القدّيسة فوتيني السامرية
فوتيني اسم يوناني يعنى مضيء أو منير أو مشرق. وهكذا يصبح معنى الاسم "الذي ينشر نور المسيح"
فوتيني القديسة، وشهيدة المسيح العظيمة. كانت امرأة سامرية من مدينة سوخار. وأول مرة نقابلها في إنجيل القديس يوحنا. كانت هي المرأة التي تحدث معها ربنا يسوع المسيح عند بئر يعقوب. ويقع هذا البئر عند الطرف الشرقي للوادي الذي
يفصل جبل جرزيم وجبل عيبال.
المرأة عند البئر
غادر يسوع اليهودية وسافر شمالاً نحو الجليل. ولقد اختار طريق السامرة عن قصد وقد كان طريقاً لا يحب اليهود أن يعبروه. ولقد نزل من مرتفعات افرايم إلى مدينة في السامرة تدعى سوخار بقرب الضيعة التي وهبها يعقوب ليوسف ابنه. وكانت هناك بئر يعقوب. وإذ كان المسيح متعباً جلس هادئاً على حجر بقرب البئر. وكان نحو الساعة السادسة (وقت الظهيرة) (يوحنا 4: 3 ـ 6).
القديسة فوتيني بعد حلول الروح القدس يوم الخمسين.
بعد صعود ربنا وحلول الروح القدس على الرسل القديسين يوم الخمسين اعتمدت هذه المرأة المباركة مع ابنيها وخمس أخوات لها على يد الرسل.
بعد ذلك تبعوا جميعهم الرسل بغيرة متقدة نحو المسيح المخلص، وبشروا بالمسيح من مكان لمكان ومن بلد إلى بلد. وحوّلوا الكثير من الوثنيين من عدم التقوى إلى الإيمان المستقيم بالمسيح.
أثناء حكم الإمبراطور الروماني الكافر نيرون (54 ـ 68 م) صار اضطهاد عظيم على المسيحيين بعد استشهاد أئمة الرسل بطرس وبولس (64م). طلب نيرون أن يطرد جميع تلاميذهم وكل من يؤمن بالمسيح. ولم يعلم عديمو العقل أنه كلما تعقبوا المؤمنين بالمسيح كلما زادوا وثبتوا لأن المسيح قال: "أبواب الجحيم لن تقوى عليك" ـ أي الكنيسة ـ (متى 16: 18).
في ذلك الوقت كانت القديسة فوتيني بصحبة ابنها الأصغر يوسى في قرطاجة حيث كانا يبشران بإنجيل المسيح؛ فاجتذبوا الكثيرين من غير المؤمنين إلى المسيح. أما الابن الأكبر للقديسة فكان في الجيش الروماني وكان يدعى فيكتور. وكان يسلك باستقامة وشهامة في الحرب وانتصر عدة مرات على أعدائهم. ولما رقاه "نيرون" إلى رتبة قائد لم يكن الإمبراطور يعرف أنه مسيحي. وبعد مدة أمر نيرون فيكتور أن يعود إلى إيطاليا لكي يقبض على المسيحيين ويعاقبهم.
تكلم سيباستيانوس أمير إيطاليا مع فيكتور عن هذا الأمر قائلاً: "إني أعلم جيداً أيها القائد أنك مسيحي. أمك وأخوك يوسى أيضاً مسيحيين وقد تبعوا بطرس وبولس ولكن، على أي حال أنا أنصحك لكى لا تهلك حياتك أن تفعل ما قاله الإمبراطور، أي تنفيذ أوامره لك بمعاقبة المسيحيين".
أجاب فيكتور القائد: "إني أشتهي أن أصنع مشيئة ملكي السماوي والأبدي المسيح الإله الحقيقي. الأمر الذي أصدره نيرون الإمبراطور لتأديب المسيحيين لا أحتمل مجرد سماعه فكيف أنفذه!"
