القدّيس فوتيوس المعترف بطريرك القسطنطينية…
نشأته:
ولد القدّيس فوتيوس المعترف سنة ٨٢٠م لعائلة مميّزة. أبوه سرجيوس وأمّه إيريني معترفان في الكنيسة. يُعيَّد لهما في ١٣ أيار. قاوما الإمبراطور ثيوفيلوس (٨٢٩ – ٨٤٢م) لسياسته الكنسية المعادية لإكرام الإيقونات فتعرّضا للنفي.
وقد ذكر القدّيس فوتيوس نفسه في رسالة له، فيما بعد، أن عائلته بكاملها بمن فيها عمّه، البطريرك القدّيس تراسيوس (٨٠٦م)، أبسلهم أحد المجامع المعادية للإيقونات. ويبدو أن أملاك العائلة، وهي كثيرة، قد صودرت. العائلة كانت تنتمي إلى طبقة النبلاء. وقد كان لفوتيوس أخوان، سرجيوس وتراسيوس.
سرجيوس، كما ورد، اقترن بإيريني، أخت الإمبراطورة ثيودورة، المدافعة عن الإيقونات. مصادر أخرى ذكرت أن من تزوّج من أخت الإمبراطورة كان خاله لا شقيقه. في جوٍ مشبعٍ بالاهتمامات الكنسية، إذن، نشأ فوتيوس. الدفاع عن الإيمان القويم كان إرثاً عائلياً درج عليه قدّيسنا طيلة حياته.
إلى ذلك تسنّى للقدّيس فوتيوس أن يحصّل ثقافة واسعة في مختلف ميادين العلم الكنسي والدنيوي في آن. لم يترك مجالاً من مجالات المعرفة في زمانه إلا سبر غوره حتى أضحى أكثر أهل زمانه علماً وأبرز وجوه النهضة الفكرية في بيزنطية بعد مرحلة اضطهاد الإيقونات.
المعلم والموظف الكبير:
في إحدى رسائل القدّيس فوتيوس إلى البطاركة ذكر أنه مال في شبابه إلى الحياة الرهبانية لكنه التزم التعليم، استاذاً في الجامعة الملكية في قصر مغنورة، بعدما عيّنه فيها ثيوكنيستوس، رئيس وزراء الإمبراطورة ثيودورة، معلّماً للفلسفة الأرسطوطاليسية واللاهوت. وما لبث، بعد حين، أن جرى تعيينه مديراً للمحفوظات الملكية وعضواً في مجلي الشيوخ. في العام 855م ترأس سفارة إلى حاضرة الخليفة العباسي، المتوكل، في بغداد. هناك، فيما يبدو، وبناء لطلب أخيه، وضع ما يُعرف بالميريوبيبلوس أو «المكتبة» وهو مؤلّف ضمّنه فوتيوس خلاصات مئتين وثمانين من أعمال القدامى وتعليقات عنها. فعل ذلك بالاعتماد على ذاكرته وحسب. يذكر أن عدداً من الذين كتب فوتيوس عنهم ضاعت أعمالهم ولم يبق لنا غير «المكتبة» شاهدة لها. مثل هؤلاء ستاسياس وممنون وكونون وديودوروس سيكولوس.
