أحد القدّيس يوحنّا السلّمي



القدّيس يوحنا السُلّمي - سيرة حياته

ميلادُهُ:

ولد يوحنا، كما يبدو، في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي.

ترهبُهُ:

بعد أن بلغ يوحنا السادسة عشرة من عمره، وتلقّى من العلم قدراً وتفتّح ذهنه، مجّ مفاتن حياة البطلان، حبّاً بالله، وطلب جبل سيناء. حيثُ تكثرُ المناسك والأديار.

ومنذ أن دخل حلبة الصراع الرهباني، تخلّى عن كلّ ثقة بالنفس وسلك في أتّضاع القلب مسلّماً ذاته، في الجسد والروح، إلى شيخ اسمه مرتيريوس، وشرع بلا همّ أرضي يرتقي سلّم الفضائل. همُّه الأوحد أضحى أن يتخلّى عن مشيئته الخاصة.

تنسُّكُهُ:

أمضى يوحنا، تسعة عشر عاماً سالكاً بالطاعة، محفوظاً بصلاة أبيه الروحي. فلمَّا رقد معلّمه في الرّب قرّر مواصلة ارتقائه في الوحدة.

بعدما ترسّخ في الاتضاع، عبر العزلة الكاملة حتى لا يُحرَم ولا لحظة من عذوبة الله. حتى في هذا الأمر لم يعتمد على رأيه الذاتي بل على نصيحة شيخ آخر قدّيس، يُدعى جاورجيوس، أطلعه على نمط الحياة الخاصة بالهدوئيين. وقد اختار يوحنا، لذلك، موضعاً معزولاً يُعرف بـ "تولا" على بعد خمسة أميال من الدير الكبير.

لازم يوحنا المكان أربعين سنة مشتعلاً بحب الله المتنامي في قلبه أبداً لم يشغله خلالها شيء غير الصلاة المتواترة ويقظة القلب كأنّه ملاك بالجسد.

كان يحدث له أحياناً أن يُخطف في الروح وسط الأجواق الملائكية من دون أن يعرف هل هو في الجسد أو خارج الجسد. وبحرّيّة بالغة كان يسأل الله أن يلقّنه أسرار اللاهوت. ولما يخرج من أتون الصلاة كان يشعر بالنقاوة تارةً، كما لو خرج لتوّه من النار، وتارةً أخرى يلتمع ضياءً.

 

رئيساً لدير سيناء:

لما أكمل قدّيسنا سنواته الأربعين مقيماً في البرّيّة كموسى آخر، اختير رئيساً لدير سيناء. فكان راعياً ممتازاً وطبيباً حاذقاً ومعلّماً لامعًا يحمل في نفسه الكتاب الذي وضعه الله فيه حتى لم يعد في حاجة إلى كتب أخرى يُلقّن رهبانه بواسطتها علم العلوم وفنّ الفنون.

صيت دير سيناء ذاع لنمط حياة رهبانه، الذي وضعه لهم رئيسهم الفاضل. هذا ما جعل من الدير منارةً لكل الرهبان والحجاج الذين بدأوا يأتونه من كُلِّ حدبٍ وصوب.

 

مؤلّفاته:

لمَّا ذاع صيتُ الحياة الرهبانية ونمطها في دير سيناء، بفضل حكمة القدّيس يوحنا ودرايته، أرسل الأب يوحنا رئيس دير رايثو رسالة إلى قدّيسنا يطلب منه فيها أن يكتب بصورة واضحة ومنظّمة ومقتضبة عمّا هو ضروري لخلاص الرهبان الذين يعيشون الحياة الملائكية.

على هذا انبرى يوحنا يُحرِّر ألواح الناموس الروحي،  فكان ثمرة جهده كتاب "السلَّم إلى الله" الذي أضحى في الأدب النسكي، مرجعاً كلاسيكيّاً أساسيّاً في أصول الحياة الروحيّة، على مدى الأجيال.

فكرة الكتاب تقوم على أن "الوصول إلى الكمال الروحي" يستدعي "التدرّج في الفضائل" كمن يصعد "السلّم" وكلّ درجة فضيلة، وهي مستوحاة من رؤيا يعقوب في العهد القديم (تكوين 28 : 12-13).

أمّا الشيطان فيقوم بمحاربتنا عبر أفكار شريرة لإسقاطنا عن سلم الله إلى الهاوية ( وهذه هي التجارب).

وقد عدّد القدّيس تلك الفضائل (الدرجات) ، وجعلها ٣٠ درجة، وهي توافق عدد سنوات الرّب يسوع المسيح على الأرض قبل بدء رسالته التي دامت ثلاث سنوات بعدها، أي صُلب بعمر ال ٣٣ سنة.

