كلمة صاحب السيادة دامسكينوس منصور، في زيارة صاحب…

كلمة صاحب السيادة دامسكينوس منصور، في زيارة صاحب القداسة كيريل الأول بطريرك موسكو وسائر روسيا.

صاحب القداسة البطريرك كيريل الأوّل بطريرك موسكو وكلّ روسيا
أصحاب السيادة والسعادة، السلطات الدينيّة والمدنيّة والدبلوماسيّة
ممثلي الهيئات الاجتماعية والثقافية (النوادي والجمعيات)
أبناءنا المحبوبين بالربّ
أيّها السيّدات والسادة
باسم صاحب القداسة أحيّيكم جميعاً سائلاً أن تحلّ بركته الرسوليّة علينا جميعاً وعلى هذا البلد العزيز.1212

الكنيسة الأرثوذكسيّة، كما تعلمون هي كنيسة الخلاص والفرح السماويّ، هي كنيسة القدّيسين والشهداء، كلّ يوم من أيّام السنة تعيّد لقديس أو أكثر: رسول، شهيد، معترف أو لمناسبة متعلّقة بحياة السيّد وأمّه العذراء مريم.
اليوم يا صاحب القداسة، إضافة إلى عيد القدّيس إفستاثيوس الأنطاكيّ، ومَثَل الفريسيّ والعشّار الوارد في إنجيل اليوم، فإنّ كنيسة أنطاكية في البرازيل تعيّد عيداً آخر ممَيَّزاً وتاريخيّاً باستقبالها قداسة بطريرك موسكو وكلّ روسيا كيريل الأوّل وللمرّة الأولى، آملين ألا تكون الأخيرة.
كما يسعدني أن أحظى بشرف استقبالكم اليوم، مع الإخوة السادة المطارنة من الكنيستين الروسيّة والأنطاكيّة في هذه الكاتدرائيّة. وأن أرحّب بقداستكم وأنقل لقداستكم ترحيب ومحبّة صاحب الغبطة البطريرك يوحنّا العاشر بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، ومعه أعضاء مجمعنا المقدّس وكلّ أبناء الأبرشيّة من الاكليريكيّين والعلمانيّين في البرازيل، مردّدين بصوت واحد وقلب واحد: "مبارك الآتي باسم الربّ، أهلاً وسهلاً بكم وبوفدكم الكريم في ساو باولو، أهلاً وسهلاً بكم في البرازيل، أهلاً وسهلاً بكم في أنطاكية الأرثوذكسيّة في ربوع أمريكا اللاتينيّة"

أبناء كنيسة أنطاكية في البرازيل أتوا إلى هذه البلاد المضيافة والخيّرة بأرضها وشعبها، من سوريا ولبنان. أتوها منذ أكثر من مئة وخمسين عاماً. وما زالوا يأتونها إلى اليوم، نتيجة ظروف حياتيّة وسياسيّة واجتماعيّة صعبة، وهدفهم الأساسيّ طموحٌ لعيش حياة أفضل لهم ولأبنائهم وبسلام.

ولكن من أجمل ما حملوه من مشرقهم وحفظوه هو إيمانهم الأرثوذكسيّ الذي أخذوه من آبائهم ومن أرضهم المشرقيّة التي روتها دماء الشهداء والقدّيسين العظام عبر العصور. فمن أوائل أعمالهم وثمار أتعابهم، بالإضافة إلى النوادي الوطنيّة والمؤسّسات الإجتماعيّة، بنوا الكنائس في المدن حيث تواجدوا. فالكنيسة كانت، بالنسبة إليهم، الملاذ الوحيد الذي يجمعهم ببعضهم البعض وبخالقهم الربّ يسوع الذي يوحدّهم ويعزّي قلوبهم ويخفّف من آلامهم وصعوبات هجرتهم.

وما هذه الكاتدرائيّة التي تجمعنا اليوم، وتتبارك بقدومكم سوى ثمرة من ثمار أتعابهم وجهودهم، تصميماً وهندسة وبناءاً ورسماً. المصمّمون والمنفّذون والرسّامون هم من مدينة حمص، مدينة الشهداء والقدّيسين ومنشأ عدد من أباطرة وباباوات روما الأوائل. وهذه المدينة (حمص)، مع الأسف، اليوم تُهدم كنائسها ويهجَّر أهلها. ولكن، الحمد لله، بذرة الإيمان مازالت حيّة في نفوس الكثيرين.

تنتشر الكنيسة الأنطاكيّة اليوم، من شمال البرازيل إلى جنوبها. تعمل وتبشّر باسم المسيح سيّدها، بالروح الأرثوذكسيّة المنفتحة التي تفتح أبوابها لكل من يطرقها طالباً الإيمان المستقيم عملاً بقول السيّد: "أطلبوا تجدوا، إقرعوا يفتح لكم". هذا مع تأكيدنا بأنّ هدف وجودنا ككنيسة أنطاكيّة في البرازيل، هو أوّلاً رعاية أبنائنا الأنطاكيّين الذين كادوا يفقدون رباطهم بالوطن والكنيسة الأمّ، التي عبر العصور رَعت وثبَّتت إيمانهم رغم كل الصعوبات. فحريٌّ بنا، وهم في غربتهم أن تضمّهم هذه الأمّ الأنطاكيّة إلى قلبها حيثما وجدوا. وهذا ما نحن فاعلوه بنعمة الربّ وصلواتكم أيّها السيّد القدّيس.

