شرح إنجيل أحد المخلّع
شرح إنجيل أحد المخلّع (يوحنا ٥:١- ١٥): الإنجيل والرسالة - القنداق- البيت - السنكسار
يدور موضوع هذا الأحد حول الماء المتحرّك في بركة الضأن ومعجزة شفاء المخلّع.
مياه بركة الضأن | مياه المعموديّة |
مياه بيت حسدا كانت تتحرّك في بعض الأوقات. | أمّا مياه المعموديّة فيمكنها أن تتحرّك دومًا. |
كانت تلك المياه تتحرّك في مكان واحد هو بركة الضآن. | أمّا مياه المعموديّة فتتحرّك في كلّ مكان من العالم. |
هناك كان ملاك ينزل. | وهنا ينزل الروح القدس. |
هناك كان يظهر الملاك، | والآن يتجلّى سرّ الثالوث القدّوس. |
تلك المياه كانت تشفي الجسد، | أمّا هذه فتشفي الجسد والنفس معًا. |
تلك المياه كانت تعيد الصحة. | أمّا هذه فتشفي من الخطيئة. |
يقول القدّيس أمبروسيوس أسقف ميلانو(+٣٩٧):
كانت للناس علامةٌ، أمّا أنتم فلكم الإيمان. عليهم كان ينزل ملاكٌ، وعليكم ينزل الروح القدس. لأجلهم كانت الخليقة تتحرّك، ولأجلكم يعمل المسيح نفسه، ربّ الخليقة. آنذاك واحدٌ فقط كان ينال الشفاء، والآن يصبح الجميع أصحّاء. تلك البركة كانت رمزًا لتؤمنوا بأنّ قوّة الله تنزل على هذا الجرن(جرن المعموديّة). ويرى القدّيس امبروسيوس أيضًا "أنّ نزول الملاك يرمز إلى نزول الروح القدس الذي ينزل في أيّامنا ويقدّس المياه التي تحرّكها صلاة الكاهن. في ذلك الوقت كان الملاك خادمًا للروح القدس، والآن نعمة الروح أمست دواءً لأمراض نفوسنا وأذهاننا".
نزول الملاك وتحريكه للماء يرمزان إذًا إلى نزول الروح القدس على مياه جرن المعموديّة. وتحريك الماء والشفاء كانا تحريكًا لأذهان اليهود ونبوءة لهم أنّ شيئًا ما سيحدث قريبًا.
كانا إشارة للماء الحيّ الذي يعطيه المسيح كما قال للسامريّة، وللماء الذي يَلِدْ من فوق كما قال لنيقوديموس، وإشارة للروح القدس الذي يرسله المسيح.
إنّ الماء المتجدّد والمتحرّك هو ماء جارٍ يزيل الأوساخ من مجرى النهر، أمّا الماء الراكد فتتراكم فيه الأقذار. وهكذا نشير إلى الروح القدس بأنّه ماء جارٍ متحرّك لأن عمله هوإزالة الخطايا من قلوبنا.
لذلك نصلّي "روحك القدّوس جدّده في أحشائنا" مع النبيّ داود الذي قال "قلبًا نقيًا أُخلق فيَّ يا الله وروحًا مستقيمًا جدّد في أحشائي". ومن له القلب النقي فهو الخليقة الجديدة (٢كو١٧:٥). هكذا إذًا، الماء الحيّ المتحرّك هو إشارة إلى الروح القدس الذي سيحلّ على كنيسة المسيح ليشفي طبيعتنا (واليهود يسمّون الماء المتحرك ماءً حيًّا).
بركة بيت حسدا
اسم بركة بيت حسدا أي بركة بيت الرحمة يعود للأشفية التي كانت تجري فيها. ولطالما هاجم نقّاد الكتاب المقدّس هذا النص إذ لم يستدلوا على بركة بهذا الاسم، إلى أن تم اكتشاف البركة فعلًا ووجدوا لها ٥ أروقة ووجدوا أنّها انطمست أثناء غزو الرومان. والأروقة هي دهاليز مسقوفة تستعمل كأماكن انتظار للمرضى. والبركة طولها ١٠٠متر. وعرضها يتراوح بين ٥٠ و٧٠مترًا. وحولها أعمدة قسمت المساحة لخمس صالات للانتظار. وكان اليهود يستخدمون هذه البركة للتطهير الناموسي ويتركون ملابسهم في الأروقة، إلى أن حدثت ظاهرة تحريك الماء فتحوّلت البركة إلى مكان استشفاء. وكان المرضى يضّطجعون في هذه الأروقة. وكانت هذه الظاهرة علامة على قرب مجيء المسيح الشافي الذي كان اليهود ينتظرونه.
