عظة البطريرك يوحنا العاشر في إثنين الباعوث - …
عظة البطريرك يوحنا العاشر
في إثنين الباعوث - الكنيسة المريمية - دمشق
عيدنا اليوم
أيها الأحبة:
"ما أسعدَها صخرةً استحقّت أن تستر وتكشف المسيح! ومغبوطٌ ذاك الذي يفتح القلوب شأنها شأن القبور. طوبى لمن يمنح الإيمان بالقيامة والقيامة للإيمان، عندما يشهد أن الجسد الإلهي قد قام! فهنا ينقلب نظام الأشياء، لا يبتلع الرمس الميتَ بل الموتَ؛ ومرتع الموت يمسي خدراً محيِياً، ها، نوعٌ جديدٌ من الأرحام يتلقف ميتاً ويلد حياً".
بهذه الكلمات اختصرت ريشة بطرس أسقف رافينا حدث القيامة المعجز. وبهذه الكلمات تخفق قلوبنا، نحن بيعةَ يسوع، فرحاً بانتصار السيد على الموت الذي تسيّد جبلتنا. عيدنا هو عيد الافتقاد الإلهي، عيد "النقلة إلى السموات" كما تسميه ليتورجية سحر القيامة. عيدنا اليوم هو عيد الحكمة الإلهية التي استعلنت ظافرةً في طلبها ما ضاع عنها، فكَنَسَتِ الدنيا كلها كي تجد الدرهم الضائع ، الإنسان. عيدنا اليوم هو عيد الفصح، عيد العبور من إنساننا القديم إلى إنسانٍ جديد، اكتسحَتْه المحبة الإلهية وزنّرته بالرجاء فمضى برفقة يسوع من علياء صليبه إلى باطن رمسه ورآه محطماً قيود الموت وأمخال الجحيم، فأفاح للدنيا بأسرها بشائر النصر مرتكضاً مع النسوة حاملات الطيب مطلقاً معهن دموع الفرح.
عيدنا اليوم ذكرى انمحاق الظلمات أمام البازغ من القبر. عيدنا اليوم عيونٌ تبكي فرحاً وفرحٌ يكتسح العيون التي قرّحها الدمع. عيدنا اليوم هو تجلي المحبة الإلهية وسطوعها. عيدنا اليوم عيدُ انكسارِ شوكة الموت وتحويله رقاداً على رجاءِ لقيا الرب. عيدنا اليوم هو فرح الرعاة المكتمل وبهجة يوحنا السابق. عيدنا هو بهجة صالومي ودموع فرحِ المجدلية. عيدنا هو اعتراف بطرس ويقين توما. عيدنا اليوم هو موت شاول وحياة بولس. عيدنا اليوم هو خزي قيافا ومجد اللص الشكور، هو عار بيلاطس ورفعة لونجينوس (قائد المائة).
عيدنا اليوم هو يوم الرجاء وربيع الخليقة المفتداة بالدم الكريم. عيدنا اليوم هو مسح دموع المجدلية الخاطئة، وفيض دموع المجدلية الفرحة التي اكتحلت عيناها بمرأى الرب الناهض والمنهضِ معه جبلتها. عيدنا اليوم حربةٌ فتحت جنب السيد وأدفقت منه ينبوع حياةٍ لكنيسته، دماً وماءً، وحربةٌ فصحيةٌ طعنَتْ قوة الموت ومزقَتْ وجه اليأس والقنوط فأفاضت الحياة للجميع. عيدنا اليوم، سيدٌ يزيح ثقل الحجر ويكشف قعر الظلمة لوميض النور. عيدنا اليوم قبرٌ جديد يتقبل أحد الأموات فيمسي رحم ولادة أبناء الحياة ومبعثاً لنورٍ فاض على المسكونة.
الفصح بمعناه الأصلي هو العبور. نصلي ونرجو الرب الخالق أن يكون فصحنا فصح سوريا وعبورها إلى مرسى السلام وبر الطمأنينة. نسألك أيها الرب الخالق أن تكتنف سوريا وأهل سوريا برأفتك وتجفف دموع أعينٍ تاقت إلى سلامٍ ووئام. أعطنا يارب نور سلامك. وفقّه الجميع أن فاتورة العنف أغلى بكثير
من فاتورة السلام وأنِرْ الكل ليفهموا أن سوريا التي أنبتت الحرف تستحق منا ومن العالم كله أن تبقى عروس الحرف، لا مرتعاً للتطرف والتكفير والإرهاب. كما أن خطف المطارنة والكهنة لن يخطف منا الأمل أن هذه الديار التي عهدنا فيها رونق سلامٍ ستعود إلى سابق عهدها بقوة الله وبإرادة السوريين.
