الزواج
ما معنى الزواج المسيحي؟ وما الذي يفرقه عن غيره؟
ليس لأحد حب أعظم من هذا: أن يضع أحد نفسه لأجل أحبّائه (يوحنا١٣:١٥).
تختصر هذه الكلمات القليلة سر الفداء بأسره، لأنه سر الحب، النابع من محبّة الله للبشر، وبهذا تختصر علاقة المسيح بالكنيسة.
يكرّر الرسول بولس هذه الصورة في رسالته إلى أهل أفسس الإصحاح الخامس، إذ عند حديثه عن الزواج، يشبّه علاقة الرجل بالمرأة، أي الزوجين، بعلاقة المسيح بالكنيسة: «أيّها الرجال أحبّوا نسائكم كما أحب المسيح الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها، لكيّ يقدّسها مطهراً إياها» أفسس (٢٥:٥-٢٦).
هدف الحب هذا هو القداسة، فالزواج يشكّل أحد دربي القداسة والدرب الآخر البتولية، لأن الحب هو الركيزة الأساسية فيهما .لذلك وبحسب مفهوم الكتاب المقدّس، إذا أردنا أن نتعلّم معنى الحب، وبخاصة الحب الزوجي، علينا أن ننظر إلى حب المسيح للكنيسة ونتعلّم منه كيف يكون الحب الأعظم.
عندما أحب المسيح الناس مات من أجلهم على الصليب ولم ينظر إلى ضعفاتهم وعيوبهم. هكذا في الزواج، يعلن الواحد أن الآخر مبتغاه بكل عيوبه، وانه مستّعد أن يبذل نفسه لأجل من يحب «لذلك اقبلوا بعضكم بعضًا كما أن المسيح قبلنا لمجد الله»(رومية ٧:١٥) على هذا الأساس يضع الكاهن اكليلي الشهادة على رأسي العروسين.
الحب هو حركة الخروج من الأنانيّة والفرديّة نحو الوحدة التي لا تذيب الأشخاص ولكن تؤكّدهم كاتّحاد الألوهة والبشرية في شخص يسوع المسيح.
الزواج في جوهره محاولة لتحقيق هذه الوحدة حيث الاثنان يصيران ليس فقط روحًا واحدًا بل جسدًا واحدًا. هذا كان في البدء عندما خلق الله الإنسان ذكرًا وأنثى على مثاله عمله. الله أرادهما واحداً عندما خلقهما.
الزواج مؤسّسة إلهية منذ فجر الخليقة وليس مجرّد عقد اتفاق بين شخصين كما يقول البعض. وحدة الحب هذه انكسرت بالسقوط في الخطيئة وصار الحب مشوبًا بالنزعة نحو امتلاك الآخر والسيطرة عليه .لكن المسيح عبر سر الفداء الذي أتمّه أعاد الزواج إلى أصالته، عبر الحب الذي أفرغه فينا أعاد إلينا النموذج الثالوثي الأول للحب علاقة الحب بين الآب والابن والروح القدس.
هكذا في الزواج المسيحي عندما يتقدّم الزوجان للآب السماوي ويقدّمان له في المسيح حياتهما كلّها، عندما يجتمع اثنان باسم يسوع المسيح ويكون المسيح بينهما، يُطعّم الحب البشري بالحب الإلهي ويتحقق الاتحاد الأصيل فيصير الاثنان واحدًا في المسيح الذي يجمعهما بالروح القدس.
نحن نؤمن أن الزواج المسيحي سرّ مقدس يقام في الكنيسة حيث يأتي الحبيبان ويقدّمان لله حبهما بيسوع المسيح، فيبارك الله زواجهما ويجمعهما ويجعلهما جسدًا واحدًا.
العلامة التي تميّز الزواج المسيحي هي هذه البركة التي يسعى إليها الزوجان اللذان يرضيان بالعيش معًا قبل تقديم حبهما عبر الكنيسة، والحصول نعمته عبر السر المقدس.
