"أيها الملك السماوي"
"أيها الملك السماوي"
منذ عيد العنصرة وحتّى أحد الفصح تبدأ كلّ صلاة في الكنيسة الأرثوذكسيّة باستدعاء الروح القدس: "أيّها الملك السماويّ، المعزّي، روح الحق، الحاضر في كلّ مكان والمالئ الكلّ، كنز الصالحات ورازق الحياة، هلمّ واسكن فينا وطهّرنا من كلّ دنس، وخلّص أيّها الصالح نفوسنا".
مَن هو الروح القدس؟
- هو احد الأقانيم الثلاثة، وهو غير المنفصل عن الله الآب والله الابن، وهو أيضًا الله الروح القدس، لإن إلهنا ثالوث قدّوس، آب وابن وروح قدس إله واحد في الجوهر.
صحيح أنّ في هذه الصلاة تخصيصًا للروح القدس، ولكن تبقى صلاتنا ثالوثيّة جامعة للإله الواحد، تمامًا كما نصلّي "أبانا الذي في السموات".
- هو "الملك السماويّ" لأنّه "روح رئاسيّ"، يَهدي ويعضد ويرشد، ويحقّق ملكوت الآب على الأرض الذي تمّ بالابن مِن بعد ما انتصر على الموت وقام من بين الأموات وصعد إلى السموات.
- هو المعزّي الذي يعطينا أن نكون دائمًا في حضرة المسيح من بعد صعوده.
فالمسيح قال: "ومتى جاء المعزّي، الذي أرسله أنا إليكم من الآب، فهو يشهد لي" (يوحنا ١٥: ٢٦). وقال أيضًا "يعلمّكم كلّ شيء" (يوحنا ١٤: ٢٦).
- هو روح الحقّ كما يسمّيه الربّ يسوع "الذي من عند الآب ينبثق" (يوحنا ١٥: ٢٦).
وبهذا، نقول:
الآب والد وباثق. الابن مولود مِن الآب، والروح القدس منبثق من الآب.
المسيح يرسل الروح القدس المنبثق من عند الآب إلى العالم.
- هو الروح المعزّي الذي يعطي الفرح والمواهب ويعزّي الإنسان في غربته عن الله في هذه الحياة، إلى أن يأتي الربّ في مجيئه الثاني.
- هو حضور الله في العالم، ولهذا هو "حاضر في كلّ مكان ومالئ الكلّ".
- هو روح التجدّد في كل مرّة نتوب فيها عن خطايانا ونعترف.
- هو روح التقديس، وهو مبتغانا لنكون في حضرة الله الدائمة. وكلّما حافظنا على نعمة الروح القدس ونمّيناها يفيض حضوره فينا نصبح ونحن "كنز النعمة". هذه هي القداسة. فإنّ اقتناء الروح القدس هو الاتّحاد بالله. ألا يقول القديس سيرافيم ساروف إنّ هدف الحياة المسيحيّة هو اقتناء الروح القدس؟
فلمّا أرسل لنا الرّبّ المعزّي، أعطانا الإمكانيّة أن نتّحد به في المعموديّة ونتقدّس، وننال الحياة الأبديّة شرطَ أن نفعّل الروح القدس فينا. إذ "لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَسُوعُ رَبٌّ» إِلاَّ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ." (١كونثوس ٣:١٢).
- هو الروح الذي يهبّ حيث يشاء، فيحفظ المسكونة والخليقة.
- هو "كنز الصالحات" أي يأتي منه الخير والبركة في الكون لأنّه يجدّد قوّة الحياة في الناس، ويستعيد علاقتهم بالخالق.
- هو "رازق الحياة". الله نفخ في الإنسان "نسمة حياة" فصار كائنًا حيًّا، وبالسقوط دخل فيه الفساد والموت. بالمعموديّة، ننال الروح القدس الذي يحفظ أرواحنا بعد الموت.
ملاحظة: في المجمع المسكوني الثاني الذي انعقد في القسطنطينيّة عام ٣٨١ م، أعلن الآباء القدّيسون مِن الكتاب المقدّس بأنّ الروح القدس هو "الله" كما الآب والإبن، وبهذا اكتمل دستور الإيمان في الجزء الثاني منه حيث نقول "وبالروح القدس، الرّب المحيي، المنبثقٌ مِن الآب، الذي هو مع الآب والابن مسجود له وممجّد...".
وكان دستور الإيمان قد حُدّد الجزء الأوّل منه في المجمع المسكوني الأوّل عام ٣٢٥م .
خلاصة:
ندعو الروح القدس كلّ يوم: "هلمّ واسكن فينا وطهّرنا مِن كلّ دنس". افعل في طبيعتنا الساقطة كما يفعل الخمير في العجين، حتّى نصير خبزًا صالحًا للملكوت. وخلّص أيّها الصالح نفوسنا.
وننهي مع بولس الرسول: «صَارَ آدَمُ، الإِنْسَانُ الأَوَّلُ، نَفْسًا حَيَّةً، وَآدَمُ الأَخِيرُ رُوحًا مُحْيِيًا»." (١كو ١٥: ٤٥). وهذا يشير إلى الخلاص الذي أتمّه المسيح.