شفاعة القدّيسين:
١- مقدّمة:
قبل البدء بشرح شفاعة القدّيسين لا بد لنا من شرح ما هي القداسة ومن هو القدّيس.
١.١- ما هي القداسة؟:
كلمة قدّيس في أصلها العبري «قدوش» وتعني التخصيص والفرز أي التكّريس. «وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمّة مقدّسة.» )خر٦:١٩)
دعوة القداسة موجودة منذ البدء: «وقال الله: «نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا»“ (تكوين ٢٦:١). الشبه هو القداسة. عاد الله وكرّر هذه الدعوة مراراً قائلاً: «إنّي أنا الرّبّ إلهكم فتتقدّسون وتكونون قدّيسين لأنّي أنا قدّوس“ (لا٤٤:١١).
كل الناس مدعويين إلى أن يكونوا قدّيسين والقداسة هي للجميع، فحياة المعّمد مشروع قداسة.
لنتأمل مثلاً بهذه الآية في سفر العدد، والموجودة في الصلاة الطقسيّة التي كان يتلوها اليهودي يوميًّا في حياته: «لكي تذكروا وتعملوا كلّ وصاياي وتكونوا مقدّسين لإلهكم“ (عدد٤٠:١٥). إذًا إرادة الله قداستنا.
مِن هنا، القداسة مسيرة يوميّة نعيشها مع الله وننمو فيها، ويكون الله فيها السيّد الوحيد على حياتنا.
فإذا الناموس قديماً تكلمّ بهذا الوضوح عن القداسة، فكيف الحال إذاً مع مكمّل ومتمّم الناموس في شخصه ألا وهو الرّبّ يسوع المسيح نفسه الذي تجسّد وصار إنسانًا دون أن يفقد ألوهيّته، وصُلِبَ عنّا وأقامنا معه؟
هذا الأمر تكرّر في العهد الجديد: «لأن الله لم يدعنا للنجاسة بل في القدّاسة» (اتس٧:٤). كذلك، «لا تشاكلوا شهواتكم السابقة في جهالتكم، بل نظير القدّوس الذي دعاكم، كونوا أنتم أيضًا قدّيسين في كلّ سيرة.
لأنّه مكتوب: كونوا قدّيسين لأنّي أنّا قدّوس»(١بط١٥:١-١٦).
١.٢- من هو القدّيس؟
هناك ترنيمة في سفر الرؤيا تقول: «عَظِيمَةٌ وَعَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ! عَادِلَةٌ وَحَقٌ هِيَ طُرُقُكَ يَا مَلِكَ الْقِدِّيسِين».
هذه الترنيمة هي ترنيمة الظفر، وتبدأ بالإشارة إلى الغالبين على الوحش (أي المجرّب، الشرير، إبليس)، وهم واقفون ومعهم قيثارات الله، وقد خرجوا منتصرين غالبين الشيطان. الترنيمة نفسها نقرأها مع موسى النبيّ بعد أن عبر الشعب العبراني البحر الأحمر وتحرّر من العبودية. إذًا القداسة هي هذا العبور الكبير، العبور من عبوديّة الخطيئة إلى حريّة أبناء الله.
هذا العبور لا يتحقّق إلا بإفراغ الذات من الأهواء للامتلاء بالروح القدس. فالقدّيسون هم العبرانيون الجدد، العبرانيون الحقيقيون، شعب الله الجديد الذي جاهد وانتصر، وهذا معنى كلمة اسرائيل.
هذه الغلبة تأتي بعد جهاد كبير وتوبة مستمرّة. فطالما الإنسان هو في جسده الترابي، طالما يخوض المعارك المتواصلة دون كلل أو كسل. هو جهاد إلى أخر رمق من حياتنا.
وتتجلّى هنا معايير القداسة وإعلان القدّيسين:
«القدّيس هو مَن أضحى، بجهادٍ وصبرٍ، إنجيلاً حيّاً، قولاً وعيشاً، واستقامة ًفي العقيدة «.