" قولوا لنا بربّكم، أي ذنب ارتكب المطرانان يوحنا وبولس؟ أنا أقول لكم، ما هو ذنبهم، ذنبهم أنهم رسلُ سلامٍ "
وقدرُنا جميعاً أن نكون رُسلَ سلامٍ، رسلَ سلامٍ لا استسلامٍ واستكانةٍ لصوت خنوع وتسليمٍ لتياراتٍ غريبةٍ عن فكرنا وتعايشنا مسلمين ومسيحيين. صلاتنا إلى الرب الإله أن يعطي سوريا روح سلامه الحق.نسألك ربي أن تنظر بعين رأفتك إلى هذا الوطن الجميل وتُترع قلوب أبنائه ببريق سلامك.
وبعد أن زرنا بلدة معلولا البارحة، نقولها للدنيا كلّها؛ إذا كانت حرية البعض تعني نزعَ صلبان الكنائس والأديرة ونبشَ القبور وتخريب المساجد وحرقَها. وإذا كانت حرية البعض تعني تدمير المنازل وتخريب عيشٍ مشترك عِشناه ونعيشه مع إخوتنا المسلمين، فبئسُها من حرية، لأن حريتنا وربيعنا يقومان على لقيا الآخر والنهوض معه بأعباء الوطن الجريح.
ومن هناك ومن معلولا بعثنا بسلام قيامةٍ لكل بُقعة من التراب السوري. من معلولا أرسلنا سلامَ قيامة لدمشق وقاسيونِها الشامخ. لحلبَ الغالية وأبنائها الخيّرين، لحمصَ وناسها الطيّبين. من صخر معلولا أرسلنا سلاماً لبلاد العرب الصخرية، لحوران وللجبل الأشم. سلاماً قيامياًلللاذقية ولطرطوس وإدلب وحماه. أرسلنا سلاماً من عروس القلمون لعروس الفرات، للجزيرة السورية ولأبنائها.
نعم من معلولا التي تحكي لغةَ المسيح، أرسلنا سلاماً فصحياً، قائماً من تحت رماد التكفير والإرهاب لكل بقعةٍ في بلادنا الغالية.
والآن، ومن مريمية دمشق، نجدّد هذا السلام الفصحي. وهذا السلام لكل أبنائنا في سوريا، مسلمين ومسيحيين، سلامُ قيامةٍ للبنان أيضاَ ولأبنائنا اللبنانيين. لبنان مدعوٌّ بمنطق الحوار والعيش المشترك إلى تجنب فراغ السلطات وترسيخ أسس المواطنة. وعندما نقول مواطنة فهذا يعني أننا ننطلق من الوطن ونترفع عن حساباتٍ صغيرة. عندما نقول مواطنة، فهذا يعني التمترس خلف الوطن والنظر إلى خير إنسانه باستثمار ثرواته وإيصالها إلى الناس، لا رهنَها بمصالح أخرى. في ملف الوطن، حريٌّ بنا أن نذيب ملفاتنا، وإذ ذاك تكونُ مواطنةٌ حقّةٌ.
من هنا، من حنية الكنيسة المريميّة، أرفع صلاتي إلى الرب القدير من أجل العراق الذي يرزح، كما غيره، تحت التفجيرات الآثمة ومن أجل مصر العزيزة التي تعبر مرحلة صعبة ومن أجل فلسطين الجريحة مهد المسيح الذي نحتفل بقيامته اليوم. أرفع صلاتي من أجل المشرق كله والعالم أجمع. وأخص في دعائي أبناءنا الأنطاكيين في بلاد الانتشار. سلامي لهم بالمسيح الناهض من بين الأموات، ورسالتي لهم رسالة عرفانٍ بواجب أتموه ويتمونه، وهو مساندةُ إخوتهم في الوطن وشد أزرهم وقت الشدة.
أعطنا يا رب أن نجوز بعونك صليب بلادنا وأن نرى في قيامتك قيامةً لأوطاننا ولإنسانها لكي نصرخ إليك بفم قديسك يوحنا، ابن دمشق البار:
"أيها المسيح المخلص، إننا أمس قد صلبنا معك واليوم نقوم معك بقيامتك. أمس قد دُفنّا معك فأنت أهِّلنا معك لملكوتك" .
المسيح قام، حقاً قام.
2024-09-22
القداس الإلهيّ في دير القديس…
2024-10-06
القداس الإلهي في كنيسة الصليب…
2024-10-08
بيان صادر عن المجمع الأنطاكي…
2024-10-10
نداء الأرثوذكس في لبنان "دعوا…
2024-10-16
كلمة البطريرك يوحنا العاشر في…