القدّيس جراسيموس الأردني البار
القدّيس جراسيموس الأردني البار (القرن5م(:
هو من مقاطعة ليسيا في آسيا الصغرى. اقتبل الحياة الرهبانية ف وطنه وأصاب نجاحات كبيرة في مواجهته رئيس سلطان الهواء (أف2:2). ومن ليسيا انتقل إلى فلسطين فاعتزل في إحدى البراري على امتداد نهر الأردن.
ويبدو أن إبليس تمكّن هناك من خداعه لفترة من الوقت بعد سنتين من انتقاله، فإن ثيودوسيوس الدجّال، مغتصب الكرسي الأورشليمي، استماله إليه وإلى القول بالطبيعة الواحدة.
لكن لم يشأ الله لأحد كواكب البرية أن تشمله الظلمات لا سيّما لحسن سيرنه وسلامة نيّته وبساطة قلبه. أليس أن الرّب الإله يحفظ الأطفال؟
لذا لفت عبده جراسيموس إلى القدّيس أفثيميوس الذي كان معروفًا في تلك الأصقاع أنّه رجل ممتلئ من روح الله، فمالت نفس جراسيموس إليه.
وإذا أتاه أحبّه وسمعه، وأخذ يتردد عليه. لهذه العلاقة الطيبة بين القدّيسين كان الفضل في عودة جراسيموس عن الضلالات التي ألقاه فيها ثيودوسيوس الآنف الذكر.
وإلى أفثيميوس أقام قدّيسنا علاقات وبعض أبرز نساك فلسطين، أمثال أنستاسيوس، بطريرك أورشليم، وثيوكتيستوس وسابا ويوحنا الهدوئي.
جراسيموس في الأردن:
أمضى جراسيموس في الأردن معتزلاً بعض الوقت ثم بدأ التلاميذ يفدون عليه.
لهولأء بنى رجل الله لافرا مكوّنة من سبعين قلاية للنسّاك وفي وسطها دير للشركة. وقد نقل إلينا راهب اسمه كيرلّس بعض قواعد التقوى التي مارسها جراسيموس وفرضها على الذين معه:
1. كان الدير لمن رغبوا في اقتبال الحياة الرهبانية. فيه كانوا يُعدَّون كمبتدئين.
2. أمّا الذين تكمّلوا في ممارسات المبتدئين وكابدوا الأتعاب والمشقات فإنه كان ينقلهم إلى اللافرا حيث يُعطون قلالي ليكونوا في خلوة وهدوء النفس.
3. هؤلاء كان جراسيموس يفرض علهيم ملازمة قلاليهم خمسة أيام في صمت صارم لا طعام لهم غير الخبز والبلح والماء.
4. ثم في السبت والأحد كانوا يأتون إلى الكنيسة ليتناولوا االقدسات ثم يشتركوا في المائدة في الدير حيث يُعطون بعض الخضار المسلوقة وقليلاً من الخمر.
5. لم يكن مسموحاً لهم، في قلاليهم، أن يشعلوا نارًا ولا حتّى ليضيئوا ظلمة الليل لقراءتهم.
6. وكان عليهم أن يتركوا أبوابهم مفتوحة متى خرجوا من قلاليهم حتى تكون لأي كان حرية الدخول وأخذ ما يحتاج إليه منها. كان يهمّ جراسيموس أن يتروّض الرهبان على عدم القنية وأن يتعاطوا والآخرين باعتبار أن كلّ شئ بينهم مشترك على غرار الرسل والمؤمنين الأوائل في أورشليم.
7. الفقر بينهم كان موصى به بشدة، وكذلك الإّتضاع باعتبارهما أثمن زينة للنفس. تخلّيهم عن الرفاهية وحرمانهم الحاجيات الشخصية كانا إلى أبعد الحدود. لم يكن لأحد منهم رداء يلبسه فوق الثوب على بدنه. أسرتّهم كانت عبارة عن حصر من الأسَل وهو ما يستعمل في صنع السلال، واغطيتهم خرق موصولة إحداها بالأخرى. ثم كان لكل منهم جرّة لحفظ الماء، سواء للشرب أو لنقع سعف النخيل. هذا ما كان يشكل متاع القلاية.
