القّديس البار سيرافيم ساروفسكي الحامل الإله

2015-01-02

ولد بروخوروس - القدّيس سيرافيم لاحقًا - في روسيا الوسطى في ١٩ تموز سنة ١٧٥٤م. كان والده بنّاءً مشهورًا ، لكن لم يسنى للطفل المولود أن يتعرّف على أبيه إذ رقد والده باكرًا جدًا وكان ولم يتعّدى بعد السنة الأولى من حياته.

والدته كانت مؤمنة جدًا وترجمت حبها للمسيح بحبة الآخر وبالأخص الفقير والمريض والمعوز واليتامى والأرامل. ويطبّق القول هنا أن قديسنا شاهد الله متجسّدًا في وجه أمه، فكان لذلك أثرًا كبيرًا في نفسه، كما يُذكر أن والدته أهدته صليبًا عندما قرر الترّهب ولم يفارقه هذا الصليب حتى آخر يوم من حياته.

سيرافيم، والذي يعني الملتهب، هو الولد الثالث إذ له شقيق وشقيقة.

 

حرارة مشتعلة وسط الثلوج:

حوار بين القدّيس سيرافيم ساروف وموتوفيلوف (أمير زاره وشفي على يديه) كتبه الأخير بيده

أنقر هنا لقراءة تفاصيل الحوار

 

sssssss 

العجيبة الأولى في حياته:

مرض بروخوروس بشدة لدرجة انّه كاد أن يموت وكان ما يزال في العاشرة من عمره. وشاءت المشيئة الإلهيّة أنّه في خلال مسيرة لأيقونة لوالدة الإله أن هطل المطر ، وكان الجمع من القرب من منزله، فدخلوا حديقة بيتهم، ونزل الصبي مع والدته ليتبرّك منها، وفي الليلة ذاتها أخبر بروخوروس أمّه أن العذراء مريم زارته وشفته من مرضه فتعافى. s1

شبابه:
عمل في صباه بالتجارة مع شقيقه ألكسي، ولكن بدا عليه واضحًا أن قلبه كان يلهف مشتهًا آخر، لدرجة أنّه حول مفهوم الشراء والبيع والربح إلى آية روحية عبّر فيها عن غاية وهدف الحياة المسيحية، ألا وهي: " إقتناء الروح القدس". فكما التاجر يبيع ويشتري ليربح ويكسب ويكدّس الأموال، كذلك على المؤمن أن يعمل نهارًا وليلًا ليجتني الروح القدس.

قرار تنسكّه كان باكرًا جدًا، فغادر منزل العائلة بعمر وإنتهى به المطاف في ساروف بحسب توجيهات شيخ قدّيس إلتقاه في تجواله.

راهباً مبتدئاً:
 وصل بروخوروس دير ساروف الكبير بعد سنتين تقريبًا. تميّز بنقاوة القلب وبرع في صلاة يسوع، كما كان مثالًا للطاعة والعمل والتواضع وحب الخدمة. مارس أعمالًا يدوية ، فكان خبازًا ماهرًا ونجارًا فنانًا.
وكان يردد دائمًا مقولته الشهيرة:" الفن، كل! الفن أن تخرج من شفتيك الصلاة القلبية في كلّ مكان وزمان، وأينما وجدت ومهما كنت تفعل، فقط قل من عمق قلبك أيها الرّب يسوع المسيح إرحمني أنا الخاطىء وستجد سلامًا يجتاحك وينتقل منّك إلى الآخرين، جد السلام والذين من حولك سيقتنونه منك".

بدا للجميع كائنًا ملائكيًا بإمتياز، فسرعان ما سيم قارئًا. إنكب على دراسة كتب الأباء، والكتب الروحيّة كما كان يستلّذ قراءة الكتاب المقدّس الذي دعاه " زوادة النفس " واقفًا أمام الأيقونات.

ومن شدّة قسوته على ذاته، مرض وأصبح طريح الفراش، فكان له نصيبًا آخر مع والدة الإله التي شفته بعد ثلاث سنوات. وقد عرّف أنها زارته 12 مرّة في حياتع برفقة قدّيسين وإنجيليين وعذارى. وكانت تشير إليه وتقول:"
هذا واحدًا منّا.

سيرافيم راهبًا وشماسًا:
في السابعة والعشرين لبس الإسكيم الرهباني وأُعطي له إسم سيرافيم لكثرة حراة قلبه امشتعل بالله.
S2 كذلك خدم شماسًا لمدّة سبع سنوات، وقد أُعطي له أن يعاين الملائكة يومًا أثناء القدّاس الإلهي، إذ عندما وقف على الباب الملوكي ليرفع زناره ويقول الطلبة، رأى السماء مفتوحةً والملائكة تسبّح العرش الإلهي، فتسمّر في مكانه مما إضطر شماسان أن يحملاه إلى الداخل وهو لا يقول شيئًا.

