شفاعة القدّيسين:



‮١- ‬مقدّمة‭:‬

قبل‭ ‬البدء‭ ‬بشرح‭ ‬شفاعة‭ ‬القدّيسين‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬شرح‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬القداسة‭ ‬ومن‭ ‬هو‭ ‬القدّيس‭.‬

١.١-  ‬ما‭ ‬هي‭ ‬القداسة؟‭: ‬

كلمة‭ ‬قدّيس‭ ‬في‭ ‬أصلها‭ ‬العبري‭ ‬‮«‬قدوش‮»‬‭ ‬وتعني‭ ‬التخصيص‭ ‬والفرز‭ ‬أي‭ ‬التكّريس‭.‬ «‬وأنتم‭ ‬تكونون‭ ‬لي‭ ‬مملكة‭ ‬كهنة‭ ‬وأمّة‭ ‬مقدّسة‭.‬‮»‬ ‭)‬خر‮٦:١٩)

دعوة‭ ‬القداسة‭ ‬موجودة‭ ‬منذ‭ ‬البدء‭: ‬‮«‬وقال‭ ‬الله‭: ‬‮«‬نعمل‭ ‬الانسان‭ ‬على‭ ‬صورتنا‭ ‬كشبهنا‮»‬“‭ (‬تكوين‭ ‬‮٢٦‬‭:‬‮١‬‭). ‬الشبه‭ ‬هو‭ ‬القداسة‭. ‬عاد‭ ‬الله‭ ‬وكرّر‭ ‬هذه‭ ‬الدعوة‭ ‬مراراً‭ ‬قائلاً‭: ‬‮«‬إنّي‭ ‬أنا‭ ‬الرّبّ‭ ‬إلهكم‭ ‬فتتقدّسون‭ ‬وتكونون‭ ‬قدّيسين‭ ‬لأنّي‭ ‬أنا‭ ‬قدّوس“‭ (‬لا‮٤٤‬‭:‬‮١١‬‭).‬

كل‭ ‬الناس‭ ‬مدعويين‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬قدّيسين‭ ‬والقداسة‭ ‬هي‭ ‬للجميع،‭ ‬فحياة‭ ‬المعّمد‭ ‬مشروع‭ ‬قداسة‭.‬

لنتأمل‭ ‬مثلاً‭ ‬بهذه‭ ‬الآية‭ ‬في‭ ‬سفر‭ ‬العدد،‭ ‬والموجودة‭ ‬في‭ ‬الصلاة‭ ‬الطقسيّة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتلوها‭ ‬اليهودي‭ ‬يوميًّا‭ ‬في‭ ‬حياته‭:‬‭ ‬‮«‬لكي‭ ‬تذكروا‭ ‬وتعملوا‭ ‬كلّ‭ ‬وصاياي‭ ‬وتكونوا‭ ‬مقدّسين‭ ‬لإلهكم“‭ (‬عدد‮٤٠‬‭:‬‮١٥‬‭). ‬إذًا‭ ‬إرادة‭ ‬الله‭ ‬قداستنا‭.‬

مِن‭ ‬هنا،‭ ‬القداسة‭ ‬مسيرة‭ ‬يوميّة‭ ‬نعيشها‭ ‬مع‭ ‬الله‭ ‬وننمو‭ ‬فيها،‭ ‬ويكون‭ ‬الله‭ ‬فيها‭ ‬السيّد‭ ‬الوحيد‭ ‬على‭ ‬حياتنا‭.‬

فإذا‭ ‬الناموس‭ ‬قديماً‭ ‬تكلمّ‭ ‬بهذا‭ ‬الوضوح‭ ‬عن‭ ‬القداسة،‭ ‬فكيف‭ ‬الحال‭ ‬إذاً‭ ‬مع‭ ‬مكمّل‭ ‬ومتمّم‭ ‬الناموس‭ ‬في‭ ‬شخصه‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬الرّبّ‭ ‬يسوع‭ ‬المسيح‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬تجسّد‭ ‬وصار‭ ‬إنسانًا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يفقد‭ ‬ألوهيّته،‭ ‬وصُلِبَ‭ ‬عنّا‭ ‬وأقامنا‭ ‬معه؟

هذا‭ ‬الأمر‭ ‬تكرّر‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬الجديد‭: ‬‮«‬لأن‭ ‬الله‭ ‬لم‭ ‬يدعنا‭ ‬للنجاسة‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬القدّاسة‮»‬‭ (‬اتس‮٧‬‭:‬‮٤‬‭). ‬كذلك،‭ ‬‮«‬لا‭ ‬تشاكلوا‭ ‬شهواتكم‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬جهالتكم،‭ ‬بل‭ ‬نظير‭ ‬القدّوس‭ ‬الذي‭ ‬دعاكم،‭ ‬كونوا‭ ‬أنتم‭ ‬أيضًا‭ ‬قدّيسين‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬سيرة‭. ‬
لأنّه‭ ‬مكتوب‭: ‬كونوا‭ ‬قدّيسين‭ ‬لأنّي‭ ‬أنّا‭ ‬قدّوس‮»‬‭(‬‮١‬بط‮١٥‬‭:‬‮١‬‭-‬‮١٦‬‭).‬

 

١.٢- ‬من‭ ‬هو‭ ‬القدّيس؟‭ ‬

هناك‭ ‬ترنيمة‭ ‬في‭ ‬سفر‭ ‬الرؤيا‭ ‬تقول‭: ‬‮«‬عَظِيمَةٌ‭ ‬وَعَجِيبَةٌ‭ ‬هِيَ‭ ‬أَعْمَالُكَ‭ ‬أَيُّهَا‭ ‬الرَّبُّ‭ ‬الإِلهُ‭ ‬الْقَادِرُ‭ ‬عَلَى‭ ‬كُلِّ‭ ‬شَيْءٍ‭! ‬عَادِلَةٌ‭ ‬وَحَقٌ‭ ‬هِيَ‭ ‬طُرُقُكَ‭ ‬يَا‭ ‬مَلِكَ‭ ‬الْقِدِّيسِين‮»‬‭.‬

هذه‭ ‬الترنيمة‭ ‬هي‭ ‬ترنيمة‭ ‬الظفر،‭ ‬وتبدأ‭ ‬بالإشارة‭ ‬إلى‭ ‬الغالبين‭ ‬على‭ ‬الوحش‭ (‬أي‭ ‬المجرّب،‭ ‬الشرير،‭ ‬إبليس‭)‬،‭ ‬وهم‭ ‬واقفون‭ ‬ومعهم‭ ‬قيثارات‭ ‬الله،‭ ‬وقد‭ ‬خرجوا‭ ‬منتصرين‭ ‬غالبين‭ ‬الشيطان‭.‬‭ ‬الترنيمة‭ ‬نفسها‭ ‬نقرأها‭ ‬مع‭ ‬موسى‭ ‬النبيّ‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عبر‭ ‬الشعب‭ ‬العبراني‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬وتحرّر‭ ‬من‭ ‬العبودية‭. ‬إذًا‭ ‬القداسة‭ ‬هي‭ ‬هذا‭ ‬العبور‭ ‬الكبير،‭ ‬العبور‭ ‬من‭ ‬عبوديّة‭ ‬الخطيئة‭ ‬إلى‭ ‬حريّة‭ ‬أبناء‭ ‬الله‭.‬

هذا‭ ‬العبور‭ ‬لا‭ ‬يتحقّق‭ ‬إلا‭ ‬بإفراغ‭ ‬الذات‭ ‬من‭ ‬الأهواء‭ ‬للامتلاء‭ ‬بالروح‭ ‬القدس‭.‬‭ ‬فالقدّيسون‭ ‬هم‭ ‬العبرانيون‭ ‬الجدد،‭ ‬العبرانيون‭ ‬الحقيقيون،‭ ‬شعب‭ ‬الله‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬جاهد‭ ‬وانتصر،‭ ‬وهذا‭ ‬معنى‭ ‬كلمة‭ ‬اسرائيل‭.‬

هذه‭ ‬الغلبة‭ ‬تأتي‭ ‬بعد‭ ‬جهاد‭ ‬كبير‭ ‬وتوبة‭ ‬مستمرّة‭. ‬فطالما‭ ‬الإنسان‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬جسده‭ ‬الترابي،‭  ‬طالما‭ ‬يخوض‭ ‬المعارك‭ ‬المتواصلة‭ ‬دون‭ ‬كلل‭ ‬أو‭ ‬كسل‭. ‬هو‭ ‬جهاد‭ ‬إلى‭ ‬أخر‭ ‬رمق‭ ‬من‭ ‬حياتنا‭. ‬

