أحد جميع القدّيسين
الرِّسالة
(عب 11: 33-40، 12: 1-2)
عَجِيبٌ هو اللهُ في قدِّيسيه
في المجامِعِ بَارِكُوا الله
الإنجيل:
متى 10: 32-33 و37 و19: 27- 30 (متى 1)
طروباريَّة أحد جميع القدِّيسين باللَّحن الرَّابِع |
أيُّها المسيحُ الإله، إِنَّ كنيسَتَكَ إذ قد تزيَّنَتْ بدماءِ شُهَدائِكَ الَّذين في كلِّ العالم، كأنَّها ببرفِيرَةٍ وأُرْجُوَان. فهي بهم تهتِفُ إليكَ صارِخَة: أَرْسِلْ رأفَتَكَ لشعبِكَ، وٱمْنَحِ السَّلامَ لكنيسَتِك، ولنفوسِنَا الرَّحمةَ العُظْمَى. |
قنداق أحد جميع القدِّيسين باللَّحن الرّابع |
أيُّها الرَّبُّ البارِئُ كلَّ الخليقةِ ومُبدِعُها، لكَ تُقَرِّبُ المسكونَةُ كبواكيرِ الطَّبيعة الشُّهَدَاءَ اللاَّبِسِي اللاَّهوت. فبتوسُّلاتِهِم اِحْفَظْ كنيسَتَكَ بسلامَةٍ تَامَّة لأَجْلِ والِدَةِ الإله، أيُّها الجَزِيلُ الرَّحْمَة. |
نعيّد في الأحد الذي يلي العنصرة للقديّسين الذين كانوا ثمرة الروح المنشئ القداسة.
الروح القدس الذي ينزل على الكنيسة جمعاء فتغتسل به، وينزل على كلّ واحٍد منّا، أفرادًا، فنتجدّد، إن إرتضينا هذه الولادة وجاهدنا بحق.
المسيحية مشروع قداسة، والكنيسة مكان قداسة، وغايتها الوحيدة أن نتّحد بالرّبّ القدّوس. ذلك أنّ السماء أُعلن فتحها مع تجسّد الله، ومن بعد فدائه وصعوده إليها لم تُغلق أبوابها، والروح يتدفّق منها وينشئ فينا قداسة. فإن لم نؤمن بأنّ روح القداسة ممكن اليوم وفاعل فكأنّنا نقول بأنّ المسيح لم يصعد إلى السماء ليرسل الروح وأنّه بقي دفين الأرض.
هذا العيد، إذًا، هو إعلان إرادتنا أنّنا نريد القداسة ولا شيء أقلّ منها.
هناك قدّيسون قدّموا شهادة حمراء وهناك قدّيسون قدّموا شهادة بيضاء.
الشهادة التي قدّموها بدمائهم تحيينا، ومن لم تهدر دماؤهم في سبيل الربّ يسوع المسيح أعطوه كلّ قلوبهم بجهادات لا توصف، وكان مكانه في القلب، القلب كلّه أي الذهن (NOUS).
نعيّد إذًا للقدّيسين الذين نحتفل بأعيادهم على مدار السنة وللقدّيسين الذين قرّبهم الله إليه ونحن لا نعرفهم.
نعيّد لهم ونحن نعي أنّهم لم يكونوا كلّهم طاهرين طوال عمرهم فمنهم من تاب بعد أن كان ظالمًا أو لصًّا وما إلى ذلك. نحن نعظّم جهودهم ولسنا متوهّمين أنّهم بلغوا القداسة الكاملة التي هي صفة الله وحده. هؤلاء نحبّهم ونذكرهم لأنّهم كانوا جدّيين في طاعة المسيح وساروا إلى البِرّ والطهارة سيرًا طويلاً. فالمسيح المبارك لم يحتكر المجد بل وزّعه، ولهذا نلتقط مجده على وجوههم إذا نظرنا إليهم. هكذا نتطلّع إليهم علّنا نتشبّه بهم وندرك البِرَّ الذي أدركوه. هؤلاء كلهم نسمّيهم الكنيسة الظافرة التي تحيا ببركاتها الكنيسة المجاهدة التي على الأرض، والتي لا تزال في حالة الجهاد ولم تكتمل طهارتها بعد، ولكنّها في إقامتها لهذه الذكرى تكون قد تعهّدت أنّها تشاء لنفسها ما شاءه العريس لها أن تكون "كنيسةً مجيدةً لا دنس فيها ولا غَضَن أو شيء من مثل ذلك بل تكون مقدّسةً وبلا عيب"(أفسس٢٧:٥).