أما اجتراح العجائب هي نعمة قد يعطيها الله للقدّيس وقد لا يعطيها، وهي أصلًا لم تكن يومًا شرطًا لإعلان قديس ما. وهناك قدّيسون كثر منذ بدء الكنيسة ليسوا مجترحي عجائب.
-١.٣ من يعلن القدّيس، وكيف:
يقوم المجمع المقدّس الخاص بكل بطريركيّة بإعلان قداسة القدّيس/ة بعد دراسة ملفّه(سيرة حياته/إيمانه) من قبل لجنة كنسيّة مختصّة كلّفت بهذا الأمر. فتقام الصلاة على نيّة الشخص المعلن، وتُكتب له خدمة وأيقونة وتنشر سيرة حياته، ويحدد له يومًا في الروزنامة الكنسيّة كتذكار له في الدورة الليتورجيّة السنويّة.
هذا اليوم يكون يوم رقاده أو استشهاده، لأنه يوم انضمامه إلى قوافل القدّيسين الذي انتقلوا عنّا إلى حياة آبديّة مع الرب يسوع المسيح.
٢- الشفاعة في اللغة العربيّة:
بحسب المعجم أو المنجد هي شَفَاعَةٌ [ش ف ع]. (مصدر شَفَعَ): يَرْجُو شَفَاعَتَهُ: وَسَاطَتَهُ، كَلاَمُ الشَّفِيعِ. سعي الشفيع. أي ما يقوله «الشفيع» وهو الذي يسعى في طلب المساعدة للآخرين.
٣- كلمة شفاعة في الكتاب المقدّس:
٣.١- في العهد القديم:
هناك عدّة كلمات استعملت في أسفار العهد القديم تشير إلى معنى الشفاعة.
نقرأ عند إرمياء النبي: «وَأَنْتَ فَلاَ تُصَلِّ لأَجْلِ هذَا الشَّعْبِ وَلاَ تَرْفَعْ لأَجْلِهِمْ دُعَاءً وَلاَ صَلاَةً، وَلاَ تُلِحَّ عَلَيَّ لأَنِّي لاَ أَسْمَعُك.» (إر١٦:٧).
وأيضًا يذكر سفر التكوين الشفاعة بمعنى التماس، وذلك مع إبراهيم في دفن زوجته سارة «الْتَمِسُوا لِي مِنْ عِفْرُونَ بْنِ صُوحَرَ» (تك٨:٢٣). الأمر نفسه عند أيوب: «مَنْ هُوَ الْقَدِيرُ حَتَّى نَعْبُدَهُ؟ وَمَاذَا نَنْتَفِعُ إِنِ الْتَمَسْنَاهُ؟» (أي١٥:٢١).
كما تأتي بمعنى التوسّل: «فَإِنْ كَانُوا أَنْبِيَاءَ، وَإِنْ كَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ مَعَهُمْ، فَلْيَتَوَسَّلُوا إِلَى رَبِّ الْجُنُودِ لِكَيْ لاَ تَذْهَبَ إِلَى بَابِلَ الآنِيَةُ الْبَاقِيَةُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ وَبَيْتِ مَلِكِ يَهُوذَا وَفِي أُورُشَلِيمَ.» (ار ١٨:٢٧).
وأيضًا بمعنى التضرّع: «قَالَ الرَّبُّ: «إِنِّي أَحُلُّكَ لِلْخَيْرِ. إِنِّي أَجْعَلُ الْعَدُوَّ يَتَضَرَّعُ إِلَيْكَ فِي وَقْتِ الشَّرِّ وَفِي وَقْتِ الضِّيقِ». (ار١١:١٥).
إذًا الشفاعة تنوّعت بين الطلب والالتماس والتوسّل والإلحاح والتوسّط من أجل الحصول على الشيء.
٣.٢- في العهد الجديد:
ترد كلمة شفاعة في الإنجيل تحت كلمة «شفيع، «وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ.» (١يو١:٢).