أجاب الأمير: "إنى أنصحك كصديق حقيقي أن تفعل ما هو لمصلحتك، لأنك إذا جلست على كرسي الحكم لتحاكم وتؤدب المسيحيين سوف يشكرك الإمبراطور، وكل غنى المسيحيين يصبح لك! وأكثر من هذا إني أحثك أن تبلغ أمك وأخيك ألا يبشروا بالمسيح علناً. انصحهم ألا يعلموا اليونانيين أن ينكروا ديانة آبائهم لئلا يصيبك أذى".
أجاب فيكتور: "الله لا يسمح أن أفعل ما تكلمت به أي أن أعاقب المسيحيين أو أغتصب مالهم. الله لا يسمح أن أشير على أمي أو أخي لكيلا يبشروا بالمسيح الله. بالحق أنا مسيحي وأشتاق أن أكون مبشراً بالمسيح مثلهم وحينئذ دعنا نرى أي شر سيأتي به المستقبل".
بعد أن نطق بهذا الإعلان فقد الأمير بصره في الحال. وسقط على الأرض بلا كلام بسبب الآلام الفظيعة التي كانت في عينيه.
والذين كانوا واقفين بالقرب من سيباستيانوس أخذوه ووضعوه على سرير وبقي هناك صامتاً ثلاثة أيام. وأخيراً في اليوم الرابع صرخ قائلاً: "إله المسيحيين هو الله"! فاقترب منه فيكتور وقال: "لماذا غيرت رأيك فجأة يا سيباستيانوس؟" أجاب الأمير: "لأن المسيح يستدعيني يا فيكتور الحلو عندي".
في الحال وعظه فيكتور وعرفه الإيمان بالمسيح وبعد ذلك نال المعمودية. وفي اللحظة التي خرج سيباستيانوس من جرن المعمودية رجع إليه بصره ومجد الله. فخاف الوثنيون لما رأوا هذه الأعجوبة، ولئلا يصيبهم ما أصاب الأمير إذا لم يؤمنوا. أسرعوا جميعهم إلى فيكتور الذي علمهم الإيمان بالمسيح ثم اعتمدوا.
بعد قليل ذاعت أخبار ما حدث في كل روما وأخيراً وصلت مسامع نيرون. كان من المستحيل أن يخفوا أمر سيباستيانوس والقائد العام لإيطاليا فيكتور، بأنهم يعلنان تعاليم بطرس وبولس وباقي الرسل. وأكثر من هذا كانت فوتيني ويوسى في قرطاجة حيث أرسلهم الرسل. وبنفس الأسلوب كانا يعترفان بالمسيح بغيرة مثل فيكتور.
وإذ غضب الإمبراطور أرسل رجاله لتجميع المسيحيين من كل إيطاليا رجالاً ونساءً إلى روما. ولكن الرب ظهر للمسيحيين قائلاً: "تعالوا إلىَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم". (متى 11 : 28) ، "لا تخافوا لأنّي معكم وأنا اشتهى أن أقهر نيرون ومن معه".
ثم قال الرب لفيكتور: "من الآن سيكون اسمك فوتينوس لأن بواسطتك أريد أن يستنير الكثيرين ويؤمنون بى. عليك أن تقوى سيباستيانوس بكلماتك من أجل الشهادة حتى إذا جاهد إلى النهاية يصير مباركاً ومغبوطاً". ولما نطق بكلمات التشجيع هذه صعد الرب إلى السموات.
كل هذا أُعلن لفوتيني القديسة بالإضافة إلى أحداث مستقبلية. فقررت أن تغادر قرطاجة Carthage وتذهب إلى روما مع كثير من المسيحيين. وصولها سبب اضطراب في روما كلها. وكانوا يتساءلون في كل مكان: "من هذه التي أتت بحشد عظيم هكذا؟" فكان اعتراف القديسة فوتيني التي بلا عيب بالمسيح بجرأة زائدة.
في ذلك الوقت اصطحب جنود نيرون الابن الأكبر لفوتيني الذي أصبح اسمه فوتينوس مع سيباستيانوس إلى روما. وأثناء ذلك قُبض على فوتيني وأحضروها وآخرين للمحاكمة أمام نيرون.
سألهم نيرون قائلاً: "لماذا جئتم إلينا".
