النبيّ موسى والعليقة الملتهبة أو المشتعلة غير…
تظهر هذه الأيقونة موسى النبيّ يحمل في يده اليمنى عليّقة ملتهبة أو مشتعلة وغير محترقة في وسطها والدة الإله.
أهميّة هذه الأيقونة أنها تضع أمامنا «حدث خلاصيّ» بامتياز حدث في العهد القديم وكمل في العهد الجديد، إذ أن العهد القديم مهّد للعهد الجديد.
وهنا تكمن أهميّة قراءة الكتاب المقدّس بالروح القدس، وفهم معاني العهد القديم على ضوء العهد الجديد، إذ الكتاب المقدّس مترابط بعهديه، ويوجد في العهد القديم أكثر من ثلاث مئة نبوءة عن الرّبّ يسوع المسيح.
أ- الحدث الخلاصيّ:
«وَأَمَّا مُوسَى فَكَانَ يَرْعَى غَنَمَ يَثْرُونَ حَمِيهِ كَاهِنِ مِدْيَانَ، فَسَاقَ الْغَنَمَ إِلَى وَرَاءِ الْبَرِّيَّةِ وَجَاءَ إِلَى جَبَلِ اللهِ حُورِيبَ. وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ. فَنَظَرَ وَإِذَا الْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِالنَّارِ، وَالْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ»(خر١:٣-٢).
لهذا الحدث أهمّية كبيرة من الناحية العقائديّة، فهي تروي حوارًا يكشف لنا أمرين أساسيّين:
١- صفة المتكلّم مع النبيّ موسى.
٢- اسم الله ومعناه الحقيقيّ والفعليّ.
الأمر الأوّل:
صفة المتكلّم مع النبيّ موسى:
تقول الآية: «فَلَمَّا رَأَى الرَّبُّ أَنَّهُ مَالَ لِيَنْظُرَ، نَادَاهُ اللهُ مِنْ وَسَطِ الْعُلَّيْقَةِ وَقَالَ: «مُوسَى، مُوسَى!». فَقَالَ: «هأَنَذَا». (خروج٤:٣).
١.١- النص واضح تمام الوضوح، «فلمّا رأى الرّب... ناداه الله».
١.٢- المقصود بعبارة «ملاك الرّب»، التي وردت في الآيات السابقة، الله نفسه، وهذا أمرٌ شائع في بعض النصوص الكتابيّة في العهد القديم.
١.٣- المتكلّم إذًا مع موسى النبيّ هو الله.
هذه من عادته، فهو يقوم دائمًا بالخطوة الأولى، وهو الذي يعلن عن نفسه، ويدعو الناس بأسمائهم.
««هَلْ تَنْسَى الْمَرْأَةُ رَضِيعَهَا فَلاَ تَرْحَمَ ابْنَ بَطْنِهَا؟ حَتَّى هؤُلاَءِ يَنْسَيْنَ، وَأَنَا لاَ أَنْسَاكِ. هُوَذَا عَلَى كَفَّيَّ نَقَشْتُكِ. أَسْوَارُكِ أَمَامِي دَائِمًا.» (إشعياء ١٥:٤٩-١٦).
الأمر الثاني:
اسم الله ومعناه الحقيقي والفعلي.
٢.١- قصد الله في بدء الحوار أن يعلن عن نفسه أنّه إله شخّصي. ”إله أبيك وإله أبائكم وإله ابراهيم وإله اسحق وإله يعقوب“(خروج٦:٣).
لهذه الآية مدلولات شخصيّة، فالله يقيم معنا علاقة مباشرة، وهذا أمرٌ جوهري.
إنّه الآب السماوي الذي لا ينسى أبناءه.
٢.٢- كما قصد الله أنّه يخاطبهم مباشرةً، هو يعرفهم وهم من المفترض أن يعرفوه.
٢.٣- الله تكلّم مع البطاركة الثلاثة ابراهيم واسحق ويعقوب: وتناقلوا بالتالي وعد الله الخلاصي الذي أعلنه الله لهم لكل الشعوب. وقد بدأ الوعد عندما قال الله لحوّاء إن من نسلها سيأتي من يسحق رأس الشيطان. (تك١٥:٣).
