جيدٌ أن يصوم الانسان ويصلّي ولكن هذا لا يعني أن…
عظة غبطة البطريرك يوحنا العاشر
في الكاتدرائية المريمية بدمشق،
باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد آمين.
اليوم، يا أحبة، هو أحد الفريسي والعشار، وهو الأحد الذي نبتدئ فيه ما نسميه بالتريودي. وهو فترة من السنة، تسبق فترة الصوم الكبير التي تهيّئ للفصح المجيد.
رتب آباء الكنيسة أن يكون هنالك صيام قبل الفصح، ووضعوا فترةً تهيّئنا لكي نبدأ صومنا.
تبتدئ هذه الفترة بأحد الفريسي والعشار مروراً بأحد الابن الشاطر فأحد مرفع اللحم وهو أحد الدينونة فأحد مرفع الجبن وهو أحد الغفران. ويوم الاثنين الذي يلي مباشرةً أحد مرفع الجبن هو أول أيام الصوم.
يمتد الصيام أربعين يوماً تتخللها آحاد الصوم الخمس وبعدها أحد الشعانين الذي يسبق سبت لعازر. ومن ثم الأسبوع العظيم.
هذه الفترة من السنة، التي تمتد على خمسين يوماً، مهمة جداً في حياتنا الكنسية. فمن خلالها نتهيأ حتى نصل ليوم الفصح المجيد ونرتلَ المسيح قام من بين الاموات ووطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور.
وكلّ ذلك كي لا يكون اشتراكنا ومشاركتنا في هذا الحدث الخلاصي الذي هو حدث القيامة مشاركةً شكليةً خارجيةً، بل مشاركةً حقيقيةً تؤهلنا أننقول عن استحقاق: المسيح قام.
لهذا نلاحظ أنّه ومن هذا اليوم تضع الكنيسة نصب أعيننا ونحن نسير مع الرّب في آلامه ونصبو إلى يوم الفصح المجيد، ضرورة التفكر والاهتمام بتحقيق أمورٍ كثيرةٍ.
في أحد الفريسي والعشار تضع الكنيسة والآباء القديسون أمام أعيننا مثال الفريسي الذي رفع عينيه إلى السماء وقال: أشكرك يارب،أنا أصلي وأصوم ولكنّي أشكرك لأني لست كباقي الناس الخطأة، ولا مثل هذا العشار. وهذه كانت خطيئة الفريسي.
خطيئة الفريسي لأنه تعظّم بنفسه وتكبّر على باقي الناس واستهتر بهم وقال:أشكرك يارب لأنني إنسان جيدٌ أصوم وأصلّي وأقوم بكلّ واجباتي وأشكر الله أنني لست كالناس الخطأة. بينما راح العشار الذي لم يتجرأ أن يرفع عينيه الى السماء، (راح) يحني رأسه وينظر الى أسفل ويقول اللهم ارحمني انا الخاطئ.
وهذا درسٌ لنا اليوم قبل أن ندخل الى الصيام ونسير مسيرة الصوم الحقيقية، تذكّرنا الكنيسة أن أحد الأوجه الأساسية في الصوم الذي سوف ندخله هو التواضع.
التواضع هو عدم الاستعلاء على الناس.
جيدٌ أن يصوم الانسان ويصلّي ويقوم بواجباته في بيته وفي كلّ أوجه حياته، وجيدٌ أن يتمم كلّ شيء بمخافة الرّب، ولكن هذا لا يعني أن ينتفخ ويستكبر ويستعلي وينظر بعين الاستصغار للناس الآخرين، وإنّما الأجدر به أن يصرخ في داخله هكذا: ارحمني يارب أنا غير المستحق.
بهذا الشكل نبتدئ هذه الفترة من السنة، المسمّاة فترة التريودي، لأن الكتاب الذي نستخدمه بهذه الفترة يسمى كتاب التريودي.
وكلمة تريودي كلمة يونانية الأصل معناها كتاب التسبحات الثلاثة. التي تقوم عليها صلاة السحر على مدار الخمسينية الصيامية المباركة.
لقد قمنا مؤخراً بزيارة سلامية الى الكنيسة في روسيّا بناء على دعوةٍ من صاحب القداسة البطريرك كيريل في موسكو، وبرحمة الرب كانت زيارة موفقة.
العلاقات والتعاون المتبادل كنيسةً وشعباً وخاصة في هذه الفترة هما لخيرنا ولخير كنيستنا وبلادنا.
ولهذا نوجه أيضاً كلّ التقدير لصاحب القداسة البطريرك كيريل، الذي وعلى الرغم من الأحداث التي كانت قد بدأت في سوريا، أتى منذ سنتين الى البطريركية وكان هنا مع المثلث الرحمات البطريرك إغناطيوس وصلى في الكنيسة المريمية بالوقت الذي ترك فيه الكثيرون.
زار قداسته البطريركية في دمشق وزار لبنان وقام بهذه الزيارة السلامية الى كنيسة أنطاكية في أحلك الظروف.
نحن نشكر الرب على كلّ عطاياه ونصلّي دوماً إلى العذراء مريم وإلى كلّ القدّيسين ونطلب معونة الله بشفاعاتهم.
حماكم الله جميعاً، حمى الله الشباب والصبايا والأطفال وكلّ من في ضيقٍ وشدةٍ ومرضٍ، حمى الله المخطوفين والمحزونين والمتألمين والجرحى.
نسأله أن يعطينا القوة برحمته في فترة الصوم المقبلة حتى نتذكّر أن الرب يسوع بالآلام والموت على الصليب داس الموت، ونحن بالمسيح يسوع ندوس هذا الموت ونكون أبناء القيامة والنصر لا أبناء الموت.