فَلْنَلْتَصِقْ بالمسيحِ القائم من بين الأموات
عظة صاحب الغبطة يوحنا العاشر في صلاة الختن الثانية - البلمند
أيّها الأحبّاء، طابَ مساؤُكُم جميعًا.
هذه الصلواتٌ الّتي نَرفعُها يومِيًّا، وخاصّةً في الأسبوع العظيم، إذا تأمَّلْنا بِكَلماتِـها وَنُصوصِها وأَلحانِـها وما يُرافِقُها مِن حَركاتٍ ليتورجيّةٍ مِن تَبخيرٍ وَلِباسٍ كَهنُوتيّ، وَبِـما يُتلى مِن مقاطعَ كتابيّة. إذا تأمّلْنا بِكُلِّ ما ذُكِر وَتَـمعَّنّا به، لا يُـمكِنُنا ألّا نَشعُرَ بأنَّـها تَرفَعُنا مِنَ الأرضِ إلى السّماء. بِتَعبيرٍ آخَر، هذه الصَّلَواتُ تَشُدُّ الإنسانَ كَي يَعُودَ إلى ذاتِه. تَدفَعُهُ إلى الانسحاقِ والتّواضُع. وهذه هي السماء الحقّة، على حَدِّ تَعبيرِ الرَّبّ: "ملكوتُ الله في داخلِكُم".
نعم، إنَّ كُلَّ ما سمعناه يَدفَعُنا إلى أن نعودَ إلى داخلِنا، فنكتشفَ المسيحَ الجالسَ في قُلُوبِنا، ونَـجعلَهُ المسيحَ الظّافِرَ القائمَ في حَياتِنا.
الإنجيل الذي سَمِعْناهُ اليَومَ يَـحمِلُ مَعانِيَ كثيرةً يُـمكنُ أن نتوقّفَ عندَها. ولاحَظْنا أنَّ السَّيِّدَ كَرَّرَ عِبارةً معَيَّنة: "الوَيلُ لَكُم أيّها الكَتَبَةُ والفرّيسيُّون الـمُراؤُون". لماذا؟
لأنَّـهم كانوا يتمسَّكُونَ بالحرف ويتركون الرّوح. يتمسّكون بأداءِ الطُّقوسِ مِن ناحيةِ الشّكل، وَيَتركون أهمَّ ما في الناموس: العَدلَ والرّحمةَ والإيمان.
وَ نتأمَّلُ في قَولِ الرَّبِّ: "أَحبِبِ الرّبَّ إلـهَكَ مِن كُلِّ قَلبِكَ وَمِن كُلِّ نفسِكَ.. وأَحبِبْ قريبَكَ كَنَفْسِك. بِـهاتَينِ الوَصِيَّتَينِ يتلَخَّصُ النّامُوسُ كُلُّهُ والأنبياء". وأيضًا في قَولِهِ: "مَن لَهُ أُذُنانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ". فنتساءل: أين هُم النّاس؟ وأين هو العالَـمُ الّذي يَسمع؟ نتكلّمُ كثيرًا عن العَدلِ والـمحبّةِ وحُقوقِ الإنسان، وحتّى في المحافل الدّوليّة، وما مِن ترجمةٍ عمليّة. وهكذا يتحقّقُ كلامُ الرّبّ: تَنسَونَ أهمَّ ما في النّاموس: العدلَ والرّحمةَ والإيمان.
علينا أن نسألَ أنفُسَنا، عندما نصومُ أو نُصلّي أو نقرأُ الكتابَ المقدّس: لـماذا نَفعلُ كُلَّ ذلك؟ أَلَيسَ مِن أجلِ الانسحاق؟ لِكَي نتَّضِعَ ونعودَ إلى أنفسِنا ونكتشفَ في داخلِنا الرّبَّ المسيح يسوعَ القابعَ على عَرشِ قُلُوبِنا؟ إذا أدركْنا ذلك، آنَذاك يُـمكنُ أن نتحدّثَ عن الرّحمةِ والـمحبّةِ والعَدل. آنذاكَ يُـمكنُ أن نعيشَ الإيمان.
في هذه الصّلوات نُرافِقُ المسيح آتِيًا إلى الآلام، حيث سيُرفَعُ على الصّليب ولكنّه في اليومِ الثّالثِ سيَقوم. فتَتَوَلَّدُ في داخلنا دومًا هذه القوّةُ والشّجاعةُ بأنّنا أبناءُ القيامة، وأيدينا مَـمدودةٌ إلى ذلك الذي قام من بينِ الأموات، ونحنُ بِهِ وليسَ بِقُوَّتِنا سَنَدُوسُ كُلَّ مَوتٍ وَكُلَّ خطيئةٍ وَكُلَّ فَساد. ومهما كانت قوى الشّرِّ عظيمةً في العالَـم، فالرّبُّ هو الأقوى، وَنِعمتُهُ هي الّتي ستَحكمُ وتنتصر.
فَلْنَلْتَصِقْ بالمسيحِ القائم من بين الأموات، وَلْنَرَهُ أوّلًا في داخلِنا، في حياتِنا، وَلْتَكُنْ أيدينا مَـمدودةً إليه دَومًا، لِكَي يُتَوَّجَ صِيامُنا وَجِهادُنا الرّوحيُّ وتَعَبُنا كُلُّهُ بِالفرحةِ بِاكتشافِ المسيحِ في قُلوبِنا قائمًا وناهضًا من بين الأمواتِ في حياتنا.
آمين.