القدّيسان الصدّيقان يواكيم وحنّة جدّا المسيح الإله
نعيّد اليوم لجدّيّ المسيح يواكيم (يُويَاقِيم) وحنّة والدي والدة الإله مريم العذراء. وذلك لأن الأمس كان عيد والدة الإله ابنتهما. وهذا متبّع في الكنيسة الأرثوذكسيّة إذ يعيّد في اليوم التالي لسبب العيد.
مثلًا، العيد الجامع لوالدة الإله في ٢٦ كانون الأوّل لأن عيد الميلاد في ٢٥ كانون الأوّل.
عندما ننظر إلى أيقونة القدّيسين الصدّيقَين يواكيم وحنّة جدَّيِ المسيح الإله نشاهد عائلةً مقدّسة، صبرت وصلّت وطلبت نعمة الله بتواضع ومحبّة.
نعم، والدة الإله خلقت في عائلة مقدّسة. ساعدنا يا رب أن تكون عائلاتنا مقدّسة تسترها أنت بستر جناحيك.
- معنى اسم يُويَاقِيم (يواكيم):
اسم يُويَاقِيم عبريّ يتألّف مِن جزئين: يهوه أي الكائن (الله)، وفعل قم، ليصبح الله يقيم أو ينهض أو يؤسس كما يأتي في المستقبل سيقيم.
Meaning: Yah Raises Up, The Lord Will Set Up.
Etymology: From (1) יו (yu), an alternate of יה (yah), the shortened form of the name of the Lord, and (2) the verb קום (qum), to rise up or stand.
كذلك يستعمل في العمران مثل أقام عمرانًا أو أقام خيمته أي نصب خيمته.
يكتب عامة يواكيم لكنّه في الأصل يُويَاقِيم وذلك كما جاء في العهد القديم في سفر نحميا: "وَيَشُوعُ وَلَدَ يُويَاقِيمَ، وَيُويَاقِيمُ وَلَدَ أَلِيَاشِيبَ" (نح١٠:١٢)، و"كَانَ هؤُلاَءِ فِي أَيَّامِ يُويَاقِيمَ بْنِ يَشُوعَ بْنِ يُوصَادَاقَ، وَفِي أَيَّامِ نَحَمْيَا الْوَالِي، وَعَزْرَا الْكَاهِنِ الْكَاتِبِ." (نح٢٦:١٠). يشوع المذكور هنا هو الكاهن العظيم في زمن عودة اليهود من السبي.
- معنى اسم حنّة:
حنّة Hanna اسم عبري ومعناه الحنان والرأفة والنعمة وحتّى الخلاص. وهو في العبرية شانا، تمامًا كما صرخ الشعب اليهوديّ للرّب يسوع المسيح في دخوله أورشليم: هوشنا أي "يهوه"خلّصنا وترأف وتحنّن علينا"، ومنه أتى اسم عيد الشعانين.
ملاحظة: اسم يسوع أو يشوع مختصر ليهوشَع ، وهو مؤلّف مِن يهوه، وفعل الخلاص شانا ليصبح الله يخلّص.
- يُويَاقِيم (يواكيم) وحنّة:
كان يعيش زوجان في مدينة الناصرة هما يواكيم وحنة.
يواكيم الصدّيق هو ابن فاربافير من سلالة ناثان بن داود. وحنّة هي ابنة الكاهن متان من قبيلة هارون، ولها أختان مريم وصوفيّا تزوّجتا كلاهما في بيت لحم، مريم ولدت صالومي وصوفيّا ولدت أليصابات أم النبي يوحنا المعمدان، أمّا حنة ولدت مريم العذراء أم الإله في الناصرة.
كان يواكيم وحنّة باران أمام الله، نقييّ القلب، محافظين على وصاياه، وقد اشتهرا عند الجميع بتواضعهما.
عار العقر:
مضى على زواجهما خمسون سنة وأصبحا طاعنين في السن ولم يرزقا بولد، فتملّكهما الحزن لأن ذريّة داود كانت قد أعطيت رجاءً بميلاد ماسيّا المخلّص الموعود به لخلاص البشر.
كما كانا محط احتقار مواطنيهما، حسب عادة ذلك الزمان، لأن العاقرين في نظرهم هما خاطئين أمام الرّب، وعارين على أمتهما.
حياتهما كانت طافحة بالمحبة لله والشفقة على القريب، فكانا يفرزان كلّ سنة ثلثي دخلهما ويقدّمان الثلث إلى هيكل الرّب، ويوزّعان الآخر على الفقراء، وأما الثالث فيبقيانه لحاجاتهما.
كانا سعيدين في حياتهما هذه، إلّا أن عار العقر كان يفعم قلبيهما طوال مدّة حياتهما الزوجيّة الطويلة، وكان ليواكيم الحق بموجب الشريعة الفريسيّة أن يقاضي حنة بالطلاق بسبب عقرها، إلاّ أنّه، وهو الرجل الصدّيق، قد أحب امرأته حنّة واحترمها لأجل وداعتها الفائقة وفضائلها ولم يرد أن يفارقها، فعانيا كلاهما ثقل الامتحان باكتئاب قلب تنزّه عن التذمّر، واستمرا يعيشان في الصوم والصلاة والإحسان، ويشدد احدهما الآخر بمحبّة متبادلة، والأمل بأن الله قادر أن يرحم عباده.
ومن عادتهما أن يزورا أورشليم في الأعياد العظيمة، ففي عيد تجديد الهيكل جاء يواكيم مع بعض مواطنيه ليقدّم فيه قرابينه، فرفضها رئيس الكهنة ايساخر قائلاً له: «أنت غير مستحق لأن تُقبل منك قرابين لأنّك غير مثمر، فلا ريب في أنّك لم تنل بركة الله بسبب خطاياك الخفيّة».