بذكرنا جميع القدّيسين فإنّنا نشتهي أن نكون هنا معًا، كما صاروا هم معًا. فهذا العيد ليس مجرّد انخطافٍ نرى فيه الأبرار واحدًا في السماء ولكنّه عهدٌ أن نصبح نحن الأرضيين واحدًا في المحبّة وواحدًا في الرسالة وواحدًا في صفاء الإيمان.
بولس الرسول كان يدعو كلّ المؤمنين "قدّيسين" بمعنى أنّهم مفروزون\مخصَّصون للمسيح ومعتزلون عن الخطيئة ليلتصقوا به. فبدون القداسة نحن مجموعةٌ دنيويّةٌ، سياسيّة. بالقداسة فقط نصير كنيسةً حيّةً، جسدًا للحيّ وحده الربّ يسوع المسيح.
الثقة والطاعة
أهمّ ما في الذكرى إذًا أنّنا ننطلق منها إلى العهد والوعد. فصحيح أنّ القداسة تنزل علينا نعمةً من فوق، ولكنّنا نفعلّها بالجهاد الروحيّ وهو إرادة القداسة، هذا ما ندعوه مؤازرة Synergy.
هذا الجهاد هو قبل كلّ شيء الطاعة لكلّ متطلّبات الإنجيل والطاعة تأتي من الثقة بأنّ الله يحبّك ويريد خلاصك.
فكلمة نسك asceticism هي التمرّس على تجسيد كلمة الله في حياتنا، القراءة الدائمة للكتاب المقدّس والكتب الروحيّة بعمقٍ ودوام الصلاة الحارّة والتوبة والافخارستيّة.
علينا الثقة به. هكذا ندخل في الإيمان الحقيقيّ الذي يجعلنا نسلّم أنفسنا إلى الرّب يسوع.
نحن نؤمن أنّ القداسة ممكنة هنا والآن، وأنّ الإنسان له أن يصير كائنًا إلهيًّا بالرغم ممّا يعتريه من ضعفٍ حسبما قال الرسول بولس: "لست أنا أحيا بل المسيح يحيا فيّ". (غل٢٠:٢).
القداسة ممكنة اليوم لأنّها ظهرت في كلّ العصور وليس صحيحًا أنّ أيّامنا هي أسوأ الأيّام أو أنّ تجاربنا أقسى ممّا كانت تجارب الأسلاف. فلقد كانت الدنيا مليئة بالخطايا وما خَلَت فترةٌ من الزمان من الإغراء. مع ذلك صمد المؤمنون بيسوع أمام جاذبيّة الشهوة والمجتمعات الفاسقة وعاشوا في زهدٍ وصبرٍ ووداعةٍ وعفّةٍ لأنهم فضّلوا يسوع على كلّ شيء، لأنّ المسيح كان فرحهم. وقد سمعوا قول داود: "ذوقوا وانظروا ما أطيب الربّ" وعرفوا أنّ الكنيسة لا تحيا بالأمجاد وليست بحاجةٍ إلاّ لمجد الله. وقد فهم الصالحون أنّ المسيحيّة ليست بالبهرجة ولا تقوم بالمال، وأحبّوا السيّد وهم فقراء "ذاقوا الهزء والجلد والقيود أيضًا والسجن، ورُجموا ونُشروا وامتُحنوا وماتوا بحدّ السيف، وساحوا في جلود غنمٍ ومعزٍ وهم معوزون مضايقون مجهودون" (عبرانيين٣٦:١١-٣٨). ونالوا بسبب هذه الشدائد كلّ تعزيات الروح القدس. وجرى هذا في كلّ العصور والبلدان ولم يستسلموا لآنّهم أدركوا عن يقين أن المسيح فيهم أقوى من كلّ شدّة، وفي كلّ الأزمنة كانت الكنيسة في القمع والاضطهاد ومع ذلك أقامت في الفرح تتمتّع برجاء القيامة. في السجون والاستبداد، كانوا هم المنتصرين. وفي العوز الشديد، كانوا هم المنتصرين. وعندما كانت الدول إلى يومنا هذا تطردنا من الكنائس وتغلقها، بقينا في بيوتنا كنيسةً حيَّةً وما خفنا يومًا لأن المعلّم قال لنا: "ثقوا فإنّي قد غلبت العالم".