فالزواج المسيحي ليس مجرد عقد يتم بين شخصين. إنّه مؤسّسة إلهيّة يدخل الله فيها شريكًا، وهي أبديّة لا تزول. فالموت نفسه لا يفرّق بين الزوجين المسيحيين.
ولكي تحل بركة الله على العروسين، يجب أن يكون المسيح حالاً في قلبيهما، كما يجب عليهما أن يعيا معنى المحبّة الكاملة التي علمها يسوع للبشر قولاً وفعلاً والتي ستجمعهما.
ما معنى وضع محبس الخطوبة في البنصر الأيمن؟
أثناء خدمة العربون أو الخطبة تتلى صلاة مهمة يُشرح فيها فيها معنى الخاتم كما ورد في الكتاب المقدس:
أنّه علامة يثبّت بها الله الوعد الذي وعد به كلّ منهما الآخر كما ثبت كلام عبد ابراهيم الذي أرسل ليخطب رفقة لاسحق تكوين (٢٤) وهو علامة المحبّة والأمانة والحق التي اتصف بها يوسف في مصر)تكوين٤٢:٤١) وعلامة الرأفة التي أظهرها الأب تجاه الابن الشاطر)لوقا ١٥) «لأنّك أنت يا ربّ أوعزت باعطاء العربون وبالثبات في كلّ شيء.
بالخاتم دفع السلطان ليوسف في مصر، وبالخاتم ظهرت حقيقة ثامار، وبالخاتم صار أبونا السماوي مترأفًا على الابن الشاطر إذ قال: ضعوا خاتمًا في يمينه واذبحوا العجل المسمّن لنأكل ونفرح».
وتنتهي هذه الصلاة بالطلب إلى الله كي يرسل ملاكه «ليسلك أمامهما في كلّ حياتهما».
وضع الخواتم في اليد اليمنى رمز للقوّة:«إن يمينك يا رب هي التي جنّدت موسى في البحر الأحمر، وكما أنه بكلمتك المحقة السماوات تشدّدت والأرض تأسّست، كذلك أيضاً تبارك يمين عبديك بكلمتك العزيزة وساعدك الرفيع».
أخيرًا تجدر الإشارة إلى أن الخاتم يرمز إلى رباط أبدي كونه دائرة لا بداية لها ولا نهاية تمامًا كالأبديّة.
لماذا يتم ترتيل مزمور١٢٧«طوبى لجميع الذين يتقون الرّب السالكين في طرقه" مع التبخير في بداية صلاة الإكليل؟
في البداية يبخّر الكاهن حول المنضدة والأيقونات والعروسين والشعب وأثناء التبخير يتم ترتيل المزمور ١٢٧وعلى كلّ آيّة تنشد اللازمة التالية «المجد لك يا إلهنا المجد لك».
هذا المزمور هو من المزامير التي كانت ترتّل على أدراج الهيكل لدى دخول الكهنة إلى الهيكل في الأعياد المهمة، لأن فيه ذكرٌ للسعادة العائلية التي ينعم بها الله على مختاريه، وإنزال البركة على الذي يخشى الرب، من(صهيون) التي هي هيكل جسد المسيح ييسوع ربنا يوحنا(٢١:٢)، ومن أورشليم النازلة من عند الله) رؤيا (١٠:٢١ وفيه سلام على شعب الله الجديد أي الكنيسة الذي دخل الملكوت.
الاعلان والطلبة السلامية:
يفتتح الكاهن صلاة الإكليل بإعلان «مباركة هي مملكة الآب والابن والروح القدس..». المباركة بحسب المفهوم الكتابي تعني أن تجعل الملكوت هدفاً لك. إن هدف الزواج هو حياة القداسة، وبالتالي الدخول في حياة الملكوت، لذلك يجب أن يضع العروسان الملكوت نصب أعينهما وأن يسعيا إليه، وأن يحاولا أن يعيشا الملكوت ويتذوقاه منذ الآن وفي هذه الحياة من خلال شركة المحبة الكاملة بينهما.
