القديسون الشهداء في الكهنة أساقفة شرصونة والقدّيس…
القديسون باسيلاوس وأفرام وإفجانيوس وأغاثوذوروس وإلبيذيوس وكابيتُن وإثيريوس الشهداء في الكهنة أساقفة شرصونة (القرن 4م):
هؤلاء هم القدّيسون باسيلاوس وأفرام وإفجانيوس وأغاثوذوروس وإلبيذيوس وكابيتُن وإثيريوس. قيل أنهم كرزوا بالإنجيل في الكريمية (البحر الأسود) وبلادالسكيثيين. أما باسيلاوس فلما بشّر وثنيي شرصونة بالمسيح ودعاهم إلى نبذ الأوثان والآلهة الكاذبة التي لا حياة لها، انقضّوا عليه بعنف شديد بحجة أنه جاء ليغيّر لهم عاداتهم والتقاليد التي ورثوها من آبائهم وأجدادهم. وبعدما أشبعوه ضرباً طردوه من ديارهم. خرج قدّيس الله من هناك وأقام في مغارة على جبل برثانيوس مصلّياً من أجل هداية هؤلاء الضالين.
وحدث، بتدبير من الله، أن ابن أعيان شرصونة البارزين مات. في تلك الليلة ظهر الولد في رؤيا لذويه المحزونين وطلب منهم أن يستدعوا باسيلاوس المرسل الذي طردوه من المكان ليصلّي من أجله. فلما أُحضر القدّيس وصلّى ورشّ جسد الولد المسجّى بالماء المقدّس عاد إلى الحياة. فكل ذويه والحاضرين لما رأوا ما حدث تعجّبوا ومجّدوا إله باسيلاوس واقتبلوا المعمودية من يده. لكن فريقاً آخر بقي معانداً في رفضه. مقاوماً لرجل الله. وقد عمد بعض من هذا الفريق إلى تقييد باسيلاوس وجرّه بالحبل في الأزقة والشوارع إلى أن لفظ أنفاسه فكان أول من تكلّلوا بإكليل الظفر في تلك الأصقاع.
أما القدّيس أفرام فأُرسل إلى سكيثيا وبشّر بالمسيح. هناك أيضاً قاومه الوثنيون. وإذ قبضوا عليه وحاولوا إجباره على تقديم العبادة لأوثانهم رفض وأصرّ علىرفضه على رفضه فقطعوا رأسه. وقد ورد أن نجماً ظهر فوق رفاته في اليوم عينه الذي قضى. جسده ألقاه الوثنيون حيث اعتادوا إلقاء قمامتهم. كذلك ورد أنه قضى في نفس الوقت الذي قضى فيه القديس باسيلاوس. أما القدّيسون الثلاثة أفجانيوس وأغاثودوروس وألبيذيوس فبذلوا دمهم شهداء في شرصونة ضرباً بالعصي والحجارة، وذلك بعد استشهاد القدّيس باسيلاوس بسنةكاملة. بعد ذلك بسنوات، حوالي العام 330م، نجح أثيريوس في بناء أول كنيسة في شرصونة. وقد حظي باهتمام السلطات في القسطنطينية ورعايتها. لكن الوثنيون تصدّوا له، مرة، فيما كان عائداً إلى القسطنطينية وألقوه في نهر الدانوب.
رغم كل شيء، استمرت المسيحية في تلك الأصقاع، وقد أرسل لهم الإمبراطور أسقفاً يرعاهم ويهتم بهم، كابيتن. هذا جاء إليه الوثنيون وقالوا له: إذا كان ما تبشّر به حقّاً فأثبت لنا ذلك. عليك أن تمرّ بامتحان النار. فقبل على بركة الله. فلما أشعلت النار، لبس كابتين ثيابه الليتورجية ودخل في النار مصلياً، ثم خرج منها دون أن تمسّه النار بأذى ولا احترق شيء من ثيابه. فلما رأى الوثنيون ما حدث هتفوا بصوت واحد: "ليس إله إلا إله المسيحيّين. هو العظيم المجيد!". وقد اقتبلوا المعمودية جميعاً مذ ذاك ترسّخت المسيحية هناك. ومضت سنوات وكابيتن مجدّ في عمل التعليم والرعاية إلى أن جاء يوم كان فيها عائداً من القسطنطينية بحراً فهبّت في وجهه عاصفة جنحت بالسفينة نحو مصب نهر الدنييبر. هناك، فيما بعد، وقع القدّيس بين أيدي وثنيين معاندين عنفاء فأغرقوه في المياه. كان ذلك في 22 كانون الأول من سنة لا نعرفها بالتحديد.
القديس بولس البسيط:
لما أقام القديس أنطونيوس الكبير بالبرية الداخلية فوق مدينة تدعى أطفيح، بديار مصر، حدث أن رجلاً شيخاً كبيراً يقال به بولس كان مقيماً في تلك المدينة. وإذ اتفق أن ماتت زوجته تزوج امرأة صبية جميلة. وكانت له أموال كثيرة ورثها. ويبدو أن الثراء لم يفسده لأنه كان نقياً لا يعرف الخبث. دخل يوماً من الأيام بيته خارج الأوقات المعتادة فوجد أحد خدامه، وقيل رجلاً غريباً، على السرير مع زوجته، فقال لها: مبارك لك فيه أيتها المرأة ومبارك له فيك إذ اخترتيه دوني. ثم أخذ عباءته ومضى هائماً على وجهه في البرية الداخلية.
