أرض زبولون وأرض نفتاليم
حول إنجيل: متى ٤: ١٢-١٧.
يأتي هذا المقطع الإنجيلي بعد تجربة الرب يسوع في البريّة وانتصاره على من سمّاه يسوع رئيس هذا العالم (يوحنا ٣٠:١٤) أي الشيطان.
ولكن معركة الرب لا تنتهي في البريّة فحسب، بل في انتصار كلّ واحد منّا على إبليس.
هذا الانتصار لا يمكن أن يتحقّق إلّا بخلع الإنسان العتيق والصلاة والصوم، ولبس المسيح لنصبح أناسًا نورانيّين، لأن ظلمة الخطيئة تسقط أمام نور المسيح.
في معموديتنا الأولى يلتفت العرّابان إلى جهّة الغرب ويبصقان على الشيطان ويتعهّدان برفض أعماله وتجنّب طرقه، ومن ثم يلتفتان إلى جهّة الشرق، إلى جهة النور، ويعلنان إعترافهما بالرّب يسوع المسيح قولًا وفعلًا، وبهذا يرسمان للمعمّد المسار الواجب اتّباعه.
ويا للآسف يعود الإنسان ويسقط في الظلمة، ولكن تبقى إمكانية التوبة دائمًا مفتوحة، ونور الرب لا يبلغه انكفاء.
نحن خُلقنا على صورة الله ومثاله، وبالتالي لا يمكن لله أن يترك أبنائه تحت نير الخطيئة، لذا كما وعد منذ اللحظة الأولى للسقوط، جاء بنفسه فداءً للبشريّة.
يقول المقطع الإنجيلي أن الربّ يسوع إنصرف إلى الجليل بعد إلقاء القبض على القدّيس يوحنا المعمدان وأقام في كفرناحوم (يو ١٢:٢).
كفرناحوم كلمة عبرية تعني بالأغلب “قرية العزاء، أو بيت العزاء“.
كانت كفرناحوم الجليلية مركزًا للجباية، فيها دعى يسوع متى الإنجيلي.
انتقل الرب إليها من الناصرة وعمل فيها ودُعيت "مدينته" (متى ١:٩)، إذ أجرى فيها شفاءات كثيرة مثل شفاء غلام قائد المئة وحماة بطرس المحمومة والمجنون والمفلوج الذي كان يحمله أربعة.
مع كلّ هذا لم يؤمن شعب كفرناحوم بأغلبيّته، فتنبأ الرب بهبوطها إلى الهاوية (متى٢٣:١١). وهذه حالة من يرفض نور الرب بعد أن يكون عاين خلاصه.
كان شعب الجليل خليط بين يهود وفينيقيّين يونانيين وغيرهم، فدعيت “جليل الأمم”، خاصة بعد السبي.
اليهود فيها كانوا قليلي العدد ومن سبطيّ زبولون ونفتالي.
بالمقابل اعتبر يهود أورشليم أن الجليل منطقة دنسة وأن اليهود فيها أقل درجة منهم، ولكن اعتبارات الله تختلف بالكليّة عن اعتباراتهم، إذ أن فداء الله هو للمسكونة جمعاء وليس لشعب واحد كما اعتقد علماء اليهود وكتبتهم.
فإشعياء النبي، والذي يُعتبر الإنجيل الخامس، كان قد سبق وتنبأ بنور سيشرق عليهم، والنور طبعًا هو الرب. (إشعياء ١:٩).
وهنا المغزى والهدف:
اقتبال النور الإلهيّ يلزمه حركة من قبل الإنسان تتماشى مع حركة الله الخلاصيّة، وهذه الحركة هي التوبة.
التوبة هي تغيّير مسار، حياة جديدة، قيامة من عمق الهاوية إلى قمّة الخلاص.
فعوض أن نقبع ونجلس في الخطيئة ونستسلم لها، نستقيم وننهض لندخل ملكوت السموات، أي ملكوت الله الذي افتتحه الله بتجسّده.
فهذا المقطع الإنجيلي يذكّرنا بدعوة الله لنا، وهي ألا يملك على قلبنا إلّا عشق الله وحده، فنتوب ونتنقّى ونستنير ونتألّه، الآن وليس غدًا. لأن خلاصنا بأيدينا، ولا يلزمه إلّا صرخة صدق وقرار حازم، لأن بالتوبة: "إن كانت خطايانا كالقرمز تبيض كالثلج" (إشعياء ١٨:١).