رسالة الفصح ٢٠١٦



2016-04-30

p1 برحمة الله تعالى
يوحنا العاشر
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس
إلى
إخوتي رعاة الكنيسة الأنطاكية المقدسة
وأبنائي وبناتي حيثما حلوا في أرجاء هذا الكرسي الرسولي

أيها الإخوة والأبناء الروحيون الأعزاء،
المسيح قام، حقاً قام.

"إن البرايا بأسرها قد استوعبت الآن نوراً السماءَ والأرضَ وما تحت الثرى فلتعيّد إذاً الخليقة لقيامة المسيح التي بها تشددت"

يوافينا عيد الفصح المجيد ليكلل مسيرة الرب في آلامه وصلبه وقيامته. يوافينا لينفض الرجاء في القلوب ويعزي بنوره كل من في ضيقٍ وليمسح بكفنه الطاهر دموع المحزونين. يوافينا ليتوج مسيرة صوم. يوافينا ليقول أن من يضبط النفس والذهن هو إياه القائمُ مع الضابط الدنيا بقدرته، هو إياه القائم مع المسيح الذي سبق فتألم محبةً بالإنسان وقام لينفخ عن شرارة روحه كل تهاونٍ ويتوج بفيض النور الخليقة المفتداة بدمه الكريم.

إن أحوج ما يكون إليه الإنسان في يوم الضيق هو أن يضع نصب عينيه أن المسيح القائم هو إياه عينه المتألم. وإن أول ما يحتاج إليه هو أن يخطو دوماً تجاه القيامة وذلك من قلب الصليب. لم يجتز المسيح إلى قلوبنا لأنه كان جباراً أرضياً. مع أنه لو آثر لفعل ذلك، إذ لا شيء يستحيل أمامه. لقد سر وارتضى أن يتجسد من أجل خلاصنا ويقاسي درب محبةٍ ويهمس في أذن قلب كل منا: أنظر أ يا إنسان أنا لم أبهرْك بقوة جبروتي بل بجبروت محبتي، أنا لم أوافك ملكاً بعيون البشر بل متملكاً قلوبهم بخفر التواضع. لم آتك على عرش تسيّد ولا على بلاط رفعةٍ لا بل على قش مزودٍ وعلى صخرة جلجلة. لكني ومع كل هذا لم أدفن نفسي ولم أغرسها في يأسك وقنوطك وتعبك وانهماكك بل دفنتك في قلبي وغرست نوري في كيانك فأقمتك معي وجللتُ هامتك بكرامة البنوة وبحربةٍ طعنَتْ جنبي كسرتُ حراب ضيقك وكل ذلك لأني أحببتك، وبذلت ذاتي من أجل محبتك لتعلمَ أن الضيق، مهما طال وماد، ليس له أن يحجب وهج نور القيامة.r-s

وفي موسم المواسم وعيد الأعياد، الحري بنا كأبناء لكنيسة أنطاكية أن نذكر ونتذكر دوماً أن الكنيسة التي ننتمي إليها لا تُحد بالرعية التي نحن فيها. ولنذكر دوماً أن الله زرعنا في هذه الكنيسة المقدسة لنكون أزْراً متبادلاً لإخوة الإيمان الواحد القاطنين في مختلف أرجاء هذا الكرسي الرسولي في الوطن وبلاد الانتشار. والحري بنا أيضاً أن نعلم أن لنا إخوة يسكنون على خط النار وتحت وطأة العنف والقلق وتحت مرمى الصواريخ الآثمة وسط تفرج العالم الخارجي. وإن أي جهد يسهم في تخفيف أوجاعهم وضيقهم لهو بحقٍّ مسحة تعزية لوجه المسيح المتألم والذي لن يبقى، كما لن يبقوا، أسير الموت والظلمة لا بل مفيضَ النور وسيد القيامة.

في يوم القيامة المجيد تلتمع في ذهننا صورة تلك البذرة المسيحية، تلك الجماعة الأولى التي قالت في أعمال الرسل: قام الرب، و"نحن شهود لذلك" (أع2: 32). هي نفسها تتجسد في كل يوم ومنذ ألفي عام في شعبنا الأنطاكي الطيب الذي يتوزع في أكثر من بلد ومنطقة وتوحده شهادة المحبة والإيمان وأواصر البنوة لكنيسته الأرثوذكسية وأواصر الأخوة الحق مع الأخ المسيحي الآخر، وكل ذلك مع أطيب علاقة مع مختلف الأديان والطوائف التي يتشارك وإياها أرضاً وتاريخاً ومواطنة. هذه البذرة الأولى مدعوةٌ أن تتجدد وتُحفظ كل يومٍ في شعبنا الطيب الذي تلقف الإيمان وبشرى القيامة منذ ألفي عام وكان شاهداً لإيمانه وقيامته في أحلك الظروف. ولعل شهادته هذه هي التي تسم جبينه طوال ألفي عام وهي التي أعطته أن يكون أهلاً بحق لأن يتسربل أولاً لقب "مسيحيين" وذلك في الأرض الأولى، أرض كنيسة أنطاكية، التي لم ولن يتخلى عنها مهما اشتدت الظروف.

صلاتنا اليوم إلى سيد القيامة أن يظلل بروح سلامه العالم أجمع. صلاتنا إليه أن يعطي السلام لهذا الشرق المعذب. صلاتنا اليوم من أجل أن تعلو لغة العقل والسلام على لغة التكفير والعنف. صلاتنا ورجاؤنا أن يعطي الرب سوريا السلام ويديم الاستقرار في لبنان.
صلاتنا أيضاً من أجل كل المخطوفين. صلاتنا من أجل أخوينا مطراني حلب يوحنا ابراهيم وبولس يازجي والذي يبقى ملفهما جرح الحق في دنيا الباطل ولطخة إدانة لمن لا يقرن لغة الأقوال بالأفعال وذلك في ملفّ تباكى عليه وتعاجز عليه كثيرون وبيعت فيه المواقف المعسولة وسط تعتيم وتكتم وصمت مطبق من قبل من أنيطت بهم لغة الأفعال لا لغة الأقوال.

وفي موسم القيامة المجيد. سلامُ قيامة لأبنائنا في الوطن وبلاد الانتشار وصلاة من القلب وتحيةٌ قياميةٌ لهم ولأبنائهم وكل المختصين بهم. وسلام قيامة لكل الناس وصلاة حارة إلى الرب القدوس أن يضيء القلوب بنور القيامة ويمسح كل الخليقة بوهج بركات وسلام العيد الحاضر.
المسيح قام، حقاً قام.

صدر عن مقامنا البطريركي بدمشق
بتاريخ التاسع والعشرين من نيسان للعام ألفين وستة عشر.