نستصرخ ضمائر الجميع، لحقن الدماء ونبذ العنف
نداء صادر عن بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس
تتفاقم الأعمال العسكريّة في بلدنا الحبيب سوريا، ويدفع الإنسان فيه ثمن هذه المأساة، فنرى الخراب يعمّ أرجاء الوطن، والإنسان فيه يتألّم، ويتهجّر، ويجوع ويعطش وتضيق به سبل الحياة حيثما هو وأينما ذهب. ومن فصول هذه المأساة، فصلٌ يطال بلدة معلولا وديرها، ديرَ القديسة تقلا، هذا المحجّ الذي يشهد للحضور المسيحيّ المستمر والمحب منذ القرون الأولى للمسيحية، من جهة، ولعمق العلاقة التي تربط أبناء الوطن الواحد على اختلاف انتماءاتهم الدينية من جهةٍ أخرى.
فدير القديسة تقلا في بلدة معلولا، الذي يشكل معلمًا حضاريًّا يخصّ جميع المواطنين السوريّين والذي هو في الوقت ذاته إرثٌ حضاريٌّ للمجتمع الإنسانيّ برمته، يعيش أيّامًا صعبة ومؤلمة حاليًا. فالدير يقع في وسط منطقة لتبادل النيران، الأمر الذي يجعل من عمليّة تموينه عمليّة شاقّة للغاية ومحفوفة بالمخاطر. وقد تعطّل مؤخّرًا، من جرّاء تبادل النيران، المولّد الكهربائيّ في الدير، فتعذر بذلك تأمين وصول المياه إليه، الأمر الذي يهدد استمرار الحياة فيه.
نحن نعي تمامًا أن حضور الدير في المنطقة يشكّل دعوة واضحة للمحبّة والسلام والتآخي بين أبناء الوطن الواحد. ونحن مصرّون أن نبقى فيه لنشهد لمحبتنا لوطننا ولجميع أبنائه، ولنعبّر للجميع عن رفضنا المطلق للعنف وما يجرّه من ويلات على البشر والحجر.
لذلك، نوجّه نداءً رسميًا وعاجلاً، للهلال الأحمر السوريّ، وللصليب الأحمر الدوليّ، ولكافة المنظّمات الحكومية وغير الحكومية المعنيّة بالشؤون الإنسانيّة، كيّ يعمدوا إلى توفير التموين الضروري لقاطني الدير، راهباته وأطفال ميتمه، الذين يقارب عددهم الأربعين شخصًا، وذلك من خلال إرسال قافلة تموينية خاصّة أو أكثر، مما يتيح لهؤلاء البقاء في ديرهم وبلدتهم شهودًا لمدى ارتباطهم وارتباطنا جميعًا بهذه الأرض التي نحبّ.
كذلك نستصرخ ضمائر الجميع، لحقن الدماء ونبذ العنف، ولتحييد كل المعالم التي تدلّ على عراقة سوريا ودورها الحضاريّ المميز وتجنيبها الأذى والدمار. كما نكرر دعوتنا لجميع أبناء الوطن الواحد من أجل اعتماد الحوار البنّاء كسبيل وحيد لحل الخلافات، ومن أجل احترام الإنسان وصون حريته وكرامته.
وفي هذه الأيام العصيبة، تتجه قلوب المؤمنين في كنيسة أنطاكية في الصلاة إلى القديسة تقلا، التي نعيد لتذكارها اليوم، وتسألها أن تحمي معلولا وأبناء معلولا وأن تكتنف ديرها وراهباتها ويتاماها بستر حمايتها. حمى الله معلولا وسوريا والعالم أجمع، وأسبغ عليه طيف سلامه الحقّ.