الكلمة المستعملة في اليونانيّة، لغة الرسالة الأصليّة، هي Παράκλητον التي عندها عدّة معاني تصب في الاتّجاه نفسه: محامي ووسيط ومعزّي وشفيع وتوسّل، وكلّها تأتي بنتيجة مليئة بالفرح والابتهال.
وهنا يجب الانتباه إلى أمر هام جدًا: لا تنحصر كل هذه المعاني في الإنجيل بكلمة واحدة.
-مثلًا، تترجم كلمة شفيع هنا بالنسخة الإنكليزيّة للإنجيل ب advocate أي محام.
-نقرأ في الرسالة إلى تيموثاوس:
«فَأَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ، أَنْ تُقَامَ طَلِبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَابْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ» (١تي١:٢).
Παρακαλῶ οὖν πρῶτον πάντων ποιεῖσθαι δεήσεις, προσευχάς, ἐντεύξεις, εὐχαριστίας, ὑπὲρ πάντων ἀνθρώπων,
نلاحظ هنا أن كلمة ابْتِهَالاَتٌ مكتوبة باليونانيّة ἐντεύξεις من فعلἐντυγχάνω، أي توسّلات Intercessions،
والتي تعني أيضًا تشفّع، هذا ليشير أننا نتكلّم عن نفس المقصد والمعنى والهدف.
هذا واضح في الرسالة إلى العبرانيين: «فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضًا إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ (ἐντυγχάνειν) فِيهِمْ.» (عب ٢٥:٧).
الأمر ذاته في الرسالة إلى رومية: «وَلكِنَّ الَّذِي يَفْحَصُ الْقُلُوبَ يَعْلَمُ مَا هُوَ اهْتِمَامُ الرُّوحِ، لأَنَّهُ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يَشْفَعُ
(ἐντυγχάνει) فِي الْقِدِّيسِينَ» (رو٢٧:٨).
-كذلك نقرأ في الرسالة الأولى إلى تيموتاوس:
«لأَنَّهُ يُقَدَّسُ بِكَلِمَةِ اللهِ وَالصَّلاَةِ» (١تي٥:٤). الاسم المستعمل للصلاة هنا هو نفسه الذي يستعمل للتوسّل والشفاعة ἐντεύξεως.
ملاحظة: لهذا الاسم έντευξις)ّ ἐντεύξεως) عدّة معاني تلتقي في عمقها وهي:
* صلاة، وتضرّع، وشفاعة، وتوسّط.
* ألتقي وأشاور.
* أصيب الهدف.
إصابة الهدف في المسيحيّة هي عكس الخطيئة Αμαρτία التي تعني عدم إصابة الهدف، فعندما أخطئ ἁμαρτάνω في حياتي المسيحيٌّة، لا أصيب الهدف الذي خلقني الله عليه، وهو أن أتقدّس. «كونوا قدّيسين لأني أنا هو قدّوس» (لا٢:١٩).
كذلك إذا قارنّا بين حديث الرّبّ عن الروح القدس المعزّي Παράκλητος (يو ٢٦:١٥)، وما يقوله الإنجيليّ يوحنا عن المسيح الشفيع Παράκλητον (١يو١:٢)، نجد أن الكلمة المستعملة هي نفسها (الاختلاف في الصيغة فقط).
كما هناك أمثلة أخرى تشير إلى الشفاعة بمعنى التوسّل (أع ٢٤:٢٥).
فالآية في الرسالة إلى أهل رومية هي خير دليل على هذا الربط: «الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا» (رو٢٦:٨).
لنلاحظ الفعل المستعمل للدلاة على الشفاعة ὑπερεντυγχάνει وهو نفس الفعل εντυγχάνει الذي يشير إلى الابتهالات والصلوات والمعاني التي ذكرت أعلاه. لكن هنا أضيف على الفعل ὑπερ ليعطي معنى فائق.