بقي محتاراً تائهاً زماناً طويلاً إلى أن اتفق أنه وقف عند قلاية القديس أنطونيوس. قرع بابه وطلب الانضمام إليه. فلما رآه أنطونيوس عجب منه غاية العجب لأنه لم يكن بعد قد رأى إنساناً بهذه الصفة. قال له: أنك في الستين من العمر ولا تستطيع مواجهة تجارب البرية. اذهب بالحري إلى القرية واعمل وسبح الله. فأصر عليه بولس مؤكداً استعداده لإتمام كل ما يطلبه منه، فلم يشأ أن يقبله أول الأمر بل أقفل الباب في وجهه. بعد ثلاثة أيام فتح الباب فرآه واقفاً مكانه لا يتحرك. لا أكل ولا شرب. فقط قال: لا يمكنني أن أموت إلا هنا! فرضي به أنطونيوس تحت التجربة. أعطاه ورق نخيل مبلولاً وطلب منه أن يعمل حبلاً على مثاله.
عند الساعة التاسعة (أي الثالثة بعد الظهر)، بعدما تعب بولس في العمل تعباً شديداً، تظاهر أنطونيوس أنه غير راض عن جدله للحبل وأمره أن يبدأ من جديد. كان أنطونيوس يثقل عليه ليرحل إلى بيته. فأطاع بولس دون تذمر ولا يأس. فلما حل المساء قال له أنطونيوس: أتريد أن نأكل قطعة خبز؟ فأجابه: كما تشاء يا أبي! لم تبدُ على بولس أدنى علامات الشراهة رغم أنه لم يذق طعاماً منذ أربعة أيام. أخرج أنطونيوس بضع خبزات بللها بالماء. ولكي يطيل امتحان تلميذه الجديد أعاد المزمور الذي تلاه ببطء اثنتي عشرة مرة وكذا الصلاة قبل المائدة. ثم أخذا في الأكل فلما أنهى أنطونيوس قرصاً اقترح على الشيخ أن يأكل آخر فأجاب الشيخ: إذا أخذت أنت قرصاً آخر أخذت أنا أيضاً وإلا لا أخذ شيئاً. فأجابه أنطونيوس: قرص واحد يكفيني لأني أنا راهب. فأردف بولس: واحد يكفيني أنا أيضاً لأني أنا أيضاً أريد أن أصير راهباً! فقام أنطونيوس وتلا اثنتي عشرة صلاة واثني عشرة مزموراً. ثم بعد قليل نوم، قلم في الليل ليصلي إلى طلوع الفجر. ولما لاحظ أن بولس يفعل ما يفعله هو بالتمام والكمال قال له: إذا كان بإمكانك أن تسلك على هذا المنوال كل يوم أمكنك أن تبقى معي. فأجابه بولس: في الحقيقة إذا لم يأت علي شيء أقسى مما رأيت فأنا قادر على متابعته بسهولة. في اليوم التالي أعلن له أنطونيوس بفرح: ها قد صرت يا بولس راهباً!
مضى على بولس بضعة أشهر بمعية أنطونيوس خلص الأخير بعدها إلى أن العود الرهباني لتلميذه قد صلب بالقدر الكافي فأشار عليه ببناء قلاية على مسافة من قلايته هو قائلاً: أنت راهب الآن وعليك أن تكون لوحدك لتقاوم الشياطين! أبدى بولس شجاعة فائقة في الجهاد خلال اعتزاله طيلة سنة كاملة حظي بعدها بموهبة طرد الأرواح الخبيثة وشفاء المرضى. فلما أتي إلى أنطونيوس يوماً برجل فيه روح عنيف قال له القديس: هذه الوظيفة ليست لي لأني لم آخذ نعمة من الله لطرد الأرواح الخبيثة. اذهب إلى بولس! فأتي بالممسوس إلى بولس الذي كان واثقاً من صلاة أبيه الروحي فضرب الرجل على ظهره بعباءته قائلاً: هذا ما يقوله الأنبا أنطونيوس، اخرج من هذا الرجل. لكن الشيطان أبى الخروج وأخذ يشتم بولس وأنطونيوس. فقام بولس، وكان الوقت ظهراً والحر شديداً كأتون بابل، وخرج من قلايته ووقف مصلياً على صخرة لا يظللها شيء وأخذ حجراً آخر على رأسه وقال: باسم الرب يسوع المسيح، وباسم صلوات معلمي أنطونيوس سأظل هكذا إلى أن أموت ولا بد أن أعمل طاعة معلمي وتخرج أيها الشيطان كما أمر معلمي. وبقي هكذا واقفاً والعرق يتصبب منه كأنه المطر ونزف الدم من فمه وأنفه. فلما رأى الشيطان ذلك صرخ بأعلى صوته وقال: العفو العفو! والهروب الهروب من شيخ يقسم على الله ببساطة قلبه. حقاً لقد أحرقتني بساطتك! ثم خرج من ذلك الإنسان. وصرخ الشيطان أيضاً قائلاً: يا بولس لا تحسب أني خرجت من أجل دمك ولكن أحرقتني صلاة أنطونيوس وهو غائب!