كتاب الألم وجهة نظر أرثوذكسيّة

يقف الإنسان في حيرةٍ حينما يطلُّ عليه وجه الألم تحت أية صورة كانت هذه الإطلالة. في زوايا الحياة كلها يطل الألم بوجهه على غير ترحابٍ من الإنسان. يراه البعض قبيحًا كريهًا ومدعاة لكرهِ الحياة ذاتها، في حين يتطلع إليه آخرون على أنه يد الله الممدودة نحوهم لتمسح الغشاوة عن بطلان الحياة وواقعيتها وتفضح هشاشة السعادة الإنسانية القائمة على المادة.

وتحت هذه الرؤية أو تلك لم يعرف هذا العالمُ إنسانًا لم يدنو منه الألم بشكلٍ ما أو بطريقةٍ ما، على نحو كبير أو صغير فالأمر سيّان. وبالنتيجة لا ينفكّ الإنسان يتساءل عن جدوى الألم ومعناه الوجودي في حياته. لا يزال السؤال عن جدوى وجود الألم يحيّر الإنسان حتى يومنا هذا. ولربّما يتردد صدى السؤال في عصرنا هذا أكثر من أيّ وقتٍ مضى بسبب قدرة الإنسان تحت مساعدة وسائط الإعلام المختلفة أن يشاهد كمَّ الألم المتواجد في هذا العالم الذي نحيا .

وضمن هذا البحث عن مغزى الألم وكيف يمكن للإنسان أن يقرأ وجوده في حياته بشكلٍ صحيح وروحيّ بنّاء، تأتي خبرة المطوّب الذّكر الشيخ سمعان (سيميون) الأب الروحيّ لدير ميلاد العذراء في هذا الكتاب لتضع الموضوع في مكانه الصحيح وتكشف الستار عن بعض أهمّ الأسس المسيحية التي تساعد على فهم هذا الضيف الثقيل في حياة الإنسان والمرافق لحياته في الدنيا .

بهذا الشكل تكون ترجمة هذا العمل من جهةٍ، تعبيرًا عن مرافقة متواضعة لكل إنسان يتألم في هذا العالم ولكلّ نفسٍ تحتاج أن ترى الفرح في عمق البؤس الذي يحيط بظروف الحياة البشرية. ومن جهة أخرى تصبح دعوةً إلى استعمال حسَن لكلّ ما يشبه شوكة بولس الرسول التي رافقته في حياته، ولأجلها كلّمهُ الربُّ قائلاً: "تكفيك نعمتي، لأنّ قوتي في الضعف تكمل" (2 كو 9:12)، وعلى هذا النحو عسى أن يصير الربُّ الكفاية والسلام والراحة في عمق المحنة.

للربّ المجد على كلّ شيء ...

تسالونيك ٢٠٢٣

الأب يوحنا بدّور