وفي الرسالة نفسها: «لَمْ يَرْفُضِ اللهُ شَعْبَهُ الَّذِي سَبَقَ فَعَرَفَهُ. أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ مَاذَا يَقُولُ الْكِتَابُ فِي إِيلِيَّا؟ كَيْفَ يَتَوَسَّلُ إِلَى اللهِ ضِدَّ إِسْرَائِيلَ قَائِلًا» (رو٢:١١). وأيضًا هنا الفعل المستعمل للإشارة إلى التوسّل هو ἐντυγχάνει.
٤- الكلمة الإنجيليّة والكلمة المستعملة اليوم:
الكلمة المستعملة اليوم والتي تشير إلى الشفاعة هي πρεσβεῖα من فعل Πρεσβευω، فنقول مثلًا عن والدة الإله أنّها الشفيعة الحارة Πρεσβεία θερμή.
وهنا يجب الانتباه جيّدًا لأمرين هامّين جدًا:
١-الأمر الأوّل:
لم تستعمل كلمة Πρέσβης في العهد الجديد بمعنى الشفاعة بل بمعنى سفير (السفير Πρέσβης) (٢ كور ٢٠:٥ - أفس ٢٠:٦- لوقا ٣٢:١٤ ١٤:١٩)، وذلك للتركيز على عمل الشفاعة (الشفيع). كذلك لم تستعمل كلمة مندوب Εκπρόσωπος، بمعنى ينوب عن، إذ للشفاعة معان مختلفة، وهي مرتبطة بالشركة واشتراك في العمل.
في الحياة المسيحيّة هناك عمل مشترك بين المؤمنين والقدّيسين، كذلك بين القدّيسين والله، وهذا العمل يعرف بالمؤازرة συνεργία، أي نعمل سويًّا وليس انفراديًّا. نحن نصلّي مع القدّيس، وليس هو يصلّي عنا. كما أن الكنيسة تكرّم القدّيسين ولا تعبدهم، لأن العبادة هي لله وحده.
هذا ما يقوم به المؤمن في صلاته الشخصيّة أو الجماعة في المديح أو البراكليسي أو أي صلاة أخرى. هذا لأن المسيحية حياة شركة مستمرّة في المسيح ولا يفصلها الموت الذي هو أصلًا رقاد وانتقال.
كذلك، إذا أخذنا مثلًا الطلبات التي تقال في القدّاس الإلهيّ أو السحر أو الغروب، هل هي تنحصر في الكاهن أو الشماس، أمهي طلبات كلّ الشعب، وكل الجماعة في الكنيسة تصلّي معًا بروح واحدة.
ملاحظة: صحيح أن الكاهن هو إمام الصلاة، ولكن لا يجوز له إقامة القدّاس الإلهيّ بمفرده.
٢- الأمر الثاني:
يطلق الإنجيل كلمة πρεσβεῖα على الأحياء فقط إذ لا يمكن أن تطبّق على الراقدين اذين انتقلوا، بل هي محصورة فقط بالذين هم على قيد الحياة. بينما الكلمة المستعملة للشفاعة ἐντεύξεις من فعل ἐντυγχάνω استعملت للراقدين والأحياء معًا. هذا دلالة على أن الصلاة مع القدّيسين مستمرّة وهم في حضرة الله، كما أن الموت لا يفصل المؤمنون عن بعضهم بعضًا، بل نحن نصلّي لراقدينا بشكل مستمر.
ملاحظة:
في الإطار الفلسفيّ والتاريخيّ كلمة πρεσβεῖα قديمًا، قبل العهد الجديد، كانت تعني تقدّم بالسن والمرتبة، وتنمية الفنون، وسفير ومفاوض، وعضو في المجلس التشريعي.
٥- كلمة الشفاعة عند الآباء:
الآباء القدّيسون جمعوا بين المعاني الجديدة والقديمة، فأعطوا لكلمة πρεσβεῖα وسعها، فأستعملوها للدلالة على الشفيع والوسيط، والابتهالات والصلوات والتضرّعات والتوسّلات، وأيضًا السفير، والتقدّم في السن.