يلي الاعلان الطلبة السلامية وفيها نطلب من الله أن يبارك هذا العرس مثل عرس قانا الجليل وأن يجعل العروسين «يفرحان بنظرهما بنيهما وبناتهما وأن يعطي لهما كل ما يطلبانه للخلاص».
الأفاشين:
بعد الطلبة تتلى ثلاث صلوات لمباركة الإكليل.
الصلاة الأولى ذات صفة تسبيحيّة تعلن سر الخلق الذي فيه تم تحويل ضلع آدم إلى امرأة لكي يسود هو وامرأته على الخليقة، ولهذا يترك الرجل أباه وأمّه ويلزم امرأته فيصيران كلاهما جسدًا واحدًا.
وتذكر الصلاة الزيجات التي باركها الله في العهد القديم :إبراهيم وسارة، اسحق ورفقة، يعقوب وراحيل... وفيها توسل إلى الله أن يمنح العرسين حياةً مديدةً وعفة ومحبة متبادلة مؤيدة برباط السلام..».
الصلاة الثانية نطلب فيه من الله المدبر الصالح للأمور الدنيوية الذي اشترع العرس الجسدي أن يبارك العروسين ويحفظهما كما بارك آباء العهد القديم وحفظهم.
يطلب الكاهن من الله أن يبارك العروسين كما بارك القديسين الأربعين شهيداً الذي أنزل الله عليهم الأكاليل من السماء مباركاً استشهادهم فكان موتهم طريقاً للتويج بأكاليل النصر والملكوت. هؤلاء الشهداء هم نموذج للاستشهاد من أجل بعضهما. كما يطلب من الله أن يذكر «والديهما اللذين اعتنيا بتربيتهما لأن صلاة الوالدين تثبت أساسات البيوت».
الصلاة الثالثة توجز ما سبق في الصلاتين السابقتين وفيها نطلب من الله أن يرسل يده من مسكن قدسه، ويقرن العروسين لأن منه هو اقران المرأة بالرجل. ثناء الافشين يشبك الكاهن يدي العروسين تعبيرًا عن الوحدة القائمة بين الزوجين.
إلى ماذا يرمز تكليل الكاهن العروسين على اسم الثالوث؟
بعد الأفاشين والصلوات الأولى في طقس الإكليل، يتناول الكاهن الإكليلين ويرسم بهما اشارة صليب على العروسين معلنًا ثلاثاً: «يكلّل عبد الله على أمة الله على اسم الآب والابن والروح القدس آمين».
التكليل يتم على اسم الثالوث الأقدس لأن محبّة العروسين ليعضهما يجب أن تكون على مثال محبّة الثالوث التي هي عطاء كامل. بعد التكليل يبدل الكاهن الإكليلين على رأس العروسين مرتلاً«أيّها الرّب إلهنا بالمجد والكرامة كلّلهما».
لماذا تضع الكنيسة على العروسين أكاليل؟
القدّيس يوحنا الذهبي الفم هو أوَّل من أدخل طقس الأكاليل في الزواج .
الأكاليل هي أكاليل الشهادة إذ أن الحياة الزوجيّة حياة بذل وعطاء متواصلين. هي أكاليل النصر والفرح التي ينالها الشهداء في الملكوت مكافأة لهم.
في الزواج المسيحي يكافأ العروسان بالأكاليل ثمرة للإنتصار الداخلي على الشهوات والعيوب والنواقص على اختلافها من جسديّة وروحيّة.
تاج العروسان «دليلاً على انتصارهما في العفة قبل الزواج وعلى حملهما الصليب في الحياة الزوجيّة المشتركة للمشاركة في انتصار المسيح والدخول إلى الملكوت السماوي».
ماذا تعني كأس النبيذ التي يتناول منها العروسان ؟
بعد الإنجيل يتلو العروسان الصلاة الربيّة «أبانا الذي في السماوات ..»
ثم يبارك الكاهن كأس الخمر المشتركة ويسقي منها العروسين ثلاث غمرات على اسم الآب والابن والروح القدس» ويرتل أثناءها «كأس الخلاص أقبل وباسم الرّب أدعو».