وتتجلّى‭ ‬هنا‭ ‬معايير‭ ‬القداسة‭ ‬وإعلان‭ ‬القدّيسين‭:‬

‮«‬القدّيس‭ ‬هو‭ ‬مَن‭ ‬أضحى،‭ ‬بجهادٍ‭ ‬وصبرٍ،‭ ‬إنجيلاً‭ ‬حيّاً،‭ ‬قولاً‭ ‬وعيشاً،‭ ‬واستقامة‭ ‬ًفي‭ ‬العقيدة‭ ‬‮«‬‭.‬

أما‭ ‬اجتراح‭ ‬العجائب‭ ‬هي‭ ‬نعمة‭ ‬قد‭ ‬يعطيها‭ ‬الله‭ ‬للقدّيس‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يعطيها،‭ ‬وهي‭ ‬أصلًا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬يومًا‭ ‬شرطًا‭ ‬لإعلان‭ ‬قديس‭ ‬ما‭. ‬وهناك‭ ‬قدّيسون‭ ‬كثر‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬الكنيسة‭ ‬ليسوا‭ ‬مجترحي‭ ‬عجائب‭.‬

 

‭ -١.٣ ‬من‭ ‬يعلن‭ ‬القدّيس،‭ ‬وكيف‭:‬

يقوم‭ ‬المجمع‭ ‬المقدّس‭ ‬الخاص‭ ‬بكل‭ ‬بطريركيّة‭ ‬بإعلان‭ ‬قداسة‭ ‬القدّيس‭/‬ة‭ ‬بعد‭ ‬دراسة‭ ‬ملفّه‭(‬سيرة‭ ‬حياته‭/‬إيمانه‭) ‬من‭ ‬قبل‭ ‬لجنة‭ ‬كنسيّة‭ ‬مختصّة‭ ‬كلّفت‭ ‬بهذا‭ ‬الأمر‭. ‬فتقام‭ ‬الصلاة‭ ‬على‭ ‬نيّة‭ ‬الشخص‭ ‬المعلن،‭ ‬وتُكتب‭ ‬له‭ ‬خدمة‭ ‬وأيقونة‭ ‬وتنشر‭ ‬سيرة‭ ‬حياته،‭ ‬ويحدد‭ ‬له‭ ‬يومًا‭ ‬في‭ ‬الروزنامة‭ ‬الكنسيّة‭ ‬كتذكار‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الدورة‭ ‬الليتورجيّة‭ ‬السنويّة‭.‬

هذا‭ ‬اليوم‭ ‬يكون‭ ‬يوم‭ ‬رقاده‭ ‬أو‭ ‬استشهاده،‭ ‬لأنه‭ ‬يوم‭ ‬انضمامه‭ ‬إلى‭ ‬قوافل‭ ‬القدّيسين‭ ‬الذي‭ ‬انتقلوا‭ ‬عنّا‭ ‬إلى‭ ‬حياة‭ ‬آبديّة‭ ‬مع‭ ‬الرب‭ ‬يسوع‭ ‬المسيح‭.‬

 

٢- ‬الشفاعة‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربيّة‭:‬

بحسب‭ ‬المعجم‭ ‬أو‭ ‬المنجد‭ ‬هي‭ ‬شَفَاعَةٌ‭ [‬ش‭ ‬ف‭ ‬ع‭]. (‬مصدر‭ ‬شَفَعَ‭): ‬يَرْجُو‭ ‬شَفَاعَتَهُ‭: ‬وَسَاطَتَهُ،‭ ‬كَلاَمُ‭ ‬الشَّفِيعِ‭. ‬سعي‭ ‬الشفيع‭. ‬ أي‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬‮«‬الشفيع‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬في‭ ‬طلب‭ ‬المساعدة‭ ‬للآخرين‭. ‬

 

٣- ‬كلمة‭ ‬شفاعة‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدّس‭:‬

‮٣‬‭.‬‮١‬‭- ‬في‭ ‬العهد‭ ‬القديم‭:‬

هناك‭ ‬عدّة‭ ‬كلمات‭ ‬استعملت‭ ‬في‭ ‬أسفار‭ ‬العهد‭ ‬القديم‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬معنى‭ ‬الشفاعة‭. ‬

نقرأ‭ ‬عند‭ ‬إرمياء‭ ‬النبي‭: ‬‮«‬وَأَنْتَ‭ ‬فَلاَ‭ ‬تُصَلِّ‭ ‬لأَجْلِ‭ ‬هذَا‭ ‬الشَّعْبِ‭ ‬وَلاَ‭ ‬تَرْفَعْ‭ ‬لأَجْلِهِمْ‭ ‬دُعَاءً‭ ‬وَلاَ‭ ‬صَلاَةً،‭ ‬وَلاَ‭ ‬تُلِحَّ‭ ‬عَلَيَّ‭ ‬لأَنِّي‭ ‬لاَ‭ ‬أَسْمَعُك‭.‬‮»‬‭ (‬إر‮١٦‬‭:‬‮٧‬‭).‬

وأيضًا‭ ‬يذكر‭ ‬سفر‭ ‬التكوين‭ ‬الشفاعة‭ ‬بمعنى‭ ‬التماس،‭ ‬وذلك‭ ‬مع‭ ‬إبراهيم‭ ‬في‭ ‬دفن‭ ‬زوجته‭ ‬سارة‭ ‬‮«‬الْتَمِسُوا‭ ‬لِي‭ ‬مِنْ‭ ‬عِفْرُونَ‭ ‬بْنِ‭ ‬صُوحَرَ‮»‬‭ (‬تك‮٨‬‭:‬‮٢٣‬‭). ‬الأمر‭ ‬نفسه‭ ‬عند‭ ‬أيوب‭: ‬‮«‬مَنْ‭ ‬هُوَ‭ ‬الْقَدِيرُ‭ ‬حَتَّى‭ ‬نَعْبُدَهُ؟‭ ‬وَمَاذَا‭ ‬نَنْتَفِعُ‭ ‬إِنِ‭ ‬الْتَمَسْنَاهُ؟‮»‬‭ ‬‭(‬أي‮١٥‬‭:‬‮٢١‬‭).‬

 

كما‭ ‬تأتي‭ ‬بمعنى‭ ‬التوسّل‭: ‬‮«‬فَإِنْ‭ ‬كَانُوا‭ ‬أَنْبِيَاءَ،‭ ‬وَإِنْ‭ ‬كَانَتْ‭ ‬كَلِمَةُ‭ ‬الرَّبِّ‭ ‬مَعَهُمْ،‭ ‬فَلْيَتَوَسَّلُوا‭ ‬إِلَى‭ ‬رَبِّ‭ ‬الْجُنُودِ‭ ‬لِكَيْ‭ ‬لاَ‭ ‬تَذْهَبَ‭ ‬إِلَى‭ ‬بَابِلَ‭ ‬الآنِيَةُ‭ ‬الْبَاقِيَةُ‭ ‬فِي‭ ‬بَيْتِ‭ ‬الرَّبِّ‭ ‬وَبَيْتِ‭ ‬مَلِكِ‭ ‬يَهُوذَا‭ ‬وَفِي‭ ‬أُورُشَلِيمَ‭.‬‮»‬‭ (‬ار‭ ‬‮١٨‬‭:‬‮٢٧‬‭).‬

 

وأيضًا‭ ‬بمعنى‭ ‬التضرّع‭: ‬‮«‬قَالَ‭ ‬الرَّبُّ‭: ‬‮«‬إِنِّي‭ ‬أَحُلُّكَ‭ ‬لِلْخَيْرِ‭. ‬إِنِّي‭ ‬أَجْعَلُ‭ ‬الْعَدُوَّ‭ ‬يَتَضَرَّعُ‭ ‬إِلَيْكَ‭ ‬فِي‭ ‬وَقْتِ‭ ‬الشَّرِّ‭ ‬وَفِي‭ ‬وَقْتِ‭ ‬الضِّيقِ‮»‬‭. (‬ار‮١١‬‭:‬‮١٥‬‭).‬

 

إذًا‭ ‬الشفاعة‭ ‬تنوّعت‭ ‬بين‭ ‬الطلب‭ ‬والالتماس‭ ‬والتوسّل‭ ‬والإلحاح‭ ‬والتوسّط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الشيء‭.‬

 

‮٣‬‭.‬‮٢‬‭- ‬في‭ ‬العهد‭ ‬الجديد‭:‬

ترد‭ ‬كلمة‭ ‬شفاعة‭ ‬في‭ ‬الإنجيل‭ ‬تحت‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬شفيع،‭ ‬‮«‬وَإِنْ‭ ‬أَخْطَأَ‭ ‬أَحَدٌ‭ ‬فَلَنَا‭ ‬شَفِيعٌ‭ ‬عِنْدَ‭ ‬الآبِ،‭ ‬يَسُوعُ‭ ‬الْمَسِيحُ‭ ‬الْبَارُّ‭.‬‮»‬‭ (‬‮١‬يو‮١‬‭:‬‮٢‬‭).‬