٢.٤- بالنسبة لموسى، لم يكن هذا الأمر كافيًا، بل كان يطلب اسمًا حقيقيًا على غرار سائر الآلهة الأخرى، فهناك إله بعل ومردوك وآلهة عديدة أخرى.
فكيف له أن يقول لشعبه صفة «إنتمائيّة فقط» وليس اسمًا واضحًا دقيقًا ومحدّدًا؟
٢.٥- عندئذٍ أجابه الله عن اسمه، فاستعمل فعل الكينونة ليصف نفسه «أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ» و «يهوه». أي «أنا أكون الذي أكون».
٢.٦- وإذا لفظنا الفعل باللغة العبرية «hayá» نجده مشابهًا تمامًا لكلمة «حياة» باللغة العربيّة.
وهي صيغة مستمرّة – الماضي والحاضر والمستقبل – بمعنى «الذي كان فيه الحياة» و «الذي فيه الحياة دائمًا»، كما أنّ له صفة المفعّل أي «الذي يُعطي الحياة”.
«إنّه هو» كان وكائن ويكون، ليس له نهاية أو بداية».
٢.٧- إذًا جواب الله لموسى هو إعلان للبشريّة جمعاء «إنّه الكائن»، و «كينونته غير مصنوعة من خالق آخر، فهو كائن بطبيعته».
٢.٨- يهوه:
هذه الكلمة هي أيضًا مشتقّة من الفعل نفسه، وترجمتها «الكائن»، الكائن من ذاته، «هو».
فالإسم «يهوه» أو «يهيه» YHWH, Yahveh, Yehovah, Jehovah, Yeshua, Joshua or Jeshua YAHHWEH ليس اسمَا جامدًا، بل مشتق من فعل الكينونة الدائمة والحياة التي لا تموت.
٢.٩- يسوع هو يهوه:
من الفعل نفسه أتى اسم «يهوشع» الذي اختصر «يشوع « أو «يسوع» ومعناه «يهوه يخلّص»
و»الكائن من ذاته الذي يخلّص»، إذ الحرف “ي» هو تلخيص ل «يهوى» و «يشَع» هو فعل الخلاص.
هذا ما قاله بالتحديد الملاك ليوسف خطيب مريم في العهد الجديد «ففَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ». (متى ٢١:١).
يزاد على ذلك بعض ما قاله الرّب يسوع المسيح عن نفسه، وكان ذلك عثرةً لليهود ولكثيرين:
«فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «مَتَى رَفَعْتُمُ ابْنَ الإِنْسَانِ، فَحِينَئِذٍ تَفْهَمُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ Εγώ έιμι ΟΩΝ». (يوحنا ٢٨:٨).
«فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَنَا مِنَ الْبَدْءِ مَا أُكَلِّمُكُمْ أَيْضًا بِهِ».(يوحنا ٢٥:٨).
ب- موسِى النمبي:
يحمل في يده اليمنى العليّقة المشتعلة غير المحترقة وفي يده اليسرى لفيف يشير إلى الوصايا التي تلقّاها من الرّبّ.
يرتدي على رأسه قبّعة الأنبياء، وهذه نراها على رأس كثير من الأنبياء في العهد القديم وحتى على روؤس المجوس في بعض الأيقونات الميلاديّة.
لباسه يجمع بين الأرجواني الذي هو لباس أصحاب الشأن والذهبي الذي يرمز إلى الملوكيّة والأبيض إلى الحكمة، وعلى ردائه كتابة تشير إلى الوصايا الإلهيّة.
ج- والدة الإله والعليقة المشتعلة غير المحترقة:
كما العليقة اشتعلت بالنور الإلهيّ ولم تحترق كذلك والدة الإله حملت الإله ولم تحترق.
هكذا ترتّل الكنيسة وهكذا حصل.
وسعت أحشاء والدة الإله ما لم تسعه السماوات، وحملت النور الذي يضيء العالم، لذا تدعى أم النور.
اللون الأبيض والأسود يعني أن هذا الحدث هو سر عجيب سيتحقّق في العهد الجديد.
المجد لتدبيرك الخلاصي يا رّب المجد لك.