8. مهنتهم كانت الصلاة وشغل الأيدي. كانوا في السبت يخرجون إلى الدير بما صنعته أيديهم طوال الأسبوع. ثم يعودون في الأحد إلى قلاليهم، حوالي ساعة الغروب حاملين مؤونتهم من الخبز والبلح والماء، وكذا سعف النخل لشغل أيديهم لغاية السبت التالي. هكذا كان هؤلاء المجاهدون يسلكون في خلوتهم محرّرين من كل اهتمام عالمي، لا يمدّون أبدانهم إلا بما هو ضروري، والضروري عندهم كان يسيرًا. همهم كان أن ينموا في الفضيلة تشوّقًا إلى الخيرات الأبدية. كان جراسيموس صارماً في حفظ قانون الحياة بين رهبانه. مرّة سألوا إذنه ليشعلوا نارًا لتسخين الماء وتناول المطبوخ والقراءة على ضوء القنديل فأبى عليهم ذلك بشدّة. كان يخشى أن يؤول الأمر إلى تراخي رهبانه وطلبهم المزيد من تسهيلات الحياة فيفسُد سعيهم، وعوض أن تسمو أذهانهم إلى العلويات تهوى إلى السفليات. سكان أريحا بلغهم خبر ما يقسو به هؤلاء النسّاك على أنفسهم فشاؤوا أن يحملوا إليهم، أيّام السبت والأحد، بعض المرطبات. هذا كان من ناحية السكان عمل محبة ممدوحًا. أما النسّاك فكان مدعاة للقلق. أكثرهم كان يهرب من إقبال الناس عليهم لأنّهم رأوا في عمل الإحسان حيالهم تجربة تنال من سعيهم إلى حفظ الصوم، لا سيما وأبوهم الشيخ أوصاهم أن الإمساك أب الزهد الكامل وبه يقوّون على السهر وحفظ أنفسهم من الأفكار السمجة. في كلّ ذلك كان جراسيموس المثال الصالح ونموذج الفضيلة الحيّ وكان يكتفي، في الصوم الكبير، بتناول القدسات.
رقاده:
على هذا النحو سلك، سنة بعد سنة، إلى أن رقد في الرّب في السابع عشر من آذار من السنة 474 او ربما 475 للميلاد. بقى ديره قائماً إلى القرن الثاني عشر.
يوحنا موسكوس الذي عاش في القرن التالي لموت قدّيسنا وترهّب في دير القدّيس ثيودوسيوس القريب من أورشليم، نقل بعض أخبار دير القدّيس جراسيموس كما نقل، في كتابه "المرج الروحي"، عن القدّيس جراسيموس، هذه الرواية:
القدّيس جراسيموس والأسد:
على بعد حوالي ميل واحد من نهر الأردن كانت تقع لافرا القدّيس الأنبا جراسيموس. في هذه اللافرا كان الآباء، كلّما ذهبنا إلى هناك، يخبروننا بشأن هذا القدّيس أنه فيما كان يوماً يتمشى على ضفة النهر دنا من اسد يزأر متوجعًا. كانت قدمه تؤلمه وكان يمشي بصعوبة. فإن رأس قصبة اخترقها واستقر فيها. كانت القدم منتفخة وممتلئة قيحاً. فلمّا عاين الأسد الراهب دنا منه وأراه قدمه المجروحة. وكان كأنّه يبكي ويسأل العون. فلمّا رآه جراسيموس على هذه الحال جلس وأخذ القدم في حضنه، ثم فتح الجرح وأخرج القصبة والقيح، وبعدما نظف الجرح ولف القدم بقطعة قماش تركه لينصرف. لم يشأ الأسد الانصراف بل ملازمة الراهب كتلميذ جديد له. فقبله الراهب فأخذ الأسد يرافقه في دخوله وخروجه. مذ ذاك أخذ جراسيموس يطعمه الخبز والخضار المسلوقة.
وكان في اللافرا حمار يستعين به الإخوة على نقل حاجتهم من المياه، من نهر الأردن. وقد اعتادوا أن يسلموا الحمار ليُحفظ الأسد. فكان الأسد يخرج بالحمار إلى ضعة النهر ليرعى ثم يعود به إلى اللافرا. وحدث في أحد الأيام أن كان الحمار يرعى تحت حراسة الأسد ولكنّه ابتعد قليلاً ولم يلاحظه الأسد، ربما لأنه غفا قليلاً، فمرّ جمّالون آتون من العربية فوجدوا الحمار فأخذوه وذهبوا. بحث الأسد عن الحمار فلم يجده فعاد إلى الدير حزينًا مطأطئ الرأس.
