مؤتمر "دمشق منشور الأمل" في روما
بتكليف من صاحب الغبطة السيد يوحنا العاشر، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق الكلي الطوبى والجزيل الاحترام، شارك سيادة المطران إغناطيوس الحوشي متروبوليت فرنسا بالمؤتمر الذي نظمه المعهد الڤاتيكاني للدراسات المشرقية في روما بعنوان: "دمشق منشور الأمل".
وحيث أن الهدف من المؤتمر كان الاطلاع على وضع المسيحيين في سوريا والبحث في مستقبل المنطقة، فقد تكلم سيادته عما تقوم به البطريركية من مشاريع ونشاطات لتثبيت الإنسان في أرضه.
وبالتزامن مع مُداخلته عَرَضَ صاحب السيادة صوراً للفعاليات التي يقوم بها غبطة البطريرك كانت خاتمتها الفيلم الوثائقي الذي يصور أعمال دائرة العلاقات المسكونية والتنمية.
"صاحب السيادة الكاردينال ليوناردو ساندري المحترم،
الرئيس الأعلى للمعهد الفاتيكاني الدراسات المشرقية
قدس الأب دافيد نازار عميد المعهد
السادة الحضور
باسم صاحب الغبطة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس السيد يوحنا العاشر اليازجي الكلي الطوبى والجزيل الاحترام، أحييكم وأشكر قدس الأب نازار والعاملين معه في معهد الدراسات المشرقية في روما لمبادرتهم إلى تنظيم هذه الندوة الفكرية لاهتمامهم بشؤون إخوتهم المسيحيين في سوريا ورغبتهم في الوقوف على معرفة واقع الحال في هذا البلد.
أيها السادة،
إن أبناء سوريا مسيحيين ومسلمين يُعانون ألماً كبيراً منذ اندلاع الحرب فيها في بدايات شهر آذار 2011 نتيجةَ ما سُمي بالربيع العربي الذي اتضح بعد فترة وجيزة أنه ليس سوى انطلاقة لإرهابٍ أعمى يجهل كل مبادئ الحرية والكرامة الإنسانية، ويجول مُشيعاً القتل والتهجير والاغتصاب والخطف، ويُهدّد سلام الناس وأمنهم. بل إنه يهدم كل معالم الحضارة والإرث الثقافي ودورَ العبادة لمختلف طوائف وأديان مواطني هذا البلد التي يلقاها في طريقه.
وتلبية لرغبة منظمي هذا اللقاء، سنعرض لكم أولاً بعضاً من تفاصيل المأساة التي تدور رحاها هناك كما أننا سنلقي الضوء على المساعي الجادة والحثيثة التي تقوم بها بطريركية أنطاكية في البناء والتعليم وتثبيت الإنسان في وطنه وبين أترابه.
1- كنيسة أنطاكية في مواجهة الحرب:
تعرّض مسيحيو أنطاكية مع إخوتهم مواطني سوريا من مسلمين وغيرهم للقتل والخطف والتهجير، ولا زالوا يعانون حتى اليوم من مثل هذه الأعمال البربرية مع رعاتهم رؤساءَ كهنةٍ وكهنةً ورهباناً وراهبات. نذكر هنا على الأخص مطراني حلب المخطوفين بولس يازجي مطران الروم الأرثوذكس ويوحنا إبراهيم مطران السريان الأرثوذكس اللذين يمثلان رمزاً للوجود المسيحي في المنطقة. وقد تم خطفهما في 22 نيسان 2013 أي منذ أكثر من ثلاث سنوات دون وجود أية معلومات عن مصيرهما. الأمر الذي يدفعنا باستمرار للتذكير بقضيتهما الإنسانية ورفع الصوت عالياً لتنبيه الرأي العام العالمي إلى خطورة هذه المسألة والسعي لإيجاد حلٍّ لها. كما أن مناطق سكنية بكاملها من
أحياء في المدن الكبرى إلى قرى وغيرها يتم تدميرها وإحراقها مع دور العبادة التي فيها بأنواعها كنائسَ ومساجدَ وغير ذلك، ويستمر إطلاق القذائف والرصاص على المدنيين الأبرياء في دمشق ومدن سوريا الأخرى من وقت لآخر مصيباً الكثير من سكان هذه المدن بفواجع مؤلمة.
الجدير بالذكر أيضاً أن الحرب الدائرة في سوريا تسبب أزمة اقتصادية كبيرةً، وغلاءَ أسعارِ المواد الأساسية، والفقرَ لشريحةٍ كبيرة من الناس مما يدفعهم للهجرة بنوعيها داخليةً وخارجية، بحثاً عن الأمان ومصادر العيش الكريم الأمر الذي يؤدي إلى تغييرات ديموغرافية كبيرة في البنية الاجتماعية.
في إطار هذا الواقع الأليم تسعى بطريركية أنطاكية جاهدة للبقاء في الأرض التي منها خرجت المسيحية إلى العالم أجمع، كونها تعي أن بقاء المسيحيين مع إخوتهم السوريين بكافة أطيافهم يحافظ على استمرار ذلك الإرث الحضاري والتاريخي الذي تُبرزُه إلى العلن خبرةُ العَيش المشترك وتفاعلُ الثقافات المتعددة على تنوعها. ولهذا فهي تساهم في أعمال البناء والعمران مُتّخذة من مقولة المثلث الرحمة البطريرك السابق إغناطيوس الرابع هزيم شعاراً لها، عندما سُؤل وهو بصدد إنشاء جامعة البلمند في لبنان خلال الحرب اللبنانية: كيف تقوم الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية ببناء مشروع كهذا في الوقت الذي يمر به لبنان والمنطقة بمرحلة تسودها الحروب وعدم الاستقرار؟ فأجاب: إذا كان شعار البعض أن يهدم فشعارنا نحن هو أن نبني لخير الإنسان.
