يوحنا العاشر يترأس قدّاسًا مهيبًا في بولونيا



2016-08-19

Q2نحن لسنا أقليّة في بلادنا ونرفض أن نسمّى أقليّة لأن منطق المواطنة لا يعرف فكر الأقليّات والأكثريات. (يوحنا العاشر)

 

يوحنا العاشر يترأس قدّاسًا مهيبًا في بولونيا ١٩ آب ٢٠١٦

بحضور شعبي مهيب بعشرات الآلاف من المؤمنين الذين غصت بهم ساحات دير وغابات وكنيسة جبل كراباركا في بولونيا، أقام بطريرك أنطاكية وسائر المشرق يوحنا العاشر غروب وقدّاس عيد التجلي وفقًا للتقويم الكنسي القديم في دير القدّيستين مرتا وماريا في كرباركا-بولونيا. وشاركه في الخدمة غبطة المتروبوليت سابا، متروبوليت وارسو وسائر بولونيا ورؤساء كهنة من الكنيسة البولونية واليونانية والروسية. وشارك من الجانب الأنطاكي المطران سلوان اونر (بريطانيا) والأسقف كوستا كيال والآباء الكهنة والشمامسة.

في القدّاس الإلهيّ الذي تليت فيه الصلوات بالبولونية والعربية وبعد الإنجيل، ألقى غبطة المتروبوليت سابا كلمة رحّب بها بغبطة البطريرك والوفد المرافق ونوّه فيها بكنيسة أنطاكية التي تعيش إنجيلها في أقسى الظروف وتقاسي بالدرجة الأولى تبعات الحروب خطفاً ودماراً وإرهاباً. وشدّد على عمق العلاقة التي تربط الكنيستين البولونية والأنطاكية مؤكداً على عراقة الإيمان الأنطاكي ومنوهاً أن تلاميذ المسيح تسموا أولاً بلقب مسيحيين في كنيسة أنطاكية.

159

من جهته عبّر البطريرك يوحنا عن شكره لغبطة المتروبوليت وألقى عظة نقل فيها صورة واضحة وجلية عما يجري في الشرق وفي سوريا بالتحديد وجاء فيها:
     " نحن هنا لننقل آلام إنسان المشرق. منذ أكثر من خمس سنوات، وما يحصل في سوريا وفي الشرق عموماً هو تزيّيف لماضي وصورة ذاك الشرق الذي منه يخرج النور. 
     ومنذ خمس سنوات وكنيسة أنطاكية كما غيرها تدفع ضريبة غالية لما يجري. آن للعالم أن يستفيق من سباته ويحفظ ما تبقى من سلام في أرض المشرق.
     منذ خمس سنوات ونحن كمسيحيين ندفع من أرواح أبنائنا ومن حياتهم ضريبة الدم في ساحات الحرب.

     لقد رأينا من الفظائع ما لم تره عين. ومع ذلك فإن قوةً في هذه الدنيا لن تنتزعنا من أرضنا ولن تنتزع من فكرنا يوماً أننا كمسيحيين قطعةٌ من قلب تلك الأرض وهي منا القلب والكيان. قاسينا ونقاسي إلى يومنا التهجير والتشريد الحصار الاقتصادي الخانق وهز سيادة الدول والتكفير والإرهاب والعنف  والدمار والخطف والقتل وهدم المعالم الدينية والحضارية وسط تفرج العالم وتغنيه بشعارات زائفة.

     ما يجري في الشرق هو إرهاب مستثمَر بكافة الطرق.
     ما يجري هو تطرف بدأت نتائجه تظهر إلى العيان في كل بقاع العالم.
     ما يجري هو استثمار لمحاربة الإرهاب وسوق تصريف للسلاح بكل أنواعه.
   
