أشاطركم الألم الذي نشعر به جميعنا
كنيسة الصليب المقدس - دمشق
المسيح قام حقاً قام.
أيها الأحباء، إذ قد اجتزنا وإياكم درب صليب المخلص وشاهدناه جليس اللحد من بعد صلبه وعاينّاه ناهضاً من بين الأموات ومنهضاً إيانا معه، فلنتخذه مثالاً لكل منا ولنستمد من حياته المجيدة فيما بيننا رحيقاً وعبَقَ حياةٍ يُطيّبُ جراح كلٍ منا. لقد سلك ربُّنا دربَ الصليب والآلام، هذا الدربَ المؤدي إلى القيامة. قيامة الرب هي نهاية درب صليبه، قيامة الرب هي النور الذي ينير قلب كل إنسان ويجعله خدراً للسيد. قيامة الرب هي بصيصُ النور الذي يطرد عن جَمْرِ أرواحنا رَمادَ التهاون والقنوط. قيامتك، ربّي، هي مبعث الأمل في قلوبٍ اكتسحها اليأس وفي نفوسٍ تسيّدَها القنوط. قيامة الرب لا تعرف نفوساً تجترّ أحزانها، بل تسكن النفوس التي تبتغي الرجاء من رَحِمِ أحزانها ومن ظلمة مآسيها. ما أسعدها صخرةً تلك التي حجبت جسد الرب وما أسعدَه لحداً ذاك الذي احتواه ميتاً! جسد الرب توطَّنَ اللحدَ فأمسى الأخيرُ سماءً، وجسدُ الرب يتوطَّن كلاً منا في الذبيحة الإلهية فنسموَ ونمسيَ هياكل لروحه القدوس. رجاؤنا في هذه الفترة القيامية أن نتّخذ من قبر المسيح مثالاً لكل منا، هذا القبر تلقى الميْتَ فأبزغ الحياة، كان مظلماً فأمسى مِشكاةَ نورٍ، فلتكن نفوسنا على منواله، مهما واجهت من ويلات فليكنْ رجاءَها الربُّ الناهض والمفيضُ النورَ لنا وللخليقة بأسرها. ولنقل مع الذهبي الفم:
أين شوكتكَ يا موت؟ وأين ظفركِ يا جحيم؟ قام المسيح وأنتِ غُلبتِ. قام المسيح والشياطين تساقطت. قام المسيح والملائكة جذلت. قام المسيح والحياة انتظمت. قام المسيح ولا ميت في القبرِ.
أتوجّه إليكم اليوم، مع إخوتي أصحاب الغبطة ... والمطارنة الأجلاء، وأسبابُ الألم مازالت تحيط بنا من كل صوبٍ. تهدد الأخطارُ، في بلدنا الحبيب سوريا، بيوتَنَا، مما يجعل إنسانَنَا مهددًا بلقمة عيشه، ومسكنه، وحياته. نحن نُمتَحَن كل يوم بالقتل أو بالخطف وبكافة أشكال الخراب والدمار، وإننا نعود ونستنكر، حادثة اختطاف أخوَينا المطرانين بولس، ميتروبوليت حلب والإسكندرون وتوابعهما للروم الأرثوذكس، ويوحنّا ابراهيم، ميتروبوليت حلب للسريان الأرثوذكس، وقتل السائق المرافق لهما، وندين عدم الإفراج عنهما رغم كل الجهود التي تُبذَل في هذا المضمار.
أشاطركم الألم الذي نشعر به جميعنا ولكننا نؤكد ونقول إننا غير مستعدّين للقبول بما يتعرّض له إنساننا اليوم. ونعمل كي يأتي رفضنا لهذا الواقع مرآة لما هو عليه إيماننا. نحن نرفض هذا الواقع وندينه، كما أننا لا نخاف مَنْ يتّخذ من العنف سبيلاً لأننا أبناء القيامة. أن نُقْتَل، أو نُخْطَف، أو تُهْدم بيوتنا، ذلك أمرٌ لن يقلِّل من عزيمتنا بالتمسّك بمواطنيتنا والعيش المشترك، والتشبّث بأرضنا، والمطالبة بالحق والعدالة في ربوعنا. لذلك، كلُّ واحدٍ منّا، سواء كان في المساحة الأنطاكيّة أم في بلاد الانتشار، مدعوٌ أن يسعى ليعبّر عن قلقه، وعن رفضه لمجريات الأمور، بعيدًا عن أيّ اصطفاف سياسيّ. قضية المسيحيّة هي قضيّة الإنسان لأن ربّنا تجسّد من أجل خلاصه.
وإني أغتنم هذه الفرصة لأوجّه، باسمكم، وطنًا وانتشارًا، نداءً إلى المجتمع الدوليّ لحثّه على بذل كلّ ما بوسعه للإفراج عن المخطوفين الذين يؤلمنا غيابهم، فإن الإسراع في طيّ هذه الصفحة هام للغاية وذلك لدرء مخاطر كلّ التداعيات التي من شأنها أن تطرأ. ونداؤنا هذا يشمل الدعوة الملحّة للعمل من أجل إيجاد حلّ سريع للوضع في بلدنا الحبيب سوريا، رأفةً بهذا الشعب الشاهد لحضارةٍ مستمدّةٍ من الحضور الإنساني المتميّز، لآلاف السنين، ودَرْءًا لانعكاسات يمكن أن تطال المنطقة بأسرها.
أيها الأبناء الأحبّاء،
ونحن إذ نتقبل بركات من القيامة المجيدة فلنكثّف ابتهالاتنا فتكونَ سبيلَ شهادة حيّة، نطلب فيها من الله رفع الظلم عن الجميع، وعودة المخطوفين إلى أحبائهم، وتعزية المحزونين بمن فقدوا، وإلهام قساة القلوب علَّهم يرتدعوا عن أذى أخيهم الإنسان.
أدعو كي نصلّي دوماً بروحٍ منسحقة، واعين أنه إذا ما امتُحِنّا في هذه الشدائد، لنا في الله ملاذ، وأن الله لن يتغاضى عنّا. فلتكن المحبة، والخدمة، والشجاعة، مدخلاً لفرح القيامة، هذا الفرح الذي لا ينزع منّا.
المسيح قام!