معنى كلمة كلاب في الكتاب المقدّس

ليس حسناً أن يُؤخَذَ خبزُ البنينَ ويُلقى للكلابِ (متى ٢٦:١٥)


عبارة صادمة، ولكن لماذا استعملها الرّب يسوع المسيح وهو منبع المراحم وأبو الرأفات؟ ولماذا أصلًا خرج الرّب يسوعُ إلى نواحي صورَ وصيدا الكنعانيّتين إن كان فعلًا لا يريد الخلاص للجميع؟



500_F_46272506_0NwLkMA5YZRnXontM2EAzD8LfuzgAaQ1 إذًا هناك مغزى من هذا الجواب
:

١- «ليس حسنًا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب». هذا مثل يهودي شائع، وكان اليهود يستخدمون لفظ «الكلاب» دلالة على احتقارهم للأمم.
٢- كان اليهود يقسمون العالم قسمين:
٢١- اليهود وبنظرهم أنّهم شعب الله المختار.
٢٢- الكلاب وهم من ليسوا يهود، ويعتبرونهم نجاسة ويغسلون أي شيء تمتد إليه يد أممي ولا يأكلون معهم.

ملاحظة: حتى إنّهم يفرّقون فيما بين اليهود أي هناك العرق الصافي أي من زواج يهودي-يهودي وهم الموجودون في أورشليم، وهناك اليهود الخليط من زواج مختلط يهودي-أممي، وهناك يهود الشتات.

 

كلمة «كلب وكلاب» في الكتاب المقدّس:

تتكرّر كلمة «كلب» و «كلاب» كثيرًا في الكتاب المقدّس، إن في العهد القديم أو في العهد الجديد ولها مدلولاتها:

الأشرار:

- المزمور ٢٢: «لأنه قد أحاطت بي كلاب. جماعة من الأشرار اكتنفتني. ثقبوا يدي ورجلي(١٦)».
هذا المزمور يُدعى «أيلة الصبح» إذ يبدأ: «إلهي إلهي لماذا تركتني»(١) ويضع أمام نصب أعيننا صلب المسيح.
تعني هذه العبارة الشكينة أي السحابة المجيدة التي كانت تظهر وسط شعب الله، وتعنى النور الذي كان يظهر على تابوت العهد بين الكاروبين. ويراه رئيس الكهنة مرّة واحدة في السنة حينما يدخل إلى قدس الآقداس يوم الكفارة.

- المزمور ٥٩: «ويعودون عند المساء يهرون مثل الكلب ويدورون في المدينة. هم يتيهون للأكل إن لم يشبعوا ويبيتوا» (٦و١٤).
داود النبي يصرخ في هذا المزمور إلى الله ويصف أعدائه بالكلاب التي تبحث عن فريستها وطعامها، إذ كان محاصرًا من رجال الملك شاول. «أنقذني من أعدائي يا الهي. من مقاوميّ احمني. نجني من فاعلي الإثم ومن رجال الدماء خلصني. لأنهم يكمنون لنفسي».
نحن نقرأ هذا المزمور اليوم معتبرين أن الشيطان هو عدونا.

- الكلب يأكل ما يُرمى إليه (خر٣١:٢٢)، ونصيبهم دم الأعداء المهزومين (مز٢٣:٦٨) ولحوم الأموات (١مل ١١:١٤).
- أكلت الكلاب جثة إيزابل الملكة الشريرية (٢مل٩:١٠ و٣٥ و٣٦ انظر أيضًا ١مل١٦:١٤، إرميا ١٥:٣)، وكان من أسوأ ما يمكن أن يصيب إنسانًا هو أن تأكل جثتّه الكلاب·

 

الرجاسة:
- وكانت الشريعة الموسوية تعتبره نجساً، لانه لا يجتر ولا يشق ظلفًا (لا١:١١-٨)·
- «لا تدخل أجرة زانية ولا ثمن كلب إلى بيت الرّب إلهك عن نذر ما، لأنّهما كليهما رجس لدى الرّب إلهك» (تث١٨:٢٣).