أجابت القديسة: "جئنا حتى نعلمك أن تؤمن بالمسيح".
وفي تلك اللحظة أعلن الخدام للإمبراطور عن قدوم الأمير سيباستيانوس والقائد العام فيكتور. فقال الإمبراطور: "دعوهم يدخلون".
ولما أحضروا فوتينوس و سيباستيانوس إلى الإمبراطور خاطبهما قائلاً: "ماذا سمعت عنكما؟
أجاب القديسان: "كل ما سمعت أيها الإمبراطور هو حق". فنظر نيرون ذو النفس الخبيثة شذراً إليهما وهم يشهدون للمسيح. وقال لهما: "أنكرا المسيح أم تفضلان أن تموتا ميتة شريرة؟" فرفع القديسان عيونهم نحو السماء وقالا: "لا تدع هذا يحدث أيها الملك المسيح أن ننكرك ونفصل أنفسنا عن إيمانك وعن محبتك!"
ثم استجوب نيرون النسوة قائلاً: "ما هى أسماؤكن؟". وكانت فوتيني أول واحدة تسلم نفسها. فتقدمت القديسة وأجابت: "لقد سُميت فوتيني بواسطة يسوع المسيح إلهي، وها هي أختي الأولى التي ولدت بعدى واسمها أناتولى. أختي الثانية فوتو، والثالثة فوتيس، والرابعة باراسكيفي، والخامسة كيرياكي. الأكبر في أولادي هو فيكتور الذي سماه الرب فوتينوس. ابني الثاني هو الذي معي ويدعى يوسى".
فقال نيرون لهم: "هل تعاهدتم جميعكم أن تتألموا من أجل الناصري وتموتوا من أجله؟"
أجابت القديسة فوتيني: "نعم كلنا نفرح ونسر أن نموت من أجل محبة ربنا".
فأمر الطاغية أن تُسحق مفاصل أصابعهم بكرات حديدية. فقبضوا على القديسين وأحضروهم إلى ساحة التعذيب. ولما وضعوا أيديهم على السندان كان صوت الطرقات مسموعاً. واستمر هذا من الساعة الثالثة في النهار إلى الساعة السادسة. وبذلك كانت أيديهم تُضرب لمدة ثلاث ساعات. ولكن لم يشعر الشهداء بهذه العقوبات أبداً بل ولم تتمزق أياديهم نتيجة الضرب.
ولما علم نيرون أن العقوبة لم تؤثر فيهم ارتعش من هذه الظاهرة الغريبة. وحينئذ حكم بقطع أيدي الشهداء. وفي الحال قبض الجلادون على فوتيني وربطوا يديها. ثم وضعوا يديها على السندان وبدأوا يضربون بالسكاكين. وكانوا يكررون هذا مرات عديدة ولكنهم أبداً لم يقدروا على قطع اليد. كانوا يضربون ضربات عنيفة وعديدة حتى سقطوا من الإعياء على الأرض كموتى. وإذ بقيت القديسة بلا أذى قدمت الشكر لله قائلة: "الرب لي فلا أخاف ماذا يصنع بي الإنسان" (مزمور 118 : 6).
ارتبك الإمبراطور وفكر فيما عسى أن يفعل حتى يغلب الشهداء ويرجعهم إلى طريقة تفكيره. فأمر بوضع الرجال في سجن مظلم. وبإرسال فوتيني وأخواتها الخمس إلى حجرة ذهبية فخمة. وفي داخل الحجرة وضعت مائدة ذهبية وسبع عروش ذهبية وأدوات ذهبية وملونة للزينة وملابس …
بعد ذلك ألزم نيرون ابنته دومنينا أن تدخل الحجرة مع جواريها وتنضم إلى جماعة المسيحيين. لقد ظن ذلك الرجل أنه سيجعلهم يغيرون رأيهم بواسطة هذه المخادعات. كما وعد القديسات أيضاً أنهم إذا أنكروا المسيح سيكن مفضلات جداً وينلن مجداً وكرامة. بالإضافة إلى امتلاك كل ما بالحجرة وأكثر منه. ولكن هذا المحتال كان هو نفسه مخدوعاً لأن القديسات أصحاب الفكر السماوي احتقرن كل هذه الهدايا مثل النفاية، ولم يردن حتى أن يلمحنها ببصرهن.