مريض منذ ثمان وثلاثين سنة:
مريض بركة بيت حسدا يشير إلى من ليس له أحد وهو في حالة ضعف. والفترة التي قضاها في المرض هي فترة ثمان وثلاثين سنة، الزمان الذي قضاه بنو إسرائيل في برّيّة سيناء قبل أن يستطيعوا الوصول إلى أرض الميعاد. أي أنّ هذا الإنسان كان يشبه الشعب التائه في البرّيّة قبل أن يدخل إلى أرض الميعاد.
وكأنّ الإنجيلي أراد أن يقول لنا بذلك إنّ الرّب يسوع المسيح هو أرض الميعاد، وأنّ الإنسان يتيه ويبقى في الحيرة وفي طلبات كثيرة إلى أن يأتيه السيّد. فالمسيح قد أتى إلى البشر المتروكين التائهين ليشفيهم كما أتى إلى هذا المريض. هذه المعجزة إذًا إشارة إلى أنّ هناك تدخّلاً سماويًّا سيحدث ليشفي أمراض الطبيعة البشريّة.
أتريد أن تبرأ؟:
نعم، هناك من لا يريد أن يبرأ، فمرضه صار مصدر رزق يكتسب منه. والمسيح يحترم الإرادة الإنسانية، وهو لا يقتحم الإنسان، فنحن مخلوقون على صورته في حريّة الإرادة.قال المسيح لليهود: "كم مرّة أردت أن أجمع أبناءك... ولم تريدوا" (مت٣٧:٢٣). فالمسيح يريد أن يظهر أن خلاص الإنسان هو بيد الإنسان، والأهمّ هو شفاء الإنسان من الخطيئة.ويكون سؤال المسيح معناه هل عندك إرادة أن تترك خطيتك، لذا قال له المسيح لا تعود تخطئ أيضًا(آية ١٤) الخطيئة لها نتائج وخيمة على الإنسان. المسيح أتى ليقدّم للمخلّع وللعالم كلّه الشفاء المجّاني، الخليقة كلّها مريضة، فقدت بهاءها والربّ أتى ليشفيها، ولكن عليها أوّلاً أن تريد أن تشفى.
ليس لي إنسان:
المسيح يسأل المخلّع عمّا إذا كان يريد أن يشفى، فيجيبه بأن ليس له إنسان. هو أسقط الموضوع على الآخرين، كأنّه يقول إنّ المشكلة ليست فيَّ بل في الآخرين. الخاطئ دائمًا يبرّر نفسه.
كم مرة ألقينا همّنا على الناس وفشلنا؟ ولكن إذا ألقينا همّنا على الله فلن نفشل (١بط٧:٥).
قم احمل سريرك وامش:
هذه حال كلّ من يصدّق المسيح، فكلمة منه تُحيي العاجز وتنتهر الخطيئة فتلاشيها (يو٢٥:٥ ٦٣:٦- ). الله يعطي القوّة والحياة لأن يسوع هو الحياة، وله سلطان عجيب: قم/ احمل/ إمش.
عجيب أن يقوم المخلّع دون أن يسنده أحد، وبدون علاجٍ طبيعي بعد كلّ هذه المدة من الشلل. المسيح أعطاه حياةً جديدة: قم مع القيامة، واحمل بقوّة الحياة، وامش. كلمات ترمز إلى السلوك في هذه الحياة الجديدة.
فسألوه من هو الإنسان الذي قال لك احمل سريرك وامش:
آه، كم غلظت قلوب الكتبة والفرّيسيين. ينظرون ولا يرون، يسمعون ولا يصغون. أليست هذه صورة لحالتنا؟ كم من مرّةٍ ومرّة ننال لبركات والعطايا ونتنكّر؟ من هو ذاك؟ ويحمل هذا السؤال السخرية! فليس أعظم من ناموسنا الحجري الذي خلقناه نحن لنعبد أنفسنا من خلاله!!!
لماذا صنع المسيح المعجزة في يوم السبت؟
ليس هذه المعجزة الوحيدة، بل المسيح غالبًا ما كان يشفي يوم السبت. والله منع شعبه من العمل يوم السبت حتى يتفرّغوا للعبادة ويذكروا انتماءهم إليه، فهو نفسه قد ارتاح يوم السبت.