الكلمة‭ ‬المستعملة‭ ‬في‭ ‬اليونانيّة،‭ ‬لغة‭ ‬الرسالة‭ ‬الأصليّة،‭ ‬هي‭ ‬Παράκλητον‭ ‬التي‭ ‬عندها‭ ‬عدّة‭ ‬معاني‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬الاتّجاه‭ ‬نفسه‭: ‬محامي‭ ‬ووسيط‭ ‬ومعزّي‭ ‬وشفيع‭ ‬وتوسّل،‭ ‬وكلّها‭ ‬تأتي‭ ‬بنتيجة‭ ‬مليئة‭ ‬بالفرح‭ ‬والابتهال‭. ‬

وهنا‭ ‬يجب‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬أمر‭ ‬هام‭ ‬جدًا‭: ‬لا‭ ‬تنحصر‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المعاني‭ ‬في‭ ‬الإنجيل‭ ‬بكلمة‭ ‬واحدة‭. ‬

‭-‬مثلًا،‭ ‬تترجم‭ ‬كلمة‭ ‬شفيع‭ ‬هنا‭ ‬بالنسخة‭ ‬الإنكليزيّة‭ ‬للإنجيل‭ ‬ب‭ ‬advocate‭ ‬أي‭ ‬محام‭.‬

‭-‬نقرأ‭ ‬في‭ ‬الرسالة‭ ‬إلى‭ ‬تيموثاوس‭:‬

‮«‬فَأَطْلُبُ‭ ‬أَوَّلَ‭ ‬كُلِّ‭ ‬شَيْءٍ،‭ ‬أَنْ‭ ‬تُقَامَ‭ ‬طَلِبَاتٌ‭ ‬وَصَلَوَاتٌ‭ ‬وَابْتِهَالاَتٌ‭ ‬وَتَشَكُّرَاتٌ‭ ‬لأَجْلِ‭ ‬جَمِيعِ‭ ‬النَّاسِ‮»‬‭ (‬‮١‬تي‮١‬‭:‬‮٢‬‭).‬

 Παρακαλῶ οὖν πρῶτον πάντων ποιεῖσθαι δεήσεις, προσευχάς, ἐντεύξεις, εὐχαριστίας, ὑπὲρ πάντων ἀνθρώπων,

نلاحظ‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬كلمة‭ ‬ابْتِهَالاَتٌ‭ ‬مكتوبة‭ ‬باليونانيّة‭ ‬ἐντεύξεις‭ ‬من‭ ‬فعلἐντυγχάνω، أي‭ ‬توسّلات‭ ‬Intercessions،‭ ‬
والتي‭ ‬تعني‭ ‬أيضًا‭ ‬تشفّع،‭ ‬هذا‭ ‬ليشير‭ ‬أننا‭ ‬نتكلّم‭ ‬عن‭ ‬نفس‭ ‬المقصد‭ ‬والمعنى‭ ‬والهدف‭. ‬

هذا‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬الرسالة‭ ‬إلى‭ ‬العبرانيين‭: ‬‮«‬فَمِنْ‭ ‬ثَمَّ‭ ‬يَقْدِرُ‭ ‬أَنْ‭ ‬يُخَلِّصَ‭ ‬أَيْضًا‭ ‬إِلَى‭ ‬التَّمَامِ‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬يَتَقَدَّمُونَ‭ ‬بِهِ‭ ‬إِلَى‭ ‬اللهِ،‭ ‬إِذْ‭ ‬هُوَ‭ ‬حَيٌّ‭ ‬فِي‭ ‬كُلِّ‭ ‬حِينٍ‭ ‬لِيَشْفَعَ‭ (‬ἐντυγχάνειν‭) ‬فِيهِمْ‭.‬‮»‬‭ ‬‭(‬عب‭ ‬‮٢٥‬‭:‬‮٧‬‭).‬

 

الأمر‭ ‬ذاته‭ ‬في‭ ‬الرسالة‭ ‬إلى‭ ‬رومية‭: ‬‮«‬وَلكِنَّ‭ ‬الَّذِي‭ ‬يَفْحَصُ‭ ‬الْقُلُوبَ‭ ‬يَعْلَمُ‭ ‬مَا‭ ‬هُوَ‭ ‬اهْتِمَامُ‭ ‬الرُّوحِ،‭ ‬لأَنَّهُ‭ ‬بِحَسَبِ‭ ‬مَشِيئَةِ‭ ‬اللهِ‭ ‬يَشْفَعُ‭ ‬

‭(‬ἐντυγχάνει‭) ‬فِي‭ ‬الْقِدِّيسِينَ‮»‬‭ (‬رو‮٢٧‬‭:‬‮٨‬‭).‬

 

‭-‬كذلك‭ ‬نقرأ‭ ‬في‭ ‬الرسالة‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬تيموتاوس‭: ‬

‮«‬لأَنَّهُ‭ ‬يُقَدَّسُ‭ ‬بِكَلِمَةِ‭ ‬اللهِ‭ ‬وَالصَّلاَةِ‮»‬‭ (‬‮١‬تي‮٥‬‭:‬‮٤‬‭). ‬الاسم‭ ‬المستعمل‭ ‬للصلاة‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬يستعمل‭ ‬للتوسّل‭ ‬والشفاعة‭ ‬ἐντεύξεως‭.‬

 

ملاحظة‭: ‬لهذا‭ ‬الاسم έντευξις)ّ ἐντεύξεως) عدّة‭ ‬معاني‭ ‬تلتقي‭ ‬في‭ ‬عمقها‭ ‬وهي‭:‬

‭* ‬صلاة،‭ ‬وتضرّع،‭ ‬وشفاعة،‭ ‬وتوسّط‭.‬

‭* ‬ألتقي‭ ‬وأشاور‭.‬

‭* ‬أصيب‭ ‬الهدف‭. ‬

 

إصابة‭ ‬الهدف‭ ‬في‭ ‬المسيحيّة‭ ‬هي‭ ‬عكس‭ ‬الخطيئة‭ ‬Αμαρτία‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬عدم‭ ‬إصابة‭ ‬الهدف،‭ ‬فعندما‭ ‬أخطئ‭ ‬ἁμαρτάνω‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬المسيحيٌّة،‭ ‬لا‭ ‬أصيب‭ ‬الهدف‭ ‬الذي‭ ‬خلقني‭ ‬الله‭ ‬عليه،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬أتقدّس‭. ‬‮«‬كونوا‭ ‬قدّيسين‭ ‬لأني‭ ‬أنا‭ ‬هو‭ ‬قدّوس‮»‬‭ (‬لا‮٢‬‭:‬‮١٩‬‭).‬

 

كذلك‭ ‬إذا‭ ‬قارنّا‭ ‬بين‭ ‬حديث‭ ‬الرّبّ‭ ‬عن‭ ‬الروح‭ ‬القدس‭ ‬المعزّي‭ ‬Παράκλητος ‭(‬يو‭ ‬‮٢٦‬‭:‬‮١٥‬‭)‬،‭ ‬وما‭ ‬يقوله‭ ‬الإنجيليّ‭ ‬يوحنا‭ ‬عن‭ ‬المسيح‭ ‬الشفيع‭ ‬Παράκλητον‭ (‬‮١‬يو‮١‬‭:‬‮٢‬‭)‬،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الكلمة‭ ‬المستعملة‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ (‬الاختلاف‭ ‬في‭ ‬الصيغة‭ ‬فقط‭).‬

 

كما‭ ‬هناك‭ ‬أمثلة‭ ‬أخرى‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬الشفاعة‭ ‬بمعنى‭ ‬التوسّل‭ (‬أع‭ ‬‮٢٤‬‭:‬‮٢٥‬‭).‬

 

فالآية‭ ‬في‭ ‬الرسالة‭ ‬إلى‭ ‬أهل‭ ‬رومية‭ ‬هي‭ ‬خير‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الربط‭: ‬‮«‬الرُّوحَ‭ ‬نَفْسَهُ‭ ‬يَشْفَعُ‭ ‬فِينَا‭ ‬بِأَنَّاتٍ‭ ‬لاَ‭ ‬يُنْطَقُ‭ ‬بِهَا‮»‬‭ (‬رو‮٢٦‬‭:‬‮٨‬‭).‬

لنلاحظ‭ ‬الفعل‭ ‬المستعمل‭ ‬للدلاة‭ ‬على‭ ‬الشفاعة‭ ‬ὑπερεντυγχάνει‭ ‬وهو‭ ‬نفس‭ ‬الفعل‭ ‬εντυγχάνει‭ ‬الذي‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬الابتهالات‭ ‬والصلوات‭ ‬والمعاني‭ ‬التي‭ ‬ذكرت‭ ‬أعلاه‭. ‬لكن‭ ‬هنا‭ ‬أضيف‭ ‬على‭ ‬الفعل‭ ‬ὑπερ‭ ‬ليعطي‭ ‬معنى‭ ‬فائق‭. ‬

 

 

وفي‭ ‬الرسالة‭ ‬نفسها‭: ‬‮«‬لَمْ‭ ‬يَرْفُضِ‭ ‬اللهُ‭ ‬شَعْبَهُ‭ ‬الَّذِي‭ ‬سَبَقَ‭ ‬فَعَرَفَهُ‭. ‬أَمْ‭ ‬لَسْتُمْ‭ ‬تَعْلَمُونَ‭ ‬مَاذَا‭ ‬يَقُولُ‭ ‬الْكِتَابُ‭ ‬فِي‭ ‬إِيلِيَّا؟‭ ‬كَيْفَ‭ ‬يَتَوَسَّلُ‭ ‬إِلَى‭ ‬اللهِ‭ ‬ضِدَّ‭ ‬إِسْرَائِيلَ‭ ‬قَائِلًا‮»‬‭ (‬رو‮٢‬‭:‬‮١١‬‭). ‬وأيضًا‭ ‬هنا‭ ‬الفعل‭ ‬المستعمل‭ ‬للإشارة‭ ‬إلى‭ ‬التوسّل‭ ‬هو‭ ‬ἐντυγχάνει.