وقال له رجل من سبط راؤبين: «لماذا تريد أن تقدّم قرابينك قبلي ؟ أفلا تعلم أنّك غير مستحق لأن تقدّم معنا قرابين لأنّك لم تقم ذريّة في إسرائيل؟».
فثقل على يواكيم أن يسمع هذه الملامات، وخجل ولم يرجع إلى بيته بل هام على وجهه إلى البريّة مغتمًا جدًا، وانصرف إلى رعاية قطيع غنمه وهو يبكي العقم والعار.
هناك بكى الشيخ البار وصام وصلى أربعين يومًا ناقعًا اكتئابه بدموع الاستعطاف والدعاء إلى الله ليرفع عنه العار والتبّكيت، ويمنحه ولدًا في شيخوخته وطالبًا منه الرحمة الإلهيّة والعزاء الذي ناله صفيه إبراهيم وقال: «لستُ أذوق طعامًا ولا أعود إلى بيتي، فدموعي هي طعامي والبريّة هي بيتي حتى يستمع لي الرّب».
وفي الوقت ذاته عرفت حنة بإهانة زوجها، وبأنّه قد هجرها إلى البريّة، فسالت دموع عينها سخيّة ومضت إلى البستان إخفاءً لحزنها عن أهل البيت.
ظهور الملاك لهما:
وبينما كانت جالسة تبكي تحت شجرة الغار وتصلّي بإيمان لا يتزعزع ليجعل الرّب القادر على كلّ شيء غير الممكن ممكنًا، وإذ رفعت عينيها في ذلك الحين إلى السماء، وشاهدت من بين أغصان الغار عشًا لأفراخ العصافير عارية، فزادت دموعها غزارة وعظمت صلاة التشكّي في قلبها فهتفت قائلة: «ويلي أنا العاقر الوحيدة الذليلة بين جميع النساء، فبماذا يمكن أن أشبّه ذاتي ؟
إني لا استطيع أن أشبّه نفسي لا بطيور السماء ولا بوحوش الأرض لأنّها تقدّم لك أيها الرّب ثمرتها، وتتعزّى بأولادها، أمّا أنا فمحرومة من هذا السرور، بل ولا اقدر أن أشبّه نفسي بالأرض لأنّها بنباتها وأثمارها تباركك، أمّا أنا فإنّي الوحيدة غير المثمرة على الأرض وكصحراء بلا ماء، بلا حياة ، وبلا نبات، فويلي أيّها الرّب، انظر إليَّ واستمع صلاتي يا مَنْ وهبتَ سارة ابنًا في شيخوختها المتناهية، وفتحت رحم حنة أم صموئيل، افتح رحمي واجعلني أنا العاقر مثمرة حتى نقدّم مَنْ ألده نذيرًا لك ممجدّين رحمتك».
فظهر أمامها فجأة ملاك الرّب وقال لها: «يا حنّة، إن صلاتك قد سُمعت، وتنهداتك قد اخترقت السحاب، ودموعك قد بلغت عرش الرّب، فأنتِ ستحملين وتلدين بنتًا فائقة البركات، لأجلها تتبارك قبائل الأرض كلّها، وبها يُمنح الخلاص للعالم أجمع، وتُسمّى مريــم».
فسجدت حنة للرّب، وهتفت وهي ممتلئة فرحًا تقويًّا: «لَعَمْرُ الرّب الإله، إنّني إذا رزقتُ ابنة نذرتها لخدمة الرّب، فلتخدمنّه ليلاً ونهارًا مادحةً اسمه القدّوس».
وأمر الملاك حنّة بأن تذهب إلى أورشليم بعد أن تنبأ لها بأنّها ستلتقي بزوجها عند الباب الذهبي. فأسرعت وهي تلفظ هذا النذر إلى أورشليم لتحمد العليّ وتشكره في الهيكل على رحمته الإلهيّة.
وفي الوقت ذاته ظهر الملاك ليواكيم الصدّيق وهو واقف في البريّة يصلّي وقال له: «يا يواكيم، إن الله قد سمع صلاتك، فستحمل امرأتك حنّة وتلد لك ابنةً يحبو ميلادها العالم كلّه بالسرور، وهاك آية فاذهب إلى الهيكل في أورشليم فتلاقي عند الباب الذهبي زوجتك حنّة التي بشرّتها أنا بهذا».
ولادة العذراء:
فلما التقيا قدّما معًا قربان حمد في الهيكل، وعادا إلى بيتهما وإيمانهما وطيد بأنّهما سينالان ما وعدهما به الرّب، فحملت حنّة في اليوم التاسع من كانون الأول، وولدت في اليوم الثامن من أيلول مريم الفائقة النقاوة والبركات بدء خلاصنا وشفيعتنا التي فرحت بميلادها السماء والأرض، وقدّم يواكيم إلى الله تقادم عظيمة وقرابين وضحايا، ونال بركة رئيس الكهنة والكهنة واللاويين والشعب، وهيأ وليمةً حضروها وباركوا الله مبتهجين.
ملاحظة:
لم ترد في الإنجيل رواية ميلاد العذراء مريم، وإنما حُفظت عنه تواترات مسطرّة في مؤلفات القدّيس ابيفانيوس أسقف قبرص، ومؤلفّات المغبوط ايرونيموس وغيرهما.
2024-10-06
القداس الإلهي في كنيسة الصليب…
2024-10-08
بيان صادر عن المجمع الأنطاكي…
2024-10-10
نداء الأرثوذكس في لبنان "دعوا…
2024-10-16
كلمة البطريرك يوحنا العاشر في…
2024-10-31
شبكة الفصح للسنة الميلاديّة ٢٠٢٥