ولكن ما معنى راحة الله هنا؟ وهل الله يتعب؟! الله لا يتعب حتّى يستريح. ولكن راحة الله هي في خلاص الإنسان. فحينما يقول استراح الله في اليوم السابع فهذا معناه أن الله استراح حينما تمّم خلاص البشر. فراحة الله في كمال عمله، والراحة هي راحة الله في الإنسان، وراحة الإنسان في الله. " الله يستريح في قدّيسيه والقدّيسون يستريحون في الله"، من هنا الإنسان المخلوق على صورة الله أهمّ من حرفيّة السبت وجموده. فكيف إذاً يكون الشفاء في السبت ممنوعًا؟ أليست الشريعة وُضعت من أجل الإنسان؟ في سفر الخروج ( الإصحاح ٢٠) نجد الله يقول إنّه أعطى شعبه الشريعة والسبت ليدل على محبّته له. أعطاهم الشريعة ليحيوا سعداء على الأرض، كما أعطاهم السبت ليذكروا انتماءهم إلى السماء فيكون لهم نصيب في ملكوت الله.
ونصّ وصيّة السبت كان "أذكر يوم السبت لتقدّسه" (خر٨:٢٠) أي لتخصّصه، لتفرزه للرّب، فيكون للصلاة والتسبيح.
فهل شفاء مريض وخدمته يتعارضان مع هذا المفهوم؟
اليهود خرجوا عن المعنى الروحي، وفهموا الوصيّة وطبّقوها بمعنى حرفيٍّ فقط، فمنعوا أن يحمل إنسان حتى إبرة خياطة يوم السبت. والمسيح أتى ليصحّح هذه المفاهيم، ليعيد للسبت المعنى الروحيّ الحقيقيّ والخلاصيّ. وهو حينما يشفي إنّما يشفي الإنسان كلّه، روحًا وجسدًا (يو٢٣:٧). وطالما أنّه شفى روحه بأن غفر خطاياه، استراح هذا الإنسان في الله، والله استراح فيه، فتحقّق مفهوم السبت. فالمسيح هو رّب السبت (مر٢٨:٢+ لو٥:٦) وهو جاء ليعطي سبتًا أيّ راحةً من نوع جديد عوض الراحة الجسديّة القديمة (عب١٠:٤).
كما وأنّه إذا تصادف، عند اليهود، اليوم الثامن لطفلٍ أن كان يوم سبت، كان يختنون الطفل، إذ الختان في نظرهم عمل مقدّس (يو٢٢:٧-٢٣)، وهذا الختان يجعل الطفل من شعب الله أي ابنًا لله. والختان هو قطع كلّ رباط للشر، ومريض بيت حسدا هذا كان مختونًا ولكنه أخطأ، والمسيح شفاه وغفر خطاياه، فأعاده إلى العهد مع الله، أعاده كابن لله.
بهذا يتحقّق فرح الرّب كما أشار إليه أشعياء النبي (١٣:٥٨-١٤): "هو لذّة الرّب".
كيف يشفي المسيح موتى الخطيئة؟
الابن له حياة في ذاته، وهو يحيي من يشاء(يو٢١:٥+٢٦)، ومن يسمع له يقوم من موت الخطيئة الآن (آية ٢٥) ويقوم إلى قيامة الحياة في الأبدية (آية ٢٩).
المسيح الذي ظهر أمامنا كإنسان له قوّة الحياة، فيه حياة في ذاته وقد تجسّد ليعطيها لكلّ واحدٍ فيحيا. ولكن الذي يحصل على هذه الحياة هو من يسمع للمسيح، ويؤمن به ويعتمد فيتّحد به ويطيع وصاياه ويتناول من جسده ودمه، وإن أخطأ يتوب، فيظل عضوًا حيًا في جسده. وفي مجيئه الثاني المجيد يكون اتحاده بالمسيح بلا انفصال فلا خطيئة في السماء. وفي السماء سيكون لنا أجساد ممجّدة. هذا هو الشفاء الكامل والحقيقي.
يسوع اعتزل إذ كان في الموضع جمع:
الرّب لا يطلب المجد من أحد، ولم يكن من المسيح أن يلفت الأنظار إليه كملوك وعظماء هذه الأرض. نحن إذا أحببناه نبحث عنه.
بعد ذلك وجده يسوع في الهيكل:
هل أتى ليشكر الله على هذه العطيّة؟ هل أتى ليمجّد الخالق على شفائه؟ هل أخبر اليهود أن يسوع شفاه ليبشّر به أم ليرفع المسؤولية عنه؟
لنمجّد الله ونشكره ونعترف به مخلّصًا وشافيًا، له المجد إلى الأبد. آمين.