صاحب القداسة
إنّها زيارتكم الأولى لأبرشيّة البرازيل الأنطاكيّة الأرثوذكسيّة، بعد لقاء قداسة البابا فرنسيس في كوبا، بوّابة أمريكا اللاتينيّة الشماليّة، بادرة خيّرة ملأت قلوب المسيحيّين في هذه القارّة، فرحاً وأملاً بوحدة المحبّة.

مؤكّدين أيضاً، بأنّ التاريخ الذي يجمع كنيستَينا الأنطاكيّة والروسيّة قديم. فالعلاقة بينهما كانت عبر العصور مميّزة، وقد اتسمت بالمحبّة الأخويّة والتفاهم المتبادل والعميق ولا مجال لذكرها الآن.

يسعدنا أن نؤكّد لكم يا صاحب القداسة، أنّ وجودكم اليوم بيننا يجعلنا ننعم ببركتكم، ونغتني بمحبّتكم، ونستزيد من تقواكم، ولكي نضمّ صلاتنا إلى صلواتكم، أوّلاً من أجل الشهادة الأرثوذكسيّة في العالم أجمع، ووحدة كنيسة المسيح المخلّص، وثانياً من أجل مهد المسيحيّة، أعني سوريا ووحدتها سائلين معاً سيّد الكون، وخالقه أن يزرع السلام في ربوعها ويديمه، وأن يبعد الخطر عن روسيا المباركة، ويبارك روسيا حافظاً إيّاها شعباً وكنيسة وحكومة، لتبقى صوتَ سلامٍ حقيقيّ وأمناً تزرعونه حيثما حللتُم عملاً بقول السيّد له المجد في إنجيله "طوبى لصانعي السلام فإنّهم أبناء الله يدعون" (متى 5:9).

لنا ملء الأمل بمعونة الله وجهود قداستكم السلاميّة، أن نعيد الفرح والسلام والأمل إلى مؤمني مدينة حلب وكلّ أبناء الكنيسة الأنطاكيّة وذلك بالسعي لكشف ومعرفة مصير أبنائنا المخطوفين منذ أكثر من ألف يوم بدون أي خبر.

نخصّ بالذكر، أخوَينا في رئاسة الكهنوت مطرانَي حلب بولس ويوحنّا. إنّ تغييبهما القسريّ قد زعزع نفوس كثيرين واضطرّهم إلى الهجرة من الوطن الأم، وهذا ما كنّا لنتمناه.

صاحب القداسة

بعد تقديم الشكر لله ولقداستكم، والشكر لمجمعكم المقدّس، ولكلّ الشعب الروسيّ المؤمن، أن يستمرّ في العطاء والصلاة من أجل أهلنا في سوريا. ومن أجل أن يعطيهم الربّ الثبات والشجاعة في جهادهم وإيمانهم، وأن تتقوّى الوحدة الروحيّة بين كنيستَينا الأنطاكيّة والروسيّة في محبّة يسوع مكمَّلة ببركة قداستكم التي منحتموها اليوم لأبناء أبرشيتنا الأنطاكيّة في ساو باولو.

أخيراً يا صاحب القداسة،
تعلمون أنّ كنيسة أنطاكية هي من أقدم كنائس الشرق كما جاء في كتاب أعمال الرسل: "في أنطاكية دُعيَ تلاميذ المسيح مسيحيّين أوّلاً". وقد أسّسها الرسولان القديسان بطرس وبولس "بطرس الصخرة وبولس المحبّة"، وهي التي أعطت للكنيسة قدّيسين عظام منهم القدّيس يوحنّا الدّمشقيّ، شفيعنا، أكبر المدافعين عن الأيقونات والمعاني الروحيّة والتعليميّة التي تحملها.

كنيستنا في البرازيل تصلّي اليوم مع بطرس، لكي تكون كالصخرة التي تواجه كلّ الصعوبات والتّحدّيات المعاصرة بإبراز وجه المسيح الحقيقيّ، وتعمل بمحبّة مثل رسول المحبّة بولس، لنحقّق رسالة الخلاص التي دعانا السيّد له المجد لأن نقود من خلالها كلّ المؤمنين به إلى الخلاص.

وهذه الأيقونة للرسولين بطرس وبولس مؤسّسَي الكرسيّ الأنطاكيّ، الذي لنا شرف تمثيله في هذه البلاد الواسعة، وهما يحملان بمحبّة وصلابة هذه الكاتدرائيّة التي تباركت اليوم بحضوركم، نقدّمها لقداستكم سائلين الصلاة من أجل هذه الأبرشيّة لكي تحقّق رسالتها الكنسيّة والوطنيّة في هذا البلد الكريم.

وأختم بقول قداستكم الملهم يوم قمتم بالزيارة السلاميّة لبطريركيتنا في سوريا ولبنان، حيث قلتم كلاماً بلسَم جراح المؤمنين وأعطاهم الأمل بالحياة الكنسيّة: "لن نسمح بأن تتحوّل الكنائس في هذه البلاد إلى متاحف".

الشكر كلّ الشكر لكلّ ما فعلتم وتفعلون.