ترمز هذه الكأس إلى شركة الزوجين التامة في حياتهما، في الأفراح والأحزان والمصاعب والأتعاب والراحة. سوف يشرب العروسان معًا كأس الحياة بأسرها وبمختلف وجوهها. وقد تكون حلوة المذاق في الفم وقد تكون شديدة المرارة.
ما معنى الدورة التي يقوم بها العروسان مع الكاهن أثناء العرس؟
بعد الكأس المشتركة يبدأ الزيّاح ثلاث دورات حول المنضدة ويسمى رقصة أشعياء: «يا أشعياء اطرب مرتكضاً لأن البتول قد حملت في أحشائها وولدت ابنًا وهو عمانوئيل، إلهًا وإنسانًا معصا الذي يُسمى المشرق، لذلك نعظّمه ونطوّب البتول»
إنّها رقصة الفرح.
يدور العروسان بشكل دائري للدلالة على الكمال والأبديّة. فالدائرة لا بداية ولا نهاية لها وهي رمز لاكتمال الدورة الزمنية.
وبالتالي فإن هذه الدورة تعبير عن الحياة المشتركة الأبديّة الكاملة التي يزمع العروسان أن يعيشاها.
بحسب البعض، تشير هذه الرقصة إلى الخطوات الأولى التي يقوم بها العروسان برفقة الكاهن يجب أن تكون في طريق الرب.
خلال الزياح ترتّل ثلاث تراتيل الأولى تطوّب العذراء والدة الإله لأنّها ولدت عمانوئيل مخلّص نفوسنا،
وتطلب الثانية شفاعة الشهداء. فالشهادة في العرس صورة دائمة أمام العروسين لكي يعرفا أن الزواج شهادة بكلّ معنى الكلمة. أمّا الترتيلة الثالثة فتمجد المسيح الإله «فخر الرسل وبهجة الشهداء».
ما معنى رفع الأكاليل في الزواج؟
بعد الدورة الثالثة يرفع الكاهن الأكاليل عن رأسي العروسين طالبًا من الله أن يعظم العريس مثل إبراهيم واسحق ويعقوب لكي يسلك في العدل والسلامة، وأن يعظم الله العروس مثل سارة ورفقة ويجعلها مثمرة مثل راحيل التي ولدت اثني عشر ولداً، داعيًا ايّاها أن تحفظ حدود الشريعة.
ثم يتلو الكاهن صلاتين قصيرتين يطلب في الأولى أن يقبل الله اكليل العروسين في ملكوته، فهما أكاليل الشهادة، ويطلب في الثانية من الثالوث الأقدس أن يباركهما ويمنحهما حياةً مديدة وحسن توليد ونجاحًا في المعيشة والإيمان.
في المسيحية الزوجان مدعوان لتكون حياتهما شهادةً حيّة كما سبق فقلنا في الأعداد الماضية، الله سيبارك هذه الشهادة ويرفع اكليل شهادتهما في الملكوت السماوي إن ثابرا على حب الواحد للآخر، وللأولاد، وكانت هذه المحبة بنّاءة في سبيل الحياة مع المسيح لكل فرد من أفراد العائلة وللعائلة جمعاء.
الزواج هو لقاء شخصاني يلتقي فيه الواحد بكامل شخص الآخر؛ بجسده وفكره وعواطفه، فلا يمكن أن نفصل أحد هذه الأصعدة عن البقية، بل وأكثر من ذلك؛ كمسيحيين، مدعوين في الزواج أن يكون المسيح هو المكمّل لنا في كل شيء.
هو يحمي علاقتنا إن كان ملجأ لنا في صلاتنا ومحبتنا وحياتنا المشتركة.
الزواج شراكة ولكن يدخل فيها طرف ثالث هو المسيح، ليس من قابل للاتفاق على شيء فيه إلا من خلال المسيح.
للمتروبوليت بولس يازجي