ولما رأت القديسة فوتيني دومنينا قالت: "افرحي يا عروس سيدي".
أجابت دومنينا: "افرحي أنت أيضاً يا سيدتي يا مصباح المسيح"
فرحت جداً القديسة فوتيني حين سمعت دومنينا تصرح باسم المسيح، فشكرت الرب محتضنة إياها وقبلتها. حينئذ علمتها الإيمان وتعمدت مع جواريها المائة والخمسون. وأعطت دومنينا اسماً جديداً هو أنثوسا.
ثم أمرت أنثوسا المباركة رئيسة خادماتها التى تدعى ستيفانيدا أن توزع كل الحلى الذهبية والنقود التى في الحجرة الذهبية على الفقراء.
وعندما علم نيرون بهذا تنهد بسخط من أعماق قلبه. وحالاً أمر عبيده بإيقاد أتوناً لمدة سبعة أيام، ثم يضعوا فوتيني وكل من معها في الأتون ويتركوهم ثلاثة أيام.
بعد مرور ثلاثة أيام افترض الطاغية أن النار أكلت المسيحيين لذا أمر رجاله بفتح الأتون وإذا وجدوا عظام الشهداء باقية فليلقوها في النهر. فتح الجنود الأتون ووجدوا القديسين أصحاء بلا أذى، مُسبحين وممجدين الله. هذا المنظر غير العادي أذهل الواقفين. وتعجبوا كيف أن النار لم تمس المسيحيين. وبالرغم من أن كل من سمع ورأي هذا الأمر الغير طبيعي والمعجزي كانوا مندهشين للغاية إلا أنهم مجدوا الله.
ولما أبلغوا الطاغية بالمعجزة أمر بأن يجعلوا المسيحيين يشربوا سماً مميتاً. واستدعى لامباديوس الساحر الذي كان يحضِّر مثل هذه الجرعات. أعطى لامباديوس السم أولاً لفوتيني، فأخذت الشراب السام في يديها. وقالت للساقي: "نحن لا يجب علينا أبداً أن نمسك بأيدينا ما أعددته ولا يجب أن نشرب منه لأنك غير طاهر، ولكن لكي تعلم أيها الإمبراطور ويعلم هذا الساحر قوة مسيحي فأنا أشرب هذا أمام الجميع؛ باسم سيدنا يسوع المسيح إلهنا. وبعد ذلك أجعل الباقيين معي يشتركوا في الشراب". وشربت السم وكذلك شرب جميع الشهداء. وبمعونة الله بقوا جميعاً بلا أي أثر سيء كما لو أنهم لم يشربوا شيئاً. دهش الساحر لهذه الظاهرة، والتفت إلى القديسة فوتيني وقال: "لقد اخترعت سماً آخر أقوى إذا شربتيه ولم تموتي في الحال أنا أيضاً سوف أؤمن بإلهك".
أحضر لامباديوس الجرعة؛ وشرب منها الجميع. فلم يصب أي أحد من مجاهدي المسيح بأي أذى. ولما رأي الساحر ما حدث بقى ذاهلاً وساكتاً. ولما أفاق إلى نفسه جمع في الحال كل كتب السحر وألقاها في النار. وإذ آمن بالمسيح اعتمد وأُعطى اسماً جديداً هو ثيئوكليتوس.
ولما علم نيرون أن الساحر اعترف بالمسيح، أمر عساكره بالقبض عليه. فأخذوا ثيئوكليتوس من وسط الشهداء المسيحيين وأخرجوه خارج أسوار روما حيث قطعوا رأسه بالسيف. وبهذه الطريقة نال ثيئوكليتوس المبارك إكليل الشهادة قبل الآخرين.