انطلاقًا من كلّ ما سبق، نفهم أنّ الإنسان يفهم المسيحيّة إن عرف شيئين:
أوّلاً: أنّها مشروع قداسة ليس إلاّ، وثانيًا: أنّ كل مسيحيّ قادر على القداسة ويجب أن يطلبها.
فسِرُّ القداسة أّن يؤمن كلّ منّا أنّه يقدر أن يصبح بارًّا ولو تراجع الأكثرون، وأنّ القداسة تشعّ منه وتنشئ قدّيسين من حوله. فالقداسة هي الانطلاقة وهي المحجّة، لأنّها هي الفهم الكبير.
هكذا إذًا، يستطيع كلٌّ منّا أن يجعل هذه الذكرى عهدًا لنفسه، عهدًا ألاّ يستكين للخطايا التي فيه، ألاّ يطمئنّ إلى أنّه وصل.
ما نأخذه من العيد درس عنيد، فلا انهزام أمام التجربة ولا يأس بسبب ما نعاوده من السقطات ولكن رجاءٌ وطيد على أنّ بإمكاننا أن نجعل غدنا أفضل من أمسنا ومن يومنا بقوّة الروح، والذي قوّى القدّيسين ليصلوا إلى ما وصلوا إليه قادرٌ اليوم أن يحرّرنا من الخطيئة كما حررّهم، "فيسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد"(عبرانيين ٨:١٣)،
"الله يعطي قوّة لشعبه". فلولا هذه القوّة لما احتمل القدّيسون ما احتملوه من آلام جسديّة، ولما قدروا على مواجهة الأهواء الشريرة وكلّ أنواع الخطايا. فالله إذا يعطي قوّة لشعبه، غير أنّه كما أنّ الشمس في الأعالي تبسط أشعتّها بغزارة للجميع، لكن لا يراها إلاّ الذين عندهم عيون غير مغلقة، هكذا فإنّ الله يعطي بغزارةٍ من العلى للجميع لأنّه هو ينبوع التحنّن والصلاح، ولكنّ الذين يستفيدون من العطيّة هم فقط الذين يملكون الإرادة الطيّبة والإيمان والمحبّة، والذين يبتعدون عن الشرّ ويتمسّكون بالوصايا الإلهيّة ويوجّهون أعينهم العقليّة إلى المسيح شمس العدل.
المراجع
1-(عظة للقديس غريغوريوس بالاماس) أناجيل الآحاد بعد العنصرة. دير مار مخايل. كلمات آبائيّة 1. منشورات النور. 1995
2-خضر، المطران جورج. سنة الرب المقبولة. الروح والعروس 2.مطرانية جبيل والبترون وما يليهما. 2000
2-فامفينيس، الأب توماس. صوت الربّ عظات في أناجيل الآحاد. أبرشية طرابلس والكورة وتوابعهما للروم الأرثوذكس2014.
3- رعيتي 1992-1993-1994-1995-1996-1997-1998-2000-2001-2002-2004
2024-10-06
القداس الإلهي في كنيسة الصليب…
2024-10-08
بيان صادر عن المجمع الأنطاكي…
2024-10-10
نداء الأرثوذكس في لبنان "دعوا…
2024-10-16
كلمة البطريرك يوحنا العاشر في…
2024-10-31
شبكة الفصح للسنة الميلاديّة ٢٠٢٥