 

‮٤‬‭- ‬الكلمة‭ ‬الإنجيليّة‭ ‬والكلمة‭ ‬المستعملة‭ ‬اليوم‭:‬

 

الكلمة‭ ‬المستعملة‭ ‬اليوم‭ ‬والتي‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬الشفاعة‭ ‬هي‭ ‬πρεσβεῖα‭ ‬من‭ ‬فعل‭ ‬Πρεσβευω،‭ ‬فنقول‭ ‬مثلًا‭ ‬عن‭ ‬والدة‭ ‬الإله‭ ‬أنّها‭ ‬الشفيعة‭ ‬الحارة‭ ‬Πρεσβεία‭ ‬θερμή‭.‬

 

وهنا‭ ‬يجب‭ ‬الانتباه‭ ‬جيّدًا‭ ‬لأمرين‭ ‬هامّين‭ ‬جدًا‭:‬

 

‮١‬‭-‬الأمر‭ ‬الأوّل‭:‬

‭ ‬لم‭ ‬تستعمل‭ ‬كلمة‭ ‬Πρέσβης‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬الجديد‭ ‬بمعنى‭ ‬الشفاعة‭ ‬بل‭ ‬بمعنى‭ ‬سفير‭ (‬السفير‭ ‬Πρέσβης‭) (‬‮٢‬‭ ‬كور‭ ‬‮٢٠‬‭:‬‮٥‬‭ - ‬أفس‭ ‬‮٢٠‬‭:‬‮٦‬‭- ‬لوقا‭ ‬‮٣٢‬‭:‬‮١٤‬‭ ‬‮١٤‬‭:‬‮١٩‬‭)‬،‭ ‬وذلك‭ ‬للتركيز‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬الشفاعة‭ (‬الشفيع‭). ‬كذلك‭ ‬لم‭ ‬تستعمل‭ ‬كلمة‭ ‬مندوب Εκπρόσωπος، بمعنى‭ ‬ينوب‭ ‬عن،‭ ‬إذ‭ ‬للشفاعة‭ ‬معان‭ ‬مختلفة،‭ ‬وهي‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالشركة‭ ‬واشتراك‭ ‬في‭ ‬العمل‭.‬

 

في‭ ‬الحياة‭ ‬المسيحيّة‭ ‬هناك‭ ‬عمل‭ ‬مشترك‭ ‬بين‭ ‬المؤمنين‭ ‬والقدّيسين،‭ ‬كذلك‭ ‬بين‭ ‬القدّيسين‭ ‬والله،‭ ‬وهذا‭ ‬العمل‭ ‬يعرف‭ ‬بالمؤازرة‭ ‬συνεργία،‭ ‬أي‭ ‬نعمل‭ ‬سويًّا‭ ‬وليس‭ ‬انفراديًّا‭. ‬نحن‭ ‬نصلّي‭ ‬مع‭ ‬القدّيس،‭ ‬وليس‭ ‬هو‭ ‬يصلّي‭ ‬عنا‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الكنيسة‭ ‬تكرّم‭ ‬القدّيسين‭ ‬ولا‭ ‬تعبدهم،‭ ‬لأن‭ ‬العبادة‭ ‬هي‭ ‬لله‭ ‬وحده‭.‬

 

هذا‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬المؤمن‭ ‬في‭ ‬صلاته‭ ‬الشخصيّة‭ ‬أو‭ ‬الجماعة‭ ‬في‭ ‬المديح‭ ‬أو‭ ‬البراكليسي‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬صلاة‭ ‬أخرى‭. ‬هذا‭ ‬لأن‭ ‬المسيحية‭ ‬حياة‭ ‬شركة‭ ‬مستمرّة‭ ‬في‭ ‬المسيح‭ ‬ولا‭ ‬يفصلها‭ ‬الموت‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬أصلًا‭ ‬رقاد‭ ‬وانتقال‭.‬

 

كذلك،‭ ‬إذا‭ ‬أخذنا‭ ‬مثلًا‭ ‬الطلبات‭ ‬التي‭ ‬تقال‭ ‬في‭ ‬القدّاس‭ ‬الإلهيّ‭ ‬أو‭ ‬السحر‭ ‬أو‭ ‬الغروب،‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬تنحصر‭ ‬في‭ ‬الكاهن‭ ‬أو‭ ‬الشماس،‭ ‬أمهي‭ ‬طلبات‭ ‬كلّ‭ ‬الشعب،‭ ‬وكل‭ ‬الجماعة‭ ‬في‭ ‬الكنيسة‭ ‬تصلّي‭ ‬معًا‭ ‬بروح‭ ‬واحدة‭. ‬

 

ملاحظة‭:‬‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬الكاهن‭ ‬هو‭ ‬إمام‭ ‬الصلاة،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬له‭ ‬إقامة‭ ‬القدّاس‭ ‬الإلهيّ‭ ‬بمفرده‭.‬

 

‮٢‬‭- ‬الأمر‭ ‬الثاني‭:‬

يطلق‭ ‬الإنجيل‭ ‬كلمة‭ ‬πρεσβεῖα‭ ‬على‭ ‬الأحياء‭ ‬فقط‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تطبّق‭ ‬على‭ ‬الراقدين‭ ‬اذين‭ ‬انتقلوا،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬محصورة‭ ‬فقط‭ ‬بالذين‭ ‬هم‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭. ‬بينما‭ ‬الكلمة‭ ‬المستعملة‭ ‬للشفاعة‭ ‬ἐντεύξεις‭ ‬من‭ ‬فعل‭ ‬ἐντυγχάνω‭ ‬استعملت‭ ‬للراقدين‭ ‬والأحياء‭ ‬معًا‭. ‬هذا‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الصلاة‭ ‬مع‭ ‬القدّيسين‭ ‬مستمرّة‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬حضرة‭ ‬الله،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الموت‭ ‬لا‭ ‬يفصل‭ ‬المؤمنون‭ ‬عن‭ ‬بعضهم‭ ‬بعضًا،‭ ‬بل‭ ‬نحن‭ ‬نصلّي‭ ‬لراقدينا‭ ‬بشكل‭ ‬مستمر‭.‬

 

ملاحظة‭:‬

في‭ ‬الإطار‭ ‬الفلسفيّ‭ ‬والتاريخيّ‭ ‬كلمة‭ ‬πρεσβεῖα‭ ‬قديمًا،‭ ‬قبل‭ ‬العهد‭ ‬الجديد،‭ ‬كانت‭ ‬تعني‭ ‬تقدّم‭ ‬بالسن‭ ‬والمرتبة،‭ ‬وتنمية‭ ‬الفنون،‭ ‬وسفير‭ ‬ومفاوض،‭ ‬وعضو‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬التشريعي‭.‬

 

‮٥‬‭- ‬كلمة‭ ‬الشفاعة‭ ‬عند‭ ‬الآباء‭:‬

الآباء‭ ‬القدّيسون‭ ‬جمعوا‭ ‬بين‭ ‬المعاني‭ ‬الجديدة‭ ‬والقديمة،‭ ‬فأعطوا‭ ‬لكلمة‭ ‬πρεσβεῖα‭ ‬وسعها،‭ ‬فأستعملوها‭ ‬للدلالة‭ ‬على‭ ‬الشفيع‭ ‬والوسيط،‭ ‬والابتهالات‭ ‬والصلوات‭ ‬والتضرّعات‭ ‬والتوسّلات،‭ ‬وأيضًا‭ ‬السفير،‭ ‬والتقدّم‭ ‬في‭ ‬السن‭.‬

 

‮٦‬‭- ‬الشفاعة‭ ‬وصلوات‭ ‬القدّيسين‭:‬

كل‭ ‬الأبرار‭ ‬دون‭ ‬استثناء،‭ ‬في‭ ‬العهدين‭ ‬القديم‭ ‬أو‭ ‬الجديد،‭ ‬تشفّعوا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬شعبهم‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬الآخرين،‭ ‬إذ‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬ينبثق‭ ‬من‭ ‬فيض‭ ‬محبّة‭ ‬المسيح‭ ‬فيهم‭.‬