٦- الشفاعة وصلوات القدّيسين:
كل الأبرار دون استثناء، في العهدين القديم أو الجديد، تشفّعوا من أجل شعبهم ومن أجل الآخرين، إذ هذا الأمر ينبثق من فيض محبّة المسيح فيهم.
يقسم الموضوع هنا إلى ثلاثة أقسام، وسنعرض في كل قسم بعض الآيات:
٦.١- شفاعة الأحياء من أجل بعضهم بعضًا:
•في العهد القديم:
-شفاعة ابراهيم لأهل سدوم:
أمهل الرب هلاك سدوم من أجل إبراهيم. (تك ١٨: ٢٠-٣٢)
-شفاعة ابراهيم لأبيمالك:
أخفى إبراهيم عن ابيمالك أن سارة هي زوجته مدعيًّا أنه شقيقته، فأخذها أبيمالك عن سلامة قلب لبيته. عندها ظهر الله له في الحلم وقال له، رُدَّ امْرَأَةَ الرَّجُلِ، فَإِنَّهُ نَبِيٌّ، فَيُصَلِّيَ لأَجْلِكَ فَتَحْيَا.» (تك ٦:٢٠- ٧ و١٧).
-شفاعة موسى في الشعب:
بطلب من موسى أمهل الله هلاك الشعب العبري الذي تركه وصنع عجلًا مذهبًا ليتخذه إلهًا له. (خر١١:٣٢).
-أيوب واصحابه الثلاثة:
طلب الرب من أيوب أن يقيم محرقة ويصلّي من أجل أصحابه الثلاثة. (أي ٧:٤٢-٨).
-النبي صموئيل يصلّي من أجل الشعب (1صم٥:٧)، والنبي إيليا من أجل الأرملة (١مل ١٩:١٧-٢٢) من أجل المطر(١مل٤٢:١٨) وغيرهم.
•في العهد الجديد:
-بطرس الرسول يصلّي من أجل رجل من بطن أمه يُحمل (أع ١:٣-٩).
-بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا يصليّان لأهل السامرة لنزول الروح القدس. (أع ١٥:٨).
-سيمون الساحر يطلب من الرسولين بطرس ويوحنا ليصليّا من أجله: «اطْلُبَا أَنْتُمَا إِلَى الرَّبِّ مِنْ أَجْلِي لِكَيْ لاَ يَأْتِيَ
عَلَيَّ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْتُمَا» (أع ٢٤:٨).
-بطرس الرسول في السجن: «أَمَّا الْكَنِيسَةُ فَكَانَتْ تَصِيرُ مِنْهَا صَلاَةٌ بِلَجَاجَةٍ إِلَى اللهِ مِنْ أَجْلِهِ» (أع٥:١٢).
-بولس وبرنابا يصليان بأصوام من أجل الكنائس (أع٢٣:١٤).
-بولس صلى من أجل الذين سمعوه ليصيروا مثله مسيحيين (أع ٢٩:26).
-نجد بولس الرسول يطلب الصلاة من أجل المؤمنين ومن أجله. «مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي الرُّوحِ،
وَسَاهِرِينَ لِهذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، وَلأَجْلِي، لِكَيْ يُعْطَى لِي كَلاَمٌ عِنْدَ افْتِتَاحِ فَمِي،
لأُعْلِمَ جِهَارًا بِسِرِّ الإِنْجِيلِ « (أفس ١٨:٦-١٩).
-رسالة يعقوب: «أمَرِيضٌ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ؟ فَلْيَدْعُ شُيُوخَ الْكَنِيسَةِ فَيُصَلُّوا عَلَيْهِ وَيَدْهَنُوهُ بِزَيْتٍ بِاسْمِ الرَّبِّ، وَصَلاَةُ الإِيمَانِ
تَشْفِي الْمَرِيضَ، وَالرَّبُّ يُقِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ خَطِيَّةً تُغْفَرُ لَهْ». (يع١٤:٥-١٥).
