وإذ ننظر يا إخوة قيامة المسيح فلنتذكّر أن القائم…
عظة البطريرك يوحنا العاشر
في اثنين الباعوث، 13 نيسان 2015
الكاتدرائية المريمية بدمشق
المسيح قام، حقاً قام.فلنسجد لقيامته الثلاثية الأيام.
" أنت، يا مخلص، خرجت من حشا الأم بما يفوق الطبيعة ،
تاركاً للعذراء مجد البتولية،
تماماً كما حطمت الآن برمسك سلطان الرمس؛
تاركاً في القبر كفن يوسف،
وآخذاً من القبر جدّ يوسف.
لقد ورد آدم تابعاً إياك، وحواء اقتفتك؛
لقد امتثلت حواء لمريم، وأما لك فامتثلت
الأرض بأسرها ساجدة ومرتلةً لك تسبيح الظفر:
-قام الرب!- "
أيها الأحبة،
بكلمات رومانوس المرنم، أردت أن أفتتح كلامي. ولعل كلماته تختصر قوة رجائنا في العيد الحاضر.
في يوم الفصح المجيد تتجه قلوبنا إلى الفادي.
تتجه قلوبنا إلى ذاك المعلق على صليب المحبة ليضم الخليقة إلى قلبه.
تتجه قلوبنا إلى المصلوب محبةً وإلى القائم لخلاص من أحب. يسوع خاطب الدنيا بلغة المحبة.
خاطبها بالمحبة الدفيقة على الصليب.
خاطبها بمحبة قاست إكليل الشوك وموت الصليب، محبةٍ رشحت من أكفانه ونضحت من حنوطه، محبةٍ اعتصرت بها جدران قبره فأزاحت وتزيح ثقل الحجر عن باب قبره، وأفاضت وتفيض إلى اليوم سنا قيامته للدنيا بأسرها. وفي هذا اليوم الفصحي نجتني ثمار محبته قيامةً لجبلته. نجتنيها صليباً أمسى مفخرة. نجتنيها قيامة من بعد جلجلة وفرحاً من بعد حزن. نجتنيها سروراً اكتسح قلوب حاملات الطيب. نجتنيها فخراً تناثر على قلوب الضعفاء فنثر على البشرية وشاح يسوع.
وإذ ننظر يا إخوة قيامة المسيح فلنتذكر أن القائم هو نفسه المصلوب قبلاً. فلنتذكر أن الذي مزق رباطات الجحيم هو نفسه الممزق الجنب بالحربة. فلنذكر أن من تحوطه الملائكة بمجد بعد القيامة هو إياه الذي أحاطه الجند بالهزء. ولنذكر أن سالك درب الألم هو إياه فاتح درب القيامة.
ولنذكر جيداً كيف تصور الكنيسة قيامة المسيح وأي بعد بشري تسبغه عليها. قيامة الرب قيامة كل منا. يسوع في القيامة ممسك بيد آدم وبيد حواء. هو ممسك بيد الإنسان الذي أحب. هو ممسك بالطينة البشرية ومرتق بها من قعر الجحيم وخالع عليها عجينة السماء. في القيامة نحن عجنة السماء. في القيامة نحن عجنة ملكوتية مختمرةٌ بدم يسوع المسيح وناضجة بحرارة الشهادة الحية له. في القيامة تتدرع جبلة الخالق بصبره في الآلام وتختم كمريم العذراء كل شيء في قلبها لتفرح معها فرح القيامة. في القيامة تذكر الكنيسة المقدسة، وهي أنتم يا أحبة، تذكر دوماً أن ضيق حياتها لا بد له أن ينجلي ولا بد لفجر القيامة أن يبزغ. يسوع لم يقم لذاته. يسوع قام لخلاص جبلةٍ أتاها طفلاً وحباها محبةً،
وكأني به يقول لكل واحد منا:
"صبراً في ضيقك أيها الإنسان حبيبي. من أجلك قاسيت درب جلجلة واعتمرت إكليل الشوك وقاسيت موت الصليب. أنا معك في ضيقك ومعك في جلجلتك. أنا لم أوصك بالصبر ولم أنظّر في المحبة ولم أسهب في التلقين. إن قاسيتَ مرةً وتألمتَ مرات فتذكر أنني لم أنزل من عليائي لأفترش القلوب بعزة سلطاني بل افترشتها بصليبٍ. افترشتها بحربة فتحت جنبي. افترشتها بضعة مغارةٍ وبحقارة مزود. افترشتها برسلٍ أبصروني مسمراً بمحبتي على الصليب، وحملوا بشارتي إلى الدنيا رباً قائماً من الأموات. لاتحزن لأني معك وبصليبي أرفع وزر صليبك وفي قبري أدفن ضيقاتك لتقوم معي ابناً للنور"
كلنا اليوم مدعوون أن نضع في الرب رجاء بقيامة أكيدة لنا. كلنا مدعو أن يرى بفصحه فصح عبوره الشخصي. فليكن فصحك يا رب فجر عبور هذا المشرق إلى ضفة السلام. فليكن عبورك غياهب الموت مبعث أملنا في عبور سحابة الأيام الحاضرة.
