االرسالة الميلاديّة -أبرشية بوينس آيرس وسائر…



2015-12-24

رسالة ملاك بوينس آيرس، المتروبوليت سلوان، في عيد الميلاد ٢٠١٥

 
الـسلام المفـقود والمنـشود
"ما جئت لألقي سلاماً، بل سيفاً" (متى 10، 34)
 
في عيد التجسّد الإلهيّ، نحتفل بتحقيق ما جاء على لسان إشعياء النبي: "لأنّه يولد لنا ولد ونعطى ابناً... ويُدعى اسمه... رئيس السلام" (أش 9، 6). يحضرنا العيد والسلام مفقود هنا وثمّة. الناس في أشدّ التوق إلى السلام، وهم في سعي إليه، ولكن للأسف، بطرق خاطئة.

لا يسعني، في هذه الظروف المحليّة والعالميّة، سوى أن أستذكّر معكم صرخة ملاك حلب، صاحب السيادة المطران بولس، حول واقع السلام المفقود وطرق تحقيق السلام، والتي أطلق صيحتها في عظته الميلاديّة الأخيرة (غير المنشورة) عام 2012: "السلام هو الواقع السليم. عندما يتعكّر لأسباب خطايانا، أو مصالحنا، أو تديّن خطأ... تتعكّر الحالة السليمة، ولا نكون بسلام". 

وهو يعدّد الطرق الثلاث التي سلكها البشر عبر التاريخ لتحقيق السلام: الطريق الأوّل هو "طريق العنف" والحروب والسلاح الذي لا منتصر فيه، لأنّ الذي ربح حرباً خسر بشراً، بينما قيمة الانسان تسمو على أيّة مصلحة. 
أمّا الطريق الثاني فهو "طريق التحالفات" يغلب فيها القويّ على الضعيف دون أن يكون بإمكانها أن تضمن السلام، إذ سرعان ما ينهار السلام بانهيار هذه التحالفات. 

أمّا الطريق الأخير فهو طريق رسمها المسيح بقوله: "ما جئت لألقي سلاماً، بل سيفاً" (متى 10، 34). إنّه كلام غريب صادر عن "ملك السلام"، وبه يشير إلى "السلام المبنيّ على كلمة الحقّ"، "سيف الروح" (أف 6، 17)، وليس على تجمّع المقتدرين أو تسلّط الأقوياء. إنّه من ثمار الروح القدس (غل 5، 22)، يعطيه يسوع كما أشار في صلاته الوداعية: "سلامي أعطيكم، ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا" (يو 14، 27). 

ويختم صاحب السيادة أنّ السلام الحقيقيّ هو السلام المبنيّ على الفضائل المسيحيّة، ومنها المحبّة، والمسامحة، والتواضع، والبذل، التي بها نحقّق السلام. لأنّه "لا يمكن لأحد أن يصل إلى السلام على حساب الآخر". فالإنسان الآخر كريم في عين الله، ومصير أي خلاف ليس الصراع وإنّما الحوار للوصول إلى الحقيقة. والحقيقة تأتي بطاعتنا لكلمة الله، فكلمة الله هي السقف الأعلى الذي يفضّ كلّ خلاف، بها نهتدي وإليها نهدي.

رجائي من خلال الاحتكام إلى هذه الأقوال لأخينا المتروبوليت بولس، ليس فقط التذكير بحضوره الحيّ بيننا، إنّما أن أعطيه الكلام، كونه أحد ضحايا السلام المفقود، من جهة، ولأنّه ناطق أصيل بالنيابة عن إخوة له كثيرين يعيشون في جحيم الطريق الأول (العنف) وتحت وزر الطريق الثاني (التحالفات). رجائي الأخير أن تضيء مقاربته، كنور النجم الإلهيّ المعتلن من المشارق، مغارة واقعنا المعتمة، مرشدة الجميع إلى الطريق الثالث، إلى "رئيس السلام". 

وإن ظهر المولود طفلاً "مقمّطاً مضّجعاً في مذود" (لو 2، 12) لا حول له ولا قوّة، فإنّ هذا الضعف الظاهريّ لن يغيّر من قناعتنا وإيماننا بخصوص صحّة اختيار الطريق الثالث. وإذ نحن سائرون بإلهام النجم الإلهيّ، نحمل معنا هدايا للمولود في المغارة، تلك التي تكلّم عنها القديس يوحنّا الذهبيّ الفمّ، والتي تقرّبنا إلى قلب الكنيسة، أي "المعرفة والحكمة والمحبّة"، والتي من دونها يبقى السلام مشتهى أبداً وليس واقعاً حيّاً في عالمنا.

إذ أصافحكم في المسيح يسوع، أهنّئكم بعيدَي الميلاد المجيد والظهور الإلهيّ، مشاركاً إيّاكم في الصلاة من أجل السلام في بلادنا، أينما أقمنا، راجياً أن تشملوني مع أبناء كنيستنا في الأرجنتين بأدعيتكم المباركة.
 
+ سلوان
متروبوليت بوينس آيرس وسائر الأرجنتين