كلمة البطريرك يوحنا العاشر في جناز قداسة البطريرك…
كلمة البطريرك يوحنا العاشر
في جناز قداسة البطريرك زكا عيواص
"أسرع وانزل لأنه ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك" (لو19: 5|).
بهذه الكلمات استدعى يسوع زكا في أريحا. وبهذه الكلمات عينها أحسب أن يسوع يخاطبك يا أخانا وأبانا البطريرك زكا.
أسرع وانزل وأنزل عن كاهلك ذخيرة أتعاب السنين والشيخوخة الصالحة وضعها كهدايا المجوس في يدي العذراء، ذهباً خالصاً، إكراماً وعرفاناً للرب المسيح الذي تنازل من عليائه واتخذ طينة البشر ليخلّص الإنسان.
" لا تبارح مخيلتي أبداً ذكرى وجهك الطيب الذي أبى أن يعوقه المرض من القيام بخدمته الروحية، ذلك الوجه الذي اكتنفت بريقَ عينيه بساطة الآباء القديسين، والذي كان يقول لنا دوماً: إن المحبة أمضى من تراكم السنين وأن الأخوة بين كنيستينا لا ينيخها ترهّل الماضي لا بل يبنيها تواضع الكبار وقداستهم."
لست هنا، أيها الأحباء، لأتكلم عن البطريرك زكا لأن أعماله تتكلم عنه ولأن حزن المشرق والعالم على رقاده هو خير دليلٍ على البصمة القدسية التي تركها الأخ والأب زكا عيواص.
"هل تحبني؟ ارع خرافي" (يو21: 15). سألها الرّب يوماً لبطرس، وها هو الراقد الكبير يجيب على الكلمات بالأعمال. وهو لم يلبث دوماً راعياً للكنيسة الأنطاكية السريانية وللسريان في كل العالم ومادّاً منها جسور الأخوة مع الإخوة المسيحيين المشرقيين الذي يجمعهم أضعاف أضعافِ ما يفرقهم. البطريرك زكا هو مِلْفان المحبة المسيحية بأفعالٍ تسبق الأقوال وتدمغها بالصدق. وهذه المحبة انجلت في مواضع عدة ومنها تلك المواقف التي أطلقها في تسعينيات القرن الماضي جسور تلاقٍ محب مع الإخوة المسيحيين. البطريرك زكا هو مِلْفان المحبة المسيحية نحو الإخوة المسلمين في سوريا ولبنان والعراق ومصر وفي كل المشرق والعالم. وهو الآن إذ يلتحق بركب من سبقوه من بطاركة وآباء الكنيسة السريانية والأنطاكية يبقى لنا ذخر محبةٍ وزاد قداسةٍ في الكنيسة الأنطاكية.
في قلب سيدنا، سكن العراق وفيه اختلجت محبته للديار التي ولد فيها. فيه سكن شعب العراق الطيب وإنسانه. جرحُ العراق جرحُ قلبه وضيقُ إنسانه ضيق قلبه. ونحن نذكره كم قاسى مما حل بالعراق وكم سعى لإيواء الإخوة العراقيين من بعد الحرب. في قلبه أيضاً سكن لبنان بمآسيه وأمجاده وفيه استوطنت سوريا، بجزيرتها السورية وبكل بقاعها. وقد آلمه ما يحدث فيها من قتل وتهجيرٍ وتكفيرٍ بعيدٍ عن ماضي وحاضر أخوّتنا مع الأخ المسلم، الذي عشنا ونعيش معه عيشاً واحداً رغم قساوة الظروف الحاضرة ووفادة ايديولوجياتٍ متطرفة. في قلب هذا الرجل الكبير سكنت فلسطين وإنسانها المعذب وقضيتها التي يتناسها كثيرون. فيه سكنت وتسكن مصر وإخوته وإخوتنا، مسيحيو مصر ومسلموها وهو الآن يصلي من أجل مصر وسلام مصر، والمشرق كل المشرق والعالم كله.
باسمي وباسم إخوتي في كنيسة أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، وطناً وانتشاراً، وباسم مؤمنيها، أتقدم إلى إخوتنا في الكنيسة السريانية الأثوذكسية بالتعازي القلبية سائلاً الرب يسوع أن يعطينا بركة صلواته ويتقبله حيث يشرق نور وجهه.
وهنا، أسمح لنفسي وأضيف قائلاً: أنقل إليك، يا سيدي، وداعاً بنوياً وصلاةً حارةً من أخوينا ملاكي أبرشية حلب يوحنا ابراهيم وبولس يازجي اللذَيْن اختطفتْهما منا قسوة هذه الأيام، لكنها لن تختطف منا الأمل برجوعهما مع سائر المخطوفين. سلِ المخلص، ختنَ الكنيسة كما تسلمنا أن نسميه، أن ينفح ربوعنا بعبير سلامه الحق ويمسحها ويمسح إنسانها ببلسم تعزيته الإلهية.
ألا أسكنك الرب، أيها الأخ الجليل، مساكن الصديقين وتقبّلكَ حيث يشرق بهاء نور وجهه، هنالك حيث لا وجع ولا حزن ولا تنهد بل حياةٌ لا تفنى وغبطةٌ لا تزول.
المسيح قام، حقاً قام.