٦.٢- شفاعة القدّيسين (الراقدين طبعًا).
قال الرب يسوع المسيح: «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا»(يوحنا٢٥:١١).
وهذا يعني أنّه إن كان القديسون أحياء بالإيمان فمن البديهي أن يستمروا بالصلاة والتضرع بعد رقادهم. ويشهد الكثير من الآباء القدّيسين في القرون الأولى لذلك أمثال بايسليوس الكبير وكبريانوس وغريغوريوس اللاهوتي وافرام السرياني ويوحنا الذهبي الفم وغريغوريوس النيصصي وغيرهم.
وهذا الأمر لم يتوقّف يومًا في حياة الكنيسة، فلليوم والكنيسة تشهد على آيات وعجائب وشفاعة القدّيسين، من قدّيسين من كل العصور، من القدّيس ديمتريوس المفيض الطيب إلى القدّيس نكتاريوس العجائبي وغيره.
كما يذكر الكتاب المقدّس أن القديسين الراقدين لا يصلون معنا ولنا فحسب، بل هم على دراية ومعرفة بما يحصل معنا على الأرض ولهم دور محوري فمثلًا:
- ظهور موسى وإيليا بمجد، عند تجلّي الرّب يسوع، وتكلّمهما «عن خروجه الذي كان مزمعًا أن يكمّله في أورشليم» (لو٣١:٩) يدل على أنّهما كانا عالمَين جيّدًا بكلّ شيء.
- النبي إيليّا أرسل كتابة إلى يهورام ابن يهوشافاط ملك يهوذا، بعد سنوات عديدة من إصعاده (٢ أي١٢:٢١-١٦)
العهد القديم:
-موسى النبي يطلب شفاعة إبراهيم واسحق ويعقوب لعدم هلاك الشعب (خر ١١:٣٢-١٣).
-سليمان يطلب شفاعة داود:
«نقرأ في سفر الأخبار الأيام الثاني كيف كان:» أيّها الرّب الإله، لا ترد وجه مسيحك. اذكر مراحم داود عبدك» (٢اخ٤٢:٦).
العهد الجديد:
-في سفر الرؤيا: وَلَمَّا أَخَذَ السِّفْرَ خَرَّتِ الأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتُ وَالأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا أَمَامَ الْخَروفِ، وَلَهُمْ كُلِّ وَاحِدٍ قِيثَارَاتٌ وَجَامَاتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوَّةٌ بَخُورًا هِيَ صَلَوَاتُ الْقِدِّيسِينَ» (رؤ٨:٥).
-في سفر الرؤيا: «وَجَاءَ مَلاَكٌ آخَرُ وَوَقَفَ عِنْدَ الْمَذْبَحِ، وَمَعَهُ مِبْخَرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَأُعْطِيَ بَخُورًا كَثِيرًا لِكَيْ يُقَدِّمَهُ مَعَ صَلَوَاتِ الْقِدِّيسِينَ جَمِيعِهِمْ عَلَى مَذْبَحِ الذَّهَبِ الَّذِي أَمَامَ الْعَرْشِ.» (رؤ٣:٨).
-في سفر الرؤيا: «فَصَعِدَ دُخَانُ الْبَخُورِ مَعَ صَلَوَاتِ الْقِدِّيسِينَ مِنْ يَدِ الْمَلاَكِ أَمَامَ اللهِ» (رؤ٤:٨).
٦.٣- الصلاة من أجل الراقدين:
قال الرب لمرثا أخت لعازر:»أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا» (يو٢٥:١١).