أولى هذه الدرجات "الزهد" ونذكر من أهم الدرجات الأخرى :

أولى هذه الدرجات "الزهد" ونذكر من أهم الدرجات الأخرى : الطاعة (درجة 4) ، ذكر الموت (درجة 6)، الصمت (درجة 11)، التغلب على الكذب(درجة 12)، التغلّب على الجبن (درجة 21)، التواضع (درجة 25)، التمييز(درجة 26)، اللاهوى (درجة 29)، وأهمّها الثلاثون، ويجعلها "ثالوثاً" : "الإيمان والرجاء والمحبة" .

وتشدد الكنيسة في هذا الأحد من الصوم على التحلي "بالفضائل" المذكورة ، فتشبّه مسيرة الصوم نحو القيامة المبتغاة والتجارب التي نتعرض لها بسلّم الفضائل هذا.

 

رُقادُهُ:

بعد سنين الجهاد المضني، لبلوغ حياة القداسة،عيّن القدّيس يوحنا أخيه جاورجيوس رئيساً للدير بعد أن شعر بدنوِّ أجله. وهكذا أسلم روحه مودعاً إياها بين يدي الأب السماوي، لتنعمَ بالبركة والمحبَّة السماوية حيثُ السلام الذي لا بديل عنه، مهما علا شأن البديل.

زمن رقاده غير معروف، لكنّه على الأرجح ما بين القرن السادس والنصف الأوّل من القرن السابع للميلاد.

 

في الكبرياء - للقدّيس يوحنا السُلّمي

الكبرياء جحود لله، صنع الشياطين، ازدراء للناس، أم للادانة، ابنة للمدائح، علامة للعقم، ابتعاد عن معونة الله، نذير بضلالة العقل، نصيرة للسقطات، علة للعصبية، ينبوع للغضب، وليّة لقساوة القلب، جهل بالحنوّ، محاسبة مُرةّ، قاضية ظالمة، خصمة لله، وأصل للتجديف.

حيثما حلت سقطة فهناك سبق وسكنت الكبرياء، لأن حضور الكبرياء ينبئ بحلول السقطة … فان كان ملاك قد سقط من السماء لكبرياءه فقط دون أي هوي آخر، فلننظر لعلنا نستطيع الصعود الي السماء بالتواضع وحده من دون أية فضيلة أخرى، فإن التكبر إتلاف لمكاسبنا وأتعابنا.

عاتبَ شيخٌ أحدَ الإخوة على تكبره معاتبة روحية، فأجاب الأخ: "اغفر لي يا أبي فاني لست متكبراً" ، فقال به الشيخ كليّ الحكمة: "يا ولدي، أي برهان تعطينا علي تكبّرك أوضح من قولك: "لست متكبراً."

من الخزي أن يفتخر الإنسان بمحاسن غيره، ولكنه منتهى الجنون أن يتباهى بمواهب الله فيه، ان أردت أن تفتخر فافتخر بما حققتَه قبل أن تولد، لأن ما حققته بعد ولادتك قد وهبك الله إيّاه كما سبق ووهبك الولادة نفسها، وكلّ الفضائل التي صرت فيها حكيماً بغير عقلك هي وحدها التي حقاً لك، لأن العقل قد وهبك الله إيّاه، وكذلك سائر المحاربات التي خضتها بدون جسدك هي وحدها التي تمّتْ بهمّتكَ أنت، لأنّ جسدك ليس لك بل هو خليقة الله.

لا تطمئنّ إلى ذاتك ومصيرك قبل صدور الحكم الأخير عليك، ولا تتشامخ وأنت من الأرض، لأن كثيرين قد أهبطوا وقد كانوا في السماء.

إنّ الغرور ينشأ من نسيان الزلات، لأن ذكر الزلات يؤدي الي الاتضاع، فالكبرياء طامة كبرى لنفس فقيرة تتوهّم الغنى ! فتكون في الظلام وتتخيل النور، إن الكبرياء النجسة لا تمنعنا من التقدم فقط، بل تسقطنا أيضاً من علوّ الفضائل، لأن المتكبر لا يحتاج الى شيطان لإسقاطه، لأنه قد صار شيطاناً وعدوًّا لذاته. فكما ان الظلام غريب عن النور، فان المتكبر غريب عن الفضيلة. ففي قلوب المتكبرين تنشأ أقوال التجديف بينما في نفوس المتضعين تأملات سماوية.