كلمة البطريرك يوحنا العاشر في وضع حجر أساس كنيسة…
2024-05-28
كلمة البطريرك يوحنا العاشر
في وضع حجر أساس كنيسة جبلة، 28 أيار 2024
المسيح قام، حقاً قام.
أصحاب السيادة،
أيها الأحبة،
"الله في وسطها فلن تتزعزع" هذا ما يقوله سفر المزامير. وهذا ما تلهج به قلوبنا إذ نضع حجر الأساس لهذه الكنيسة المقدسة. منذ ألفي عام وهذه الديار مصبوغةٌ باسم يسوع المسيح. ولا أدل من ذلك من شهادة سفر الأعمال؛ وفي أنطاكية دعي التلاميذ مسيحيين أولاً. ونحن الآن على الطريق الساحلي المؤدي إلى عاصمة الشرق القديم، أنطاكية هي التي وشحت تلاميذ الناصري لقب مسيحيين، وهي الكنيسة الأولى التي أسسها بطرس الرسول مع الرسول بولس، وكان بطرس الأسقف الأول عليها.
من جبلة التاريخ التي شارك أساقفتها في المجامع المسكونية إلى جبلة الحاضر التي نريدها شاهدةً على إرادة تجذرنا في هذه الأرض، حكايةُ أصالة الوجود المسيحي في هذه الديار. من جبلة التي تحتضن كافة أطياف النسيج السوري المجتمعي، من جارة فاروس اللاذقية، المستظلة بعمود مار سمعان العمودي والغافية مع كنيسة قلب لوزة والتي تداعب موج المتوسط الذي استقله بطرس وبولس وبرنابا وغيرهم من الرسل وانطلقوا منه إلى المسكونة كلها، نطل اليوم لنقول إننا نعشق هذه الأرض التي نحيا وإياها شهادةً ليسوع المسيح ملك المجد. وهذه الشهادة التي نحيا لا تقتصر على المتاحف ولا على الهياكل الحجرية، بل تتخطاها لتُلمَس حضوراً مسيحياً فعلياً منفتحاً على الآخر ومتجذراً في أصالة الإيمان الذي تلقفناه منذ ألفي عام من الرسل أنفسهم.
نطل اليوم في موسم القيامة البهج. نطل اليوم برجاء من قال لنا: أنا معكم طول الأيام إلى انقضاء الدهر. وفي موسم فصحه المقدس، نناجيه وهو رب الرجاء بلسان ناظم التسابيح ونقول: "يا ما ألذ نغمتك أيها المسيح يا من وعدتنا وعداً صادقاً". نردد هذا ونقوله ونحن نقرع أجراسنا وندهن كنائسنا بميروننا الممزوج برحيق رجائنا بسيد القيامة ورب الحياة والموت، برب الملائكة الذي افتتح لنا بصليبه درب القيامة.
نطل من سوريا، التي يتباكى العالم على شعبها والتي تقاسي مرارة الحصار الاقتصادي الآثم بعدما قاست الحرب خطفاً وإرهاباً وهجرةً وتهجيراً. نطل من بلد يوحنا الدمشقي ومن أرض رومانوس المرنم ومن منشأ بولس الرسول ومن جيرة حنانيا ومن أسوار دمشق التي أزالت غشاوة شاول وأنبضت في حدقتيه وميض نورِ المسيح له المجد. نطل مطلقين صرختنا: ارفعوا الحصار عن شعبنا. نحن من هذه الأرض ولا نريد لها بديلاً. وفّروا عليكم وعلى بلدانكم وحكوماتكم نفقات الهجرة والتهجير واتركونا في أرضنا إلى جوار آبائنا وأجدادنا.
بوركت جهودكم صاحب السيادة وأنتم تسعَون دوماً إلى مد جسور التواصل مع أبناء هذه الأبرشية ومع سائر أطياف هذه المنطقة. بوركت تلك الأيادي البيضاء التي تسعى كي تكون معكم في إعلاء بنيان هذه الأبرشية بشراً وحجراً.
نضع اليوم حجر أساسٍ لكنيسةٍ جديدةٍ، ستحمل اسم القديسة العظيمة في الشهيدات كاترينا الكلية الحكمة، تلك التي قهرت ببساطة حكمتها، كما تقول ترتيلتُها، نبلاء المنافقين. لقد سكب الله الحكمة عليها فعرفت الحق ولذلك فقد اتشحت بالحكمة الحقيقية ففضحت زيف النفاق. وما أحوج الناس إلى الحكمة التي تكشف زيف الباطل! ستقوم هذه الكنيسة بخدمة هذه المدينة وسائر الجوار، لتكون تلك الواحة الروحية التي تنشد رحمات الله العلي الذي هو مصدر كل خير وبركة لأن كل عطية صالحة هي منحدرة من لدن أبي الأنوار.
نتلمّس جدّة هذه الكنيسة التي وضعنا حجر الأساس لها اليوم في جدّة روحكم أحبتي الحاضرين وأبناءَ هذه المنطقة. نتلمّس جدّتها في هذا الموسم القيامي البهي الذي فيه نرنم ترانيم الظفر والقيامة.
المطران أثناسيوس،
ألا كان الله معكم ومع معاونيكم في إعمار وإنجاز هذه الكنيسة. وهنا لا بد من كلمة تقدير لسائر المسؤولين في هذه المدينة بالذات، وللمسؤولين في محافظة اللاذقية، وللحكومة في دمشق التي أعطت الموافقات اللازمة لهذا الأمر بالتوجيهات الحكيمة لسيادة رئيس الجمهورية الدكتور بشار الأسد الذي نتوجه إليه بالتحية والتقدير اليوم من مدينة جبلة بهذه المناسبة. أما لأبنائنا في جبلة والجوار، فأطيب الأدعية نرفعُها إلى الإله، الواحد المثلث الشموس والأنوار، أن يغدق عليكم من روحه القدوس جداولَ نعمٍ وفيضَ بركاتٍ، خاتمين بترنيم الملائكة عند ولادة السيد المسيح "المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة".
ألف مبروك.