بطريركاً رغماً عنه:
كان القدّيس فوتيوس خارج مدينة القسطنطينية عندما جرت فيها أحداث سياسية غيّرت مجرى الأمور وحملت فوتيوس إلى رأس سلّم الإدارة الكنسية. فلقد نجح برداس، شقيق الإمبراطورة ثيودورة، بتشجيع من الإمبراطور الحديث ميخائيل الثالث، في إنهاء ولاية شقيقته بالوصاية على ابنها بعدما فتك برئيس وزرائها ثيوكنيستوس، ونصّب نفسه وصيّاً محلها. أوساط الليبراليين والمفكّرين ساندته فيما وقف المحافظون بجانب ثيودورة. القدّيس أغناطيوس، بطريرك المدينة المتملكة الذي سبق للإمبراطورة المخلوعة أن عيّنته، كان من المحافظين، لذا فقد حظوته لدى الحكومة الجديدة. ويبدو أن أتباعه أطلقوا للسانهم العنان في إذاعة أخبار مشينة طعنت بحياة برداس الشخصية. فلما جرت محاولة فاشلة لإعادة ثيودورة إلى الحكم، أُلزمت وبناتها بأخذ النذور الرهبانية. أغناطيوس، من ناحيته، رفض أن يبارك ثوبهن الرهباني دلالة على عدم رضاه وانصياعه لتدبير برداس. وإذ بدا كأن أزمة في العلاقة بين الدولة والكنيسة على الأبواب، نصح بعض الأساقفة أغناطيوس بالاستقالة للحؤول دون ذلك فنزل عند رغبتهم وطلب من مناصريه أن يختاروا لهم بطريركاً آخر غيره. فلما التأم مجمع محلّي للنظر في الأمر، برز الصراع واضحاً وحاداً بين فريقين من الأساقفة. وإذ غلب، في نهاية المطاف، الاتجاه التوفيقي بعدم اختيار بطريرك من بين الأساقفة المتناحرين، استقر رأي الجميع على اختيار رجل من العامة هو فوتيوس، ورفعوا توصيتهم إلى الإمبراطور. حتى أكثر مناصري أغناطيوس ولاء له وافقوا على الرأي المقترح. استصوب برداس التوصية وعيّن القدّيس فوتيوس بطريركاً.
القدّيس فوتيوس، على مل قيل، لما بلغه الخبر استفظعه وحاول التملّص بكل الطرق الممكنة. الوقت صعب والمهمة دقيقة وليس سهلاً على من التزم الدرس والتدّريس، أستاذاً ومفكّراً، أن يتخلى عن عالم نعم فيه بهدوء لا شك فيه، ليخوض غمار عالم صاخب مضطرب محفوف بالمخاطر كبطريركية القسطنطينية. لذا قال في رسالة إعلان إيمانه إلى نيقولاوس، بابا رومية، بعد ذلك بزمن، أنه رُفّع إلى البطريركية بغير إرادته وهو يشعر بأنه يقيم فيها بمثابة سجين. أنى يكن الأمر فإنه جرى ترفيع فوتيوس في سلم الرتب الكهنوتية في خلال أسبوع لأن الوقت كان قريباً من عيد الميلاد وكانت على البطريرك مهام تجدر ممارستها في أقرب وقت ممكن. على هذا جرى تنصيبه بطريركاً يوم الخامس والعشرين من كانون الأول عام 858م. لم يتح للقدّيس فوتيوس أن ينعم بالسلام طويلاً لأن المتطرفين من أنصار أغناطيوس ما لبثوا أن رصّوا صفوفهم وأعلنوا رفضهم للبطريرك الجديد رغم الضمانات التي سبق له أن أعطاها بشأن منزلة البطريرك المستقيل. هكذا بدأت متاعب فوتيوس التي فرضت عليه مواقف حرجة أملت عليه قرارات صعبة فأثارت بشأنه تساؤلات جمّة وجعلت منه رجل الملمّات عنوة. والحق أنه جمع، في أدائه، بين الوداعة والمواجهة والدقّة والرحابة والإحجام والإقدام والفضيلة والمسؤولية.
أوّل الغيث:
ما أن مضى شهران على تنصيب فوتيوس بطريركاً حتى بدأت القلاقل. جماعة أغناطيوس المتطرّفة تداعت إلى اجتماع في كنيسة القدّيسة إيريني وأعلنت رفضها للبطريرك الجديد وتمسّكها بأغناطيوس بطريركاً شرعياً. السبب المباشر للعصيان ليس واضحاً. ربما نشب خلاف بشأن الضمانات الأنف ذكرها للبطريرك المستقيل. أنى يكن الأمر فإن واحدة من حجج الجماعة كانت عدم جواز ترفيع فوتيوس إلى الدرجة البطريركية بالسرعة التي تمّ فيها. حاول فوتيوس اجتناب الصدام وتهدئة الخواطر وأخذ الأمور بالرويّة فلم يُفلح. فدعا إلى مجمع في كنيسة الرسل القدّيسين للبحث في الأمر واتخاذ القرار المناسب بشأنه. ولكن قبل أن يلفظ المجمع حكمه تدهور الوضع ووقعت حوادث شغب أثارها المتطرِّفون. وإذ أخذت المسألة بعداً سياسياً تصدّى العسكر الملكي للمتظاهرين وقمعهم بقوة السلاح فسالت الدماء وتفاقمت الأزمة. فوتيوس، من ناحيته، ندّد باستعمال القوة وهدّد بالاستقالة. ولكن، أمام إصرار المعارضة على موقفها، من ناحية، وعدم استعداد السلطة المدنية للرضوخ، من ناحية أخرى، طالب برداس الكنيسة بحسم الأمر، فاضطر فوتيوس إلى دعوة المجمع من جديد وإلى اتخاذ قرارات مؤلمة بحق أغناطيوس (٨٥٩م). فبناء لطلب برداس، أعلن المجمع أن بطريركية أغناطيوس باطلة من أساسها لأن أغناطيوس لم ينتخبه المجمع بل عيّنته ثيودورة. البطريرك المستقيل كان، خلال حوادث الشغب، قد تعرّض للسجن وبعض من أنصاره. فلما أبطل المجمع بطريركيته تم نفيه إلى ميتيلين ثم إلى جزيرة ترابنتوس. ولكن تبيّن، بعد حين، أنه لم تكن لأغناطيوس علاقة بحوادث الشغب وهو براء مما أثاره المتطرّفون من أتباعه باسمه فسُمح له بالإقامة في قصر بوسيس في القسطنطينية. لم تهدأ الحال، رغم التدابير المتخذة، ولا استكان المتطرّفون. فدعا فوتيوس والإمبراطور ميخائيل الثالث إلى مجمع جديد (٨٦١م) وطلبا من البابا نيقولاوس الأول، بابا رومية، (٨٥٨ – ٨٦٨)، إيفاد مبعوثين عنه. الموضوع الأساس كان دحض محاربة الإيقونات وتثبيت القرارات المتّخذة في حينه (٨٤٣م) برعاية الإمبراطورة ثيودورة. نيقولاوس، في رسالته الجوابية، اعترض على ترفيع عاميّ إلى درجة البطريركية، لكنه أوفد رادوالد أسقف بورتو وزخريا أسقف أناغني، لاستطلاع الوضع في القسطنطينية تاركاً لنفسه أمر البتّ في شرعية فوتيوس بطريركاً. نيقولاوس كان يتصرّف كمن له سلطان على الكنيسة في كل مكان. هذا لم يكن في حساب فوتيوس ولا كنيسة القسطنطينية. اطلّع المندوبان على الوضع القائم واستجوبا أغناطيوس. فلما بانت لهما الصورة في القسطنطينية على حقيقتها ثبّتا، باسم بابا رومية، قرارات مجمع ٨٥٩م بشأن لا شرعية بطريركية أغناطيوس. ويبدو أن أغناطيوس رضخ. فظن المبعوثان أنهما، بما فعلا، أكدا سلطة البابا كحكم. لكن سير الأمور بيّن، بعد حين، أن البابا نيقولاوس لم يكن مستعداً للاكتفاء بما جرى وأن صورته عن نفسه، فيما خصّ سلطته في الكنيسة، كانت غير صورة الآخرين عنه.
تدهور في العلاقات:
في تلك الأثناء، وصل إلى رومية عدد من متطرّفي حزب البطريرك أغناطيوس وعلى رأسهم ثيوغنوسطوس الراهب. هؤلاء نقلوا صورة عن الأوضاع في القسطنطينية لم تكن مطابقة لواقع الحال، حتى إنهم ناشدوا البابا، باسم أغناطيوس زوراً، التدخل لإحقاق الحق ووضع الأمور في نصابها. وإذ بدا كأن نيقولاوس كان مهيّئاً لقبول شهادة من النوع الذي وصل إليه لأنها تناسب رؤيته وتزكّي نزعته إلى الهيمنة، بادر إلى الطعن بالموقف الذي اتخذه مبعوثاه، كما أعلن أن قرارات مجمع ٨٦١م باطلة. كذلك أعلن تنحيته لفوتيوس كبطريرك للمدينة المتملكة وادّعى أن لباباوات رومية سلطاناً أن يحكموا في شرعية أو لا شرعية المجامع المحلّية. وفي العام٨٦٣م جمع نيقولاوس أساقفة من الغرب في رومية أدانوا فوتيوس وأبسلوه هو والأساقفة والكهنة الذين سيموا بيده، وأعلنوا أن أغناطيوس هو البطريرك الشرعي للقسطنطينية. وقد جرى إبلاغ فوتيوس والإمبراطور ميخائيل الثالث بذلك. لم تأخذ القسطنطينية القرارات البابوية في الاعتبار واحتجّ الإمبراطور على تدخّل رومية في الشؤون الداخلية للكنيسة في القسطنطينية، فصرّح نيقولاوس سنة 865 أنه يستمدّ سلطته على الكنيسة الجامعة من المسيح نفسه وله حق التدخّل في الشؤون الداخلية للكنائس المحلية ساعة يشاء.
