كلمة البطريرك يوحنا العاشر في صلاة الشكر في…



2019-06-01

كلمة البطريرك يوحنا العاشر في صلاة الشكر في استقبال البطريرك الصربي إيريناوس

الكاتدرائية المريمية بدمشق ١ حزيران ٢٠١٩

صاحب الغبطة،
المسيح قام، حقاً قام!

أهلاً بكم أخاً عزيزاً بالمسيح في قلب كنيسة أنطاكية. 
أهلاً بكم وبكنيسة صربيا وبشعب صربيا ههنا في دمشق.

نرحب بكم وبالوفد المرافق لكم. 
نرحب بكم باسم كنيستنا الأنطاكية ومجمعها المقدس وسائر أساقفتها وإكليروسها وشعبها. 
نرحب بكم باسم إخوتي البطاركة وكافة الكنائس المسيحية وسائر المسيحيين. 
نرحب بكم باسم كل الشعب الحاضر وباسم أبناء هذا البلد، مسلميه ومسيحييه. 
نرحب بكم في هذه العاصمة "الكتابية" إن جاز لنا التعبير. دمشق الحاضرة في عهد الرب القديم هي إياها استضافت شاولاً فأخرجته بولساً إلى المعمورة.

على مقربة منا وعلى مشارف دمشق، تلة الرؤيا هناك حيث سمع بولس "شاول شاول لماذا تضطهدني" (أع ٩: ٤)، وخلفكم بالضبط الشارع المستقيم الذي جازه بولس وبمحاذاته بيت يهوذا في حارة اليهود حيث مكث بولس يصلي وإلى جانبه أيضاً بيت حنانيا الذي عمّده بأمر الرب.

وعلى يساركم الجامع الأموي الذي يضم هامة النبي الكريم يوحنا المعمدان، وإلى يمينكم سور دمشق حيث دُلّي بولس.

هذا بعضٌ من حنان الله على هذه البقعة التي نحن فيها. وهي اليوم بكل أبنائها وأطيافها تفيض محبةً وترحاباً بغبطتكم.

نجتمع اليوم بكم بعد زيارتنا لكنيستكم المقدسة في تشرين الأول الماضي. 
نلقاكم على مقربة من خميس الصعود الإلهي. ومن هذه الذكرى يحلو لنا أن نتأمل وإياكم كلمات السيد له المجد: "علموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر آمين" (مت 28: 20).

ولعل هذا ما ترونه في عيون الشعب الحاضر ههنا في استقبالكم وما رأيناه نحن بأم العين في محيا شعبكم الطيب. "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر"، هذه كلمات يسوع انحفرت في قلوبنا ومسامعنا ونحن في هذه المعيّة منذ ألفي عام. وبهذه الوصفة الروحية وبهذه المعيّة عاش مسيحيو كنيسة أنطاكية ألفي عام من تاريخهم.

وهكذا أيضاً عاشت كنيسة صربيا كنيسة الشهداء والقديسين والرسل الذين صبغوا دنياهم باسم الرب يسوع. وهذا ما ترونه وسترونه يا صاحب الغبطة في زيارتكم إلى هذه الديار الحبيبة.

هذا ما سترونه في وجوه أبنائنا وأطفالنا وأهلنا. هو رجاء يسوع المسيح وحده الذي غرسنا ويغرسنا وسيشتُلنا دوماً في هذه الأرض.

كنيسة أنطاكية أعطت للدنيا لقب مسيحيين (أع ١١: ٢٦). ونحن ههنا منذ فجر المسيحية في شهادة ليسوع المسيح رباً ومخلصاً.

على هذه الأرض، صاحب الغبطة، خطا السيد ورسله وأخصّاؤه. 
على مقربة منا حرمون يلثم جبين دمشق ويعانق تراب سوريا وعلى قدميه الجولان السوري وبحيرته طبريا التي غسلت أرجل السيد. وعلى مقلبه الآخر صور وصيدا وأرز لبنان. هذا نذرٌ قليل مما تحمل هذه الأرض من قدسية ومما يحمل أبناؤها من عراقةٍ مسيحيةٍ مشرقية.