 

يقسم‭ ‬الموضوع‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬أقسام،‭ ‬وسنعرض‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬قسم‭ ‬بعض‭ ‬الآيات‭: ‬

‮٦‬‭.‬‮١‬‭- ‬شفاعة‭ ‬الأحياء‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بعضهم‭ ‬بعضًا‭: ‬

•في‭ ‬العهد‭ ‬القديم‭:‬

‭-‬شفاعة‭ ‬ابراهيم‭ ‬لأهل‭ ‬سدوم‭: ‬
أمهل‭ ‬الرب‭ ‬هلاك‭ ‬سدوم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إبراهيم‭. (‬تك‭ ‬‮١٨‬‭: ‬‮٢٠‬‭-‬‮٣٢‬‭)‬

 

‭-‬شفاعة‭ ‬ابراهيم‭ ‬لأبيمالك‭:‬

أخفى‭ ‬إبراهيم‭ ‬عن‭ ‬ابيمالك‭ ‬أن‭ ‬سارة‭ ‬هي‭ ‬زوجته‭ ‬مدعيًّا‭ ‬أنه‭ ‬شقيقته،‭ ‬فأخذها‭ ‬أبيمالك‭ ‬عن‭ ‬سلامة‭ ‬قلب‭ ‬لبيته‭. ‬عندها‭ ‬ظهر‭ ‬الله‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الحلم‭ ‬وقال‭ ‬له،‭ ‬رُدَّ‭ ‬امْرَأَةَ‭ ‬الرَّجُلِ،‭ ‬فَإِنَّهُ‭ ‬نَبِيٌّ،‭ ‬فَيُصَلِّيَ‭ ‬لأَجْلِكَ‭ ‬فَتَحْيَا‭.‬‮»‬‭ (‬تك‭ ‬‮٦‬‭:‬‮٢٠‬‭- ‬‮٧‬‭ ‬و‮١٧‬‭).‬

 

‭-‬شفاعة‭ ‬موسى‭ ‬في‭ ‬الشعب‭:‬

بطلب‭ ‬من‭ ‬موسى‭ ‬أمهل‭ ‬الله‭ ‬هلاك‭ ‬الشعب‭ ‬العبري‭ ‬الذي‭ ‬تركه‭ ‬وصنع‭ ‬عجلًا‭ ‬مذهبًا‭ ‬ليتخذه‭ ‬إلهًا‭ ‬له‭. (‬خر‮١١‬‭:‬‮٣٢‬‭).‬

 

‭-‬أيوب‭ ‬واصحابه‭ ‬الثلاثة‭: ‬

طلب‭ ‬الرب‭ ‬من‭ ‬أيوب‭ ‬أن‭ ‬يقيم‭ ‬محرقة‭ ‬ويصلّي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أصحابه‭ ‬الثلاثة‭. (‬أي‭ ‬‮٧‬‭:‬‮٤٢‬‭-‬‮٨‬‭).‬

 

‭-‬النبي‭ ‬صموئيل‭ ‬يصلّي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الشعب‭ (‬1صم‮٥‬‭:‬‮٧‬‭)‬،‭ ‬والنبي‭ ‬إيليا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الأرملة‭ (‬‮١‬مل‭ ‬‮١٩‬‭:‬‮١٧‬‭-‬‮٢٢‬‭) ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المطر‭(‬‮١‬مل‮٤٢‬‭:‬‮١٨‬‭) ‬وغيرهم‭.‬

 

•في‭ ‬العهد‭ ‬الجديد‭:‬

‭-‬بطرس‭ ‬الرسول‭ ‬يصلّي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬رجل‭ ‬من‭ ‬بطن‭ ‬أمه‭ ‬يُحمل‭ (‬أع‭ ‬‮١‬‭:‬‮٣‬‭-‬‮٩‬‭).‬

‭-‬بُطْرُسَ‭ ‬وَيُوحَنَّا‭ ‬يصليّان‭ ‬لأهل‭ ‬السامرة‭ ‬لنزول‭ ‬الروح‭ ‬القدس‭. (‬أع‭ ‬‮١٥‬‭:‬‮٨‬‭).‬

‭-‬سيمون‭ ‬الساحر‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬الرسولين‭ ‬بطرس‭ ‬ويوحنا‭ ‬ليصليّا‭ ‬من‭ ‬أجله‭: ‬‮«‬اطْلُبَا‭ ‬أَنْتُمَا‭ ‬إِلَى‭ ‬الرَّبِّ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَجْلِي‭ ‬لِكَيْ‭ ‬لاَ‭ ‬يَأْتِيَ‭ ‬
عَلَيَّ‭ ‬شَيْءٌ‭ ‬مِمَّا‭ ‬ذَكَرْتُمَا‮»‬‭ (‬أع‭ ‬‮٢٤‬‭:‬‮٨‬‭).‬

‭-‬بطرس‭ ‬الرسول‭ ‬في‭ ‬السجن‭: ‬‮«‬أَمَّا‭ ‬الْكَنِيسَةُ‭ ‬فَكَانَتْ‭ ‬تَصِيرُ‭ ‬مِنْهَا‭ ‬صَلاَةٌ‭ ‬بِلَجَاجَةٍ‭ ‬إِلَى‭ ‬اللهِ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَجْلِهِ‮»‬‭ (‬أع‮٥‬‭:‬‮١٢‬‭).‬

‭-‬بولس‭ ‬وبرنابا‭ ‬يصليان‭ ‬بأصوام‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الكنائس‭ ‬‭(‬أع‮٢٣‬‭:‬‮١٤‬‭).‬

‭-‬بولس‭ ‬صلى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الذين‭ ‬سمعوه‭ ‬ليصيروا‭ ‬مثله‭ ‬مسيحيين‭ (‬أع‭ ‬‮٢٩‬‭:‬26‭).‬

‭-‬نجد‭ ‬بولس‭ ‬الرسول‭ ‬يطلب‭ ‬الصلاة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المؤمنين‭ ‬ومن‭ ‬أجله‭. ‬‮«‬مُصَلِّينَ‭ ‬بِكُلِّ‭ ‬صَلاَةٍ‭ ‬وَطِلْبَةٍ‭ ‬كُلَّ‭ ‬وَقْتٍ‭ ‬فِي‭ ‬الرُّوحِ،‭ ‬
وَسَاهِرِينَ‭ ‬لِهذَا‭ ‬بِعَيْنِهِ‭ ‬بِكُلِّ‭ ‬مُواظَبَةٍ‭ ‬وَطِلْبَةٍ،‭ ‬لأَجْلِ‭ ‬جَمِيعِ‭ ‬الْقِدِّيسِينَ،‭ ‬وَلأَجْلِي،‭ ‬لِكَيْ‭ ‬يُعْطَى‭ ‬لِي‭ ‬كَلاَمٌ‭ ‬عِنْدَ‭ ‬افْتِتَاحِ‭ ‬فَمِي،‭ ‬
لأُعْلِمَ‭ ‬جِهَارًا‭ ‬بِسِرِّ‭ ‬الإِنْجِيلِ‭ ‬‮«‬‭ (‬أفس‭ ‬‮١٨‬‭:‬‮٦‬‭-‬‮١٩‬‭).‬

‭-‬رسالة‭ ‬يعقوب‭: ‬‮«‬أمَرِيضٌ‭ ‬أَحَدٌ‭ ‬بَيْنَكُمْ؟‭ ‬فَلْيَدْعُ‭ ‬شُيُوخَ‭ ‬الْكَنِيسَةِ‭ ‬فَيُصَلُّوا‭ ‬عَلَيْهِ‭ ‬وَيَدْهَنُوهُ‭ ‬بِزَيْتٍ‭ ‬بِاسْمِ‭ ‬الرَّبِّ،‭ ‬وَصَلاَةُ‭ ‬الإِيمَانِ‭ ‬
تَشْفِي‭ ‬الْمَرِيضَ،‭ ‬وَالرَّبُّ‭ ‬يُقِيمُهُ،‭ ‬وَإِنْ‭ ‬كَانَ‭ ‬قَدْ‭ ‬فَعَلَ‭ ‬خَطِيَّةً‭ ‬تُغْفَرُ‭ ‬لَهْ‮»‬‭. (‬يع‮١٤‬‭:‬‮٥‬‭-‬‮١٥‬‭).‬

 

‮٦‬‭.‬‮٢‬‭- ‬شفاعة‭ ‬القدّيسين‭ (‬الراقدين‭ ‬طبعًا‭).‬

قال‭ ‬الرب‭ ‬يسوع‭ ‬المسيح‭: ‬‮«‬أَنَا‭ ‬هُوَ‭ ‬الْقِيَامَةُ‭ ‬وَالْحَيَاةُ‭. ‬مَنْ‭ ‬آمَنَ‭ ‬بِي‭ ‬وَلَوْ‭ ‬مَاتَ‭ ‬فَسَيَحْيَا‮»‬‭(‬يوحنا‮٢٥‬‭:‬‮١١‬‭).‬

وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أنّه‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬القديسون‭ ‬أحياء‭ ‬بالإيمان‭ ‬فمن‭ ‬البديهي‭ ‬أن‭ ‬يستمروا‭ ‬بالصلاة‭ ‬والتضرع‭ ‬بعد‭ ‬رقادهم‭.‬‭ ‬ويشهد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬القدّيسين‭ ‬في‭ ‬القرون‭ ‬الأولى‭ ‬لذلك‭ ‬أمثال‭ ‬بايسليوس‭ ‬الكبير‭ ‬وكبريانوس‭ ‬وغريغوريوس‭ ‬اللاهوتي‭ ‬وافرام‭ ‬السرياني‭ ‬ويوحنا‭ ‬الذهبي‭ ‬الفم‭ ‬وغريغوريوس‭ ‬النيصصي‭ ‬وغيرهم‭.‬

وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يتوقّف‭ ‬يومًا‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الكنيسة،‭ ‬فلليوم‭ ‬والكنيسة‭ ‬تشهد‭ ‬على‭ ‬آيات‭ ‬وعجائب‭ ‬وشفاعة‭ ‬القدّيسين،‭ ‬من‭ ‬قدّيسين‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬العصور،‭ ‬من‭ ‬القدّيس‭ ‬ديمتريوس‭ ‬المفيض‭ ‬الطيب‭ ‬إلى‭ ‬القدّيس‭ ‬نكتاريوس‭ ‬العجائبي‭ ‬وغيره‭.‬

كما‭ ‬يذكر‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدّس‭ ‬أن‭ ‬القديسين‭ ‬الراقدين‭ ‬لا‭ ‬يصلون‭ ‬معنا‭ ‬ولنا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬هم‭ ‬على‭ ‬دراية‭ ‬ومعرفة‭ ‬بما‭ ‬يحصل‭ ‬معنا‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬ولهم‭ ‬دور‭ ‬محوري‭ ‬فمثلًا‭:‬

 

‭-  ‬ظهور‭ ‬موسى‭ ‬وإيليا‭ ‬بمجد،‭ ‬عند‭ ‬تجلّي‭ ‬الرّب‭ ‬يسوع،‭ ‬وتكلّمهما‭ ‬‮«‬عن‭ ‬خروجه‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مزمعًا‭ ‬أن‭ ‬يكمّله‭ ‬في‭ ‬أورشليم‮»‬‭ (‬لو‮٣١‬‭:‬‮٩‬‭) ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أنّهما‭ ‬كانا‭ ‬عالمَين‭ ‬جيّدًا‭ ‬بكلّ‭ ‬شيء‭.‬

‭- ‬النبي‭ ‬إيليّا‭ ‬أرسل‭ ‬كتابة‭ ‬إلى‭ ‬يهورام‭ ‬ابن‭ ‬يهوشافاط‭ ‬ملك‭ ‬يهوذا،‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬إصعاده‭ (‬‮٢‬‭ ‬أي‮١٢‬‭:‬‮٢١‬‭-‬‮١٦‬‭)‬

 

العهد‭ ‬القديم‭:‬

‭-‬موسى‭ ‬النبي‭ ‬يطلب‭ ‬شفاعة‭ ‬إبراهيم‭ ‬واسحق‭ ‬ويعقوب‭ ‬لعدم‭ ‬هلاك‭ ‬الشعب‭ (‬خر‭ ‬‮١١‬‭:‬‮٣٢‬‭-‬‮١٣‬‭).‬

‭-‬سليمان‭ ‬يطلب‭ ‬شفاعة‭ ‬داود‭: ‬

‮«‬نقرأ‭ ‬في‭ ‬سفر‭ ‬الأخبار‭ ‬الأيام‭ ‬الثاني‭ ‬كيف‭ ‬كان‭:‬‮»‬‭ ‬أيّها‭ ‬الرّب‭ ‬الإله،‭ ‬لا‭ ‬ترد‭ ‬وجه‭ ‬مسيحك‭. ‬اذكر‭ ‬مراحم‭ ‬داود‭ ‬عبدك‮»‬‭ (‬‮٢‬اخ‮٤٢‬‭:‬‮٦‬‭).‬

 

العهد‭ ‬الجديد‭:‬

‭-‬في‭ ‬سفر‭ ‬الرؤيا‭: ‬وَلَمَّا‭ ‬أَخَذَ‭ ‬السِّفْرَ‭ ‬خَرَّتِ‭ ‬الأَرْبَعَةُ‭ ‬الْحَيَوَانَاتُ‭ ‬وَالأَرْبَعَةُ‭ ‬وَالْعِشْرُونَ‭ ‬شَيْخًا‭ ‬أَمَامَ‭ ‬الْخَروفِ،‭ ‬وَلَهُمْ‭ ‬كُلِّ‭ ‬وَاحِدٍ‭ ‬قِيثَارَاتٌ‭ ‬وَجَامَاتٌ‭ ‬مِنْ‭ ‬ذَهَبٍ‭ ‬مَمْلُوَّةٌ‭ ‬بَخُورًا‭ ‬هِيَ‭ ‬صَلَوَاتُ‭ ‬الْقِدِّيسِينَ‮»‬‭ (‬رؤ‮٨‬‭:‬‮٥‬‭).‬

‭-‬في‭ ‬سفر‭ ‬الرؤيا‭: ‬‮«‬وَجَاءَ‭ ‬مَلاَكٌ‭ ‬آخَرُ‭ ‬وَوَقَفَ‭ ‬عِنْدَ‭ ‬الْمَذْبَحِ،‭ ‬وَمَعَهُ‭ ‬مِبْخَرَةٌ‭ ‬مِنْ‭ ‬ذَهَبٍ،‭ ‬وَأُعْطِيَ‭ ‬بَخُورًا‭ ‬كَثِيرًا‭ ‬لِكَيْ‭ ‬يُقَدِّمَهُ‭ ‬مَعَ‭ ‬صَلَوَاتِ‭ ‬الْقِدِّيسِينَ‭ ‬جَمِيعِهِمْ‭ ‬عَلَى‭ ‬مَذْبَحِ‭ ‬الذَّهَبِ‭ ‬الَّذِي‭ ‬أَمَامَ‭ ‬الْعَرْشِ‭.‬‮»‬‭ (‬رؤ‮٣‬‭:‬‮٨‬‭).‬

‭-‬في‭ ‬سفر‭ ‬الرؤيا‭: ‬‮«‬فَصَعِدَ‭ ‬دُخَانُ‭ ‬الْبَخُورِ‭ ‬مَعَ‭ ‬صَلَوَاتِ‭ ‬الْقِدِّيسِينَ‭ ‬مِنْ‭ ‬يَدِ‭ ‬الْمَلاَكِ‭ ‬أَمَامَ‭ ‬اللهِ‮»‬‭ (‬رؤ‮٤‬‭:‬‮٨‬‭).‬

 

‮٦‬‭.‬‮٣‬‭- ‬الصلاة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الراقدين‭:‬

قال‭ ‬الرب‭ ‬لمرثا‭ ‬أخت‭ ‬لعازر‭:‬‮»‬أَنَا‭ ‬هُوَ‭ ‬الْقِيَامَةُ‭ ‬وَالْحَيَاةُ‭. ‬مَنْ‭ ‬آمَنَ‭ ‬بِي‭ ‬وَلَوْ‭ ‬مَاتَ‭ ‬فَسَيَحْيَا‮»‬‭ (‬يو‮٢٥‬‭:‬‮١١‬‭).‬

تؤمن‭ ‬الكنيسة‭ ‬إذًا‭ ‬أن‭ ‬الصلاة‭ ‬والشفاعة‭ ‬لا‭ ‬تتوقّف‭ ‬بعد‭ ‬الرقاد‭ ‬لأنّنا‭ ‬نبقى‭ ‬أحياء‭ ‬بالرّبّ‭. ‬وقد‭ ‬أكّد‭ ‬الرب‭ ‬ذلك‭ ‬بكلامه‭ ‬إلى‭ ‬الصدوقيين‭: ‬‮«‬أَنَا‭ ‬إِلهُ‭ ‬إِبْرَاهِيمَ‭ ‬وَإِلهُ‭ ‬إِسْحَاقَ‭ ‬وَإِلهُ‭ ‬يَعْقُوبَ؟‭ ‬لَيْسَ‭ ‬اللهُ‭ ‬إِلهَ‭ ‬أَمْوَاتٍ‭ ‬بَلْ‭ ‬إِلهُ‭ ‬أَحْيَاءٍ‮»‬‭ (‬مت‭ ‬‮٣٢‬‭:‬‮٢٢‬‭)‬،‭ ‬و»لَيْسَ‭ ‬هُوَ‭ ‬إِلهَ‭ ‬أَمْوَاتٍ‭ ‬بَلْ‭ ‬إِلهُ‭ ‬أَحْيَاءٍ‭.‬‭ ‬فَأَنْتُمْ‭ ‬إِذًا‭ ‬تَضِلُّونَ‭ ‬كَثِيرًا‮»‬‭ (‬مر‭ ‬‮٢٧‬‭:‬‮١٢‬‭)‬،‭ ‬‮«‬وَلَيْسَ‭ ‬هُوَ‭ ‬إِلهَ‭ ‬أَمْوَاتٍ‭ ‬بَلْ‭ ‬إِلهُ‭ ‬أَحْيَاءٍ،‭ ‬لأَنَّ‭ ‬الْجَمِيعَ‭ ‬عِنْدَهُ‭ ‬أَحْيَاءٌ‮»‬‭ (‬لو‭ ‬‮٣٨‬‭:‬‮٢٠‬‭).‬

