نحن نحتاج اليوم أفعالاً حسيةً وملموسةً لا أقوالاً



2013-12-05

في غمرة المصائب المُحيطة بسوريا ووسط هذا النزيف البشري الذي يطال شعبنا، ووسط الغموض الذي لا يزال يكتنف مصير مطرانينا يوحنا وبولس في حلب، تلقت بطريركية أنطاكية وسائر المشرق، وببالغ الألم نبأ احتجاز بناتها، راهبات ويتامى دير القديسة تقلا في معلولا يوم الاثنين 2 كانون الأول 2013 ونقلِهنّ إلى يبرود. ونظراً لأن المحاولات الأولى لإطلاق بناتنا المحتجزات، لم تفض إلى نتيجةٍ مرجوةٍ، فإنّ بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس تناشد المجتمع الدولي وكل الحكومات للتدخل وبذل الجهود لإطلاقهن سالمات، كما تناشد ضمير الإنسانية كلها وتستصرخ جذوة الضمير الحي التي بَذرها الخالق تعالى في نفوس عباد الله كلهم، بمن فيهم الخاطفين، لإطلاق أخواتنا الراهبات وبنات الميتم. نداؤنا إلى المجتمع الدولي: نحن، ومع شكرنا لكل مشاعر التضامن، لم نعُد نحتاج شجباً أو إدانةً أو استنكاراً أو "شعوراً بالقلق" لما يجري من تعدٍ على كرامة الإنسان، لأن كل ذلك محفورٌ في ضمير كلٍّ منا، بل نحن نحتاج اليوم أفعالاً حسيةً وملموسةً لا أقوالاً. نحن لا نريد من أصحاب القرار، إقليمياً كان أو دولياً، أصوات استنكار بل جهوداً وضغوطاً وأفعالاً تفضي إلى إطلاق من كان ذنبهن الوحيد التشبث بديرهن ورفض مغادرته.

ونكرر من جديد نداءنا من أجل وقف منطق الصراع في سوريا واستبداله بمنطق الحوار السلمي وعدم استخدام التسويف في البدء في الحوار لكسب مغانمَ على الأرض، لأن سوريا تنزف ونزيفها نزيفُ قلبنا. وليعلم الجميع أن قطرة دم إنسانٍ بريء تراق على وجه هذه الأرض أقدس وأغلى من كل شعارات العالم. وليفهم الجميع أن أجراس كنائسنا، نحن مسيحيي المشرق، التي عُلقت وقُرعت من غابر الأيام ستظل تُقرع وتسمع صوت محبتنا وسلامنا للآخر، على اختلاف دينه، إلى الدنيا برمتها. وإنّ قساوة الأيام الحاضرة لن تجتثنا من أرضنا، لأنها كياننا وكُنْهُنا وقطعةٌ من قلبنا.

ونظراً للظرف القائم المستجدّ المتمثل باحتجاز أخواتنا، الراهبات وبنات ميتم معلولا، نعلن بكل أسفٍ تعليق زيارتنا البطريركية الرعوية والرسمية لأبنائنا ورعايانا في دول الخليج العربي، والتي كانت مقرّرةً بين السادس والسابعَ عشر من كانون الأول 2013، وعودتَنا إلى دمشق لنتابع عن كثبٍ كافة الجهود والاتصالات المتعلقة بالحادث الأخير. ومن هنا أوجه تحيةً لكل أبنائنا في تلك الديار ولكل الذين تعبوا في الإعداد لبرنامج الزيارة المذكورة آملاً أن تكون زيارتي لهم في أقرب فرصة. وأنتم يا أبناءنا في الخليج، يا من كنت بشوقٍ كبيرٍ للقيا وجوهكم الطيبة والكريمة والمحببة على قلبي غداً، أعتذر من محبّتكم جميعاً على تعليق هذه الزيارة بعد أن كنتم قد قمتم بكافة الترتيبات لإنجاحها، وأدعو لكم بالصحة والبركة والتوفيق.

حمى الله سوريا ولبنان والمشرقَ وإنسانَ هذا المشرق، والشكرُ لوسائل الإعلام التي أسمعَت وجع أنطاكية ورجاء أنطاكية للعالم كله.