 

الأمانة:
Canaanite_Woman-3- الكلب الحارس الأمين للغنم: أيّوب وثق بالكلاب أكثر من بعض الناس.«أمّا الآن فقد ضحك عليّ أصاغري أيّامًا الذين كنت أستنكف من أن اجعل أباءهم مع كلاب غنمي»(أيوب١:٣٠).

- تجلس مع الإنسان: «الكلاب تجلس تحت المائدة تأكل من فتات البنين»(مر٢٨:٧).

- تلحس قروح المتروكين والمعوزين: «كانت الكلاب تأتي وتلحس قروحه (ليعازر)» (لوقا٢١:١٦).


تدنيس لما هو مقدّس:
- لا تعطوا القدس (αγίων) للكلاب:(متى٦:٧). أي لا تعطوا القدسات لمن لا يعرف قيمتها.

 

تزوير كلمة الله:
- «أنظروا الكلاب. أنظروا فعلة الشر. أنظروا القطع»(فيل ٢:٣). وهم الذين يأتون بتعاليم كاذبة.

 

العائد إلى خطاياه:
- «قد أصابهم ما في المثل الصادق كلب قد عاد إلى قيئه» (٢بط٢٢:٢).
يذكر بطرس الرسول هنا ما أتى في سفر الأمثال (١١:٢٦) وهو أن «الجاهل يُعيد حماقته» ويطبّقه على الذين عرفوا الرّب وخلاصه وتحرّروا من خطاياهم، ومن ثم عادوا إلى ما كانوا أبشع عليه.

 

عدم الحماية:
- «مراقبوه عمي كلهم لا يعرفون كلهم كلاب بكم لا تقدر أن تنبح حالمون مضطجعون محبو النوم. والكلاب شرهة لا تعرف الشبع وهم رعاة لا يعرفون الفهم التفتوا جميعا إلى طرقهم كل واحد إلى الربح عن أقصى»(إشعياء ٩:٥٦-١٢).

فلا سلام ولا أمان خارج كلمة الله وسيتعرّض لهجمات الوحوش أي الشياطين، ولا حتّى من ينذره لأنّ حرّاسه ومعلّميه ورعاته عديمي البصيرة لا يروا النور، وبكم لا ينطقون بالحق، وأموات لا حياة روحيّة فيهم.

 

يوضع خارج أبواب المدينة المقدّسة أي خارج الملكوت:
- «لأن خارجًا الكلاب والسحرة والزناة والقتلة وعبدة الاوثان وكلّ من يحب ويصنع كذبًا» (رؤيا ١٥:٢٢)·

المقصود هنا كلّ من يفعل الشر.

 

نهايةً، صورة الحقارة والنجاسة بقيت هي الغالبة للكلاب في الكتاب المقدّس، ولعلّ ما قاله حزائيل لاليشع النبي عندما جاء النبي إلى دمشق وكان الله قد كشف له ما سيقوم به حزائيل نفسه من خراب وسفك ودماء عندما سيملك من بعد بنهدد ملك أرام الذي كان مريضًا، يلخّص ما كان المقصود بكلمة كلب في أغلبيّة الأسفار المقدّسة:“من هو عبدك الكلب، حتى يفعل هذا الأمر العظيم؟” (٢مل٨:١٣)· أي من هو هذا المحتقر النجس.

 

خلاصة ومغزى

شفاء المسيح لإبنة الكنعانيّة كان شفاءً لليهود والأمم معًا. فإذا كان الكنعانيون ملعونون بحسب التفسير اليهودي، ها اليوم الرّب يسوع في وسطهم ويشفي مرضاهم. 

نقرأ في سفر التكوين أن نوح لعن كنعان «ملعون كنعان، عبد العبيد يكون لإخوته» (التكوين ٢٥:٩)، واللعنة عند اليهود تمّتد إلى كلّ ذريّة الملعون. (أبنائهم سدوم وعمورة ومارسوا الشذوذ الجنسي - عبدوا آلهة كثيرة - كثر عندهم العهر...)، ولكن المسيح هو مزيل كلّ لعنة التي هي الخطيئة.

الله تجسّد لخلاص كل الشعوب وغيّر كلّ المفاهيم الضيّقة لنكون جميعنا شعبًا واحدًا للرّب،