لنلاحظ‭ ‬هذه‭ ‬الآية‭ ‬مثلًا‭:‬

‮«‬لِيُعْطِ‭ ‬الرَّبُّ‭ ‬رَحْمَةً‭ ‬لِبَيْتِ‭ ‬أُنِيسِيفُورُسَ،‭ ‬لأَنَّهُ‭ ‬مِرَارًا‭ ‬كَثِيرَةً‭ ‬أَرَاحَنِي‭ ‬وَلَمْ‭ ‬يَخْجَلْ‭ ‬بِسِلْسِلَتِي‮»‬‭ (‬‮٢‬‭ ‬تيم‭ ‬‮١٦‬‭:‬‮١‬‭). ‬أنيسيفوروس‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬رقد‭ ‬هنا‭.‬

 

‮٧‬‭- ‬رفات‭ ‬القدّيسين‭:‬

تؤمن‭ ‬الكنيسة‭ ‬بأن‭ ‬الإنسان‭ ‬يتقدّس‭ ‬بالكليّة‭ ‬جسدًا‭ ‬وروحًا،‭ ‬إذ‭ ‬يصبح‭ ‬مسكنًا‭ ‬للروح‭ ‬القدس‭. ‬وكانت‭ ‬الجماعات‭ ‬المسيحيّة‭ ‬الأولى‭ ‬تسعى‭ ‬بقوّة‭ ‬إلى‭ ‬تكريم‭ ‬رفات‭ ‬القدّيسين،‭ ‬وكانت‭ ‬تجري‭ ‬من‭ ‬خلالهم‭ ‬عجائب‭ ‬جمّة‭. ‬كما‭ ‬انعكس‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬ثيابهم‭ ‬والأشياء‭ ‬التي‭ ‬كانوا‭ ‬يستعملونها‭.‬‭ ‬سير‭ ‬القديسين‭ ‬واستشهادات‭ ‬الآباء‭ ‬القدّيسون‭ ‬الأوّل‭ ‬تشهد‭ ‬بوفرة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭.‬

مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬سيرة‭ ‬القدّيس‭ ‬بوليكاربوس‭ ‬أسقف‭ ‬إزمير‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الثاني‭ ‬ميلادي‭. ‬ويشهد‭ ‬أوريجنّوس‭ ‬المعلّم‭ (‬‭ ‬‮١٨٤‬‭-‬‮٢٥٣‬م‭) ‬عن‭ ‬شفاعة‭ ‬القدّيسين‭ ‬الراقدين‭ ‬فيقول‭: ‬‮«‬إن‭ ‬جميع‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬رقدوا‭ ‬قبلنا‭ ‬يجاهدون‭ ‬معنا‭ ‬ويساعدوننا‭ ‬بأدعيتهم‮»‬‭.‬

كذلك‭ ‬نقرأ‭ ‬عند‭ ‬القدّيس‭ ‬كيرلّس‭ ‬الأورشليمي‭ (‬‮٣٧٨‬‭-‬‮٤٤٤‬م‭) :‬‮«‬نحن‭ ‬نحتفل‭ ‬أيضًا‭ ‬بذكرى‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬رقدوا‭ ‬قبلنا،‭ ‬أوّلًا‭ ‬البطاركة‭ ‬والأنبياء،‭ ‬والرسل‭ ‬والشهداء،‭ ‬حتّى‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬يقبل،‭ ‬بصلواتهم‭ ‬وشفاعاتهم،‭ ‬توسلاتنا‮»‬‭.‬

هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬ليس‭ ‬بغريب‭ ‬بتاتًا‭ ‬عن‭ ‬الإيمان‭ ‬المسيحي،‭ ‬وصفحات‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس‭ ‬من‭ ‬العهد‭ ‬القديم‭ ‬تشهد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭.‬

‭- ‬إقامة‭ ‬الميت‭ ‬على‭ ‬رفات‭ ‬أليشع‭ ‬النبي‭: ‬
وفيما‭ ‬كانوا‭ ‬يدفنون‭ ‬رجلًا‭ ‬إذا‭ ‬بهم‭ ‬قد‭ ‬رأوا‭ ‬الغزاة،‭ ‬فطرحوا‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬قبر‭ ‬أليشع،‭ ‬فلما‭ ‬نزل‭ ‬الرجل‭ ‬ومس‭ ‬عظام‭ ‬أليشع‭ ‬
عاش‭ ‬وقام‭ ‬على‭ ‬رجليه‭. (‬‮٢‬مل‮١٣‬‭: ‬‮٢٠‬‭)‬

‭-‬أليشع‭ ‬النبي‭ ‬يشق‭ ‬نهر‭ ‬الأردن‭ ‬بعباءة‭ ‬إيليا‭ ‬النبي‭:‬

رفع‭ ‬أليشع‭ ‬رداء‭ ‬إيليا‭ ‬وضرب‭ ‬الماء‭ ‬وقال‭: ‬‮«‬أين‭ ‬هو‭ ‬الرب‭ ‬إله‭ ‬إيليا؟‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬ضرب‭ ‬الماء‭ ‬أيضًا،‭ ‬فانفلق‭ ‬إلى‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬وعبر‭ ‬
أليشع‭. (‬‮٢‬مل‮١٤‬‭:‬‮٢‬‭).‬

 

 

‮٨‬‭- ‬أجساد‭ ‬القدّيسين‭ ‬الأحياء‭:‬

‭-‬بطرس‭ ‬الرسول‭: ‬يخبرنا‭ ‬أعمال‭ ‬الرسل‭ ‬أن‭ ‬المؤمنين‭ ‬كانوا‭ ‬يحملون‭ ‬المرضى،‭ ‬وبمجرّد‭ ‬زن‭ ‬يمر‭ ‬عليهم‭ ‬ظل‭ ‬بطرس‭ ‬الرسول‭ ‬
كانوا‭ ‬يشفون‭. (‬أع‭ ‬‮١٥‬‭:‬‮٥‬‭).‬

‭-‬بولس‭ ‬الرسول‭: ‬نقرأ‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬الرسل‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬يؤتى‭ ‬عن‭ ‬جسد‭ ‬بولس‭ ‬بمناديل‭ ‬إلى‭ ‬المرضى،‭ ‬فيشفون،‭ ‬وتخرج‭ ‬
الأرواح‭ ‬الشريرة‭ ‬منهم‭. (‬أع‭ ‬‮١٢‬‭:‬‮١٩‬‭).‬

 


‮٩‬‭- ‬شرح‭ ‬شفاعة‭ ‬يسوع‭ ‬الإنسان
ἄνθρωπος‭:‬

‮«‬لأَنَّهُ‭ ‬يُوجَدُ‭ ‬إِلهٌ‭ ‬وَاحِدٌ‭ ‬وَوَسِيطٌ‭ ‬وَاحِدٌ‭ ‬بَيْنَ‭ ‬اللهِ‭ ‬وَالنَّاسِ‭: ‬الإِنْسَانُ‭ ‬يَسُوعُ‭ ‬الْمَسِيحُ‮»‬‭ (‬‮١‬تيموتاوس‮٥‬‭:‬‮٢‬‭).‬


هناك‭ ‬من‭ ‬يستعمل‭ ‬هذه‭ ‬الآية‭ ‬ليقول‭ ‬إن‭ ‬لا‭ ‬لزوم‭ ‬لشفاعة‭ ‬القدّيسين‭.‬

قبل‭ ‬البدء‭ ‬بشرح‭ ‬هذه‭ ‬الآية‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الاعتراض‭ ‬على‭ ‬شفاعة‭ ‬القدّيسين‭ ‬جاء‭ ‬متأخرًا‭ ‬في‭ ‬القرون‭ ‬الوسطى،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬كردّة‭ ‬فعل‭ ‬بين‭ ‬الجماعات‭ ‬البروتستانتية‭ ‬والكنيسة‭ ‬الكاثوليكيّة‭.‬