وكان يعبّر عن الصلوات بقوله: أعرف أنني أدخل الكنيسة ومن ثم أخرج، أمّا كم من أمضي من الوقت في الداخل لا أعرف بتاتًا، قلبي يذوب كالشمع وأنا أسمع الترانيم الإلهيّة.

كاهناً:
سيم كاهناً بعد ثلاث سنوات من شموسيته، وكان قد بلغ سن الثلاثين. كان يحث المؤمنين على المناولة المتواترة بقوله لهم: شفء النفس والجسد.

سيرافيم ناسكًا:
‏ لم يمض عامًا على كهنوته إلا وطلب من رؤسائه التنسك، فكان له منسكًا وسط الغابة على مسافة ستة كيلومترات تقريبًا من الدير.

عشق الصلاة ودعى أماكن في الغابة بأسماء مناطق من حياة يسوع على الأرض، إذ كان يقرأ في كل واحدة منها فصولًا إنجيليّة بحسب الأحداث الملائمة.

زيارته للدير كانت تتم كلّ آخر أسبوع وقوته كان يقتصر على الخبز وبعض الأعشاب البريّة التي كان يحضّرها بنفسه.
أصبح أليف الحيوانات المفترسة التي أصبحت كالخراف أمامه، ويُذكر أنّه في أحد المرات كانت راهبة آتية لزيارته فشاهدته يُطعم دبًا من كف يده فأغمي عليها، فمكان من القديس سيرافيم أن أيقظها وجعلها تقدّم الطعام للدب بنفسها.

‏لمعت قداسته، فكان الرهبان يلتفّون حوله ليأخذوا من بركةً لهم وزواددةً روحيّة لأنفسهم. وجهه سطع كالملائكة وحضولره عكس سلامًا ملائكيًا.
كذلك حيوانات عدّة وعصافير مختلفة كانت تأتي لتقوت من كيسه الصغير الذي كان في كلّ مرّةٍ يدخل يده فيه يجد فيه شيئًا لهم.
سطح نوره في الغابة، وقصده الكثير من الناس، فطلب من الله العزلة فما كان من الأغصان إلّا أن تشابكت فيما بينها مغلقّةً طريق منسكه.
وإن صادف أن إلتقى بأحدٍ في وسط الغابة وهو يسير ويصلّي ، كان يرمي بنفسه على الأرض مخبئًا وجهه بين يديه لحين يبتعد الآخر.

الشيطان يحاربه:
كثرت حروب الشياطين عليه لسنوات وكانت تقسو كلّ يوم. صراخ، لطمات وتجريح، لكنّه لم يكن يأبه إلّا للصلاة.
وكان يردد دائمًا :" التجارب لا تّقهر إلّا بالصلاة " . وذكر أنه بقي ألف يوم راكعاً على صخرة يصلّي.

ثلاثة لصوص:
تعرّض مرّةً لهجوم شرس من ثلاثة لصوص تركوه على الأرض مدممًا بجراحاته بين حيٍ وميت. وبعناية إلهيّة جرّ نفسه إلى الدير وبقي هناك فترة ليتعافى من كسور عديدة في الرأس والجسم بقيت أثارها مدى الحياة بالأخص في ظهره إذ أكمل حياته محدّبًا لا يستطيع أن يسير دون عصى.وبعد فترة أتوه باللصوص فعفى عنهم ولم يقبل محاكمتهم.
بعد فترة شفائه من هذه الحادثة التي طالت عدّة أشهر أبى إلّا أن يرجع إلى منسكه، ولكن سرعان ما أمره رؤسائه بالعودة إلى الدير بشكل نهائي وكان قد مضى على تنسّكه حوالي خمسة عشرة سنة.

سيرافيم لا يغادر قلايته:
دخل إلى قلايته ورفض مغادرتها لقرابة خمس سنوات، حتى أنّه كان يتناول القدسات في داخلها.
وبعدها، وبنعمة إلهيّة فتح بابه على مصراعيّه وأصبحت قلايته مقصدًا للغني والفقير، للأمبراطور والحاكم والعامل، للراهب ورئيس الدير...
مرّة أتاه قائد الجيش فعاد أدراجه يبكي كالطفل وحاملًا بين يديه قبعته وبداخلها نياشينه التي كانت تتساقط على الأرض كلّ مرّة كان يعترف أمام القدّيس عن خطاياه.

