عظة البطريرك يوحنا العاشر في أحد العنصرة المقدس
عظة البطريرك يوحنا العاشر
في أحد العنصرة المقدّس
"أنا نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلام بل يكون له نور الحياة" (يو 8: 12)
هذه خاتمة إنجيل العنصرة الذي تُلي اليوم وهذا ختم قلب كل مسيحي في مسيرة حياته. وهذا جواب الرب لكل منا عندما تكتنفه عتمات الدهر الحاضر. هو جواب في أذن كل منا. لا تخف. أنا معك سفينةَ خلاصٍ وشعلةَ نور. أنا معك هدْياً لنفسٍ تبغي الخلاص ونوراً لعيون تبغي القيامة وتعزيةً لنفوسٍ حملت راية إنجيلي.
المسيح وكما يبدو جلياً في الآية هو سيّدٌ لا يقحم ذاته في حياة الأفراد. "من يتبعني". هو نور يقول لكل منا أنا موجود. من أرادني فأنا له سفينة تبدد أمواج دروبه وقنديل يضيء حياته برونق البهجة السماوية.
وكأني بيسوع يقول لكل منا:
عيد العنصرة المجيد هو عيد النور الذي حل على تلاميذ الرب. هو عيد حضور الروح وسط دياجير هذا العالم. وما أحوج هذا العالم للنور، لنور الحياة، كلمةً تخرج من صفحات الإنجيل لتستوطن قلوب الناس وأذهانهم.
دعوتنا اليوم أن نتأمل وسط كل ما يحدث في العالم وفي الشرق الأوسط تحديداً، أن نتأمل تلك الجماعة المسيحية الأولى، مريمَ مع مصف الرسل والتلاميذ. دعوتنا أن ننظر فيهم ونتأمل كيف أمسى صيادو السمك منابر الروح للبشرية. أيامهم لم تكن أسهل من أيامنا. ولا نفوسهم كانت من طينة الملائكة. هم من طينة أرضنا ومن عجنتها. نتأمل فيهم بساطة العيش وقوة المحبة. نتأمل فيهم جذوة الغيرة التي طرحت عنهم كل خوف. هم طرحوا الخوف لأنهم عاينوا الحق. والحق أطلقهم وقاد خطواتهم فكتبوا بشارتهم بلغة العصر. نحن نتفهم أن ظروفنا صعبة ولكننا نفهم ونيقن أكثر أن مسيحيي هذه الأرض هم ذرية أولئك وأن التاريخ يقول والحاضر أيضاً أن أجراس كنائسنا التي كانت ولم تلبث أجراس محبة لكل الناس ولكل دين، وأجراس عيش مشترك مع الأخ المسلم... لن تسكت أبداً في هذا الشرق.
عيد العنصرة هو عيد النور. ومن هنا ارتأت تيلي لوميار أن تحتفل بالنور في البلمند. قبل خمس وعشرين عاماً انطلق تيلي لوميار من وسط خراب الحرب، ليقول إن في هذا البلد أناساً تاقوا للسلام ومجبولون بالسلام. وفي الوقت عينه تقريباً قالت أنطاكية بلسان بطريركها إغناطيوس الرابع وبفعله أن هناك أناساً في لبنان ينفضون عن الفينيق غبار الحرب ويؤمنون بالعلم نوراً ومنارةً فكانت جامعة البلمند. استظل تيلي لوميار بفيء الإنجيل ناقلاً إلى الدنيا غنى تراث أنطاكية وماداً جسور التلاقي مع كل الكنائس، واستظلت جامعة البلمند بفيء أنطاكية الأرثوذكسية ولاهوت إنجيلها لتقول إن الأرثوذكس جسور تلاقٍ بين الجميع وأن الكنيسة، ابنةَ الألفي عام، هي مظلةٌ لكل تراث انفتاح ونور علم. وإلى يومنا هذا يبقى تيلي لوميار صوت حق وصوت سلام في وجه ما يجري في سوريا وفي أكثر من مكان، كما كان يومها وبقي ويبقى صوت سلامٍ في وجه ما أصاب لبنان. ويبقى البلمند، ديراً، ثانويةً، معهد لاهوتٍ وجامعةً منارة العلم وملتقى الأطياف في جوار الأرز الخالد. ونحن نشهد لتيلي لوميار اليوم بأن رسالتها تُستمَد من أنوار سيدها الرب يسوع ومن ثنايا إنجيله. وهي الرائدة والسباقة في الإعلام الكنسي. كما نصلي وندعو أن يبارك الله جهود القيمين عليها والعاملين فيها ويظللهم بنعمته الإلهية.
نصلي اليوم معكم يا إخوة ومع كل محبي تيلي لوميار من أجل لبنان. ونطلب من سيدة البلمند أن تحفظ هذا البلد وتباركه وتنير أذهان القيمين عليه لما فيه خير إنسانه. كما ونجدد الدعوة الملحة إلى انتخاب رئيس الجمهورية حفاظاً على كل مؤسساته وصوناً لاستقراره الداخلي. لبنان الرسالة يستدعي من الجميع أن يكونوا أمام المسؤولية والوقوف إلى جانب المواطن الذي يدفع من حياته ومن أتعابه ضريبة غالية.
نصلي أيضاً من أجل سوريا. ونطلب من سيدة البلمند القائدة أن تحوطها بعونها وتكون دوماً إلى جانب المهجر والمخطوف. نصلي من أجل إخوينا مطراني حلب يوحنا ابراهيم وبولس يازجي القابعين في الأسر وسط صمت دولي مريب. نصلي من أجل سوريا التي تدفع ثمن فواتير الإرهاب والتكفير ومحو أوابد القيم والآثار. نصلي من أجل سلامها ومن أجل قوة رجاء أبنائها وندعو العالم للنظر بعين الإنسانية لما يجري. ونناشد الجميع تفعيل منطق الحوار والحل السياسي السلمي رأفةً بالإنسان.
دعوتنا اليوم أن نكون نورانيين وسط كل عتمات الدنيا. وبنور العنصرة أختم متمنياً لكم ولتلفزيون النور ولكل أبنائنا في الوطن وبلاد الانتشار عنصرة مجيدةً وأعياداً مباركةً وأختم متمنياً لكل الحاضرين معنا في البلمند عنصرةً مجيدةً. وبكلمات ناظم التسابيح، أرفع الصلاة مع الأحبة، جوقة البلمند، مرنماً وقائلاً:
"نورٌ هو الآب. نورٌ هو الكلمة. نور الروح الكلي قدسه النازل على الرسل بألسنٍ نارية. من به ضاء العالم بأسره ساجداً للثالوث الأقدس".
كل عام وأنتم بخير جميعاً.