جلسات حواريّة في العلاقات الإسلاميّة المسيحيّة



جلسات حواريّة في العلاقات الإسلاميّة المسيحيّة والرعاية الاجتماعيّة وبيان الحاضر والرجاء المنتظر... ضمن جلسات المجمع الأنطاكيّ المقدّس
البلمند، 10 تشرين الأوّل 2025

بدأ اليوم الرابع بمتابعة الجلسات الحواريّة التي أدارتها الإعلاميّة زينة يازجي. وكان المحور الأوّل من هذه الجلسات بعنوان "العلاقات الإسلاميّة المسيحيّة"، والذي تحدّث فيه: أمين عام اللجنة الوطنيّة الإسلاميّة المسيحيّة للحوار في لبنان د. محمد السمّاك، وعضو المجلس الاستشاريّ النسائيّ السوريّ السيّدة أسماء كفتارو، والأكاديميّ المتخصّص في الفلسفة والدراسات الإسلاميّة البروفسور جورج تامر.
أكّد المتحدّثون على أنّنا في الشرق نعيش كأمّة واحدة متعدّدة الأديان والأعراق والمذاهب، ودعوا إلى أن العيش المشترك، أو السلم الأهليّ كما يسمى أيضاً، لا يجب أن يفهم على أنه مصطلح نظريّ نستخدمه في بعض النقاشات، بل قيمة حيّة تسمح لنا بالتعبير عن وحدة إرادتنا وتنوّع هوياتنا. كذلك أوضح المتحدّثون أنّ المسيحيّين جزء أصيل من النسيج الوطنيّ. لذا يجب مواجهة خطاب الإقصاء بخطاب كنسيّ منفتح وبنَّاء يطلق مبادرات عمليّة من لقاءات وحوارات مشتركة في قضايا الشأن العام، وذلك لإبراز البعد التاريخيّ لهذا العيش المشترك كضمانة للاستقرار الاجتماعيّ والوطنيّ من جهة، والأهميّة الكبرى للدور المسيحيّ الأرثوذكسيّ في بناء جسور الثقة والتفاهم في المجتمعات المتنوّعة دينياً وإثنياً من جهة أخرى.
أما المحور الثاني فحمل عنوان "الرعاية الاجتماعيّة في زمن الأزمات"، وتحدّث فيه مدير دائرة العلاقات المسكونيّة والتنمية في البطريركية (GOPA-DERD) قدس الأرشمندريت ملاتيوس شطاحي، والمساعدة الاجتماعيّة دوريس بندلي أنطون، ورئيسة بعثة (Norwegian Church Aid) في سوريا ولبنان السيّدة ربى خوري.
أشارت المداخلات إلى أنّه في زمن الأزمات تبقى الكنيسة أقرب إلى الناس، لأنّها تلتفت إلى كلّ احتياجاتهم النفسيّة والماديّة، وتُكافِلُ لأجل ذلك كلَّ الجهود الممكنة في الداخل والخارج. هذا الدور الإغاثيّ الذي تقوم به الكنيسة هو ليس مجرّد عمل دُعِيَتْ إليه من خلال الاحتياجات الطارئة، بل هو تطبيق عمليّ لرؤيتها نحو الآخر، كائن من كان هذا الآخر. وبالتالي هو تحقيق لهويّتها الحياديّة التي لا تميّز لوناً أو نسب. تاريخ كنيسة أنطاكية له الباع الطويل في تحقيق السلم الأهليّ من خلال الرعاية الاجتماعيّة التي تقدّمها الكنيسة لكلّ الناس، بالإضافة إلى الوعظ والكلام. وإذا كان من المحتمل أن تخطئ الكلمةُ مرَّة، فَفِعْلُ المحبَّةِ لا يمكن أن يخطئَ أبداً لأنه مبني على أخلاقيات الإنجيل.
تناولت الأحاديث والحوارات أيضًا تعدّد الحاجات الاجتماعيّة من صحة وتعليم إلى محاربة بطالة وحفاظ على تماسك الأسرة. كما وعرضت خبرات قائمة، كالمراكز الصحيّة الاجتماعيّة ومطابخ المحبّة وصناديق الدعم والمنح المدرسيّة، التي تقوم بخدمة العائلات في الداخل، بالإضافة إلى ربط العائلات التي تهجرت برعايانا الموجودة في الخارج للاهتمام بهم رعائياً.
وتحت عنوان "في بيان الحاضر والرجاء المنتظر: الكنيسة في زمن المحنة، أخطار، تحدّيات، ومناهج مجابهة وتحفيز" جاء المحور الثالث والأخير، والذي تحدّث فيه الأستاذ المحامي كارول سابا، موضحاً أن العالم اليوم، بشرقه وغربه، مصاب بالإرهاق السياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ وحتى الروحيّ. وهذا الإرهاق يخلق أخطاراً وتحدّياتٍ متشعِّبة، على الكنيسة أن تكون جاهزة لمجابهتها برؤية تنفيذيّة ومقترحات عمليّة تخرجها من معادلة التلقي والانكفاء إلى معادلة المباشرة والمبادرة. وما هذه الجلسات المجمعيّة، ودعوة بعض الاختصاصيين للتكلّم فيها، واستقبال بعض الضيوف المشاركين فيها، إلا مبادرة حكيمة من قبل صاحب الغبطة البطريرك يوحنّا العاشر تحقّق هذه الرؤية وتنسج الخيط الأوّل من شبكة أمان كنسية تجمع الكنيسة برعاتها وأبنائها للتشاور وتبادل الخبرات.
إن كنيسة أنطاكية الأرثوذكسيّة هي المرشح الأوّل للقيام بهذا الدور الجامع لأنّها هي الكنيسة الأقدم التي بنيت على أساس التعددية فجمعت الكلّ تحت جناحيها على اختلاف إثنياتهم وأعراقهم. ويتلّخص هذا الدور الجامع في نشر وعي اجتماعيّ منفتح على الآخر على غرار السامريّ الصالح، وبناء إنسان يحترم القيم والأخلاق التي تعلّمها الأديان. يجب أن يكون الكلّ على صفّ واحد حتى يستطيعوا أن يبنوا وطناً ديمقراطياً يعيش فيه الجميع بسلام وازدهار.

كافة صور الخبر.