ثم أمر نيرون كاسر الناموس، رجاله أن يقطعوا أوصال (أوتار عضلات) القديسين مبتدئين بالقديسة فوتيني. وعندما حاول الجنود أن ينفذوا هذه المهمة الشيطانية، ازدرى المسيحيون بالإمبراطور واحتقروا آلهته كآلهة بلا قوة. ولما لاحظ الإمبراطور أن هذه العذابات لم تفسد روحهم المعنوية، أمر هذا الطاغية القاسي أن يصبوا رصاصاً سائلاً ممزوجاً مع كبريت بعد غليهم في أفواه المجاهدة فوتيني. وأما الباقيين فصبوا هذا المزيج على ظهورهم.
بعد أن نفذ خدامه الأوامر الإمبراطورية صرخ الشهداء بصوت واحد: "إننا نشكرك أيها المسيح إلهنا أنك رطبت قلوبنا بالرصاص المغلي كما لو كانت قلوبنا عطشة جداً". صُعق نيرون عند سماع هذا التصريح. ولذلك أمر بأن يعلقوا المسيحيين ويجلدوهم دون أي اعتبار. ثم بعد ذلك يحرقوهم بالمشاعل. ومع هذا كلما عذب الوثنيون المسيحيين كلما تقوى هؤلاء المباركون بالنعمة الإلهية وأعطوا الشكر لله. أما ذلك الشقي الأحمق أي نيرون فقد تخيل أنه يمكن أن يتغلب على الشهداء بالتعذيب فأمر الجلادين أن يمزجوا رماداً بخل وأن يصبوا هذا المزيج الحامض اللاسع في أنف الشهداء. أثناء هذا أعلن الشهداء أنهم اشتموا رائحة أحلى عسل وشمع العسل. ولما بلغوا الطاغية بهذا الأمر غضب جداً وأمر الجلادين أن يفقدوهم أبصارهم. وبعد هذا أن يغلقوا عليهم في سجن مظلم وقذر مملوء بالثعابين السامة.
بعد أن حدث هذا سبح القديسون الله ومجدوه. حينئذ ماتت الثعابين. والسجن ذو الرائحة النتنة فاض بعبير لا يقارن بشيء. تحولت الظلمة إلى نور ساطع ووقف الرب وسط القديسين قائلاً: "سلام لكم". ثم أخذ المخلص يد فوتيني وأقامها قائلاً: "افرحي دائماً لأنّي معك كل أيام حياتك". وفي الحال عاد البصر إلى عيون الشهداء على كلمة الرب. وإذ رأوا الرب أمامهم سجدوا له. وباركهم الرب قائلاً: "كونوا شجعان وأقوياء". وبينما كان الرب صاعداً إلى السماء سقطت جروح الشهداء مثل قشور واستعادوا صحتهم.
في هذه الأثناء حكم نيرون ـ كاره الله ـ على الشهداء أن يُتركوا في السجن ثلاث سنوات حتى تضعف قواهم. وقد حكم عليهم بمثل هذه العقوبة حتى يعرضهم لكل أنواع الشدائد والآلام قاصداً لهم ميتة رهيبة.
بعد مرور ثلاث سنوات أمر الإمبراطور بإخراج أحد خدامه الذي كان في السجن وأن يعدموه بالسيف. وإذ لاحظ الذين ذهبوا لينفذوا الأمر أن المسيحيين أصحاء، ذكروا هذا لنيرون. وقدموا تقريراً بأن "الجليليين" الذين أفقدوهم البصر قبلاً الآن يبصرون وبصحة جيدة. وأعلموه أن الجب الذي كانوا فيه مملوء بالنور ويفوح منه عبير لا يوصف. ثم وصفوا له أن السجن قد تحول إلى غرفة مقدسة حيث تمجد إله المسيحيين في المسيحيين. في الحقيقة أسرعت الجموع إلى السجن حيث آمنوا بإله المسيحيين واعتمدوا.
فقد نيرون عقله عند سماع هذا التقرير وأرسل جنوده ليحضروا القديسين أمامه. وإذ وقفت القديسة فوتيني وعائلتها أمامه قال لهم: "ألم أوصيكم ألا تبشروا باسم المسيح؟ كيف أنكم تنادون به في السجن؟ بسبب هذا سوف تعذبون بعقوبات كثيرة". أجاب القديسون: "افعل ما تشتهى. نحن لا نريد أن نكف عن التبشير بربنا يسوع المسيح كإله حقيقي وخالق الكل".