     ورسالتنا اليوم إلى العالم كله أوقفوا سرطان الفتنة والتكفير والإرهاب قبل أن يتفشى في العالم. نحن لسنا أقلية في بلادنا ونرفض أن نسمى أقلية لأن منطق المواطنة لا يعرف فكر الأقليات والأكثريات. وهذا الإرهاب لم يوفر لا مسجداً ولا كنيسةً ولا مؤسسات دولة ولا عمالاً ولا جيشاً ولا شيخاً ولا كاهناً ولا مطراناً.

     ولعل ملف مطراني حلب للروم الأرثوذكس والسريان الأرثوذكس بولس يازجي ويوحنا ابراهيم والآباء الكهنة المخطوفين منذ أكثر من ثلاث سنوات وسط سكوت العالم، يختزل شيئاً من معاناة كنيسة أنطاكية بكل أبنائها.

     من حق شعبنا أن يعيش بأمان، ومن حقّه أيضاً أن تكون له مصالحه وسط مصالح الكبار. والأجدر بمن يرق قلبه من حكومات وغيرها ويسعى إلى استقبال المهجرين، أن يسعى وبكل ومن دون كلل ولا مواربة أن يغرس السلام في المشرق. والسلام لا يكون بالتجويع والحظر التجاري والطبي وبالحصار الاقتصادي الخارجي الخانق بل في تهيئة أسس السلام والحل السياسي السلمي واعتماد الحوار سبيلاً أوحدَ للخروج من أزمة طالت.
     من وسط ضيقها، أرادت كنيسة أنطاكية أن تكون معكم اليوم. وهي كانت وتبقى أبداً في قلب الكنيسة الأرثوذكسية وفي قلب روحها المجمعية.

     ويهمّها أن تؤكّد دوماً وأبداً أنها قلب المسيحية في الشرق الأوسط ومؤتمنة بالدرجة الأولى على روح مجمعية ورثتها من ألفي عام. إن أول ما يتوقف عنده المرء في كنيستكم، يا صاحب الغبطة، وفي كل كنائس أوروبا الشرقية هو الدور المناط بها في مد جسور التواصل بين الأرثوذكس والكاثوليك وذلك بعيداً عن كل اقتناص وبمعزلٍ عن كل فوقية بل بمنتهى الأخوة والمحبة التي نادانا ربنا دوماً لنظهرها فنظهر له تلاميذ. تماماً كما أن عوامل الجغرافية والتاريخ قد أناطت بكنيستنا الأنطاكية أن تكون جسر تواصل بين المسيحية عموماً والشرقية منها خصوصاً والعالم العربي والإسلامي.
     
    نحن كأرثوذكس مدعوون دوماً أن نبني جسور تواصل وجسور محبة وأخوة بأمانة للتراث والتقليد النقيين وبانفتاحٍ على المستقبل. ونحن اليوم نعتز إذ نعرف طيب العلاقة التي تربط كنيستكم الأرثوذكسية مع الكنيسة الكاثوليكية. ومن هنا أيضاً ستسمحون لي بالتوجه بكل المودة والاحترام، عبركم أيها الأخ الجليل، إلى كل الشعب البولوني.

     نسألكم الصلاة من أجل سلام سوريا واستقرار لبنان الذي يرزح تحت تداعيات ما يجري في هذا الشرق وتحت وطأة الفراغ الدستوري في سدة الرئاسة الأولى.
     نسألكم الصلاة من أجل الإنسان المنهك من تبعات الحروب ومن أجل أمن وخير المشرق والعالم أجمع".


وبعد القدّاس جرى التطواف التقليدي لعيد التجلي وامتاز هذا التطواف بمباركة الصليب الذي غرس إلى جانب كنيسة الدير على نية شعب كنيسة أنطاكية المتألم وعلى نية عودة السلام إلى ربوع سوريا واستقرار لبنان والمنطقة وخير الجميع. وخلال التطواف دعي البطريرك الأنطاكي لمباركة الصليب المغروس فباركه على نية سلام بلدان المنطقة وخير إنسانها.