كلمة البطريرك يوحنا العاشر في منزل الوزير الياس…
كلمة البطريرك يوحنا العاشر
الشكر لفخامة الرئيس ميشال عون ولصاحب هذه الدار الوزير الصديق الياس بو صعب على هذا اللقاء العائلي الطيب، الذي يجمع أشخاصاً يهمهم هذا البلد الغالي لبنان، وهذا المشرق، والإنسان الذي يعيش على هذه الأرض المباركة والمقدَّسة بدماء الاجداد والآباء الذين ماتوا لنبقى وليبقى المسيح حاضراً في هذه الأرض.
لذلك، وبعد تهنئتكم، يا فخامة الرئيس، بزيارتكم الأخيرة إلى أمريكا وزيارتكم الملكية إلى فرنسا، نودُ أن نؤكد لفخامتكم أننا نعمل ليل نهار، من أجل تثبيت أبنائنا في أرضهم ومن أجل تأمين فرص العيش الكريم والتقدم لهم، فلا يبقى أعلى طموحهم أن يهجروا هذه الأرض من أجل غد أفضل. ولذلك، نحن نعول كثيراً عليكم وعلى عهدكم لإنصاف هؤلاء في الوظائف العامة وعدم تهميشهم. وقد أخذ بعض أبنائنا يتأفف من غبن طالهم وطال الارثوذكس في التعيينات الأخيرة. نحن على يقين تام بأنكم ستصححون ما اختل. كذلك نحن نصلي لكي يعضدكم الله في محاربتكم للفساد المستشري وفي استئصال دكتاتورية المحسوبيات التي تُقصي الطاقات غير المحسوبة على أحد عن المناصب الاساسية، فلا تجد هذه من وسيلة غير الالتجاء الى كنائسها لإسماع صوتها.
يطيب لي كبطريرك، أن أعبر عن فخري واعتزازي بكافة أبنائنا الأرثوذكس. ويسرني أن أجدد فخري بهم وبدورهم الوطني لبنانياً ومشرقياً وعالمياً في هذه المناسبة التي تجمع هذه الوجوه الطيبة منهم ومن كل الأطياف. أنتم غنى لنا وللبنان وللشرق الجريح الذي ينتظر شفاءً من نار الإرهاب ويتوق إلى الفكر النيّر الذي لطالما سعى الأرثوذكس وغيرهم لترسيخه منذ مطلع القرن الماضي، زمن بروز القوميات والدول.
وتعلمون يا فخامة الرئيس، أن حضورنا ككنيسةٍ أنطاكيةٍ أرثوذكسيةٍ، يمتد في هذا المشرق إلى تركيا والعراق والجزيرة العربية، بالإضافة الى ثقلنا الأساسي في لبنان وسوريا وفي بلاد الانتشار. لذلك في زمن التحولات والتغييرات والاستفتاءات على الاستقلالات العرقية، نخشى من لعبة كبار هذا العالم على أوطاننا ونلتزم العمل على وحدة هذه الأوطان وعلى وحدة ابنائنا. ونحن نعمل من أجل تفعيل التعاون بين جميع المسيحيين في هذا المشرق، لأننا شركاء في الوجع والدم والمصير. ونعمل جاهدين ضمن كنيستنا الأرثوذكسية لاتخاذ مبادرات تجعل أبناءنا في هذه الدول يشعرون بحاجتهم لبعضهم البعض، ويرفضون التشرنق والانكفاء، لان التشرنق والانكفاء يقودان الى الانقسام والانهزام. نحن مدعوون اليوم أن نقف في وجه كل أنواع الهيمنة والغزو. والهيمنة والسيطرة الخارجية لا تترجم في كثيرٍ من الأحيان بمجرد الاكتساح العسكري والسيطرة الميدانية، بل تتخذ شكل الغزو الثقافي والفكري والاجتماعي والسياسي والاقتصادي وغيره وبث أفكار التفرقة والعنصرية وتقوية النزعة الفئوية والقومية على حساب الانتماء الوطني والمواطنة. إن تفكيك المجتمعات وفصم عرى ترابطها يكون بتفكيك مكوناتها وأطيافها وطوائفها. ولا يخفى عليكم، أننا من هذه الزاوية وكطائفة أرثوذكسيةٍ مشرقيةٍ مستهدفون كما غيرُنا. وكل ما قيل ههنا من شأنه أن يؤدي إلى تفجر المجتمعات من داخلها وتشظّيها كياناتٍ وكانتونات متناحرة. ونحن مدعوون أن نقف صفاً واحداً في مواجهة كل هذا. وفي هذا السياق، ومن ناحية ثانية، يطيب لنا أن نشدد أننا في زمنٍ يدعونا أن نشق عنان السماء بكلمة وحدتنا ككنيسةٍ أنطاكية أرثوذكسيةٍ من جهة وتآخينا مع كل الأطياف من جهةٍ أخرى. نحن في زمن الأحرى بنا فيه أن ننظر إلى الوحدة لا إلى التفرق. وحدة لبنان خطٌّ أحمرٌ بالنسبة لنا. ووحدة سوريا خط أحمر بالنسبة لنا. ووحدة الكنيسة الأنطاكية الأرثوذكسية بكامل أبرشياتها وبكل قلوب أبنائها هي أيضاً قدس أقداس فكرنا وممارستنا.
فخامة الرئيس،
لقد ألقى اخوتي المطارنة بانتخابهم لي بطريركاً مسؤولية الحفاظ على الحضور الارثوذكسي الواحد والفاعل في انطاكية. هذا التكليف هو الأعز على قلبي في هذا الزمن الصعب. لذلك فأنا أعمل مع اخوتي المطارنة على ترسيخ ابنائنا في ارضهم وفي مساعدتهم على البقاء الفاعل فيها. عملنا المشترك هذا يلاقي ما شددتم عليه في باريس بأن "رسالتنا أن نحافظ على الحضور المسيحي مهما بلغ الثمن". ويجعلنا نكون على " قدر الضرورة التاريخية الواجبة"، ويساهم في تلافي ما حذّر منه الرئيس الفرنسي عندما شدّد "على عدم السماح لأي مشروع سياسي بأن يمحو جذور التاريخ والإيمان".
يا فخامة الرئيس؛
نحن نعول عليكم كثيراً في دفع كل خطر يمكن أن يتعرض له المسيحيون ليس فقط في لبنان بل على مدى الشرق، وفي إنصاف الارثوذكس الذين بذلوا ويبذلون الكثير من أجل لبنان والشرق. ومن هنا، ألفت أنظار الجميع إلى قضية المخطوفين وعلى رأسهم أخوانا مطرانا حلب يوحنا إبراهيم وبولس يازجي المخطوفين منذ أكثر من أربع سنوات.
وأخيراً، أيها العزيز والصديق الياس مع العزيزة جوليا، لكما منا مع عائلتكما الكريمة أحرُّ الأدعية بحفظكم ونجاحكم وتوفيقكم الدائم وعلى كافة الأصعدة الاجتماعية منها والسياسية والفنيّة مع تعبيري عن فرحي لهذا اللقاء الأخوي والعائلي في دارتكم الكريمة.
وعربون محبة وتقدير، أقدم لكم أيقونة مار الياس الحي ليحميكم ويأخذ بيمينكم إلى كل خير وصلاح.
عشتم فخامة الرئيس وعاش لبنان.