نستقبلكم ونذكر ههنا زيارتنا إلى كنيسة صربيا في تشرين الأول من العام المنصرم. 
نذكر شعب كنيستكم الطيب في كل النواحي التي زرناها من العاصمة إلى نيش التاريخية إلى مونتنغرو إلى كوسوفو قلب كنيستكم التاريخي وغيرها من المناطق.

لعل أهم ما يجمع كنيستينا يا صاحب الغبطة هو وديعة الإيمان المحفوظة وسط جمٍّ من صواعد ونوازل التاريخ.

نذكر كنيستكم المقدسة بقديسها العظيم سابا الكبير. 
نذكرها بأندرونيكوس الرسول ويوحنا فلاديمير. نُكبر فيكم وفي شعبكم تلك الغيرة الرسولية والعراقة الإيمانية التي لم تنل منها موجة الإلحاد لا بل شدتها أصالةً إلى جذور الإيمان المسيحي.

نستقبلكم اليوم ونفتح لكم أبواب كنائسنا وقلوبنا وقلوب مؤمنينا وأنتم الحاضرون بيننا لتقولوا إن الأرثوذكسية واحدة مهما عصفت بها المحن. وغير خافٍ عليكم أن المحن موجودة لكنها ستغلب كما غلبت دوماً.

تحلون اليوم بيننا وستروا عن كثب إيمان كنيسة أنطاكية، هنا حيث دعي التلاميذ مسيحيين أولاً.

نحن في هذه الأرض مذ سمرنا عيوننا إلى ذاك المصلوب ومن صليبه استقينا كل قوة. 
نحن ههنا في هذه الأرض مذ لفحتنا قيامة المسيح برجاء قيامتنا. لقد علقنا أجراسنا ههنا منذ ألفي عام وقرعناها وسنقرعها شهادة محبة لربٍّ أحبنا. 
نحن ههنا في عراقةِ مسيحيّةٍ منذ فجر القيامة.

كنيستانا، يا صاحب الغبطة، تقاسمتا الإيمان الواحد والشهادة الواحدة ليسوع المسيح رباً ومخلصاً. نذكر ما تعرضتم له في التسعينات ونطلب إليكم أن تصلوا من أجلنا ههنا في هذا البلد الطيب الذي بدأ يستعيد عافيته.

نطلب أن تصلوا من أجلنا ومن أجل كل ملتاعٍ من هذه الحرب الآثمة.

صلوا من أجل كل ملتاع ومهجرٍ ومفقودٍ. 
صلوا من أجل سلام هذه الأرض سوريا بكل أبنائها. 
صلوا من أجل المخطوفين ومنهم أخوانا مطرانا حلب يوحنا إبراهيم وبولس يازجي وسط تعامي العالم عن قضيتهم.

نرفع صلاتنا معكم من أجل سلام سوريا واستقرار لبنان وخير صربيا وخير كنيستكم المقدسة وسلام العالم أجمع.

يستقبلكم ههنا هذا البلد بكل أطيافه، بمسلميه ومسيحيّيه كي تنقلوا الصورة الحق التي ترون من عيشٍ واحدٍ بين كل الأطياف. 
يستقبلكم هذا البلد بعراقة تاريخه ومحبة أناسه وتآخي أديانه وطيبةِ إنسانه.

بوركت "أقدام المبشرين بالسلام" (رو١٠: ١٥). نقولها مع بولس الرسول في ترحابنا بكم رسول محبةٍ وسلامٍ في أرض السلام الذي يمحو غياهب الحروب.

نرجو أن تنقلوا محبتنا لشعبكم الطيب ولكنيستكم المقدسة. أثابكم الله عمراً مديداً في خدمة الرعية المباركة موردين إياها ينابيع الخلاص.

المسيح قام، حقاً قام!