تعريف الشفاعة
٢- تعريف لغوي:
بحسب المعجم شَفَاعَةٌ مِن مصدر شَفَعَ [ش ف ع] : يَرْجُو شَفَاعَتَهُ: وَسَاطَتَهُ، كَلاَمُ الشَّفِيعِ. سعي الشفيع. أي ما يقوله «الشفيع» وهو الذي يسعى في طلب المساعدة للآخرين.
٣- الشفاعة في المسيحيّة:
الشفاعة هي الصلاة من أجل الآخر، وهذا أسمى ما يطلبه الإنسان في صلاته إلى الله. فنقرأ في رسالة يعقوب: «َصَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ» و «طلبة الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا» (ي ١٦:٥).
القدّيسون يصلّون للآخرين ويفرحون، والعذراء مريم والدة الإله هي قدوة في الشفاعة الى الله، فهي لم تطلب شيئًا لنفسها وقد قدمت الرب يسوع المسيح إلى البشريّة منذ اللحظة الأولى للولادة.
عرس قانا الجليل يعطينا مثالًا واضحًا في الطلب والشفاعة. تقدمت والدة الإله إلى الرب يسوع قائلةً:
«لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ» ثم قَالَتْ لِلْخُدَّامِ: «مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ». ومع أن تحويل الماء إلى خمر يسرع في كشف ألوهة الرب يسوع المسيح، وبالتالي صلبه، وقد عبّر الرّبّ عن ذلك بوضوح بقوله: «ما لي ولك يا امرأة، لم تأتي ساعتي بعد»
(والساعة هي ساعة الصلب)، إلّا أنّه لبّى طلب والدة الإله على الفور.
عمل العذراء هنا عمل محبّة صرف واهتمام بالآخر، وهذه هي رسالة يسوع ومحور الإنجيل بكامله ومحبّة القدّيسين.
حياة الرسل مليئة بالصلوات والتضرعات من أجل الآخرين، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، فنجد بولس الرسول مثلًا لا ينفك يصلي من أجل الآخرين: «فإِنَّ اللهَ الَّذِي أَعْبُدُهُ بِرُوحِي، فِي إِنْجِيلِ ابْنِهِ، شَاهِدٌ لِي كَيْفَ بِلاَ انْقِطَاعٍ أَذْكُرُكُمْ، مُتَضَرِّعًا دَائِمًا فِي صَلَوَاتِي» (رومية٩:١-١١).
ونعرف من أعمال الرسل أن الكنيسة تصلي بلجاجة إذا تعرّض أحد أعضائها للخطر. هذا يشير إلى التعاضد والمؤازرة:
«فَكَانَ بُطْرُسُ مَحْرُوسًا فِي السِّجْنِ، وَأَمَّا الْكَنِيسَةُ فَكَانَتْ تَصِيرُ مِنْهَا صَلاَةٌ بِلَجَاجَةٍ إِلَى اللهِ مِنْ أَجْلِهِ» (أعمال ٥:١٢).
كذلك كان بولس الرسول يطلب صلوات الجماعة من أجله:
«فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَبِمَحَبَّةِ الرُّوحِ، أَنْ تُجَاهِدُوا مَعِي فِي الصَّلَوَاتِ مِنْ أَجْلِي إِلَى اللهِ» (رومية ٣٠:١٥).
هذه الدعوة هي جماعية، مِن هنا يلح بولس الرسول بقوله:
«فأطلب أول كل شيء أن تقام طلبات وصلوات وابتهالات وتشكرات لأجل جميع الناس»(١تيمو١:١-٢).
لنطرح سؤالًا بسيطًا:
إذا كان الرسول بولس في حياته الأرضيّة يفعل ذلك، فهل سيتوقّف عن الاستمرار في الصلاة بعد رقاده؟ بالطبع لا. لا بل مستحيل. وهل تنقطع الشركة مع أهل السماء بعد انتقال القدّيسين؟
هذه الآية تجيبنا على ذلك
«فَلَسْتُمْ إِذًا بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلًا، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ، مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ، الَّذِي فِيهِ كُلُّ الْبِنَاءِ مُرَكَّبًا مَعًا، يَنْمُو هَيْكَلًا مُقَدَّسًا فِي الرَّبِّ.» (أف ١٩:٢-٢١).
طبعًا الرب هو الأساس والمحور، إلّا أن القدّيسين هم في شركة محبّة دائمة مع الله، ونحن مدعوون إليها، وشفاعة القدّيسين تصدر من الرب لأنّه «لَيْسَ هُوَ إِلهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلهُ أَحْيَاءٍ، لأَنَّ الْجَمِيعَ عِنْدَهُ أَحْيَاءٌ». (لو ٣٨:٢٠).