زيت على النار:
على صعيد آخر، وجّه فوتيوس طرفه ناحية الشعوب السلافية راغباً في تبشيرها. وقد وقع اختياره، لهذه الغاية، على أحد أصدقائه، قسطنطين، الذي كان عالماً فذّاً. هذا نعرفه في الكنيسة باسم القدّيس كيرللس. وكذلك استدعى فوتيوس شقيق هذا الأخير، وهو ناسك في جبل الأوليمبوس، يدعى مثوديوس. هذان شرعا بمهمة رسولية لدى الخازار في روسيا الجنوبية، ثم انتقلا إلى مورافيا بناء لطلب أميرها. هذا كان إيذاناً بالبدء بهداية الشعوب السلافية إلى المسيح. وقد جرت، بعد حين، معمودية بوريس (ميخائيل) أمير بلغاريا. هذا عمّده فوتيوس وكان الإمبراطور عرّابه. بمعمودية بوريس، أنشدّت بلغاريا إلى المسيحية. لكن بوريس ما لبث أن دخل في خلاف مع القسطنطينية. السبب أنه طمح في أن يكون للبلغار بطريرك خاص بهم. فلما لم يستجب فوتيوس والإمبراطور لرغبته حوّل نظره شطر رومية. كان ذلك عام ٨٦٦م. فاغتنم البابا نيقولاوس الفرصة وبعث بمرسلين لاتين أخذوا يبثون بين البلغار اللاهوت الغربي والعادات اللاتينية. وقد ورد أن من جملة ما أخذ يشيع، آنئذ، التعليم الخاص بانبثاق الروح القدس من الآب والابن معاً (الفيليوكوي). وكان طبيعياً أن يصطدم الروم واللاتين هناك. الروم كانوا موجودين على الأرض. الصراع بدا مكشوفاً. الروم اعتبروا الخطوة اللاتينية اقتحاماً لنطاق خاص بهم واللاتين مجالاً لتأكيد سلطة البابا ونشر عادات الكنيسة اللاتينية وفكرها اللاهوتي في مقابل الفكر البيزنطي المشبوه والعادات البيزنطية الفاسدة. فلم يلبث فوتيوس، رداً على الهجمة اللاتينية، أن بعث برسالة إلى أساقفة الشرق بيّن فيها ضلالات اللاتين، لاسيما لجهة مسألة الانبثاق. ثم دعا إلى مجمع كبير في القسطنطينية، عام 867، أكّد الإيمان القويم وأبسل البابا ومرسليه في بلغاريا. وعليه طلب الإمبراطور البيزنطي من الإمبراطور الجرماني لويس الثاني الإطاحة بنيقولاوس. ولكن قبل أن تصل إلى نيقولاوس قرارات مجمع القسطنطينية رقد.
⁜ تغيَّر الرياح السياسية: في أيلول ٨٦٧م فتك باسيليوس الأول الذي سبق أن عيّنه ميخائيل الثالث إمبراطوراً مشاركاً، أقول فتك بميخائيل بعدما كان أن فتك بعمّه برداس. ولكي يكسب ودّ المحافظين عمد إلى إقالة فوتيوس وإعادة أغناطيوس إلى سدّة البطريركية. وإذ دخل إكليروس القسطنطينية في صراع فيما بينهم وساد البلبال، رأى الإمبراطور أن يستعين برومية لوضع الأمور في نصابها. فدعا البابا أدريانوس الثاني إلى مجمع انعقد في القسطنطينية عام ٨٦٩م. هذا اعتبره اللاتين بمثابة مجمع مسكوني ثامن. في هذا المجمع الذي ضمّ مائة وعشر أساقفة وحسب جرت إدانة فوتيوس وإبطال مجمع٨٦٧م. كما جرت إقالة مائتي أسقفاً وتجريد العديد من الكهنة ممن سامهم فوتيوس أو كانوا من مناصريه. أما فوتيوس فأوقف أمام المجمع ليجيب عن التهم الموجهة إليه فلزم الصمت مكتفياً بالقول: «الله يسمع صوت الصامت... تبريري ليس من هذا العالم». ثلاث سنوات بقي في الإقامة الجبريّة مقطوعاً عن أصحابه ومحروماً من كتبه. لا اشتكى ولا تذمر. ولا حمل على أحد. عانى المرض. صبر صبراً عجيباً. واكتفى بتوجيه رسائل تشجيع وتشديد للذين كانوا يتألّمون من أصدقائه.