في يوم قيامتك يا يسوع نسألك الرأفة بسوريا. نسألك الرأفة بأهلنا الذين سئموا طبول الحرب. كن معنا أيها الرب المصلوب والقائم وأقم هذا المشرق من لجج الحروب. ازرع الروية في النفوس وأعطنا سلامك. نحن نعرف أن الأيام صعبة. لكننا نعرف أكثر أن قوتنا بك هي التي تنيخ الأيام.
نحن رواد نور ورواد محبة لكننا أيضاً بعضٌ من صوان هذه الأرض. ونحن فيها باقون. وإذا كان المقصود من خطف المطارنة يوحنا ابراهيم وبولس يازجي والكهنة هز انتمائنا إلى هذه الأرض فإننا نقول إن الريح لزائلة والصوان باقٍ. |
نجدد الدعوة لإطلاق أخوينا وكهنتنا المخطوفين وسائر المخطوفين ونهيب بالجميع النظر إلى حقيقة ما يجري في سوريا من تكفير وإرهاب منظم. وندعو في الوقت ذاته إلى اعتماد الحل السياسي السلمي حقناً لدماء أبناء الوطن.
نصلي أيضاً من أجل لبنان ومن أجل استقراره وندعو إلى انتخاب رئيس للجمهورية يكون المؤتمن الأول على سيادة هذا البلد وعلى هويته وأمنه. كما نؤكد أن كل مسعى فيه للتلاقي بين سائر الأفرقاء هو السبيل الأول لتخفيف الشحن المذهبي وهو التعبير الأول عن الحاجة إلى الآخر لا إلى الاستقواء عليه.
أتوجه في هذا اليوم المبارك بالتحية لسيادة الدكتور بشار الأسد، رئيس الجمهورية العربية السورية وأصلي إلى الرب أن يسدل مراحمه على سوريا والسوريين جميعاً.
وأبعث من هنا، من الكاتدرائية المريمية بدمشق بالسلام الفصحي وبالبركة الرسولية إلى أهلنا في الوطن وفي بلاد الانتشار. أعايدهم فرداً فرداً وأسأل سيد القيامة أن يتعطف بنا ويديم مراحمه على عالمه. وأسأل الله أن يبارك كل أخ لنا في الإنسانية ويهبنا أوقاتاً سلامية يتمجد فيها اسمه في الأرض كلها. وأشكر باسمكم جميعاً الإعلام المرئي والمسموع وأخص بالشكر التلفزيون العربي السوري وإذاعة دمشق الذين نقلوا صلاتنا إلى قلوب الناس.
يا يسوع يا من أتانا طفلاً بالجسد احفظ أطفالنا. يا يسوع الناهض من القبر، أنهض عزمك في قلوبنا وانفض حياتنا بقوة صليبك. أيها الراسخ أمام طغيان الباطل، رسخ حقك في نفوسنا واجلها بنور القيامة. أيها المصلوب محبة، اصلب قلوبنا بمحبتك. يامن تحنن على الأرملة ورق لأوجاع أمه، ضع عزاءك في قلوب أمهاتنا وارحم شهداءنا. وامسح من كل عين كل دمعة كيما نهتف بقوة تناغي عنفوان أجراسنا:
"المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور".