باروخ النبيّ
اسم عبري معناه «مبارك».
ثلاثة أشخاص في الكتاب المقدّس حملوا هذا الإسم:
الأول هو «باروخ بن زباي» الذي ذكر عنه نحميا أنه رمّم جزءًا من سور أورشليم (نح20:3). وقد كان باروخ هذا من بين الرؤساء واللاويين والكهنة الذين ختموا على الميثاق الذي أقسم فيه الشعب كرجل واحد أن يسيروا في شريعة الله نح6:10). )
الثاني هو «باروخ ابن كلحوزة» وأبو معسيا الذي هو من رؤساء الشعب الذين عادوا بالقرعة للسكنى في مدينة أورشليم5:11حن).)
الثالث هو «باروخ» النبي كاتِب السفر المعروف باسمه والذي نتحدث عنه الآن.
هو باروخ بن نيريا بن محسيا، من القرن السادس قبل الميلاد، كان أخوه رئيس محلّة الملك صدقيا (إرميا 51: 59)، وكان باروخ الصديق الوفي لإرميا النبي (إرميا 32: 12،) وكاتب وحيه (36: 4؛ 8، 32)، ورسوله الأمين (36: 10، 11).
كان من عائلة شريفة (إرميا 51: 59 مع باروخ 1: 1)، ويذكر يوسيفوس، المورّخ اليهودي (القرن الأوّل ميلاديّ)، أنه كان رجلًا ذا مقدرة فذّة، وكان في إمكانه أن يصل إلى مركزٍ رفيع، وكان هو يعلم هذا، ولكنّه تخلّى عن كلّ طموحٍ بناء على وصيّة إرميا (45: 5)، واكتفى بأن يلقي قرعته مع النبي العظيم الذي صار له رفيقًا وكاتمًا لأسراره وكاتبًا لوحيه. وقد اشترك الاثنان في الأتعاب والاضطهادات التي لقياها من يهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا.
كتب إرميا سفر نبؤته في بابل بعد السبي، وكان ذلك في السنة الخامسة في السابع من الشهر حين أخذ الكلدانيون أورشليم وأحرقوها بالنار. وقد نسب السفر إلى باروخ لأنه كتب الأصحاحات الخمسة الأولى منه. أما الأصحاح السادس والأخير فقد كتبه إرميا لليهود الذين كان ملك بابل مزمعًا أن يسوقهم في السبي إلى بابل.
ذكر في الكتاب المقدّس الكثير عن باروخ. فإن إرميا، وهو في السجن، بعدما اشترى لنفسه حقل عمه «حنمئيل بن شلوم» الذي في «عناثوث»، أخذ صك الشراء المختوم وسلَّمه لباروخ (أر6:32-12)، كما ائتمنه على حفظ الوثائق الخاصة به.
كذلك وبينما كان أرميا في السجن أيضًا، استدعى إليه باروخ وأملاه ما أوحى الله به إليه من نبوءة، فكتبه في درج بالحبر. وبأمر إرميا، قرأ باروخ المكتوب في الدرج في آذان كلّ الشعب في بيت الربّ في يوم الصوم. كما قرأه مرّةً أخرى في آذان رؤساء يهوذا بناءً على طلبهم. فلمّا سمعوا الكلام، خافوا خوفًا شديدًا وأشاروا على باروخ أن يهرب ويذهب ويختبئ هو وارميا من وجه الملك يهوياقيم.
ولمّا سمع الملك بعض ما ورد في الدرج، اغتاظ وغضب وألقى السفر كلّه في النار وأحرقه، وأمر أن يُقبض على باروخ الكاتب وإرميا النبيّ، لكن الربّ خبأهما فلم يعثر عليهما. وقد أُوحي إلى إرميا مرّة ثانية، فأخذ درجًا آخر وأملى السفرة مرّةً أخرى عل باروخ فكتبه، وزيد عليه كلام كثير (إر36).
ويضيف الكتاب المقدّس أن رجال يهوذا لم يسمعوا لإرميا فيما يتعلّق بقول الرّب لهم على لسانه، الإقامة في أرض يهوذا وعدم الذهاب إلى مِصر. فقاوموه متكابرين عليه وعلى باروخ وأخذوهما عنوةً مع بنات الملك، وحملوهما على الذهاب إلى أرض مِصْر حيث أتوا إلى مدينة «تحفنحيس» وأقاموا فيها (6:43-7).
ذكر القدّيس إيرونيموس 347–420م في تعليقه على إش 30: 6، 7 إنّه مات في مصر عقب وصوله إليها. وهناك تقليدان آخران يذكران أنّه ذهب أو بالحري أخذه نبوخذنصر إلى بابل بعد هزيمة نبوخذنصر لمصر.
كانت شخصية باروخ القويّة والدور الذي قام به في حياة إرميا وخدمته، دافعًا للأجيال اللاحقة للإشادة به، وتأليف الكثير من الكتب التي نسبوها إليه، ومنها: رؤيا باروخ وسفر باروك، بالإضافة إلى أقوال باروخ. كما هناك ما يُعرف بسفر باروخ الغنوسي.
سفر باروخ:
سفر باروخ كُتب باللغة العِبرية، ويُعتبر أنّه جزء مُكَمِّل لسفر إرميا، وبقيت نسخته الأصلية مُتعارفة حتى القرن الثاني الميلادي حين ترجمها «تاودوسيون» إلى اللغة اليونانية. ومنذ ذلك الحين اختفت النسخة العِبراية.
يقع مكان السفر بعد مراثي ارميا.
بعض الدارسين ينكرون على باروخ أنّه كاتِب السفر، ويضيفون أن الإصحاح السادس منه المعروف باسم «رسالة أرميا» كان مُعتبرًا سِفرًا قائمًا بذاته في الترجمة السبعينية، لكنّهم يعودون ويقولون «وإن تكن غير صحيحة من الوجهة التاريخية، لكنها تُظْهِر تقوى وغيرة غذّتها كلمة العهد القديم وروحه».
وقد أكّد القدّيس يوحنا فم الذهب قانونيّة سفر باروخ فقال: «كما أنّ كتاب إرميا النبي ليس فيه شك، كذلك كتاب باروخ لا يجب أن يرتاب فيه أحد، ولا في بقيّة الأسفار التي قبلتها الكنيسة، وتُحسب من رتبة نفس الكتب القانونية».
كذلك كثير من القدّيسين في القرون الأولى للمسيحيّة شهدوا لهذا السفر، واستشهدوا منه في كتاباتهم ومقالاتهم وعِظاتهم ورسائلهم، على سبيل المثال وليس الحصر، كليمندس الاسكندرى (كتابه المربّي، كتاب 10:1؛ 3:2)، وديوناسيوس الإسكندري (المسألة العاشرة)، والبابا أثناسيوس الرسولي (في خطبه ضد أريوس الهرطوقي)، وباسيليوس ويوحنا الذهبي الفم وكيرلس الأورشليمي وكبريانوس واوسابيوس وغيرهم، فم الذهب وفي خطاب ايرينيموس إلى أوقيانوس.
يحتوي هذا السفر، كلامًا عن الخطيئة ونتائجها، والحث إلى التوبة والرجوع إلى الله، وعدم الإنقياض إلى الألهة الوثنيّة، وتأكيد النبيّ عدم ترك الله شعبه بالرغم من كلّ شيء، وأن أورشليم سوف تخلع حلّة المذلّة وتتسربل بثوب البر، كذلك يتحدّث بروح النبؤة عن أمرين أساسيّن في التدبير الخلاصي:
١- التجسّد: ففي الأصحاح الثالث يتنبَّأ عن تجسّد الله الكلمة لأجل خلاص كلّ جنس البشر: «هذا هو إلهنا...تراءى على الأرض وتردّد بين البشر». وفيمكان آخر يتحدَّث عن ذلك الذي نزل من السماء وصعد إليها.
٢- عقيدة الثالوث القدّوس: وقد ألمح إلى هذه العقيدة في الأصحاح الرابع بقوله: «فإني في رجوت بالأزلي (إشارةً إلى الله الآب) خلاصكم، وحلَّت بي مسرى من لَدُنِ القدوس (إشارةً إلى الروح القدس)، بالرحمة التي تؤتونها عمّا قليل من عند الأزلي مخلّصكم (أي الابن الكلمة المخلّص وفادي البشر».