تؤمن الكنيسة إذًا أن الصلاة والشفاعة لا تتوقّف بعد الرقاد لأنّنا نبقى أحياء بالرّبّ. وقد أكّد الرب ذلك بكلامه إلى الصدوقيين: «أَنَا إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ؟ لَيْسَ اللهُ إِلهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلهُ أَحْيَاءٍ» (مت ٣٢:٢٢)، و»لَيْسَ هُوَ إِلهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلهُ أَحْيَاءٍ. فَأَنْتُمْ إِذًا تَضِلُّونَ كَثِيرًا» (مر ٢٧:١٢)، «وَلَيْسَ هُوَ إِلهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلهُ أَحْيَاءٍ، لأَنَّ الْجَمِيعَ عِنْدَهُ أَحْيَاءٌ» (لو ٣٨:٢٠).
لنلاحظ هذه الآية مثلًا:
«لِيُعْطِ الرَّبُّ رَحْمَةً لِبَيْتِ أُنِيسِيفُورُسَ، لأَنَّهُ مِرَارًا كَثِيرَةً أَرَاحَنِي وَلَمْ يَخْجَلْ بِسِلْسِلَتِي» (٢ تيم ١٦:١). أنيسيفوروس كان قد رقد هنا.
٧- رفات القدّيسين:
تؤمن الكنيسة بأن الإنسان يتقدّس بالكليّة جسدًا وروحًا، إذ يصبح مسكنًا للروح القدس. وكانت الجماعات المسيحيّة الأولى تسعى بقوّة إلى تكريم رفات القدّيسين، وكانت تجري من خلالهم عجائب جمّة. كما انعكس هذا الأمر على ثيابهم والأشياء التي كانوا يستعملونها. سير القديسين واستشهادات الآباء القدّيسون الأوّل تشهد بوفرة على هذا الأمر.
مثال على ذلك، سيرة القدّيس بوليكاربوس أسقف إزمير من القرن الثاني ميلادي. ويشهد أوريجنّوس المعلّم ( ١٨٤-٢٥٣م) عن شفاعة القدّيسين الراقدين فيقول: «إن جميع أولئك الذين رقدوا قبلنا يجاهدون معنا ويساعدوننا بأدعيتهم».
كذلك نقرأ عند القدّيس كيرلّس الأورشليمي (٣٧٨-٤٤٤م) :«نحن نحتفل أيضًا بذكرى أولئك الذين رقدوا قبلنا، أوّلًا البطاركة والأنبياء، والرسل والشهداء، حتّى إن الله يقبل، بصلواتهم وشفاعاتهم، توسلاتنا».
هذا الموضوع ليس بغريب بتاتًا عن الإيمان المسيحي، وصفحات الكتاب المقدس من العهد القديم تشهد على ذلك.
- إقامة الميت على رفات أليشع النبي:
وفيما كانوا يدفنون رجلًا إذا بهم قد رأوا الغزاة، فطرحوا الرجل في قبر أليشع، فلما نزل الرجل ومس عظام أليشع
عاش وقام على رجليه. (٢مل١٣: ٢٠)
-أليشع النبي يشق نهر الأردن بعباءة إيليا النبي:
رفع أليشع رداء إيليا وضرب الماء وقال: «أين هو الرب إله إيليا؟»، ثم ضرب الماء أيضًا، فانفلق إلى هنا وهناك وعبر
أليشع. (٢مل١٤:٢).
٨- أجساد القدّيسين الأحياء:
-بطرس الرسول: يخبرنا أعمال الرسل أن المؤمنين كانوا يحملون المرضى، وبمجرّد زن يمر عليهم ظل بطرس الرسول
كانوا يشفون. (أع ١٥:٥).
-بولس الرسول: نقرأ أيضًا في أعمال الرسل كيف كان يؤتى عن جسد بولس بمناديل إلى المرضى، فيشفون، وتخرج
الأرواح الشريرة منهم. (أع ١٢:١٩).
٩- شرح شفاعة يسوع الإنسانἄνθρωπος:
«لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ» (١تيموتاوس٥:٢).
هناك من يستعمل هذه الآية ليقول إن لا لزوم لشفاعة القدّيسين.
قبل البدء بشرح هذه الآية لا بد من القول إن الاعتراض على شفاعة القدّيسين جاء متأخرًا في القرون الوسطى، وتحديدًا كردّة فعل بين الجماعات البروتستانتية والكنيسة الكاثوليكيّة.