رياح دافئة:
لم يكن عمل أغناطيوس في الفترة الجديدة من بطريركيته سهلاً. وما لبث أن وجد نفسه في صراع مع البابا يوحنا الثامن. لكنه احتضن بوريس (ميخائيل) البلغاري بعدما ارتدّ عن رومية إلى القسطنطينية. وإذ ازدادت القناعة في المدينة المتملكة أن الدور الذي أُتيح لرومية لعبه عظيم شأنها على حساب القسطنطينية نصح الأساقفة باسيليوس الملك، توحيداً للكنيسة فيها ورفعاً لشأنها، بإبطال قرارات مجمع٨٧٠م وإطلاق سراح فوتيوس. فعمد الإمبراطور إلى استعادة فوتيوس بإكرام بالغ وأسماه مربّياً لأولاده. وكانت أول بادرة فوتيوس أتاها أنه التقى وأغناطيوس وتصالحا وأعلن دعمه له ووقوفه بجانبه. أغناطيوس كان مريضاً فصار فوتيوس يزوره بانتظام. فلما رقد أغناطيوس بالرب، عاد فوتيوس إلى السدّة البطريركية بمباركة الجميع. وإلى فوتيوس يعود التدبير بشأن إعلان الكنيسة لقداسة أغناطيوس في ٢٣ تشرين الأول من كل عام. فوتيوس وأغناطيوس، كما تبيّن، كانا ضحية الخلافات التي زكّاها الآخرون باسمهما. ثم أن مجمعاً عُقد في القسطنطينية عام ٨٧٩ – ٨٨٠م ضمّ ٣٨٣ أسقفاً وعرف بمجمع الوحدة رأب الصدع بين رومية والقسطنطينية وأعاد الاعتبار لفوتيوس رسمياً، كما أكّد الإيمان الأرثوذكسي وكفّر الزيادة على دستور الإيمان لجهة انبثاق الروح القدس. مبعوثو البابا يوحنا الثامن كانوا موجودين. ومجمع٨٦٩م اعتُبر لاغياً. فلما بلغ بابا رومية خبر المجمع وافق على مقرّراته. وهذا ما يفسّر أن مجمع٨٦٩م، الذي سُمّي في الغرب بالمجمع السكوني الثامن، لم يُحسب كذلك في رومية إلى القرن الحادي عشر حين أدّت تغيرات إلى إعادة الاعتبار لمجمع٨٦٩م وإهمال مجمع الوحدة، مما ولّد الاعتقاد الشائع في الغرب الذي اتّهم فوتيوس ظلماً بأنه أبو الانشقاق وعدو الوحدة. هذه الحقيقة يُقرّ بها حتى العديد من علماء الكثلكة اليوم، أمثال الأب فرنسيس دفورنيك.
احتجازه ورقاده: ومرة أخرى تغيّرت الأوضاع العامة وانعكست سلباً على القدّيس فوتيوس. في العام ٨٨٦م خلف لاون السادس أباه باسليوس إمبراطوراً. وإذ كان على عداء وأسقف أوخاييطا، غريغوريوس، وهو أحد أتباع القدّيس فوتيوس، أقال البطريرك القدّيس وحجزه كفاعل سوء في دير الأرمن جاعلاً أخاه استفانوس بطريركاً محلّه. بقي القدّيس فوتيوس في الإقامة الجبرية خمس سنوات محروماً من كل عزاء بشري. كأنما الرب الإله أراد تمحيصه كالذهب في الكور إلى المنتهى. في هذه الفترة من حياته كتب «ميستاغوجية الروح القدس» الذي دحض فيه مسألة انبثاق الروح القدس من الآب والابن (الفيليوكوي). رقد في الرب مكمّلاً بالفضائل في ٦ شباط ٨٩١م. وقد جرت بجسده للتوّ عجائب جمّة.