2- كنيسة أنطاكية تعمل للمستقبل:
وهكذا، يقوم صاحب الغبطة الحالي البطريرك يوحنا العاشر بمشاريع متعددة بهدف تثبيت المسيحيين في أرضهم وفي المنطقة عامةً نذكر منها:
1- مشروع إنشاء جامعةٍ بعددٍ من الكليات في منطقة وادي النصارى في سوريا: غالبية سكان هذه المنطقة هم من المسيحيين الأرثوذكسيين أصلاً، وبسبب الأوضاع الحالية تمت هجرة مسيحيين آخرين من مناطق الجزيرة السورية إليها. فيها تملك الكنيسة الأرثوذكسية مستشفى طبي. تم توسيعه وإضافة عدد من الأبنية والعيادات لتقديم الخدمات العلاجية والاستشفائية، كما ويتم تجهيزه بأحدث الأجهزة الطبية وبكادر من الأطباء الأكفاء الذين يبذلون جهودهم للعناية بالمرضى والمصابين. وبتوجيه من غبطته يقدم المستشفى بعض العمليات الجراحية مجاناً. الجدير بالذكر أن مشروع الجامعة هذا يتطلب إنشاء مساكن للطلاب وتأمين مرافق وخدمات اجتماعية عديدة.
2- مشروع إصلاح وترميم دير القديسة تقلا في معلولا: تم استهداف واحتلال هذه البلدة المسيحية التي تبعد حوالي 60 كيلومتراً عن دمشق، مما أضرّ بها ضرراً كبيراً ولا سيما بدير القديسة تقلا البطريركي التاريخي. فسرقت الأيقونات من كنيسة الدير وهدمت بعض أقسامه. وبعد عودة السكان إلى البلدة قامت البطريركية بإعادة إعمار الدير وتجهيزه ليبقى منارة مسيحية مشعة في المنطقة ودليلاً حياً على الوجود المسيحي فيها.
3- دائرة العلاقات المسكونية والتنمية: انطلقت هذه المؤسسة في عهد المثلث الرحمة البطريرك السابق إغناطيوس الرابع. وهي تقوم اليوم بتقديم خدمات كثيرة للمواطنين بكافة أطيافهم مثل دورات مهنية بنوعيها
الحرفي والتعليمي، مشاريع تنموية كفتح آبار مياه لتأمين مياه صالحة للشرب، تأهيل مراكز إيواء للاجئين وتوزيع معونات غذائية وصحية.
4- إعادة إعمار وتأهيل المدارس لتعليم الطلاب: أصيبت المدارس التابعة للكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية في أبرشياتها العديدة في سوريا بأضرار كثيرة خلال الحرب، ولهذا يهتم البطريرك يوحنا العاشر بإعادة إعمارها وتأهيلها لتستقبل الطلاب بمختلف أعمارهم. نذكر على سبيل المثال مدارس الآسية في دمشق ومدارس الغسانية في حمص.
5- الدعم المعنوي والمادي لأبرشية حلب المنكوبة: كانت مدينة حلب ولا تزال الضحية الكبرى للأزمة السورية من بين سائر المدن الأخرى. وقد تضرر مسيحيوها مع إخوتهم ولا سيما باختطاف مطرانيها. ولم تنفك البطريركية عن تقديم الدعم المادي والمعنوي لأبنائها وكهنتها وخاصة بالزيارة الرعائية التي قام بها البطريرك إلى حلب في عيد الميلاد في العام الماضي.
6- بناء وتجهيز الكنائس: ورغم العاصفة يستمر العطاء والإعمار. ففي إحدى ضواحي دمشق يتم إتمام تجهيز كنيسة في جرمانا حيث يتواجد عدد كبير من الأرثوذكسيين.
دمشق منشور الأمل،
هذه هي دمشق أيها السادة، وهذه هي سوريا. وها هم مسيحييوها يشهدون لصمودها في وجه الإعصار بالعمل والمحبة وبناء الإنسان. من ماضيهم يحيون حاضرهم ممتدين إلى مستقبلٍ مشرق. مستقبلٍ يساهم في بناء الإنسانية.
رسالتنا لكم اليوم يا سادة هي أن تعملوا على إيصال صوت الحق إلى الضمير الإنساني في أوروبا والعالم أجمع، ليعلمَ الجميعُ أننا باقون وأن المسيحية لن تُمحى من مهدها بشطبة قلم ولا بجهالة إرهاب أعمى. وأن الطريق إلى مساعدة إخوتكم المسيحيين تكون بالمطالبة بكف يد الإرهاب عن المنطقة، وبتقديم وسائل الدعم لهم ليستمروا في شهادتهم الحقيقية لربهم يسوع المسيح له المجد إلى الأبد آمين.
وشكراً."
>>نص كلمة صاحب السيادة باللغات العربية والفرنسية والإيطالية (PDF)