موهبة الرؤية:
منّ عليه الرّب بموهبة الرؤية فكان مرشدًا لكثير من النفوس. وقد عبّر عن ذلك بقوله: "القلب البشري مفتوح لله وحده وكلما اقترب منه أحد وجد نفسه على حافة جب عميق... أنا لا أفضي لأحد إلا بما يفضي إليّ به الرب الإله. وأني لمؤمن أن الكلمة الأولى التي ترد على ذهني موحاة من الروح القدس. ثم متى أخذت في الكلام لا أعرف ماذا يمكن في قلب الرجل الذي يسألني. أعرف فقط أن الله يوجّه كلماتي من أجل ما فيه خيره. لكن، إذا أعطيت جواباً من بنات حكمي على الأمور دون أن آتي به إلى الرب الإله أولاً فإني أقع في الشطط... على هذا كما الحديد بين يدي الحدّاد كذلك أنا بين يدي الله، لا أبدي تحرّكاً من دون مشيئته ولا أتلفظ بكلمة غير ما يلحّ هو به عليّ"...

أباً للراهبات:
أسس القدّيس ديراً للفتيّات وأهتم بدير آخر للراهبات أيضًا. وكان يطلب منهن دائمًا أن لا ينسين الصلاة الدائمة التي هي أساس كلّ شيء، فإن لم يكن الرّب أولاً في قلبنا فباطلنا هي حياتنا.

حواره مع موتوفيلوف:
‏أتاه يومًا شاب غني بعمر الثانية والعشرين يدعى نيقولاوس موتوفيلوف (أصبح لاحقًا مدبّراً لدير الراهبات في ديفيافو) طالبًا الشفاء إذ كان مشلولًا. وبعد أن أخبره كم مضى من السنين وهويقصد الأطباء ليتعافى ولم يفلح الأمر، نظر قدّيسنا في عينيه وقال له: "هل تؤمن بالرب يسوع المسيح الذي خلق الإنسان وتكرّم أمّه الكلية القداسة مريم الدائمة البتولية؟". فأجابه: " نعم أؤمن"، فأكمل القدّيس: "وهل تؤمن بأن الرب الذي اعتاد أن يبرئ المرضى بقوة كلمته قادر في أيامنا أيضاً أن يبرئ من يسألونه بنفس السهولة؟". قال: " نعم أؤمن"، فأكمل: "وهل تؤمن بأن لشفاعة والدة الإله قوة لا تقهر من لدن ابنها القادر على شفائك؟ " فأجاب: "أؤمن من كل قلبي، ولولا هذا الإيمان ما طلبت أن يؤتى بي إلى هذا الموضع!" عندئذٍ قال قديسنا: " حسناً، إذن! إذا كنت تؤمن فأنت معافى سلفاً". فإنذهل الشاب مجيبًا:" "كيف ذلك وأنت وخدمي تمسكونني لكي لا أقع أرضاً". فأجابه: "كلا، كلا، أنت الآن معافى تماماً! "عند ذاك سأل القديس ‏الرجال أن يرفعوا أيديهم عن موتوفيلوف، ثم أخذه بكتفيه وجعله على قدميه قائلاً له: "قف على قدميك ولا تخف! "ولما أمسك بيده دفع به قليلاً إلى الأمام ودار به حول الشجرة. "أترى كيف تقدر أن تمشي حسناً!" "هذا لأنك تمسكني جيداً! كلا بإمكانك أن تمشي لوحدك من دون مساعدتي! قال هذا وسحب يديه، فشعر موتوفيلوف بقوة خفيّة تسري في بدنه وأخذ يمشي لوحده من دون خوف. وقد شهد، فيما بعد، أنه لم يشعر بالعافية والحيوية في حياته كما شعر في ذلك اليوم.

