غروب الجمعة. |
قدّاس سبت النور مع خدمة الغروب الذي يُقام في صباح السبت هو بمثابة قدّاس السهرانيّة الذي كان يبدأ مساء السبت - الأحد ، وهناك من يعتقد أنّه كان قدّاس العيد. |
2- صلاة الختن: اللقاء بالعريس والاتّشاح بالنور
الختن كلمة سريانية تعني العريس νυμφιος.
تأتي تسميةُ "صلاةِ الخَتَنِ" مِن مَثَلِ العذارى العَشْرِ الّذي يتكلّمُ فيه المسيحُ عن عُرسٍ رُوحِيٍّ يأتي فيه الخَتَنُ (العريسُ) في نصفِ الليل، وتكونُ بعضُ العذارى مستعدّاتٍ لاستقبالِهِ بالمصابيح، بينما تكون الأُخرَياتُ غيرَ مستعدّاتٍ، فَيُترَكْن، تالِيًا، خارجَ وَلِيمةِ العُرس (مت 1:25-13).
من هنا ترتّل الكنيسة: "ها هو ذا الختن يأتي في نضف الليل، فطوبى للعبد الذي يجده مستيقظًا..."
وبالعودة إلى المثل، نلاحظ أنّ العذارى العاقلات دخلنَ وحدهنَ إلى العرس. وهنا يقوى معني اللقاء والاتّحاد بالمسيح، لنسمع في ترتيلة أخرى: "إنني أشاهد خدرك مزينًا يا مخلّصي".
الخدر هو المخدع الزوجي، وكلّ نفس مؤمنة تسأل أن تصير عروسًا للمسيح، ولكن هل نحن حقًا نلبس لباس العرس؟
فتكمل الترتيلة:"ولست أمتلك لباسًا للدخول إليه فأبهج حلة نفسي يا مانح النور وخلّصني"، كما أتى في مثل عرس ابن الملك (مت1:22-14)
فالنفس المتواضعة تسأل الله أن يلقي عليها الحلّة لتدخل إلى العرس.
ملاحظة:
أحيانًا نجد كلمة هُوذا الإنسان ό άνθρωπος على أيقونة الختن.
هذا مرتبط بما قاله قَيافا عن الرّبّ يسوع المسيح:"أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئًا وَلاَ تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلاَ تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّهَا!" (يوحنا ٥٠:١١).
أدرك قَيافا أولم يدرك، فقد نطق بنبوءة.
جاء قول قَيافا بعد إقامة يسوع لعازر من الأموات وكان يؤمن به كثيرون، إذ تشاور رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ وَقَالُوا: "مَاذَا نَصْنَعُ؟ فَإِنَّ هذَا الإِنْسَانَ يَعْمَلُ آيَاتٍ كَثِيرَةً. إِنْ تَرَكْنَاهُ هكَذَا يُؤْمِنُ الْجَمِيعُ بِهِ، فَيَأْتِي الرُّومَانِيُّونَ وَيَأْخُذُونَ مَوْضِعَنَا وَأُمَّتَنَا".
3- مسيرة الصلوات:
فبعد أن شاهدنا وشهدنا إقامة لعازر من بين الأموات ودخول الرّب يسوع إلى أورشليم ليُصلب ويقوم في اليوم الثالث، كما سبق وتنبأ وقال لتلاميذه، ندخل مسيرة الجلجلة مع الرّب في صلوات وخدم جمالها يفوق الوصف والتعبير.
وفي الحقيقة هو عبور مع السيّد من الموت إلى الحياة، عبور من أورشليم الأرضيّة إلى أورشليم السماويّة، عبور أعلن فيه السيّد الظفر على الموت، كما سبق ورتلّنا في سبت لعازر وأحد الشعانين: "أيّها المسيح الإله، لمّا أقمت لعازر من بين الأموات قبل آلامك، حقّقت القيامة العامّة، لأجل ذلك ونحن كالأطفال نحمل علامات الغلبة والظفر، صارخين نحوك يا غالب الموت: أوصنّا في الأعالي، مباركٌ الآتي باسمِ الربّ".
الموضوعُ المركزيُّ هُوَ الاستعداد الدائم لاستقبالِ المسيحِ، الّذي هُوَ العريسُ الحَتمِيُّ لِلبَشَرِيَّةِ جَمعاء.
العِبَرُ والتّرانيمُ والحَوادِثُ المُستَقاةُ من الكتابِ المقدَّس، تُسلِّطُ الضَّوءَ على مظاهِرَ هامَّةٍ مِن تاريخِ الخلاص، وذٰلِكَ عن طريقِ استدعائِها إلى أذهانِنا الوَقائعَ الّتي استَبَقَتِ آلام المسيح، وعن طريقِ إعلانِهِ حتمِيَّةَ مجيءِ الربّ وأهمّيَّتَه.
ملاحظة: القراءاتُ الكتابيّةُ الّتي تُتلى في صلواتِ المساءِ في الأسبوعِ العظيمِ مأخوذةٌ مِن سِفرَي الخروج وأيّوب. والسَّببُ في ذٰلكَ واضحٌ، ألا وهوَ أنَّ سِفرَ الخروج يَروي قصَّةَ العُبُورِ الّتي كانت رمزًا لِعُبُورِ الإنسانيَّةِ كُلِّها مِن عُبُوديّةِ الموت إلى الحياةِ الأبديّةِ، عَبرَ تضحيةِ المسيحِ بنفسِه، ثُمَّ قِيامتِه. أمّا في سِفرِ أيّوب، فَلَدَينا خبرةُ التّغلُّبِ على الموتِ بِواسطةِ الصَّبرِ والثّقةِ المطلَقَةِ بالله، من خلالِ قدّيسٍ نموذجِيٍّ لَم يَكُن منَ اليَهُود، تَقَبَّلَ الإعلانَ الإلٰهِيّ، وتمتّعَ برُؤيةِ الله، صائرًا صُورةً مسبَقَةً لآلامِ المسيحِ وقِيامَتِهِ، وَلِكَونِيَّةِ الخَلاص.
|
المرجع: من كتاب سر الآلام للمتروبوليت سلوان موسي بتصرّف