فظن جراسيموس أن الأسد عاد إلى وحشيته وافترس الحمار فقال له: " أين الحمار؟ " فصمت الأسد وأحنى رأسه، فقال له الراهب: هل افترسته؟ إني باسم الله المبارك أقول لك، ما اعتاد الحمار فعله عليك أنت أن تفعله من الآن فصاعداً.
من تلك اللحظة أخذ الأسد يحمل البردعة والآنية الأربعة للمياه. بقي الأسد على هذه الحال ردحاً من الزمان. وذات يوم مرّ عسكري بالمكان فرأى الأسد يحمل المياه فتعجّب وسأل عن السبب. فلما أُخبر بما جرى أسف لحاله وأخرج ثلاث قطع فضية أعطاها للرهبان ليشتروا حمارًا ويطلقوا سراح الأسد. فكان كذلك وانطلق الأسد حرًا.
وما إن مضى بعض الوقت حتى حدث العجب. كان الأسد يتنقّل حرًا فإذا به يجد نفسه وجهًا لوجه أمام الحمار الضائع.
الأسد يجد الجمار الضائع:
الجمّال الذي أخذه كان عائدًا إلى المدينة المقدّسة ليبيع قمحه، فمرّ من هناك. عرف الأسد صاحبه للحال فانقّض عليه وعضه على الغارب، ما بين العنق والصهوة، كما كانت له عادة وجره، كما جرّ معه ثلاثة جمال كانت مربوطة الواحدة إلى الأخرى فإلى الحمار يتقدّمها.
فلمّا وصل الأسد إلى الدير بحث عن جراسيموس وقدّم له الحمار. إذ ذاك عرف الراهب إنّه اتّهم الأسد ظلمًا. فسمّاه، مذ ذاك، أردن. وعاش الأسد مع جراسيموس في اللافرا خمس سنوات لا ينفصل عنه.
فلمّا رقد قدّيسنا بالرّب ودفنه الآباء، حدث أن الأسد، بتدبير من الله، لم يكن موجودًا. فلمّا عاد أخذ يبحث عن صديقه فلم يجده. وإذ رآه ساباتيوس، تلميذ الأنبا جراسيموس، قال له:" يا أردن، لقد غادرنا راهبنا يتامى إلى الرّب، ولكن تعال وكل ".
فلم يشأ الأسد أن يأكل. كان ينظر يمينًا ويسارًا باحثًا عن صاحبه وهو يزأر كمن لا يطيق الفراق.
حاول ساباتيوس والآباء التخفيف عن الأسد. قالوا له: " لقد ذهب الراهب إلى الرّب. تركنا. لم يعد هنا ".
لا شئ خفف عن الأسد لوعته. كان يزداد زئيرًا وأنينًا. إذ ذاك قال له ساباتيوس: " تعال معي يا أردن. طالما لا تصدقنّا فسأريك أين وضعناه ".
فجاء ساباتيوس والأسد إلى القبر على بعد نصف ميل من الكنيسة. فلما بلغاه قال ساباتيوس: " هنا يرقد راهبنا، ثم جثا على ركبتيه ". فلمّا رآه الأسد جاثيًا ضرب رأسه أرضًا وزأر زئيرًا عظيمًا وسقط عند القبر صريعًا " .
هذا وقد علقّ يوحنا موسكوس على ما حدث للأسد فقال: " إن ما جرى كان لا لننسب للأسد نفسًا ناطقة بل لأن الله أراد أن يُمجِّد الذين يمجّدونه، لا فقط في مدة حياتهم ولكن بعد موتهم أيضًا. وكذا أن يبيّن كيف أن البهائم كانت خاضعة لآدم قبل أن يتعدى الوصية ويُطرد من الفردوس ".
2024-10-06
القداس الإلهي في كنيسة الصليب…
2024-10-08
بيان صادر عن المجمع الأنطاكي…
2024-10-10
نداء الأرثوذكس في لبنان "دعوا…
2024-10-16
كلمة البطريرك يوحنا العاشر في…
2024-10-31
شبكة الفصح للسنة الميلاديّة ٢٠٢٥