اقتناء الروح القدس:
‏في يوم من الأيام الباردة المثلجة جرى بين القديس سيرافيم ونيقولاوس موتوفيلوف حوار. هذا بعض ما جاء فيه:
القديس سيرافيم: لقد كشف لي الرب أنك عندما كنت ولداً رغبت في معرفة غاية الحياة المسيحية وطرحت السؤال بشأنها على عدد من رجال الكنيسة البارزين.
ونيقولاوس: اعترف أن هذا السؤال كان يؤرقني منذ أن كنت في سن الثانية عشر...
ومع ذلك لم يقل لك أحد شيئاً واضحاً محدّداً. قالوا لك أن تذهب إلى الكنيسة وأن تصلّي وأن تصنع صلاحاً وأن هذه هي غاية الحياة المسيحية. حتى أن بعضهم قال لك: لا تبحث عن أمور أكبر منك. لذلك سأحاول، أنا العبد الشقي، أن أشرح لك ما هو هذا القصد. فالصلاة والصيام وأعمال الرحمة كلها صالحة لكنها أدوات للحياة المسيحية وليست القصد منها. إن الغاية الحقيقية هي اقتناء الروح القدس.
‏ولكن، ماذا تعني بلفظة اقتناء؟ لست أفهم تماماً ما تقول.s3
أن تقتني معناه أن تمتلك. أنت تعرف معنى أن يربح الإنسان مالاً، أليس كذلك؟ الشيء نفسه يقال عن الروح القدس. يرمي بعض الناس لأن يصيروا أغنياء. وأن يحظوا بكرامات وامتيازات. والروح القدس نفسه رأسمال، لكنه رأسمال أبدي. السيد يشبّه حياتنا بالتجارة وأعمال هذه الحياة بالشراء: أشير عليك أن تشتري مني ذهباً... لكي تستغني (رؤيا3‏:18‏). أثمن الأعمال على الأرض هي الأعمال الصالحة التي نقوم بها من أجل المسيح. هذه تكسبنا نعمة الروح القدس. ولا تأتينا الأعمال الصالحة بثمار الروح القدس إلا إذا كانت معمولة من أجل محبة المسيح. لذا قال السيد نفسه: من لا يجمع معي يفرِق... في مثل العذارى، دعي فريق منهن جاهلات رغم كونهن محافظات على عذريتهن. ما نقصهن في الحقيقة كانت نعمة الروح القدس. الأمر الأساسي ليس أن يصنع الإنسان صلاحاً بل أن يقتني نعمة الروح القدس، ثمرة كل الفضائل، الذي من دونه لا يكون خلاص... هذا الروح القدس الكلي القدرة معطى لنا شريطة أن نعرف نحن كيف نقتنيه. فإنه يقيم فينا ويعدّ في نفوسنا وأجسادنا مكاناً للآب حسب كلمة الله: أني سأسكن فيهم وأسير بينهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً (٢‏كورنثوس١٦:٦‏)... هذا وأكثر الأعمال التي تعطينا أن نقتني الروح القدس هي الصلاة.
لكن، يا أبي، أنت تتكلم عن الصلاة وعن الصلاة وحدها. حدّثني عن الصالحات الأخرى المعمولة باسم المسيح.
أجل، بإمكانك أن تحصّل نعمة الروح القدس من خلال أعمال صالحة أخرى... الصوم... الإحسان... ولكن ليس معنى الحياة أن نستزيد من عدد الصالحات بل أن نجني منها أعظم النفع، أعني المواهب الفضلى للروح القدس. وأنت عليك أن تكون موزّعاً لهذه النعمة... فإن بركات النعمة الإلهية تزداد في من يوزّعها...
إنك لا تكفّ يا أبي عن ترداد أن نعمة الروح القدس هي غاية الحياة المسيحية. ولكن كيف وأين يمكنني أن أعاين مثل هذه النعمة؟ الأعمال الصالحة منظورة ولكن هل يمكن للروح القدس أن يكون منظوراً؟ كيف يمكنني أن أعرف ما إذا كان فيّ أم لا؟
‏في أيامنا، وبسبب فتور إيماننا ونقص اهتمامنا بتدخل الله في حياتنا، نجدنا غرباء بالكلية عن الحياة في المسيح... في الكتاب المقدس مقاطع كثيرة عن ظهور الله للناس. البعض اليوم يقول إن هذه مقاطع غير مفهومة. مردّ عدم الفهم هنا هو فقدان البساطة التي تمتّع بها المسيحيون الأوائل... إبراهيم ويعقوب عاينا الله وتحدّثا إليه، ويعقوب صارعه، وموسى تفرّس فيه، وكذلك الشعب كله، في عمود الغمام الذي لم يكن غير نعمة الروح القدس هادياً شعب إسرائيل في البرّية... لم يكن هذا حلماً ولا غيبوبة ولا في الخيال بل في الواقع والحق. ولكن لأننا صرنا لا مبالين بشأن خلاصنا، لم نعد ندرك معنى كلمات الله كما ينبغي. لم نعد نلتمس النعمة، ويحول كبرياؤنا دون تجذّر النعمة في نفوسنا. ولم يعد لنا نور السيّد الذي يهبه للذين يتوقون إليه بحميّة وجوع وعطش...