كلمة «وسيط واحد» هنا تتعلّق بالتدبير الخلاصي الذي اتمّه الله للبشر، ألا وهو صيروته إنسانًا، ولا تلغي شفاعة القدّيسين وعلى رأسهم والدة الإله على الإطلاق، وذلك للأسباب التالية:
١- يسبق هذه الآية طلب بولس الرسول إقامة طلبات وصلوات وابتهالات وتشكّرات لأجل جميع الناس. هذا
تمامًا ما يفعله القدّيسون، وهذه هي الشفاعة.
٢-كلمة «وسيط واحد» مرتبطة بكلمة «الإِنْسَانُ ἄνθρωπος» في الآية، أي تجسّد الرّب وصلبه وقيامته من
أجل جميع البشر. وكما تقول الرسالة إلى العبرانيين: «لأَجْلِ هذَا هُوَ وَسِيطُ عَهْدٍ جَدِيدٍ، لِكَيْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّونَ،
إِذْ صَارَ مَوْتٌ لِفِدَاءِ التَّعَدِّيَاتِ الَّتِي فِي الْعَهْدِ الأَوَّلِ، يَنَالُونَ وَعْدَ الْمِيرَاثِ الأَبَدِيّ» (عب١٥:٩)، الذي «هُوَ كَفَّارَةٌ
لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا» (١يو٢:٢).
إذًا المعنى هنا يتعلّق بالتجسّد وما تبعه من أحداث خلاصيّة أتمّها الرب، فهو وحده الفادي، الله الذي أصبح إنسانًا
لأجلنا.
٣- كلمة «واحد» في هذه الآية تعني أنه الإله الوحيد الذي فدانا ولا أحد غيره، ولا تعني إطلاقًا أنّه وحيد بمعنى
منعزل أو منفصل، لأنّه الإله الذي يجمع كلّ شفاعة القدّيسين في ذاته، فهو مصدر النعم، وهو الذي قال:
«مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَالأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضًا، وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا» (يو ١٢:١٤). القدّيس يبقى حيًّا
فاعلًا مع الرب، لأن من يؤمن به لا يموت.
لم يأتي الرب يسوع المسيح إلينا ليكون منعزلًا، بل ليؤسّس كنيسة.
١٠- دراية القدّيسون بما يجري على الأرض:
يظهر الكتاب المقدّس أن القدّيسين، كما هم في شركة مع المسيح ويفرحون مع أهل السماء بخاطئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ (لو٧:١٥)،
كذلك هم على دراية بما يجري على الأرض. ابراهيم مثلًا يؤكّد للغني موقف إخوته الرفضي (لو ١٦).
١١- خلاصة:
الحياة المسيحيّة هي حياة جماعة مقدّسة محورها الرّبّ يسوع المسيح. هي حياة تسبيح وشكر وصلاة، من هنا الكتاب الذي نستعمله في صلواتنا الليتورجيّة والذي يضم قطع صلوات قياميّة وغيرها والمعروف بكتاب المعزّي هو في الأصل اليوناني يدعى παρακλητική، وهي كلمة تعني الابتهالات التي تعزّينا وتفرّح قلب الإنسان.
فما نقوله في صلواتنا عن العذراء مريم والدة الإله «بشفاعات والدة الإله يا مخلص خلصنا»
Ταις πρεσβείαις της Θεοτόκου, Σώτερ, σώσον ημάς
مثلًا، يجب أن يفهم بهذا المعنى العميق، بالمعنى الأنجيليّ – الآبائي، كما عاشته الجماعات المسيحيّة منذ القرون الأولى للمسيحيّة، وليس في إطار محدود انعزالي أو انفرادي، بل في روحيّة الجماعة الواحدة المصليّة والمتضرّعة، في روحيّة الصلوات والابتهالات والتضرعات التي لا توصف والتي محورها الأساسي الرب يسوع المسيح له المجد.