أشعل هذا غضب الإمبراطور حتى إنه حكم بصلب القديسين منكسي الرؤوس. وأمر بتمشيط أجسادهم لمدة ثلاثة أيام حتى تنحل أعصابهم. بعدما نفذ الجلادون الوحشيون البربريون هذا الحكم تركوا القديسين معلقين على صلبانهم أربعة أيام أخرى تحت الحراسة. ثم عادوا لينظروا إن كان المسيحيون مازالوا أحياء. ولما نظروا المسجونين مصلوبين؛ فجأة فقد الحراس أبصارهم. ونزل ملاك من السماء وفك القديسين وأنزلهم من على الصلبان. وبعد أن أعطى التحية لشهداء المسيح شفاهم من كل ما أصابهم. ولكن القديسة فوتيني أشفقت على الجنود العميان. ونطقت بصلاة للرب من أجلهم وفي الحال عاد إليهم البصر، فآمنوا بالمسيح واعتمدوا. لم يمض وقت طويل حتى أعلموا نيرون بهذه الحادثة. فأمر بسلخ جلد المباركة فوتيني. وبينما هم يقومون بهذا رنمت القديسة: "يا رب قد اختبرتني وعرفتني" (مزمور 139 : 1). ولما سلخوا جلد هذه الشهيدة العظيمة طرحوها في بئر جاف ورموا جلدها في النهر.
أما باقي الشهداء الرجال أي سيباستيانوس وفوتينوس ويوسى فقد أمسكوهم وقطعوا أعضاءهم التناسلية ورموها للكلاب. بعد ذلك سلخوا جلدهم ورموه في النهر. ثم حبسوهم في حمام قديم. أما الأخوات الخمسة: أناتولى وفوتو وفوتيس وبارسكيفي وكيرياكى فقد أحضروهن أمام نيرون. فأمر بقطع ثديي كل واحدة منهن ثم سلخهن. ولكن لما أتى رجال الإمبراطور ليسلخوا جلد القديسة فوتيس لم تدع أحد من الرجال يمسكها. وقامت بنفسها بسلخ جلدها بشجاعة وجرأة حتى أن الطاغية ذهل من هذه النفس الثابتة العزم.
حينئذ أمر ذاك الرجل ذو القلب الشرير الأسود بعقوبات مميتة ومفجعة على فوتيس. فأمر بربط قمة شجرتين في حديقته بالحبال وأن يميلوهما حتى يربطوا المباركة فوتيس بهما. ولما قطعوا الحبال انشقت مجاهدة المسيح فوتيس إلى نصفين وعند هذا أسلمت نفسها المقدسة في يدي الله. ثم أمر ذلك النجس نيرون بقطع رؤوس كل القديسين الآخرين ما عدا فوتيني.
ثم رفعوا فوتيني المباركة من البئر وطرحوها في السجن إلا أنها حزنت لأنها لم تحظ بإكليل الشهادة مع الآخرين. ولأنها اشتهت أن تشابه المسيح في الطاعة والألم تضرعت إلى الله من أجل هذه الورطة. فظهر لها ملاك الرب ورشمها ثلاث مرات بعلامة الصليب المكرم والمحيي، وشفي كل جراحاتها. وبعد بضعة أيام بينما كانت القديسة فوتيني تسبح وتبارك الله أسلمت نفسها الغالية في يديه. وهكذا انتقلت مع كل رفقاءها المجاهدين إلى الله المشتهى جداً ونالوا ملكوته السماوي. فلنكن نحن أيضاً مستحقين أن ننال صلواتهم. أمين.
2024-12-15
15-12-2024 كلمة البطريرك يوحنا…
2024-12-16
البطريرك يوحنا العاشر يستقبل…
2024-12-18
اجتماع البطاركة ورؤساء الطوائف…
2024-12-18
دليل الكرسيّ الأنطاكي ٢٠٢٥
2024-12-20
الرسالة الرعائية ميلاد 2024