ولكن كيف يمكنني أن أعرف أني داخل نعمة الروح القدس هذه؟ كيف يمكنني أن أتأكد من أنني أحيا في روح الله؟ آه كم أتوق لأن أفهم!
‏إذ ذاك أمسك القديس سيرافيم موتوفيلوف بكتفيه بقوة وقال له:
كلانا، يا صاح، في هذه اللحظة، في الروح القدس، أنت وأنا. لماذا لا ‏تنظر إليّ؟
لا أستطيع أن أتطلع إليك، يا أبي، لأن نوراً ينبعث من عينيك ‏ووجهك أبهى من الشمس ضياء!
‏لا تخف، يا صديق الله، أنت نفسك مضيء مثلي تماماً. أنت أيضاً الآن ‏في مل ء نعمة الروح القدس وإلا ما أمكنك أن تراني كما أنا.
لم يحتج قديس الله حتى إلى رسم إشارة الصليب ليكون لموتوفيلوف أن يعاين النور بعين الجسد. فقط صلّى من أجله في قلبه.
هيا، انظر إليّ ولا تخف لأن السيّد معنا!
فنظر موتوفيلوف إلى القديس مرتعداً فرآه سابحاً في نور يفوق بهاء الشمس في نصف النهار... رأى شفتيه تتحركان، ورأى تعبير عينيه وسمع صوته وشعر بيديه حول كتفيه، لكنه لم يعاين لا ذراعيه ولا جسده ولا وجهه. كما فقد الإحساس بنفسه. كان النور يملأ كل شيء ورقع الثلج المتساقط عليهما كأنها اشتعلت.
بماذا تشعر؟
أشعر بأني في أحسن حال وأتعجّب!
ماذا تعني بذلك تماماً؟
أشعر بسكون عظيم في نفسي. أشعر بسلام لا يمكن التعبير عنه بالكلام!
هذا هو السلام الذي يفوق كل عقل الذي تحدّث عنه الرسول (فيلبي٧:٤). ماذا أيضاً؟
أشعر ببهجة غريبة لم آلفها من قبل!
عن هذه البهجة قال المرنم في المزمور: "....يشبعون من دسم بيتك وأنت تسقيهم من نهر نعمك" (٣٥:٨). ماذا أيضاً؟
فرح مدهش يملأ قلبي!
هذه أولى ثمار الفرح الذي أعدّه الله للذين يحبّونه والذي قال عنه الرسول: "ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعدّه الله للذين يحبّونه" (١كورنثيوس٩:٢). بمَ تشعر أيضاً؟
أشعر بدفء مدهش!
... ونحن في عمق الغابة وفي نصف الشتاء والثلج تحت أقدامنا وعلى أثوابنا!؟... إننا الآن، يا فرحي، في عداد من قال السيّد عنهم: لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت السموات قد أتى بقوة. ها أنت قد فهمت معنى أن نكون في ملء الروح القدس... لا يهم أن أكون أنا راهباً وأنت علمانياً، المهم، في عين الله، هو الإيمان الحقيقي به وبابنه الوحيد. من أجل هذا أعطيت لنا نعمة الروح القدس. ملتمس السيّد قلوب تفيض بمحبته ومحبة القريب. هذا هو العرش الذي يجلس هو عليه ويظهر منه ذاته في مل ء مجده. يا بني أعطني قلبك (أمثال٢٦:٢٣‏). في القلب يُبنى ملكوت الله.
رقاده:
‏رقد قديس الله في سن السبعين. كان في أيامه الأخيرة يتحدّث عن قرب مغادرته بفرح ووجه مشع. وكان بعض الإخوة يسمعونه وهو يرنّم ترانيم الفصح. تناول القدسات الإلهية في الأول من كانون الثاني سنة ١٨٣٣م ‏وقبّل إيقونات الكنيسة مشعلاً أمام كل منها شمعة. ثم بارك الإخوة قائلاً لهم أن يصنعوا خلاصهم وأن يسهروا لأن الأكاليل قد أُعدت لهم. بعد ذلك زار مدفنه، ثم أغلق على نفسه في القلاية. وأثناء الليل رقد، وقيل كان على ركبتيه. عُرض للتبرك ثمانية أيام في الكاتدرائية وتبرّك منه الآلاف. وقد ذكر أحد الرهبان في الجوار أن نوراً عظيماً التمع في السماء فقال: "هذه روح الأب سيرافيم تطير إلى السماء".

في١٩ ‏تموز سنة ١٩٠٣م ‏جرى إعلان قداسته بحضور العائلة المالكة ومئات ‏ألوف المؤمنين.