كلمة‭ ‬‮«‬وسيط‭ ‬واحد‮»‬‭ ‬هنا‭ ‬تتعلّق‭ ‬بالتدبير‭ ‬الخلاصي‭ ‬الذي‭ ‬اتمّه‭ ‬الله‭ ‬للبشر،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬صيروته‭ ‬إنسانًا،‭ ‬ولا‭ ‬تلغي‭ ‬شفاعة‭ ‬القدّيسين‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬والدة‭ ‬الإله‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬وذلك‭ ‬للأسباب‭ ‬التالية‭:‬

 

‮١‬‭- ‬يسبق‭ ‬هذه‭ ‬الآية‭ ‬طلب‭ ‬بولس‭ ‬الرسول‭ ‬إقامة‭ ‬طلبات‭ ‬وصلوات‭ ‬وابتهالات‭ ‬وتشكّرات‭ ‬لأجل‭ ‬جميع‭ ‬الناس‭. ‬هذا‭ ‬
تمامًا‭ ‬ما‭ ‬يفعله‭ ‬القدّيسون،‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬الشفاعة‭.‬

‮٢‬‭-‬كلمة‭ ‬‮«‬وسيط‭ ‬واحد‮»‬‭ ‬مرتبطة‭ ‬بكلمة‭ ‬‮«‬الإِنْسَانُ‭ ‬ἄνθρωπος‮»‬‭ ‬في‭ ‬الآية،‭ ‬أي‭ ‬تجسّد‭ ‬الرّب‭ ‬وصلبه‭ ‬وقيامته‭ ‬من‭ ‬
أجل‭ ‬جميع‭ ‬البشر‭. ‬وكما‭ ‬تقول‭ ‬الرسالة‭ ‬إلى‭ ‬العبرانيين‭: ‬‮«‬لأَجْلِ‭ ‬هذَا‭ ‬هُوَ‭ ‬وَسِيطُ‭ ‬عَهْدٍ‭ ‬جَدِيدٍ،‭ ‬لِكَيْ‭ ‬يَكُونَ‭ ‬الْمَدْعُوُّونَ،‭ ‬
إِذْ‭ ‬صَارَ‭ ‬مَوْتٌ‭ ‬لِفِدَاءِ‭ ‬التَّعَدِّيَاتِ‭ ‬الَّتِي‭ ‬فِي‭ ‬الْعَهْدِ‭ ‬الأَوَّلِ،‭ ‬يَنَالُونَ‭ ‬وَعْدَ‭ ‬الْمِيرَاثِ‭ ‬الأَبَدِيّ‮»‬‭ (‬عب‮١٥‬‭:‬‮٩‬‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬‮«‬هُوَ‭ ‬كَفَّارَةٌ‭ ‬
لِخَطَايَانَا‭. ‬لَيْسَ‭ ‬لِخَطَايَانَا‭ ‬فَقَطْ،‭ ‬بَلْ‭ ‬لِخَطَايَا‭ ‬كُلِّ‭ ‬الْعَالَمِ‭ ‬أَيْضًا‮»‬‭ (‬‮١‬يو‮٢‬‭:‬‮٢‬‭). ‬

إذًا‭ ‬المعنى‭ ‬هنا‭ ‬يتعلّق‭ ‬بالتجسّد‭ ‬وما‭ ‬تبعه‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬خلاصيّة‭ ‬أتمّها‭ ‬الرب،‭ ‬فهو‭ ‬وحده‭ ‬الفادي،‭ ‬الله‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬إنسانًا‭ ‬
لأجلنا‭. ‬

 

‮٣‬‭- ‬كلمة‭ ‬‮«‬واحد‮»‬‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الآية‭ ‬تعني‭ ‬أنه‭ ‬الإله‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬فدانا‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬غيره،‭ ‬ولا‭ ‬تعني‭ ‬إطلاقًا‭ ‬أنّه‭ ‬وحيد‭ ‬بمعنى‭ ‬
منعزل‭ ‬أو‭ ‬منفصل،‭ ‬لأنّه‭ ‬الإله‭ ‬الذي‭ ‬يجمع‭ ‬كلّ‭ ‬شفاعة‭ ‬القدّيسين‭ ‬في‭ ‬ذاته،‭ ‬فهو‭ ‬مصدر‭ ‬النعم،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬قال‭: ‬
‮«‬مَنْ‭ ‬يُؤْمِنُ‭ ‬بِي‭ ‬فَالأَعْمَالُ‭ ‬الَّتِي‭ ‬أَنَا‭ ‬أَعْمَلُهَا‭ ‬يَعْمَلُهَا‭ ‬هُوَ‭ ‬أَيْضًا،‭ ‬وَيَعْمَلُ‭ ‬أَعْظَمَ‭ ‬مِنْهَا‮»‬‭ (‬يو‭ ‬‮١٢‬‭:‬‮١٤‬‭). ‬القدّيس‭ ‬يبقى‭ ‬حيًّا‭ ‬
فاعلًا‭ ‬مع‭ ‬الرب،‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬يؤمن‭ ‬به‭ ‬لا‭ ‬يموت‭.‬

لم‭ ‬يأتي‭ ‬الرب‭ ‬يسوع‭ ‬المسيح‭ ‬إلينا‭ ‬ليكون‭ ‬منعزلًا،‭ ‬بل‭ ‬ليؤسّس‭ ‬كنيسة‭.‬

‮١٠‬‭- ‬دراية‭ ‬القدّيسون‭ ‬بما‭ ‬يجري‭ ‬على‭ ‬الأرض‭:‬
يظهر‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدّس‭ ‬أن‭ ‬القدّيسين،‭ ‬كما‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬مع‭ ‬المسيح‭ ‬ويفرحون‭ ‬مع‭ ‬أهل‭ ‬السماء‭ ‬بخاطئٍ‭ ‬وَاحِدٍ‭ ‬يَتُوبُ‭ (‬لو‮٧‬‭:‬‮١٥‬‭)‬،‭ ‬

كذلك‭ ‬هم‭ ‬على‭ ‬دراية‭ ‬بما‭ ‬يجري‭ ‬على‭ ‬الأرض‭. ‬ابراهيم‭ ‬مثلًا‭ ‬يؤكّد‭ ‬للغني‭ ‬موقف‭ ‬إخوته‭ ‬الرفضي‭ (‬لو‭ ‬‮١٦‬‭). ‬

 

‮١١‬‭- ‬خلاصة‭:‬

الحياة‭ ‬المسيحيّة‭ ‬هي‭ ‬حياة‭ ‬جماعة‭ ‬مقدّسة‭ ‬محورها‭ ‬الرّبّ‭ ‬يسوع‭ ‬المسيح‭. ‬هي‭ ‬حياة‭ ‬تسبيح‭ ‬وشكر‭ ‬وصلاة،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬نستعمله‭ ‬في‭ ‬صلواتنا‭ ‬الليتورجيّة‭ ‬والذي‭ ‬يضم‭ ‬قطع‭ ‬صلوات‭ ‬قياميّة‭ ‬وغيرها‭ ‬والمعروف‭ ‬بكتاب‭ ‬المعزّي‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬اليوناني‭ ‬يدعى‭ ‬παρακλητική،‭ ‬وهي‭ ‬كلمة‭ ‬تعني‭ ‬الابتهالات‭ ‬التي‭ ‬تعزّينا‭ ‬وتفرّح‭ ‬قلب‭ ‬الإنسان‭. ‬

فما‭ ‬نقوله‭ ‬في‭ ‬صلواتنا‭ ‬عن‭ ‬العذراء‭ ‬مريم‭ ‬والدة‭ ‬الإله‭ ‬‮«‬بشفاعات‭ ‬والدة‭ ‬الإله‭ ‬يا‭ ‬مخلص‭ ‬خلصنا‮»‬

 Ταις πρεσβείαις της Θεοτόκου, Σώτερ, σώσον ημάς  

مثلًا،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يفهم‭ ‬بهذا‭ ‬المعنى‭ ‬العميق،‭ ‬بالمعنى‭ ‬الأنجيليّ‭ ‬–‭ ‬الآبائي،‭ ‬كما‭ ‬عاشته‭ ‬الجماعات‭ ‬المسيحيّة‭ ‬منذ‭ ‬القرون‭ ‬الأولى‭ ‬للمسيحيّة،‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬محدود‭ ‬انعزالي‭ ‬أو‭ ‬انفرادي،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬روحيّة‭ ‬الجماعة‭ ‬الواحدة‭ ‬المصليّة‭ ‬والمتضرّعة،‭ ‬في‭ ‬روحيّة‭ ‬الصلوات‭ ‬والابتهالات‭ ‬والتضرعات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬توصف‭ ‬والتي‭ ‬محورها‭ ‬الأساسي‭ ‬الرب‭ ‬يسوع‭ ‬المسيح‭ ‬له‭ ‬المجد‭.‬